www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الشورى تختلف عن الديمقراطية/مصطفى إنشاصي

0

هذه المقالة أرسلت لصديق تعليقاً على مقالة منقولة نشرها، فطلب نشرها كما هي قبل قراءتها تواضعاً منه.

مصطفى إنشاصي

 

الشورى تختلف عن الديمقراطية
مصطفى إنشاصي
هذه المقالة أرسلت لصديق تعليقاً على مقالة منقولة نشرها، فطلب نشرها كما
هي قبل قراءتها تواضعاً منه.
حكم الشعب
كما نعلم أن كلمة الديمقراطية مشتقة من الكلمتين اللاتينيتين (حكم
الشعب)، وأن حكم الشعب في القانون الإغريقي اليوناني كان خاص بفئة قليلة
من المفترض أنهم عموم الشعب الإغريقي، ولكن النظام السائد آنذاك كان
يحرمهم حق المواطنة وحق التصويت في البرلمان إن جاز التعبير! فقد كان
النظام السائد آنذاك يقسم المجتمع إلى أربعة طبقات، تلك الطبقات التي كان
يتطلب انتقال أي شخص بينها أن يمر في مخاضات كثيرة ومعقدة، حتى يصل إلى
طبقة الأحرار أو المواطنة، الذين هم وحدهم فقط مَنْ يحق لهم الترشح
والانتخاب وممارسة الحكم. وذلك بحسب قوانين جمهورية أفلاطون الفاضلة،
التي يتغنى بها الفلاسفة ـ ولا أعلم على ماذا؟!
هذا الحق (حق الشعب في حكم نفسه بنفسه، أو أن الشعب هو مصدر السلطات) في
العهد الروماني اختزله الإمبراطور في نفسه، حيث أنه تم تفويضه بذلك الحق
وأصبح الإمبراطور هو مصدر السلطات بتفويض من الشعب، ومن هنا جاء أصل نظام
التفويض الإلهي، لأن الأباطرة كانوا يعتبروا أنصاف آلهة في تلك
المجتمعات.
الحقد الصليبي الغربي
أي أن النظام الديمقراطي الحالي له جذور في التاريخ الأوروبي، وذلك ما
جعل أولئك الغربيين المتعصبين الذي أعمتهم هزيمتهم في الحروب الصليبية عن
رؤية الحق، والاعتراف للمسلمين أهل الفضل عليهم في الخروج من ظلمات
عصورهم الوسطى، الذين بفضل علوم المسلمين تعرفوا إلى تاريخ الفلاسفة
اليونان والرومان العقيم، الذي لولا جهود العلماء المسلمين العلمية من
أمثال ابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم، لبقيت حبيس أقبيتهم ومغارات
جهلهم، وما فهموا منه شيء، ولكن الفلاسفة المسلمين هم الذين بعثوا في تلك
النصوص الجامدة العقيمة الروح، بما أدخلوه عليها من شروح، وترتيب وجدولة،
وجعلوا لها قيمة علمية وقابلية للقراءة والفهم.
وأحب أن أنوه إلى نقطة حتى لا يفهمني البعض خطأ، وهي: أن حديثي عن
النصرانية ونصارى الغرب لا يدخل ضمنها أشقائنا نصارى وطننا، الذين هم جزء
منا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، والذين منهم عيسى الغطاس أيام صلاح
الدين الأيوبي، ذلك البطل الذي لا يقل دوره عن دور أي فارس من المسلمين،
بل فاق الكثيرين بدوره وعمله الذي قام به، ولم يكن غيره ليقوم به. ذلك
البطل الذي اتخذ رئيس بلدية عكا الأسبوع الماضي قراراً بإزالة تمثاله من
أحد ميادين حيفا، وهذا ما يؤكد أن العداء اليهودي ـ الغربي يشمل إخواننا
نصارى وطننا ولا يقل عنا. أعود لإكمال الموضوع.
وليس مجال حديثنا أن نتتبع مصدر الحركة العلمية أو جذور ما يسمونه النهضة
الأوروبية، التي مصدرها احتكاك الغربيين أثناء الحروب الصليبية
بالمسلمين، واطلاعهم على ما كان عليه المسلمون من تقدم علمي، ومن حرية
للتعبير عن الرأي واحترام للإنسان كإنسان، ونظم الحكم المتقدمة عندهم
بفضل الإسلام وشريعته، ومن خلال طلبتهم الذين كانوا يرسلونهم إلى مراكز
الحضارة ومنارات العلم الإسلامية في جميع الوطن من مشرقه إلى مغربه
بالأندلس، وتعلمهم على أيدي المسلمين، وبفضل ملايين الكتب التي وقت في
أيديهم بعد سقوط إمارات الطوائف في الأندلس في أيديهم، فقد وقعوا على
ثروة هائلة من العلوم والمعارف كانت سبب تلك النهضة والتقدم العلمي الذي
هم عليه الآن، إلى درجة أن قال معها أحد المستشرقين والعلماء الغربيين
المنصفين: إن الحضارة الغربية تدين بكل شيء وصلت إليه إلى الحضارة
الإسلامية.
ولو أردنا أن تتبع كل نهضة أو تقدم حدث في الغرب في كل المجالات ونرده
إلى أصوله لوجدنا أن الغرب لا فضل له على أحد، ولكن الفضل يعود في تطوره
إلى علوم المسلمين، ولكنه كما قلت أن تعصبه وحقده الذي كان يثقل صدره في
الحروب  الصليبية جعله لا يعتنق الإسلام، ولا يعترف له بالفضل إلا ما ندر
من بعض العلماء. وأن يزعم أن كل تلك النهضة حصلت بفضل جهوده وحده، ومنها
ما (الديمقراطية) التي هي موضوع حديثك.
الغرب يدرك خصوصيته التاريخية والاجتماعية
ولأن الغرب يرفض الإسلام حقداً وكرهاً، فإنه أيضاً يدر خصوصيته التاريخية
والاجتماعية، أقصد: أن الغرب يعلم أنه لم يكن في يوم من الأيام في تاريخه
شيء اسمه (الحكم بما أنزل الله)، ولا حتى أيام سيطرة الكنيسة على جميع
شئون الحياة ومرافقها في الغرب طوال العصور الوسطى، ويعلم أنه طوال
تاريخه سواء الثيوقراطي الكنسي، أو الثيوقراطي الإمبراطوري، لم يكن للدين
أو العقيدة أي دور في تنظيم حياة وشئون الناس، وأنه كان علاقة شخصية بين
الإنسان وربه الذي يعبده، سواء كان وثناً أو صليباً، وأن الشعب في العهد
الإغريقي، هو الذي يحكم نفسه بنفسه، ويسن القوانين التي تنظم شئون حياته،
وأن الإمبراطور ومن بعده تحالف رجال الدين النصراني مع رجال الإقطاع
والأمراء هم مَنْ كان يسن القوانين التي تنظم حياة وشئون الناس اليومية
في جميع مجالات الحياة.
ولأن الشورى في الإسلام لا تعني حكم الشعب ولا هي قريبة من ذلك المعنى،
ولكنها تعني شيء آخر مختلف، له علاقة بخصوصية المجتمع الإسلامي التاريخية
والاجتماعية، فهي وإن كانت المبدأ الرئيس في مبادئ الحكم في الإسلام، إلا
أنها ليست بديلاً عن الشريعة الإسلامية، ولا تُعطي الحق للحاكم ولا أهل
الحل والعقد في المفهوم الإسلامي الحق في سن قوانين أو تشريعات تتعارض أو
تخالف حكم شرعي ثابت وقطعي الدلالة، كما تفعل النظم الديمقراطية التي تسن
ما تشاء باسم الأغلبية.
لذلك لم يأخذ الغرب بها احتراماً وحقده على الإسلام وعدائه له، ولأنه
يدرك خصوصيته التاريخية، والاختلاف والتباين بينه وبين المجتمع الإسلامي،
وأن ما يصلح للمجتمع الإسلامي من وجهة نظر مشرعيه باسم الديمقراطية أو
حكم الشعب لا يصلح بالضرورة للمجتمعات الغربية، لذلك لم ينادي أو يبتكر
جون لوك نظرية (العقد الاجتماعي) التي وإن كان أصلها في الفكر الغربي؛ هو
استعادة حكم الشعب لنفسه وأن يصبح هو وحده مصدر التشريعات، وأن يحكم نفسه
بنفسه، بمعنى أنه طالب الملك آنذاك بأن يعيد ما اغتصبه الإمبراطور
الروماني من الشعب للشعب، عندما اغتصب حق الشعب في حكم نفسه بنفسه، بزعم
تفويض الشعب له بذلك، وأصبح هو مصدر كل السلطات والتشريعات، ولكن هذه
المرة بمضمون الفكر الإسلامي عن الحرية والعدالة والمساواة وحقوق
المواطنة، وتطورت تلك المطالب متأثرة بالفكر الإسلامي ونظام الحكم في
الإسلام إلى أن وصلت أنظمة الحكم على ما هي عليه الآن، واختارت
الديمقراطية كبديل للشورى في الإسلام بما يتناسب وخصوصية المجتمعات
الغربية، وأرادت أن تصدرها لنا على أنها هي أسس الحكم الرشيد، لأي شعب أو
أمة تريد أن تنهض وتتقدم مثل الغرب، دون مراعاة لخصوصية الإسلام ونظام
الحكم فيه.
المسلمون مارسوا النظام الديمقراطي
مصطلح أو مفهوم الديمقراطية كأحد أدوات الاختيار، ووسيلة لمعرفة الآراء
واستطلاعها، وليس كنظام حكم ووسيلة تشريعية، مارسها المسلمون دون أن
يسموها ديمقراطية، ولكن كأحد وسائل تطبيق الشورى في الإسلام، وبما لا
يتعارض مع ضوابط الشورى في المفهوم القرآني. وأذكر مثالين على ذلك وفي كل
منهما كان لدينا رأي معارض لما اتفقت عليه الأغلبية، وأيضاً كان سلوك
المعارضة سلوك راقي يتناسب وفهمهم لمعنى الاختلاف في الرأي واحترام الرأي
الأخر، وأن دورهم داعم للحاكم المختلف معه، وليس معارض لأجل المعارضة أو
تحكمه المصالح أو المكاسب الشخصية والحزبية كما هو حال معارضتنا
الديمقراطية اليوم:
اختيار سيدنا أبو بكر في السقيفة تم من أحل الحل والعقد الذين كانوا
موجودون في السقيفة لحظة حصول الحوار والنقاش الحاد بين المهاجرين
والأنصار، الذي انتهى بالاتفاق على أبو بكر حليفة لرسول الله صلى الله
عليه وعلى أله وسلم، في حكم المسلمين ليس في النبوة ولا سن التشريعات
وحده والوحي انقطع بوفاة الرسول. ونعلم أنه لم يُجمع على اختياره كل مَنْ
كان في السقيفة.
وأمر نفسه حدث يوم الجمعة التي تلت اختياره في السقيفة حيث عُرض الأمر
على جميع المسلمين، لتأكيد ذلك الاختيار أو الاعتراض عليه واختيار شخص
آخر غيره، وفي الوقت الذي أعلنت غالبية المسلمين عن موافقتها على
اختياره، رفض بعض الصحابة ومنهم كبار الصحابة وعلى رأسهم سيدنا علي بن
أبي طالب، الذي لم يبايعه إلا بعد ستة أشهر. ولكن تلك المعارضة لم تخرج
على رأيه ولم تتحزب أو تتكتل وتبدأ البحث عن أي سبب للمعارضة ولا أي شكل
من تفاهات ومهازل المعارضة التي تحدث في أقطارنا ,أنظمتها الديمقراطية
اليوم، دون التفكير في مصلحة الوطن والمواطن، ولكن تهافت على السلطة
والحكم، لماذا؟ لأنه الديمقراطية في عصرنا حلت علينا دين بدل ديننا، ولم
يعد الحكم شورى في ظل الشريعة الإسلامية، كما سأوضح بعد قليل. ولكن كان
المعارضين لاختيار أبو بكر أو الداعمين والناصحين له، والمنفذين لأوامره،
لأنهم لم يكونوا ينفذون رأي الأكثرية في الحكم ولكن رأي وحكم الإسلام
وتشريعه.
كما أن المسلمين وسيدنا أبو بكر بالذات قدم نموذجاً جديداً في اختيار
الحاكم أو الخليفة من خلال تقديره للوضع الذي كان عليه المسلمون قبل
وفاته، ورأى أن المصلحة العامة للمسلمين تتطلب منه أن لا يترك الأمر بعده
ليختار المسلمون أحد الصحابة ليخلفه، ولكن الحكمة والمسئولية تُملي عليه
أن يختار هو لهم قبل وفاته خليفة ويعينه. ونذكر انه عندما راجعه أحد
الصحابة لاختياره سيدنا عمر بن الخطاب، لِما كان معروف عنه الشدة، وقال
له: ألا تخشى الله في المسلمين من بعدك؟! رد عليه: أتخوفني بالله، واللهِ
لئن سألني الله لماذا اخترت عمر؟ لأجيب: اخترته لأنه أخوفكم لله. فقد كان
سيدنا أبو بكر أعرف الرجال بالرجال. وهو الذي قال عنه سيدنا عمر نفسه بعد
أن عزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيش وعين أبو عبيدة، مقراً بخطأه: رحم
الله أبو بكر فقد كان أعرف مني في الرجال. وطبعاً لم تحدث معارضة لذلك
التعيين وكلنا يعرف سيرة الفارق وعدله.
وعندما حضرت الوفاة سيدنا عمر بن الخطاب، رشح لابنه عبد الله سبعة أسماء
من كبار الصحابة وأمره أن يأخذ رأي المسلمين أيهم يرون أنه أقدر على تولي
الخلافة بشروطها منهم، ونعلم أنه انحصر إجماع المسلمين على اثنين منهم
وهما: سيدنا علي بن أبي طالب وسيدنا عثمان بن عفان، وأن الرأي الراجح كان
لسيدنا علي بن أبي طالب، لولا انه عندما سأله عبد الله ابن عمر: أترضى أن
تحكم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أب بكر وعمر؟ قبل بذلك ولكنه أضاف وأن
اجتهد برأي. وقد رفض ابن عمر اجتهاده برأيه، ووافق سيدنا عثمان على ذلك
الشرط وأعلن عنه خليفة للمسلمين.
ولم نسمع من سيدنا علي بن أبي طالب أو الصحابة الذين اختاروه ـ دعونا من
تلك الفتن التي أثيرت بعيداً عن رأي الصحابة الأفاضل ـ أي معارضة أو
مخالفة لرأيه أو خروج عليه حتى عندما حدث الخروج ومحاصرة بيته، أرسل
سيدنا علي ولديه الحسن والحسين للدفاع عنه، ولولا أن اختار سيدنا عثمان
لقاء الله تعالى والإفطار عنده لأنه كان صائماً يوم استشهاده، لثور سيدنا
علي والصحابة المعارضين المدينة للدفاع عنه.
فتلك نماذج في اختيار الحاكم والمعارضة قدمها المسلمون عندما التزموا
الشورى والشريعة الإسلامية في الحكم، أين نحن منها اليوم وجميعنا شهود
على الواقع.
الديمقراطية دين جديد
بعدما تقدم والحديث يطول عن الديمقراطية والفارق بينها وبين الشورى وعدم
صلاحيتها لنا كنظام حكم، ولكن لا بأس أن نأخذ بها كأحد أدوات الاختيار أو
معرفة الرأي ووسيلة من وسائلهما في هذا لعصر، أما كنظام حكم فهنا الأمر
يختلف، وستصبح دين جديد بديل عن الإسلام! لا تندهش أخي القارئ ولا تتسرع
في الاعتراض والرفض كما هي كل المعارضة عندنا، معارضة لأجل المعارضة!
المعروف أن جميع أنظمة الحكم في وطننا الإسلامي أو معظمها، تضع على رأس
مواد دساتيرها: الإسلام مصدر التشريع. أو المصدر الأول أو أساسي للتشريع،
أو أحد مصادر التشريع. أليس كذلك؟
ماذا يحدث بعد ذلك باسم الديمقراطية؟ تستباح جميع المحرمات الشرعية
الإسلامية، وتنتهك كل الحرمات الأخلاقية والاجتماعية باسم رأي الأكثرية.
بدءً من الحكم والسياسة وانتهاء بأدق خصوصياتنا الاجتماعية والأسرية.
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى: ويكفي فقط أن نذكر بعيداً عن القوانين
التي أباحت البنوك الربوية وشرب الخمر ورخصت لبيوت الدعارة
والزنا …وغيرها كثير كثير جداً، وحمت الساقطين والقائمين عليها،
بمبررات ما أنزل الله بها من سلطان، دون خوف من دين ولا حرص على مجتمع
وأجيال ناشئة، ولا أي قيمة يمكن أن تردع الأغلبية في المجالس التشريعية
أو البرلمانات عن ذلك، باسم الديمقراطية.
وأنت نفسك ذكرت أخيراً الشركات المتعددة الجنسيات التي اقتحمت علينا
سيادتنا الوطنية وقد ألغتها في معظم أقطار وطننا، وتُكره البرلمانات فيها
على أن تسن قوانين وهي تعلم أنها تفتح الباب واسعاً لعودة الاحتلالات
الغربية، وتدمير مقومات وجودنا كأمة وشعب، واضرب مثلاً: أن كثير من أبناء
الأمة واليقظين كم صاحوا وكتبوا ووثقوا لمخاطر السماح للأجانب بشراء
مساحات كبيرة من الأراضي باسم أقامة مشاريع عليها من أي موع، وأنهم
يشترونها بأبخس الأثمان، وأن هذا يفتح الباب بالاشتراك مع قوانين الشروط
الجزائية التي توقع مع عقود الشراء لفتح الباب لعودة الاحتلالات الغربية
لوطننا من جديد تحت نفس المبررات أو أشباهها التي حدثت في مصر وغيرها من
الأقطار الإسلامية قبل احتلالها في القرنين الماضيين، وكذلك سن القوانين
التي كثرت في بعض الأقطار الإسلامية التي تسمح بمقاضاة أصحاب رؤوس
الأموال والمشاريع الأجانب في وطننا دولنا في حال الاختلاف أو محاولة فسخ
العقود، في المحاكم الدولية، التي اكتشف أن كثير من شركاتهم كانت وهمية،
وأنها نفذت جزء من المشاريع المتفق عليها بأموالنا بعد أن يرسوا العطاء
عليها، ولم تكمل ذلك وتطالب لإكمالها بباقي قيمة العطاء، وعند مطالبة
الدول فسخ العقود ولها الحق في ذلك، بدل أن تعاقب المحاكم الدولية
التابعة لأمم المتحدة تلك أصحاب الشركات الوهمية بتهمة النصب والتضليل،
تحكم لهم بمليارات الدولارات التي تحصلها كما يقولون بالعامية (من رأس
الكوم)، أي من الدولة مباشرة …إلخ.
أي أن عولمة النظام الاقتصادي وقوانينه المفروضة من تلك الشركات المتعددة
الجنسيات التي تحكم دولها باسم الديمقراطية، وتشغل أفراد الشعب الذين هم
مصدر كل السلطات كآلات أو تروس في آلات مصانعهم، كالعبيد من أجل أن يحافظ
على مستوى رفاهية محدد، وأصحاب تلك الشركات يجنون النسبة الأكبر من
الربح، نعلم أنها سعت لفرض سيطرتها وهيمنتها على أقطار وطننا ومقدراتنا
وثرواتنا بأن شكلت منظمات عالمية على رأسها منظمة (الجات)، التي وضعت
شروط على أي دولة تريد الانضمام إليها، ويسمح لها بتصدير منتجاتها إلى
الدول المشاركة فيها، تلك الشروط تبدأ بسن تلك الدول القوانين التي تؤهل
اقتصادها بحسب روشتة البنك الدولي ومنظمة الجات للانضمام إليها أو أخذ
قرض من الصندوق الدولي، وتمر بتدمير الاقتصاد الوطني، وتنتهي بالتبعية
والاستعباد لتلك الشركات، والعيش عالة على المساعدات الخارجية، ورهن
قرارنا السياسي لتلك المساعدات.
يبدو أني توسعت قليلاً، ولكن لتقريب الفكرة أكثر بعد الذي تقدم أضرب
مثلاً على انتهاك الديمقراطية لأدق خصوصياتنا الاجتماعية وأسرارنا السرية
بقوانين الأسرة والزواج، التي في معظم أقطار وطننا نُقلت من المحاكم
الشرعية إلى المحاكم المدنية، وانظروا كم شاع في مجمعاتنا من فواحش
وموبقات أخلاقية واجتماعية باتت تهدد الأسرة التي هي نواة قوة أي مجتمع،
وأنتم تتابعون مواقع الانترنت وتقرؤون والبعض قد يشاهد تصوير فيديو أو
جوال لمنكرات تنشر هنا وهناك دون حياء أو خجل. والقانون يحمي تلك الجرائم
التي فككت مجتمعنا وتهدد وجودنا، وآخرها فضيحة ممارسة الزنا علنا على
الشاشة المرئية في قناة LBC   التي لولا صحوة ضمير البعض في السعودية
لمرت دون رقيب.
ولم تكتفِ تلك الديمقراطية بأن نقلت أمورنا الشرعية الأسرية إلى المحاكم
المدنية ولكن برلمانات أقطارنا الإسلامية سنت قوانين كما قدمت تحمي
الرذيلة والفاحشة في المجتمع بصفة عامة، وأنه للأسف الشديد أن بعض
الساقطين والشاذين كما تعلمون تقدموا بقوانين بقوانين تبيح للزوجة ممارسة
الرذيلة في فراش الزوجية، تحت مبررات كثيرة: المعاملة للزوج بالمثل في
حال زعمت أنه يخونها مع غيرها. أو الحرية المطلقة ما دامت هي راضية، أو
في حال رضا الزوج وعدم معارضته لذلك …إلخ.
كل ذلك يتم تمريره في ظل رأس المواد الدستورية التي تقر أن الإسلام هو
مصدر التشريع، وباسم الديمقراطية ورأي الأغلبية، والتطور والزعم بعدم
صلاحية الإسلام للعصر في كثير من قوانينه.
ولكن لو كان الحكم حكم على أساس الشورى في ظل الإسلام كنظام حكم ومصدر
للتشريع، لاختلف الأمر فأي قانون يُقدم يجب ألا يخالف أي حكم شرعي قطعي
الدلالة، أو نص من نصوص الإسلام أو أحكامه المستقاة من الحفاظ على
المصالح العامة: حفظ الدين، والنفس، والمال، والعرض.
وقد يكون للحديث بقية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.