
شارة البدء
-لم تكن صدفة بل أملا أجمل ..لقاء مع أخت وصديقة وناقدة: السيدة المحترمة ريمه الخاني كل التقدير والاحترام. 18-4-2021م.
التقيتها في مكان جميل، قالت السيدة هنا: تلك كاتبة مثلك..فقلت كم ابتعدت عن عالم الأدب لأدخل بقوة إلى عالم البحث..فأهلا بكم جميعا…
إنها السيدة نجاح موصلي، عندما عرفتنا ببعضنا أهديتها وأهدتني..فعرفت أنها محبة للأدب تتابع مع خطراته وحركاته، ترتشف حروفه بمتعة فائقة، ومن طبعي ألا أفوت فرصة للاستفادة من التجارب الأدبية الأخرى لأمتحن قلمي النقدي، فرحبت وكانت شارة البدء..
*******************
أي عمل يبدأ من عنوانه ثم غلافه، وليس العكس..وهذا ماحصل عندما سر الأستاذة نجاح محموعتي القصصية ق ق ج: نصيحة متأخرة، حيث وجدتها في يد الأستاذة هنا فطلبتها، بعد إهدائي للأولى المجموعة.
بك اكتفيت..عنوان صارخ قوي يبطن أكثر مما يظهر..ماذا يعني بكَ اكتفيت؟
هل كنت قبلك انتظر الفرصة؟
هل من الممكن ألا أكتفي؟
أم بعد وفاتك لارجال أبدا يقتفون أثري؟..
لكن مانفهم من قراءة العمل أنها تحترم زوجها تعشقه وهذا الأدب قليل الانتشاربلسان المرأة ذاتها نظرا لأنه يعتبر جرأة من المرأة وفي بعض الزوايا أكثر من ذلك..خاصة في سفح العواطف الغالية لكل من هب ودب..فغزل المرأة غير الحال الطبيعي جارح للنفس عموما وعلى الأقل لأمثالنا ممن يقدسون الحياة الزوجية[1]، إن لم يكن جارحا لكبريائها.يطالعنا غلاف بدائرة شمسية الون وكأنه تعبير عن كون الزوج شمسا مشرقة، وخلفية بنية اللون، ورسوم بسيطة فراغية وكأنها تعبر هن المرأة في قلب الرجل…وتقاطعات الحياة وامتزاجها، ورغم غموض التشكيل إلا أنه موفق إلى حد ما، فشكرا لابنها البار على لهفته وقدمته.ولعل دمغة : شبيه القمر في الغلاف تاج الغزل في العمل.
كان الإهداء:
لازلت ألمحك في وجه القمر..
اشتقت لك بك اكتفيت..قدم للعمل: الأستاذ باقر ياسين أحمد من العراق مواليد 1939م
بكالوريوس أدب عربي من جامعة بغداد عام 1962م
وله عدة مؤلفات في الأدب والسياسة والتاريخ.
كان التقديم من العيار الثقيل، ولعله من دواعي استغرابي التقديم للنثر الفني، وذلك لأن المتخصصين عموما يبحثون عن الكتب التي يبرزون عبرها عضلاتهم الأدبية، فكان دليلا على أدبيته الواضحة ومحبته لاختصاصه، نجتزئ منها:
-لاتذهبوا لقصيدة ابن زريق البغدادي ولاتفتشوا عن ذلك الرمز المثالي النادر الذي لاشبيه له قرون في حب الزوجة لزوجها والزوج لزوجته.
حين ترغبون في التعرف على الصورة المثالية للوفاء الأسطوري الذي يمكن أن يجمع الزوجين في مواجهة أقدار الحياة ومفاجآتها الحزينة الصادمة.
اتركوا ابن زريق البغدادي وقصته الحزينة التي حفرتها الأيام على صفحة التاريخ واتركوا ماقالته زوجته العاشقة المحبة حين حان سفره الذي استحال عليه أن يراها وتراه بعد ذلك حتى آخر العمر وآخر الدهر، حين قالها لسانها:
وكم يرمز بذلك إلى مقالته زوجته لتثنية عن السفر والفراق…
إلى آخر التقديم فلسنا بصدد تقييم التقديم، بقدر عرض تلك الشخصية التاريخية المرادفة لحالة الأديبة فمن هو ابن زريق؟
-ابن زريق البغدادي (المتوفي سنة 420 هـ / 1029 م) هو أبو الحسن علي أبو عبد الله بن زريق الكاتب البغدادي شاعر عباسي. ارتحل ابن زريق البغدادي عن موطنه الأصلي في بغداد قاصداً بلاد الأندلس، لعله يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره، ويترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب، ويخلص لها وتخلص له كل الإخلاص، فمن أجلها يهاجر ويسافر ويغترب وهناك في بلاد الأندلس – كما تقول لنا الروايات والأخبار المتناثرة – يجاهد الشاعر ويكافح من أجل تحقيق الحلم لكن التوفيق لا يصاحبه، فهناك يمرض ويشتد به المرض وتكون نهايته ووفاته في الغربة ؛ ويضيف الرواة بعداً جديداً للمأساة، فيقولون أن القصيدة التي لا يعرف له شعرٌ سواها وجدت معه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة.[2]
لعل افتقاد المرأة لرفيق المشوار هو الإخلاص بعينه، وشطر الحياة الساقط في عالم الأرواح، فسلام على من ترك بصمة العمر تحكي افتقاده.
تبدأ النصوص النثرية بنص بيت دافئ بلا باب
من نذر نفسه للإنسانية
كنت أغار من حب أولادك لك
لاأستطيع القول أني أحبك أكثر منهم
لكن ولو كنت أحبك أقل من حبهم
فهذا القليل كثير كثير كثير..
مانراه نمط من البوح النسائي الصادق،وكأنه حوار معه تخاطبه بشفافية ..ولأن “كنتُ” فهو الحاضر الغائب.
فنيا: هنام قصائد تشعر بقابليتها للنظم، لكن في حالتنا هذه فهي في حالة الخاطرة البسيطة فقط.
كان نص ابني غصن زيتون عبق أخضر غزل للأولاد سخي وفيه:
علا الشيب مفرقه زاده زقارٌ(وقاراً) يسطع
يمسح عرق اليتيم ويتأمل…
إنها أرشفة للحظات الاستثنائية، لكل ماترك أثرا في نفسها ووجدانها ومازال..
نراها متجسدة في العناوين:
أتاني المرض متبخترا
مكسورة ياأمي
يدي لاتلوح للوداع إلى غيرها من النصوص..التي بلغت 76 نصا في كتاب وصلت صفحاته إلى 88 صفحة.
لعل أحدهم يجد عدة خطابات غزلية لعدة شخصيات منها ماهي واضحة ومنها ليست ذلك، باختصار هو نوع من البوح الطاهر الذي نحب، ندعو للأديبة بالتوفيق ونأمل أن تتقدم خطوة لعالم القصة القصيرة أو على الأقل ق ق ج فهو أبلغ أثرا في المكتبة العربية.
ويعتبر الأستاذ ياسر الدوسري البوح العاطفي نوع من التفريغ النفسي، لكنه هنا إن كان حلالا فهو محمود بالطبع فيقول:
كنا تعارفنا قبل على تقسيم الغزل إلى عذري وغير عذري أو عفيف وصريح وهذه التقسيم نحن بحاجة إلية لمبدأ نحن نؤمن به ولكي نفهم قوله تعالى (إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا) (2) أما الذي كنت أظنه من الفلسفة أو من التعقيد الذي يضر بالشعر أكثر من أن ينفعه هو أن ينفصل المباح منه إلى تفريعات أخرى بما يسمى الغزل المقصود والغزل الوجداني ثم لو تعمقنا أكثر في الغزل المعين أو المقصود نجد أنه الذي يكتب لقصة عشق معينة ولشخص بذاته والوجداني الذي هو وصف لمشاعر الحب ووصف اللواعج والأحاسيس وما يحصل للنفس عندما تحب والذي جعلني أنفر من هذا التقسيم أنهلا يؤدي إلى فائدة مرجوة غير الزيادة في التفريع ثم إن الفروق المذكورة قبل ليست إلا للتنوع وهل الحب ووصفه إلا الغزل العفيف؟ وهل للشاعر وقت أصلاً عندما يثار هاجس الحب لديه أن يفرق بين هذه وهذا؟.[3]
************************
أخيراً إن العملية الوجدانية بكل بساطة تجريد لما في الضمير واحتشادها على الورق ساعة تفتق العاطفة، نوع من الصدق في توصيل المشاعر قد ينقذها الصمت، وقد تثريها البلاغة لتصبح مثالا لحكم وأمور جيدة تستأهل النشر، على غرار من يستهلك ورقا لافائدة ترجى منه.ننتظر المزيد من أديبتنا وله خير الدعاء والتقدير.ونختم بما كتب على خلف الغلاف:
أسير حافية القدمين،أحن من حذاء ضيق..
أحب الأرض من دون أسماء..وأحب الأخلاق من دون ديانات.. فالله واحد.. والأرض واحدة..
هذه هي الأديبة نجاح موصلي الإنسانة الشفافة الحساسة…مبادئ لن نناقشها ولايحق للناقد فعل ذلك البتة تجنبا للشخصنة النقدية.
ننتظر منك كل جديد وفقك الله.[4]
د.ريمه عبد الإله الخاني
[1] إن أغلب مادرج من غزل المرأة صدر عن الشعراء لا الشاعرات مثال نزار قباني:انظر الرابط للتوضيح:جريدة الرياض 2021م
ولأنه ليس بشعر فلنقل إنه بوح.. حاول البعد عن الخصوصيات الواضحة بقدر الإمكان فنجح في أمكنة وأخفق في بعضها الأخرى.
[2] ويكيبيديا
[3] ياسر الدوسري-مقال : تقسيم الغزل العذري، هل هو مطلب أم ترف.2005م
[4] هديتي لها