www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

يا سيد لديك محاكمة… بقلم آرا سوفاليان

0

في صباح يشبه كل صباحات كويبك الكندية التي لا زالت مصرّة هي وأبناؤها على التحدث بالفرنسية بالرغم من غرقها في محيطات إنكليزية لتبدو متفردة كنجمة الصبح تلمع بوهج حالم جميل. وصلت سيارة شرطة نزل منها ضابط قرع على باب الفيلا التي يقطنها أخي وعائلته، فدعي للدخول فلقد كانت هناك زيارة متوقعة من قريب للعائلة، ولكن الضابط لم يدخل بل عرفَّ عن نفسه بمنتهى الأدب، ونزل أخي لملاقاته، فكان رجل في متوسط العمر يحمل طلب حضور محاكمة (تبليغ).

 يا سيد لديك محاكمة… بقلم آرا  سوفاليان
في صباح يشبه كل صباحات كويبك الكندية التي لا زالت مصرّة هي وأبناؤها على التحدث بالفرنسية بالرغم من غرقها في محيطات إنكليزية لتبدو متفردة كنجمة الصبح تلمع بوهج حالم جميل.
 وصلت سيارة شرطة نزل منها ضابط قرع على باب الفيلا التي يقطنها أخي وعائلته، فدعي للدخول فلقد كانت هناك زيارة متوقعة من قريب للعائلة، ولكن الضابط لم يدخل بل عرفَّ عن نفسه بمنتهى الأدب، ونزل أخي لملاقاته، فكان رجل في متوسط العمر يحمل طلب حضور محاكمة (تبليغ).
وسأل أخي الضابط عن الأمر فأجابه بكل دماثة … شكوى من الجيران.
وذهب الرجل بعد أن أدى واجبه… وأوقع أخي في حيرة من أمره… فسأل زوجته إن كان قد حدث أي إزعاج للجيران من أي نوع كان فأجابته بالنفي… وسأل البستاني نفس السؤال وكان الجواب النفي التام… وكذلك سأل المشرفين على تهيئة المسبح … فنفوا أيضاً، وأنتظر أولاده… فوصل الأصغر وسأله: هل تسببت بأي إزعاج للجيران… فأجابه الولد: أي جيران يا أبي؟ نحن نسكن في فيلا لوحدنا ولا يوجد لدينا جيران… وأقرب جار يسكن على بعد مائتي متر… فقال أخي: نعم بالتأكيد ولكن دراجتك النارية تقطع أضعاف هذه المسافة… فأجاب الصغير: نعم ولكن لا يمكن الوصول إلى فيلا أقرب جار دون الخوض في جنائنه للوصول إلى فيلته وإزعاجه… وهذا ما لا يمكن أن أفعله لا أنا ولا غيري لأن هذه الجنائن هي ملكية خاصة ولا يمكنني أن أغامر في هذه المسألة فأنا سائق دراجة نارية تحت الاختبار… وسأخسر شهادتي إن فعلت ذلك.
ووصل الأكبر وتم طرح نفس السؤال فأجاب نفس الجواب مع فارق بسيط وهو أن الكبير إن فعل فسيخسر شهادة قيادة السيارة، ووقع أخي في حيرة من أمره وعاتب أفراد عائلته قائلاً: لا أنت ولا أخوك ولا أمكم… فهل هناك أناس من عالم آخر هبطوا بمركبة فضائية في فيلتنا  وقاموا بإزعاج الجيران؟؟؟  لعلني أنا الذي فعلت ذلك دون أن أدري؟؟؟ وفي كل الأحوال وكما كنا نقول في الشام(الخبر يلي اليوم بمصاري…بوكبرا ببلاش).
وعلى الرغم من الدماثة واللباقة التي تصرف بها حامل التبليغ أثناء قيامه بواجبه… بعكس ما يحدث لدينا هنا من خرق حقوق المواطن وإهانته وبهدلته وجلبه بالطريقة المعهودة إلى حيث يجب جلبه وإسماعه الموشح المعهود على الطريق بعد فضحه أمام الجيران، وتركهم لنسج الشائعات… فإن أخي كان يتقلَّب على الجمر.
وجاء يوم المحاكمة فذهب أخي مع المحامي لحضور الجلسة الأولى فقال له المحامي: أنظر هناك فهذا غريمك… هل تقصد ذاك الكهل على الكرسي المتحرك… نعم هو بالتحديد… هل تعرفه؟… لا أبداً فأنا لم أراه في عمري… هذا خصمك الذي يدعي أنه جارك.
ووصل القاضي وبدأت الجلسة وأشار القاضي بيده إلى الكهل وطلب منه البدء بعرض الشكوى فقال:
سيدي القاضي: منذ فترة طويلة وقبل وصول جارنا هذا بزمن بعيد كنت ولا زلت أحتسي كوب القهوة الصباحي أنا وزوجتي على الشرفة وفي مواجهتنا نافذة وحيدة تصل إلى فيلا السيد المدعى عليه ـ خط نظر ـ ولا توجد لدينا إطلالة في الشرفة الملحقة بغرفة النوم غير هذه… والذي حدث وبعد كل هذه السنين أن جارنا الجديد هذا الذي اشترى الفيلا التي في مواجهتنا عمد إلى رفع سور الدرج الخارجي المفضي إلى الأعلى وزوده بمسكة بيضوية من الألومنيوم… والمشكلة أن شعاع الشمس يرتطم بالألمنيوم وينعكس ويصيب عيني وأنا لديَّ ضعف في عيناي ومهدد بإجراء عملية جراحية… لذلك أطلب إعادة الأمور لما كانت عليه.
فسأل القاضي أخي: هل هذا الأمر صحيح… قال أخي نعم صحيح… فسأل القاضي أخي: هل حصلت على إذن من البلدية للقيام بهذا  العمل؟ فأجاب أخي: لا لم أحصل على الأذن لأني لا أعرف أن هذه المسألة الداخلية تحتاج لإذن… فسأله القاضي:  وما هو المبرر للقيام بهذا العمل… فأجابه أخي: ايفا الصغيرة وهي إبنة شقيق زوجتي كانت أمها تعاني من متاعب صحية ونقلت إلى المستشفى  وبقيت ايفا في ضيافتنا ومرة جئت من العمل باكراً ورأيت ايفا تستعمل سور الدرج كـ (زحليطة) … وجن جنوني وطلبت رفع هذا السور عشرون سانتي مع تزويده بقواطع، ودفعت مبلغاً طائلاً لإتمام هذا العمل بأسرع ما يمكن واستطعت بذلك توجيه هوايات ايفا في اتجاه آخر لا يؤدي إلى سقوطها عن السور مع ما يتبع ذلك من تبعات، خاصة وأن ايفا جاءت من ولاية أخرى وأن فترة بقائها عندنا ستطول فهي وفي هذه اللحظة تجدها تتجول في غرف البيت وعمتها تطاردها من مكان إلى آخر!
سأل القاضي الخصم: هل هناك شيء آخر… قال الخصم: لا أبداً وأنا متنازل عن حقي بعد سماع قصة ايفا هذه… فأنا أشعر الآن بالحرج، وسأكتفي بإزالة الألمنيوم من على السور فحسب وينتهي الموضوع.
وانتهت الدعوى عند هذا الحد… وتم إزالة الإضافة من على السور… وصار لأخي جار… يذهب لزيارته ويأخذه معه إلى المدينة مع كرسيه المتحرك في الفان للتسوق.
ولم يشعر أخي نهائياً بأنه خسر الدعوى… ولم يشعر الجار أبداً بأنه ربح الدعوى وكسر عين أخي كما يحدث هنا!
  بل ربح كل منهما الآخر… كمواطنين يجمعهما التعايش والمواطنة والحب المشترك لكندا التي جمعتهما معاً ولقوانينها التي جمعتهما أيضاً معاً وفرضت عليهما كلاهما احترام ومراعاة حق الجيرة.
مسكين أخي فلقد صدّق انه ارتكب مخالفة… لقد هاجر إلى كندا ولديه مفهوم سوري خاص عن المخالفات وهو امكانية رفع عمارة من خمسة طوابق وفوقها  طابقين سكّر زيادة، واسطوحين ونصف مخالفين، يتلوها مائة عمارة قبل ومائة عمارة بعد والكل مخالف حيث يطلق على كل هذه العمارات صفة (عمارات زراعية … وعمار يا بلدي عمار)، وكأنه لدينا مشكلة في التسميات… ولم يخطر في باله أن عشرون سانتي متر من الألمنيوم سيقيم عليه كندا ولا يقعدها.
أما الذي دفعني لكتابة هذه المقالة فهو الحنين والشوق لأخي الذي عاد إلى كندا  مع زوجته وأولاده منذ أسبوع وترك في قلبنا الحرقة واللوعة والاشتياق… وهذا هو السبب الأول… أما السبب الثاني فهو ضرّة زوجتي( سيريانيوز)… فلقد قرأت خبر أوصل معنوياتي إلى الحضيض وهو بعنوان (رئيس بلدية يتعرض للضرب المبرح من قبل تجار بناء إثر إزالته بناء مخالف)… وفي مسار الخبر تعقيب للمحرر يفضي إلى ما يلي: هذا وقد بدأت المحافظات والبلديات التشدد في قمع مخالفات البناء كافة ومهما كان نوعها بالهدم مع مراعاة المخالفات القابلة للتسوية؟؟؟ !!! ؟؟؟ !!!
فكتبت التعليق الآتي:
 بمجرد إدراج عبارة مخالفة قابلة للتسوية فإن ذلك سيؤدي إلى ضرب كل رؤساء البلديات… المخالفة مخالفة… ولا يوجد لها اسم آخر وهي في كل دول العالم غير قابلة للتسوية لأن في التسوية كسر لهيبة القانون وواضعيه والاستمرار على هذا المنوال سيعيدنا إلى الوراء وسيجعلنا نهدم آمال الشرفاء وجهودهم الشريفة المتمثلة في تقديم شيء لهذا البلد الغارق في مستنقع التخلف بسبب سوء بصيرة أهله.
مخالفة قابلة للتسوية؟?? !!! ألسنا ملوك الالتفاف على القانون وبالقانون… هل ينشد الحل من يضرب على وتر تسوية المخالفة… وإذا كان هناك طريق يفضي إلى تسوية المخالفة فلماذا نسميها مخالفة بالأصل… أليس الإمعان في هذه التسويات هو الإمعان في تسويغ المخالفة، وهل بالامكان ادراك أول خطوة في مسيرة التطور لطالما أن هناك إمعان في تسويغ تسوية المخالفات، وهل يعمد أي عاقل في هذا الكوكب إلى ارتكاب مخالفة لا أمل له بتسويتها.
المخالفة مخالفة ولا يمكن تسويتها بإعتراف القاضي الكندي وكل قضاة العالم المتحضر… لا يمكن تسويتها بل يجب إزالتها … وكل ما عدا ذلك يزيل هيبة مسوغي تسويتها… ويزيل هيبة القانون ويؤدي إلى الاعتداء بالضرب لأن المال في مقابل  الروح… ولأن المسوغين رفعوا من مرتبة رئيس البلدية من مهندس إلى مشرع  وواضع قانون وقاضي بل ورئيس قضاة… فصار يفصل ويصنف المخالفات على أساس أن هذه يمكن تسويتها وهذه لم يدفعوا عليها وبالتالي لا يمكن تسويتها… حتى تتطور هذه البلد يجب إصدار قانون بمنع تفصيل بناطلين تحوي جيوب لكي لا يتم حشوها بالرشى من قبل ضعاف النفوس… لقد ضاعت البلد بما يكفي ويجب علينا أن نتوقف…  نقطة إنتهى.
Ara Souvalian

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.