www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

تُجار الآلام والمُزايدة على خصوصيتنا الثقافية/ حازم خيري

0

“قرأت خطاب السيد الرئيس الأمريكى باراك أوباما ـ الذى ألقاه بجامعة القاهرة ظهر الخميس 4/6/2009 ـ بشغف وعناية وتركيز أكثر من مرة، فأُعجبت به، وارتاحت نفسي إلى ما اشتمل عليه من أفكار قويمة، ومن معلومات جيدة، ومن كلمات سديدة..” شيخ الأزهر

تُجار الآلام والمُزايدة على خصوصيتنا الثقافية

                                                 حازم خيري

“قرأت خطاب السيد الرئيس الأمريكى باراك أوباما ـ
الذى ألقاه بجامعة القاهرة ظهر الخميس 4/6/2009
ـ بشغف وعناية وتركيز أكثر من مرة، فأُعجبت به،
وارتاحت نفسي إلى ما اشتمل عليه من أفكار قويمة،
ومن معلومات جيدة، ومن كلمات سديدة..”
               شيخ الأزهر

 فى مجتمعاتنا العربية المتخلفة ـ حيث لا تفهم القلة الأنانية التى تسيطر على مقدرات شعوبنا الحرية إلا بأنها حرية احتفاظها بقوتها وثرائها، ولا تهتم أدنى اهتمام بنشر فوائد الحرية على الجمهرة العظمى من مواطنيها ـ لا شك أنه من المقبول أن نقول إنه فى جميع هذه المجتمعات، باستثناء دائرة ضيقة من الناس المحظوظين، لا يستطيع الرجال والنساء العاديين أن يفكروا فى الحرية بأكثر مما كان يفكر فيها العبد فى الدولة الإغريقية أو الرومانية القديمة! إذ أن الشيء الوحيد  الذى يضطر هؤلاء للتفكير فيه هو كيف يستطيعون إشباع حاجاتهم البدائية!

 أقول هذا لألجم طموح نفسي التى يؤلمها كثيراً أن تستشعر يوماً بعد يوم ضآلة حظوط الفكر الأنسني فى ربوعنا الطيبة! فكل دراسة للفكر الأنسني هى دعوة للتسامح، وكل دعوة للتسامح هى تأكيد لحقوق العقل! والخطر الأكبر الذى يواجه أى مجتمع متخلف دائماً هو رغبة أولئك الذين يسيطرون على مقدراته فى منع النظريات والسلوك الذى قد يُهددهم فيما يملكون! فهم نادراً ما يهتمون بالفضائل الممكن كسبها من اطلاق سراح عقول مواطنيهم، ولكنهم يهتمون فقط بتأبيد تخلفهم، لأن رغباتهم لا يُحتمل أن تتحقق إلا فى مثل هذه الأجواء الراكدة! ولهذا فإن نظرياتهم عن التجديد والتطوير تتركز دائماً فى خدمة تلك الرغبات. 
 من هنا نتبين امكانية اندلاع الصراع الثقافي بين أبناء الثقافة أو الحضارة الواحدة، على خلاف الحديث الكلاسيكي عن أن الصراع الثقافي لا يكون إلا بين أبناء الثقافات أو الحضارات المختلفة! ولسوف أضرب مثلاً على ذلك بمجتمعاتنا العربية، فالمسيطرون على مقدراتها ـ أقصد الآخر العربي/المحلي ـ يسعون لتأبيد تخلف أبنائها ـ أقصد الذات العربية ـ ، عبر تكريس اغترابهم ثقافياً، أى حرمانهم من حقهم المشروع فى تعهد ثقافتهم، أو طريقة حياتهم الشاملة، بالنقد والتطوير، واحتكار هذا الحق لأنفسهم! علاوة على سعيهم للحيلولة دون تعرية آخريتهم المحلية المستترة، والتى لا تراها عيون الذات العربية المغتربة!

أقول إنه على خلاف فترات تاريخية بعينها كان الآخر العربي/المحلى فيها هو نفسه الآخر العربي/العالمي، نرى الآن الآخر العربي ـ ومن ورائه الآخر الغربي ـ يضطلع بمهمة تغريب شعوبنا العربية ثقافياً، ويسعي لتأبيد تخلفها!  

ولمن يسأل عن دوافع الآخر الغربي/العالمي لدعم الآخرية العربية/المحلية، أقول إن دوافع هذه الجريمة الآثمة ليست حديثة العهد، وإنما تضرب بجذورها فى التاريخ، فما يحدث هو أن ثأراً قديماً لم تزل نيرانه تتأجج فى قلب الآخر الغربي/العالمي، دافعه الغزو العربي للغرب، ذلك الذى أجج الآخر العربي يوماً نيرانه وسماه فتحاً مبيناً! خطيئة الآخر العربي وقتها أن غلفه برقائق دينية!

 الجريمة الآثمة إذن هى دعم الآخرية العالمية والآخرية الاقليمية للآخرية المحلية فى اضطلاعها بمهمة تأبيد تخلف مجتمعاتنا، عبر تغريبها ثقافياً وإدامة انتظارها إلى ما لانهاية! ولقارئي الكريم أن يُقارن بين خطاب الرئيس الأمريكي أوباما (وهو أحد أبرز رموز الآخر الغربي/العالمي) فى القاهرة وخطابه فى أكرا ـ غانا التى زارها مؤخراً، سيجده فى غانا السوداء يشدو بالحرية لإفريقيا السوداء، أما في القاهرة العربية فيحرص على تجاهل قضية غياب الحرية عن عالمنا العربي المغبون، ويستبدل بها حديثاً انتهازياً مستفزاً عن التجارة والبيئة!

الآخران الغربي والعربي يبرران خلو خطاب أوباما من الحديث عن قضية غياب الحرية عن مجتمعاتنا، باحترام الرجل للخصوصية الثقافية لأبناء الثقافة العربية الاسلامية! والسؤال: هل حقاً يحترم أوباما خصوصيتنا الثقافية أم أنه، كأسلافه، يسعى جاهداً لتكريس اغترابنا الثقافي، ذلك الوباء الطليق فى ربوعنا؟

احترام لخصوصيتنا الثقافية أم تكريس لاغترابنا الثقافي:

 ثمة بون شاسع يفصل بين احترام الخصوصية الثقافية لأبناء ثقافة بعينها وبين تكريس الاغتراب الثقافي لأبناء الثقافة نفسها! احترام الخصوصية الثقافية ـ فى رؤيتى المقترحة للفكر الأنسني ـ  يعنى احترام حق أبناء الثقافات المختلفة فى الاحتفاظ بثقافاتهم، وعدم دفعهم بعيداً عنها أو اجبارهم على التخلى عنها، سواء بحجة تخلفها أو عدم تناغمها مع قناعاتنا الثقافية! وكذا يعنى احترام الخصوصية الثقافية لأبناء ثقافة بعينها احترام حق أبناء هذه الثقافة فى امتلاك ثقافة حرة ومتطورة، أى احترام حقهم ـ جميعهم وليس بعضهم ـ فى نقد وتطوير ثقافتهم!
 
 أما تكريس الاغتراب الثقافي ـ وعلى نحو ما أوضحت فى دراستى المهمة، الاغتراب الثقافي للذات العربية، الصادرة فى القاهرة عن دار العالم الثالث 2006 ـ فهو يعنى تكريس تنازل أبناء ثقافة بعينها عن حقهم فى امتلاك ثقافة حرة ومتطورة، أى تكريس تنازلهم عن حقهم فى تعهد ثقافتهم بالنقد والتطوير!

 ويستوى فى تكريس الاغتراب الثقافي لأبناء ثقافة بعينها أن يضطلع به فريق من أبناء الثقافة نفسها، أو أن يقوم به من ينتمون لثقافات أخرى ـ مهما بلغ تطورهم وتقدمهم ـ، أو أن يقوم به أبناء الثقافة نفسها، بتوجيه وارشاد من أبناء ثقافة أخرى! أقول إنه ليس لفريق من أبناء ثقافة بعينها أن يحتكر امتياز نقد وتطوير الثقافة التى ينتمى إليها، وكذا ليس له أن  يحجب هذا الحق عن غيره من أبناء ثقافته، بزعم تفرده بالحكمة والأهلية و..إلخ! فهذا إن حدث، إنما يُعد تكريساً لاغتراب أبناء الثقافة المنكوبة بالآخرية المحلية، وليس لمن يمارس هذا التكريس أن يدافع عنه ويعتبر مناهضة الأنسنية العالمية له انتهاك للخصوصية الثقافية!
 قارئ الكريم، أرانى قانعاً أن تشدق أولئك الذين يحتكرون حق نقد وتطوير الثقافة العربية الاسلامية، ويحرمون بقية أبناء ثقافتهم من الحق نفسه ـ بمقولة احترام الخصوصية الثقافية، إنما يرمى لخلط الأوراق وتضليل الذات العربية!

 تشدق هؤلاء ـ وأقصد بهم الآخر العربي/المحلى ـ وتمترسهم وراء مقولة احترام الخصوصية الثقافية، يُصورهم فى عيون المغتربين من أبناء ثقافتهم على أنهم حُماة الثقافة، ويوفر لتواطئهم مع الآخرين الغربي والاقليمي الغطاء الكافي!

 إذ كيف للمغتربين أن يصدقوا أن حُماة الخصوصية الثقافية، هم أنفسهم شركاء لأبناء الثقافات الأخرى فى تكريس اغتراب أبناء ثقافتهم وإدامة تخلفهم؟!

 تشدق هؤلاء ـ وأقصد بهم الآخر العربي/المحلى ـ وتمترسهم وراء مقولة احترام الخصوصية الثقافية، يُرهب الأنسنيين ويصورهم فى صورة الخونة، إن هم سعوا لفضح الآخر العربي ومخططه فى تكريس اغتراب وتخلف أبناء ثقافته! وكذا إن هم سعوا للاستقواء بالأنسنيين من أبناء الثقافات الأخرى! إذ سرعان ما يُتهمون من قبل تجار الآلام بخيانة الأوطان والتواطوء مع أبناء الثقافات الأخرى.

 هكذا يُحكم الآخر العربي قبضته الحديدية على المغتربين، فنراهم ينقادون له بفضل إغترابهم، ويهاجمون الأنسنيين، رغم احترام الأنسنيين للخصوصية الثقافية وعدم متاجرتهم بها وعدم مُزايدتهم عليها، على خلاف الآخر العربي الذى لا يمل المُزايدة على الخصوصية الثقافية، عبر سعيه المحموم لمغازلة مشاعر المغتربين، فى غيبة عقولهم التى نجح فى تغريبها وتكريس سيطرته عليها!

أنا كأنسني مثلاً أحزن كثيراً عندما يُراسلنى عربي باللغة الإنجليزية، رغم إجادتى لها، لأن اللغة أحد أهم روافد خصوصيتنا الثقافية، والمحافظة عليها يصون هويتنا، بيد أنى فى الوقت نفسه أحرص على ممارسة حقي فى نقد وتطوير ثقافتى العربية الاسلامية، وأرفض إحتكار فريق من أبناء ثقافتى ـ الآخر العربي ـ لهذا الحق! ولكل من يطالع كتاباتى أن يتأكد من حرصى على آداء فريضة النقد!..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.