www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

آخر صرعات العصر في مكافحة الإرهاب الواقع على طلاب المدارس /آداب عبد الهادي

0

عندما انهار الاتحاد السوفياتي السابق ألقت الـ(كي جي بي)الاستخبارات العسكرية الروسية القبض على شخص مهم عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي وهي كما تعلمون أعلى سلطة تشريعية في الحزب وكان هذا الشخص صاحب قرار وله صولة وجولة في الاتحاد السوفياتي آنذاك.

آخر صرعات العصر في مكافحة الإرهاب……؟! الواقع على طلاب المدارس

عندما انهار الاتحاد السوفياتي السابق ألقت الـ(كي جي بي)الاستخبارات العسكرية الروسية القبض على شخص مهم عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي وهي كما تعلمون أعلى سلطة تشريعية في الحزب وكان هذا الشخص صاحب قرار وله صولة وجولة في الاتحاد السوفياتي آنذاك.
اتهمته الكي جي بي بأنه عميل وجاسوس للغرب وللمعسكر الرأسمالي وأجرت معه التحقيق لهذا السبب.
قالوا له :نحن نعلم تماماً أنك عميل وجاسوس للغرب ولأمريكا ولا نملك الدليل المادي على ذلك نحن لا نسألك ولكن نريد منك أن تعطينا ولا دليل على ذلك وبالطبع لن نستطيع أن نفعل معك شيئاً.
أجاب هذا الرجل ببساطة:صحيح أنتم لا تملكون أي دليل ضدي،وصحيح أنا كنت أعمل لصالح الغرب والأمريكان وسموني كما تشاؤون (عميل –جاسوس)المهم أنه لا يوجد أي ممسك ضدي لأني ما كنت أفعله هو الآتي:
كل شخص مبدع وذو كفاءة عالية ويخدم الاتحاد السوفياتي كنت أعزله من منصبه وألقي به جانباً وأحضر عوضاً عنه شخص تنبل وغبي وبهيم لا يهمه من أمر البلاد شيء سوى إشباع رغباته المادية والمعنوية يعني باختصار شخص ندل وابن حرام وأطلق له العنان في الحل والربط وتوقع ماذا تحصد من مسؤول فاشل على هذه الشاكلة،وبهذا الشكل أفرغت الحكومة في الاتحاد السوفياتي من كل مسؤول نظيف ونزيه وفهيم، وكل من أحضرتهم كانوا طوع أمري ورهن إشارتي فأصدرنا القرارات والمراسيم المخربة وعثنا فساداً في البلاد وبهذا الشكل حققت ما كان يطلبه مني أسيادي في الغرب وأمريكا وتحقق بالتالي هدفهم في انهيار الاتحاد السوفياتي .
هذه الحادثة التي قرأتها من الملفات الصادرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تذكرتها عندما كنت
أسير في السوق الرئيسي برفقة أخي حينها لمحت من بعيد شخص طويل القامة محني الظهر،لفت انتباهي وقلت لأخي إنه يشبه مدرب الفتوة (مدرس مادة التربية العسكرية) التي كانت مقررة سابقاً في المدارس في سورية،أجابني أخي على الفور إنه هو بذاته.
وهنا ارتبكت وحاولت تغيير طريقي وأنا أقول لأخي إنه يقترب دعنا نهرب إنني أخجل منه .
لكني لم أتمكن من الهريبة لأنه سرعان ما اقترب منا وأصبح بمحاذاتنا فاضطررنا للوقوف احتراما له.
وباغته أنا فوراً بسؤالي وترحيبي ونظري متجه إلى الأرض حياء من هذا المدرس الذي كان قدوة في الانضباط والإخلاص ومحبته للوطن ولتلاميذ هذا الوطن :أهلين أستاذ كيفك والله شكلك تغير كثيراً، وتبدو أكبر من عمرك بكثير، علماً أننا من سنوات قليلة جداً كنا في الثانوية أنت تغيرت ونحن ما نزال كما كنا ولو أننا انهينا مرحلتنا الجامعية،كيفك وكيف المدرسة.
وهنا أطلق المسكين زفرة أحرقت قلبي وهو يقول :أي مدرسة يا آنسة،لم تعد هناك لا مدرسة ولا مدرسين ولا مدرب تربية عسكرية.
لماذا يا أستاذ هل تعرضت لعقاب ما كما أنني أرى(بعد العذر منك)شوكتك مكسورة تناديني بآنسة وبصوت مخنوق ونحن نعرفك بالقوي والمدرب صاحب العنفوان الكبير، كما كنا نخشاك لا خوفاً بل احتراماً وتقديراً لك.
-أي احترام وأي تقدير يا آنسة لقد أصبحت هذه الأمور من النوادر في المدرسة،ألم تعلمي بأن مادة التربية العسكرية ألغيت وتحول مدربي الفتوة في المدارس إلى بوابين يغلون الباب في نهاية الدوام ويفتحونه صباحاً ألم تعلمي أن الكثير منا تحول إلى إما مدرس رياضة أو رسم وهناك أحد المدربين تحول إلى مدرس مادة الديانة وآخرين عطالين بطالين في المدرسة.
كما أننا يا آنسة لم نعد أولئك المدرسين المحترمين بل إننا نذل في كل لحظة والله لولا الفقر والحاجة لهذا الراتب المتواضع لتركنا هذا العمل المهين والمذل.
وباندهاش كبير قاطعته :له يا أستاذ ماذا تقول أنتم المعلمون رسل وانتم من تبنون الوطن وعلى عاتقكم تقع مسؤولية إنشاء جيل عربي واع،جيل يكون الأمل في تحرير أراضينا المحتلة،جيل يبني هذا الوطن ويحافظ عليه ويحميه ،له يا أستاذ ألم تسمع المثل الذي يقول من علمني حرفاً كنت له عبداً،وأيضاً(قم للمعلم وفه التبجيلا)لا يجوز ما تقوله.
-يا آنسة هذا فيما مضى أيام ما كان التعليم تربية وتعليم،أما الآن فإن التعليم مفسدة للجيل وتحقير للمعلمين في هذا الجيل،أين أنت ألم تسمعي ما يجري في وزارة التربية والتعليم والسلك التربوي بشكل عام،ألم تسمعي بالقرارات والمراسيم التي تنهال على رؤوسنا وكأنها أحجار أبابيل يرميها علينا وزير التربية وكأنها من سجيل،ألم تسمعي بالقرارات التي أصدرتها وزارة التربية لمكافحة الإرهاب الواقع على الطلاب المساكين.
-لم أفهم ما ترمي إليه إرهاب وطلاب ومساكين ماذا تعني.
-اسمعي هذه الصرعة الجديدة في مكافحة الإرهاب الواقع على الطلاب من تعليمات وزارة التربية ، وأغلب ظني أن هذه القرارات صادرة عن وزارة التربية الأمريكية وليس السورية، وأتوقع أنها وصلت إلينا عبر البريد بالخطأ،لكن من سوء حظ هذا الجيل أن المسؤولين عندنا لم يلاحظوا الترويسة المكتوبة في أعلى القرار،اسمعي التالي:
-إذا كان الطالب الجالس في الصف أثناء شرح المدرس للدرس وحصل أن وضع الطالب رجل فوق رجل ووجه قدمه إلى وجه المدرس فلا يحق للمدرس بأي شكل من الأشكال أن يقول للطالب أخفض رجلك وإذا قال له ذلك فهذا يعني أنه يهين الطالب ويكسر خاطره أمام زملائه.
كما أنه لا يحق للمدرس بأي شكل كان أن يوبخ الطالب أو يمد يده عليه ولا بنكشة مهما بدر من الطالب من قلة أدب ومن قلة احترام لمدرسيه،وتصوري هذه الحادثة التي جرت مع إحدى زميلاتنا المدرسات:
المعلمة تدرس طلاب الصف الخامس في المرحلة الابتدائية وعن طريق الصدفة ونتيجة لمشاغبة إحدى الطالبات (الطفلة)وجدت المدرسة رسالة غرامية أرسلتها الطالبة إلى طالب(طفل) في نفس الصف فأخذت المدرسة الرسالة من الطالبة وبشكل سري نبهت المدرسة الطالبة على سوء تصرفها،الطالبة نقلت الصورة إلى أهلها فما كان من الأهل إلا أن استعانوا بوزارة التربية على تلقين المعلمة درسا في التربية والأخلاق وإحالتها إلى لجنة التحقيق والانضباط،والمعلمة المسكينة اعتذرت من أهل الطالبة لأنها حاولت تربية البنت لكن الأهل أصروا على عدم قبول اعتذار الآنسة إلا أمام الطلاب في الفصل الدراسي،لكن المسكينة بعد البهدلة والشنشطة التي تلقتها من وزارة التربية قررت ترك التدريس نهائياً،وهناك معلمة أخرى سيدة مربية وفاضلة تجاوزت الخمسين من عمرها تدرس في الثانوية ،أحد الطلاب كان متأخراً لمدة نصف ساعة عن الحصة الدراسية الأولى كانت المعلمة تشرح الدرس عندما فتح الطالب الباب ودخل دون إذن وجلس في مقعده وعندما سألته بهدوء:( يا بني ليش متأخر وهيك بيدخل الطالب المؤدب على الصف) فما كان من الطالب إلا أن وقف وبيده حقيبته ألقى بها على المعلمة وخرج وهو يقول :(اسمعي أنا هلق فايق من النوم ومالي رايقلك).
لن أحدثك يا آنسة على الطالب الذي ضرب الموجه بعصا على رأسه وأغمي عليه ولن أحدثك عن خوف المدرسين من الطلاب أثناء انتهاء الدوام وذهاب الجميع إلى البيت ،لأن وزارة التربية بالقرارت التي تضعها جعلت التعليم مهزلة وجعلت الطلاب قطاعي طرق وأولاد شوارع فلم يعد للنظام مكان ولم يعد للانضباط صورة ،إن الطلاب وبعد القرار القاضي بالاستغناء عن اللباس العسكري في المدرسة يأتون بآخر موضة وأما الفتيات لا نستطيع منعهن من تزجيج حواجبهن ووضع المكياج على وجههن والغندرة والمياعة في المسير بعد أن كانت الجدية والأدب هي الغالبة في أيامنا.
يا آنسة بكل أسف أستطيع أن أقول لك أن المدارس أصبحت كبريهات والوزارة هي الحامي لها، وهناك الكثير الكثير المبكي والمؤلم لكن نحن مدرسين ولا توجد بيدنا حيلة الحيلة هي عند أصحاب القرارات الغريبة العجيبة.
صدقوني اعتقدت أن هذا الرجل يبالغ في كلامه لكن عندما ذهبت والتقيت بعدد من المعلمات وسألتهن عن الموضوع أجابوني بأكثر من هذا بكثير ،وكانت شكواهم تقطع القلب وتبكي الروح،لأن السيد وزير التربية عندما اجتمع مع مديري المدارس حذرهم بلهجة التهديد والوعيد بأن أي طالب يأتي إلى الوزارة شاكياً على أي مدرس سيعاقب المدرس على الحال وممنوع منعاً باتاً توجيه أي كلمة للطالب مهما تصرف حتى لو كان تصرفه جناية وممنوع أن يضرب طالب مهما كان مشاكساً ومشاغباً وحتى لو جعل الفصل الدراسي مهزلة .وممنوع منعاً باتاً وضع علامة الصفر لأي طالب حاضر في الامتحانات الكتابية والشفهية حتى لو امتنع الطالب عن كتابة أي كلمة وممنوع ممنوع ممنوع ………إلى آخر القائمة لدرجة أن وصلت الحالة بالطالب لأن يضرب الأستاذ ويوجه له أقسى الكلمات الجارحة ويهينه في الصف وفي الطريق.
وأصبح الإرهاب الذي يعانيه المدرس من الطلاب يعادل الإرهاب الأمريكي على العراق.
هل هذه هي التربية المنشودة وهل هذه هي الطريق التي نبني بها الجيل وهل بإنشاء طلاب فاسدين وأميين نبني الوطن.
إن الأمر واضح تماماً وليس بحاجة إلى تفسير وليس من الحضارة ولا من التقدم والتطور أن نقتدي بالمدارس الأمريكية ونتمثل بالأخلاق الغريبة عنا والتي لا تمت بصلة إلى تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا سيما وأننا نعتبر بلد مواجهة مع عدو أزلي وهو إسرائيل ولمحاربة هذا العدو لا بد من إنشاء جيل قوي قادر على الدفاع عن أرضه وعرضه وبإنشاء جيل مايع وتربية فاسدة وتنمية أخلاق متداعية هذا لا يعني إلا شيئاً واحداً ألا وهو أن صراعنا مع عدونا انتهى إلى غير رجعة وما دليل ذلك إلا اللباس المهزلة الذي يرتديه طلاب المدارس بعد أن كان الخاكي وبدلات الفتوة هي المقررة وما حذف مادة التربية العسكرية من المدارس إلا لإبعاد الطلاب ماديا ومعنوياً عن عدوهم الدائم الجاثم على صدر أمتنا العربية ،أما عن الدافع لهذه الأمورفهومعروف ولا داعي للحديث عنه وما يقتضي السؤال والاستفسار عنه هو مقابل ماذا وما هو الثمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.