إضاءات حول رواية[1]
الشيطان سادسهم. للأديب شامل سفر[2]
بقلم:د. ريمه عبد الإله الخاني[3]
يعد الأديب سفر من الأقلام الأدبية القليلة التي تملك المكنة اللغوية الواضحة، و التي تعتني بالتفاصيل الاجتماعية توصيفا ، تدقق النظر في الواقعة حد الملاحظات الخافية عن الرائي العادي، فيقدمها ممزوجة بعنصر التشويق الناجح، الذي يتدثر بلغة معبرة عن المشهد الموصوف بعناية. تخصه وحده كبصمة أدبية وملامح إنشائية مميزة، ولعل كل أديب يبرع بنمط أدبي دون غيره، حيث تعتبر تلك الميزة سمة معروفة حتى يقال الشاعر فلان والقاص فلان، وهذا لايعني أنه لم يكتب في الأنماط الأخرى، لكنه كان بارزا في أحد الأنماط الأدبية حتما، لم يتسنَ لي قراءة نصوص للمؤلف العزيز سوى ماينشره في موقع التواصل FeceBook مما حداني اختيار أقربها إلى نفسي وأقواها برأيي الخاص فأضيفها لموقعي الخاص والذي شرفني مادعاه الناقد العراقي الكبير سالم وريوش الحميد إرشيفا عربيا مهما، كان ذلك عبر رابط واحد في الموقع.[4]
كان لي الشرف في الحصول على نسخة من الرواية والتي حاولت التنصل من مهماتي علني أغنم بلحيظات معها كل حين، وقد أبعدني عمل البحثي عن الاستمتاع بعالم الرواية الأثير، اختبرفيه درجة انسجامي مع السرد الذي لايتقبل إلا الأصيل منه المتمكن ، خاصة أنني قد أنهي روايية طويلة مستمتعة بها وبكتاية إضاءات عنها، وقد اقرأ بسرعة رواية لاطعم ولانكهة لها.[5]وكما قال بول سويني[6]:
–إذا شعرت وأنت تقلب الصفحة الأخيرة في الكتاب الذي تقرأه أنك فقدت صديقا عزيزا.. فاعلم أنك قرأت كتابا رائعا. وهذا ماأتمناه حقيقة.
يقدم غلاف الرواية رقم خمسة العربي ملتهبا من النار، ليقطعه كلمة الشيطان بخط كبير وتليه كلمة سادسهم بخط أصغر…والغلاف يوحي بأحداث متلاحقة حابسة للأنفاس لأول وهلة.نبدأ على بركة الله فافتحوا لنا أبواب قلوبكم وفكركم النير:
بدأ نص الرواية بالعبارة التالية:
الباب مازال مفتوحا
فأصغ لما يدور هناك، قبل أن يغلق
بهذه البداية يزرع عنصر التشويق في أذن القارئ هامسا :
-اتبعني فلدي مايسيل لعاب القراءة.
*********
يعد عنوان الرواية تطوير لحديث شريف معروف:
قال النبي ﷺ: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، متفق على صحته.[7]
وقوله ﷺ: لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، خرجه الإمام أحمد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بإسناد صحيح.[8]
لذا فإن القارئ تلفت نظره الأمور غير المألوفة وهذا نجده كثيرا في عالم البحث والتجديد المصطلحي.
***********************
يبدأ الفصل الأول بمشهد رسالة نصية وصلت لحاسوب أحمد النقال ذلك الراكب على متن طائرة ما متجهة إلى باريس، حيث كان بقرب سيدة فرنسية، تذكر بفضول أنها لاحظت رسالة قد تكون من زوجته التي تريد الاطمئنان عليه، ليباردها قائلا:
-إنها رسالة عمل.
يعيدها إلى صمتها برزانته ، كانت رسالة تصحيحية كررت مرتين وجهت من بول ولعبارة في الهامش!.-لاندري مقصد المؤلف في ذلك..هل الأمر كله لفت نظر فقط؟-ليرد بتوقع للقائه، متذكرا أن كتابه صدر منذ أكثر من سنة ونصف.تعتبر بداية كتلك كبداية فيلمية كمن يركز في المشهد لتتسع العدسة رويدا رويدا فتعطينا الخلفية الجغرافية و المعرفية بينهما، وأن الأمر لايستأهل سفر أحمد إلى باريس للقائه ربما!..ليضع المؤلف حكمة وماأكثر ماأبحث عنها في طيات الروايات والتي يتخذها النقاد والدارسون فرصة للاطلاع على المذهب الفكري للمؤلف يقول:
-إن الصداقة بين حاملي فكرين مختلفين أمر وارد الحصول، حتى لو كانت درجة برودة الجليد الفاصل بينهما في البداية الصفر المطلق.
عبارة كتلك تكسر أيضا عبارة :
-الأرواح جنود مجندة، ماتعرف منها أتلف، وماتناكر منها اختلف.وهو حديث شريف في صحيح مسلم: 6376، وعليه فهنا تتحقق النظرية العلمية: السالب والموجب ينجذبا فهل هو معقول اجتماعيا دون مشتركات إنسانية؟. أتساءل…
هنا يبرر المؤلف الأمرويحيله إلى يوم فاصل جرى أذاب الجليد..وهو مايفصح عن الطباع المختبئة في الثياب والتي لاتظهر إلا في المواقف المحرجة. أو هو دفع للقارئ للمتابعة قرائيا، يعيدنا المؤلف لمشهد الطائرة وطلب الفرنسية محادثة أحفادها وابنتها من محمول أحمد نادر فيجيب طلبها.ليغرق في لجة الذكريات وكيف وصل لأحلامه في السفر ودراسة الفيزياء العميقة.لتخرج رسالة من بول يطلب عنوان فندقه الذي سيبات فيه.
الفصل الثاني ص 17، وهذا يعني فصولا قصيرة متتابعة:
يطالعنا مكتب البروفسور بول مع سكرتيرته، وربما بعض تفاصيل عن مزاج بول لايهمنا كثيرا في البدء، كان قد شغل سطورا عدة، وعبارة يقرأها من شاشته:
– العربي المسكين!.
هو لايقرأ الآن في الاستراحة بل يعيد حساباته!.ليشير المؤلف لتاريخ الكتابة 1997م حيث مضى عاما عليها، تمتع خلالها بإذلال أحمد نادر..!!.[9]
ليعلق بول في الصفحة 22:
–تهذيب الرجل يثير استغرابي!.
ويعترف بأن تهذيبه هزم رعونته، وأنه يشعر بالذنب… سمع من التلفاز خبرا عن موت عالم الفيزياء جوزيف راجيف..وترجيح انتحاره..ففتح جهازه اللوحي..وأرسل ملفا لجهات علمية كثيرة مضيفا عبارة:
-لقد قتلوا جوزيف راجيف.
نصل الآن إلى الفصل الثالث: المعنون:
مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.باريس أحد الفنادق.وعلى مايبدو سيكون الفصل نقلا لتفاصيل المؤتمر.يعود بول بذاكرته حين سأله والده لماذا تريد معرفة أسرار الفضاء؟.. ليجيب عن شوقه لمعرفة كيفية عودة المسيح للأرض..حيث كان متأثرا بما كانت جدته تحكي له عن يقينها الإيماني، بلغة رصينة، مقتربة من آريوس المصري..فهل اعتبر المؤلف أن تلك البذرة تعتبر الخير الواضح في النفس الإنسانسة التي توصله للحقيقة؟.وكما نرى فقد شرد بول عن المؤتمر ليلتقي بأحمد قائلا له:
-حياتي في خطر..
في الفصل الرابع نرى عنوان : باريس –برج إيفل:
يفاجئ البروفسور بول أحمد يحقيقة توقف الشمس يوما ما علميا مقارنا بها الآية:
-ومايدريك لعل الساعة قريب.
فيأتي بول بمفاجأة أخرى وهي محو الملف بعد قراءته من قبل أحمد و من الحاسوب من خلال فيروس صممه وبرمجه زمنيا بنفسه.وهذا ماكان البروفسور بصدده خوفا وحرصا على حياته وعلمه.ليشرح عن اندفاع راجيف ونشره لعلمه رغم نصائح بول، فهو من النوع الذي لايمكن أن ينتحر.يمكننا التوقف هنا على حقيقة علمية مفادها:
-أن حقيقة اقتراب الساعة لم يعد خافيا علميا، لكن الأدهى والأمر أن بنوك الأبحاث والأفكار حكرا على المطورين والمراكز البحثية، ومالايريدون نشره لن ينتشر، فلكل توظيف وتوجه، واستثمار العالم في المراكز العالمية أمر لامفر منه، حتى إذا فكر بالعودة للوطن توقفوا عن إجابة طلبه، لذا قد يكون هناك منفذ سردي آخر حول هذا الأمر الذي قد يحمل حقيقةم زمنية ربما عن الساعة لكن علمها عند الله كما ندري جميعا، لذا توقف تفكيري هنا منطقيا.
ولعل الحوار الدائر حول المغدور لم يعد يهمني في هذا الفصل كثيرا.بقدر تضحية أحمد بعمله وإنفناقه نقودا كثيرة لأجل السفر..حيث اتصل والده منبها إياه بأن الهواتف الفضائية ليست أمينة تماما.
لغة السرد بسيطة محكمة، خالية من التعمق النفسي والعاطفي في مكان يمكن للمؤلف السياحة فيه براحة.
يأتينا الفصل الخامس بلا عنوان! مناقشا واقعة قتل العالم والسبب..ويدخلا عالم بول المكتبي، اتخذ المؤلف سمة الخط الغامق للمحدث الآخر وليكن بول ليميز بين المتحدثين وهو شأنه بالطبع.ومايلفت نظرنا هنا مايفصح عنه البروفسور من إيمانه بنظرية المؤامرة التي يؤمن بها العرب فما هو قصده هنا؟ هل يعبر عن التفكير الغربي أم هو واقع أم يقرب مابين التفكيرين ؟، يمكننا القول كقراء أن طريقة التفكير الغربية مختلفة عن تفكيرنا[10] لذا من الخطأ التفكير باتجاه واحد على طول الرواية، بكل الأحوال الرواية ستجيب حتما:
في الصفحة ذكرت كلمة يهود لأول مرة مجردة وبلا تعليقات، وكأنه ينأى بنفسه عن التأويل الشخصي، فيتركها لتكهنات القارئ، وخلاصة الفصل أن العالم المغدور كان يحتاج دعما لا تصفية..فقد فشلت الجهود لإسكاته كما ورد في كلام بول، والدليل محاولات اختراق جهاز بول، نجد هنا في هذا الفصل تبيانا على أن الغرب لديه من المعارف مايجعلنا ندهش فعلا في حين نعتقد أنهم لايدرون عنا كفاية لكن الأمر معكوس تماما، إنهم مطلعون اطلاعا واسعا وهذه هي عين الحقيقة.يأتينا الفصل السادس مجردا كذلك من عنوان مميز:
كان الفصل خاصا بأستر سكرتيرة بول ورغبتها بالتفاتة له إليها تغنيها عن غيره…ويعتبر الفصل محاولة بث الدفء في السرد لكننا مازلنا بحاجة لسبر العنصر النفسي أكثر في الأبطال لتشدنا أكثر لكننا لم نجده حتى الآن.لكن مايهمنا في هذا الفصل الأخير ماذكرته حرفيا:
-هل يمكن أن أركل بقدمي، في يوم من الأيام، كل أكاذيب خدمة القضية الكبرى؟، وأستعيد ماتبقى من كرامتي؟، هذا إذا بقي منها شيء..أم أن العرب محقون في أمثالهم..دخول الحمام ليس كخروجه.
نرى في النص الأصل ولع المؤلف بالفاصلة الفارزة، وكأنه يتنفس الصعداء عند كتابة كل مفصل من الفصل، إضافة إلى سقوط إشارات الاستفهام عدة مرات سهوا كما رأيت. وماورد أعلاه كسرد يوحي ولايصرح. وهي لعبة الراوي الحريص على لغة الإيماء لا الشرح والتأويل كمغامرة حادة الأطراف..الفصل السابع وأصل للصفحة 77 من النسخة الإلكترونية وبلا عنوان كذلك..نجد هنا أن النقاش بين بول وأحمد إيمانيا خالصا، حتى لم نجد الجليد المتراكم في بداية السرد، وكأن بول كان مسلما يتردد في إعلان إسلامه.. لينتهي الفصل بذكر قلة العلماء الواصلين للحقيقة تلك عن الساعة أو الذين يعملون في هذا المجال.تعود العنونة إلينا في الفصل الثامن: في جزيرة غير معروفة:
يدخل المؤلف هنا شخصية جديدة وهي السيد واتشWatcher Robert فما قصده بهذا الاسم مثلا؟ هل هناك ماوراء ذلك؟ ( فأنا مولعة بالتشفير الروائي)، يبين لنا المؤلف أن روبرت هذا يعمل في جزيرة، ثم ندخل لاجتماع وحوار بين مجاهيل أشير إليهم ب Xعن مقتل راجيف ومن ثم أن العرب يعلمون أمر الساعة منذ 1400 سنة، لكننا لا نفهم بالضبط الهدف من وراء الفصل بصراحة، هل هو يقين العلماء بمقتله فعلا وقلة الحيلة بالوصول لحل ما مثلا؟، ربما لأن المؤلف حاول أن يستعير عيونا غربية بمفاهيم عربية.
في الفصل التاسع، وبلا عنوان أيضا، يظهر لنا البروفسور بول وقد نفذ صبره منتظرا لتظهر لنا مكالمة هاتفية مع هاينز الألماني المنضبط متصلا، متعجبا من فضول البروفسور وكانه يدخل اختصاصا جديدا!.ويبدو أن هاينز أرسل لبول ملفا يحوي 23 بحثا كملف مضغوط، ليعترف بدين في رقبة بول يحتاج نصف طن من البيرة لرده.لينتهي بمحاولة أحمد سرد قصة لبول مقابل توقع بول تحليل لشخصيته!.يلاحظ في السرد قلة الشخصيات التي تلعب على مسرح الرواية وأعتبره هنا جراة روائية مهمة ومغامرة خطرة.
الفصل العاشر البحر المتوسط في وقت مابين عامي 580-630م
حقيقة وجدت هذا الفصل نافرا عن غيره، منفصلا ومبشرا بإسلام بول بنظرة متسرعة غير موظفة بعناية، خاصة في رواية مارآه تميم الداري هذا الراهب الذي غدا صحابيا وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة حديثا، لذا أكتفي بهذا التعقيب.فربما وجدنا فيما بعد المقصد والسبب فلانتسرع أيضا.
وصلنا للفصل الحادي عشر:يعتبر النقاش بين بول وأحمد افتراضيا فكلمة اسرائيليات لايصل إلى مرماها والتعمق فيها إلا المتعمق في الدين والتفاسير وخاصة تفسير ابن كثير!!، خاصة المتثبت والمفتش عن الموثوقية، لذا لاأعتبر الفصل مقنعا وموفقا كمسيرة سرد ية يكشف فيها المؤلف وجهه دافعا بول بيديه قائلا:
-لم يبق على نضجك العقدي سوى خطوات!!..
فالحنكة الروائية تدفع القارئ أحيانا ومن خلال الأعمال الخيرية والسلوكية النظيفة أن ينادي بذلك استشفافا لا دفعا وتصريحا.فمعظم من حفظوا من كتابنا العزيز لم يسلموا! إنما إيمانا بالكتب السماوية عموما، هذا من الناحية المنطقية، أما من الناحية التقنية فمافهمناه أن أستر تراقب الجميع وهذا منوط بتطبيق كاميرا للمراقبة يسمح بدخولها وبعلم الجميع هذا أولا، ثانيا من الطبيعي وعبر الأعمال الغربية أن مديرات الأعمال وأمثالها المتهم الأول في تلك الأمور الملتبسة، لذا كان على المؤلف البحث عن شخصية بعيدة عن الأضواء..
في الفصل الثاني عشر نحن أمام معركة قرش مع إنسان!..تنتهي بنجاة الإنسان الذي تبين أنه بول غارقا في كابوسه.وفي الفصل الثالث عشر يكشف المؤلف أن قصة تميم الداري حكاية رواها أحمد وسط تعجب بول من اختفاء الجزيرة المذكورة…يظهر لنا السؤال الآن:
-هل الحوار الآن دعويا يخدم محور السرد؟، حيث تم النقاش حول حبس الرجل الدجال وبقائه هناك؟.أم خرج المؤلف من دهاليزه ليجعل الرواية برعم دعوي، فإن كان ذلك فالأمر يتطلب حججا كثيرة وحوارا مستطيلا، يضيق به عالم السرد الأدبي..وإن كان عبارة عن إطناب في حديث متفرع فربما حجب عنا فكرة الانسجام معه لنقصه. [11]
لينهي الفصل بطلب بول من أحمد نادر قائلا:
-اسمح لي أن أقدم لك عرش الشيطان.
الفصل الرابع الآن، ومازال سؤالا متلعثما يجري في نفوسنا:
-مالذي يجري بحق السماء بينهما واللقاء جاء ناتئا على هامش حياتهما ومجتزءا وصعبا؟.
قد نعتبر ماقرأناه هنا هو التقدمة المذكورة في الفصل السابق…
في الفصل الخامس عشر يستكمل كل منهما النقاش وكان من الممكن أكماله بفصل واحد.؟ وأن الأكاذيب دوما تكرس الخوف من الشيء أو الكف عن البحث، وهو برأي له علاقة بإعلام الوهم الذي يوجهك لغير مايجب أن توجه نفسك إليه.
من المحاذير التي سمعناها مرارا وتكرارا عدم التورط بحوارات كثيرة في جسد الرواية بحيث تتحول إلى نقاش يصعب توظيفه حتى لايجنح بعيدا عن محور السرد الفكري فكانت نهاية الفصل:
-فتح أحدهم هاتفه الفضائي المحمول ، ضغط على زر واحد وبعد بضع ثوانٍ قال جملة واحدة: أريد كل التفصيلات أول بأول.
يتضمن الفصل السادس عشر مراسلة أحمد لخاله، فيذكر له مشرفه على رسالة التخرج البروفسور بول، إضافة إلى وصف أحمد لخاله بإنه اقترب من إقناع بول بموضوع اقتراب الشمس وتوقفها.
أجد هنا الطبيعة العربية الطيبة التي تتفاءل من كل موقف تواجهه مشرقا، لكن الواقع أن عمرنا الفكري متأخر نسبيا كاطلاع معرفي عن الغرب بصدق وتجرد، رغم مانملك من ثروات تراثية معرفية عميقة وكثيرة، لذا ربما كانت نظرة أحمد متسرعة كمنطق، فليس كل نقاش إيجابي عموما يعني الخطوة للأمام..فدوما تحمل لنا الحياة المفاجآت، ورأيت أن ماقرأناه أطفأ نور مفاجآت كان على السارد مراعاتها، من عناد وابتعاد ونقاش سلبي يدفع أحمد لمزيد من الاطلاع والنقاش، نجده في كثير من الروايات التي دامت كتابتها أعواما وأعوام.
يعتبر الفصل السابع عشر متمما لسابقة بطريقة أخرى:
ومقارنة بين زمن الأعور الدجال والمسيح، وهو دفع المؤلف قارئه لمتابعة الحديث الذي بات أفقيا جدا، يحتاج تعرجات موقفية تبعدنا عن الرتابة الحوارية.
ينتهي المشهد بانقطاع الكهرباء وطلقة نارية.ليأتي الفصل الثامن عشر وتحقيق فرنسي.في الفصل التاسع عشر يتبين أن لدى أستر مسدسا، وفي الغرب يقتنون المسدسات بترخيص عادي متاح!، ويكشف المؤلف لنا وجود هاتف نقال آخر بحوزة أستر لايدري به بول.
وفي السطر الثامن: أن يكون حادثا وليس حادثٌ..حيث يأتي خبر مرض قاطن الجزيرة مرض الموت.وضرورة حضور الجنازة.
في الفصل العشرين يحاول المؤلف لف بعض حبال الشك على رقبة أستر:
–لم أكن أدري أن لك أقارب في فرنسا!.
الفصل الحادي والعشرين:عبرت عنه عبارة تكفيه:
-الموت مهما كانت أسبابه وظروفه والمستوى الاجتماعي لبيئته، يبقى حقيقة لاتتغير.
الفصل التالي وشعور أستر بالوضاعة والهامشية.لأباحتها جسدها لعشيقها بول. وذكريات الزمن الماضي التعس.لتقدم مفاجأة لأحمد وبول أنها تعرف كل شيء عن بحث دوران الشمس. ليسأل أحمد:
–من أنت؟
فيحرك المؤلف المياه الفاترة في السرد هنا، والتي يحاول هنا الخروج من مأزق الكلاسيكية السردية التي وقعت الرواية فيها.والتي ترواحت مابين الدعوية والبوليسية .
عندما باحت أستر بجنسيتها الإسرائيلية، وأن التقارب بين المسلم والمسيحي المجسد بأحمد وبول لم يعجبها ولن يسمح به من قادوها، وجدت الأمر عولج بسرعة من قبل المؤلف ، ماذا لو شكا بالأمر وراقباها خلسة؟. ووضعا لها الكمائن؟ سيكون الأمر مقنعا أكثر.ولكن يبدو أن سريرة المؤلف لعبت لعبتها فباحت بمكنونها.وأثرت في حركة الأبطال.وانتهى الفصل نهاية غير مقنعة البتة.
في الفصل الثالث والعشرون، وحديث الذات لبول وسؤاله :
–هل تلك الليالي الحمراء كانت تمثيلا؟.
ونقاش جديد بين أحمد وبول!..حول :
–يجب أن أعرف ماوراء أستر ماذا يريدون مني؟.
لينتهي الفصل بدق الباب وظهور البروفسور راجيف!.
الفصل الرابع والعشرون، وتلميح الزائر إلى أنه يخشى اللحاق براجيف المنشق عنهم وتنبيهه بول من كاميرات التجسس التي تملأ بيته…وأنه يعرف كل شيء عنهما بسبب ذلك..
الفصل الخامس والعشرون يعتبر جزء من سابقه…بحيث يقول الزائر:
–أنت ياأحمد شاهد على عملية استشهادية..!
ليكمل النقاش القديم الذي دار بينهما عن عداوة إبليس لبني البشر..
في الحقيقة السرد اقتحم مناطق تحتاج فتيل تشويق لمتابعة الحوار افتقدت هنا لأن الحوارات متتابعة وكأن المؤلف أرادها بالذات فهو معك في كل مناطق السرد حاضرا بشحمه ولحمه لم يبتعد لحظة..
لينهي لنا الفصل قائلا:
–فهمت الفرق مابين أن يكون الإنسان في العناية الإلهية المشددة، ومايزال لديه أمل وبين أن يكون قد اتخذ قراره بالتحول إلى شيطان.
في الفصل السادس والعشرين:يكمل فيه المؤلف مشواره الدعوى الآن مع ثلاثة أبطال أحمد وبول والزائر!.
الفصل السابع والعشرون:يخت وثلاثة قوارب وركاب ..وجثة ترمى في البحر..وحوار قد نحتاجه لاحقا.
الفصل الثامن والعشرون:يطرح المؤلف في هذا الفصل بداية خفايا الحقائق مابين سطور الأخبار..ولعلنا بدأنا نشعر أن السرد يحمل ثقلا وافيا مما يعتلج في صدره.لنر شرح الغلاف الذي تكلمنا عنه في الصفحة الثانية مشروحا هنا، ويستمر الحوار حول المحور السابق متمما ومكملا، وفي الفصل التاسع والعشرين حيث تظهر لنا الصفحة الثلاثمئة وخمسة:
في هذا الفصل نشعر فعلا بأن شخصية روبرت رغم محاولة المؤلف توضيح شخصيته غريبة عنا بلا توظيف مهم، لذا مر الفصل عابرا موحشا وبكل مافيه، أما في الفصل الثلاثون:
يعود المؤلف هنا لذكر فرعون وسحرته الخمسة والزئبق! وربطها بقتلة جوزيف الخمسة كذلك!.ولعل قدوم مارك المتلبس مازحا بشخصية راجيف بدأت تثير الريبة في نفس أحمد وبول، ليندم معهم بحوار يحوم حول الحقيقة مواربة، ولايدخل لجة الحقيقة، فكيف يستطيل الحوار دون أن يهيء بول وأحمد له المطبات والشباك لامتحان مارك هذا مثير الريبة؟!.سؤال يقفز في وجه القارئ عمدا قبل أن نسأله للمؤلف.حتى وصل الحوار لسؤال مارك:
–ماهو رد الفعل المتوقع من الخمسة؟
ليصمت مارك..
في الفصل الحادي والثلاثين: يتضخم مارد البث والبوح والشرح، فقد باتت الرواية بحاجة لحدث حارق مارق فارق، لا للتحليل والشروح..خوفا من مطب الترهل السردي.
باردنا المؤلف بسؤال فلسفي مهم :
–هل المنتصر في المعركة هو الفائز فعلا؟.
ليترك لنا الX 1 و2 ووو لغزا يفضل كشفه أخيرا أو يتركه لذكائنا، أو تكلصا من الورطة التأويلية.
هنا بدأ السرد يتفلت من عنصر التشويق لنحاول الإمساك به عنوة في الفصل الثاني والثلاثون:ليبوح مارك بوجود الأعود بحوزتهم وأنه موجود فعلا!!!.
وينفرد بأحمد مؤكدا وصولهم للجزيرة، حيث قدم فجأة في الخارج كائنات غريبة.وأضواء حمراء لتصوب رصاصها على مارك.
الفصل الثالث والثلاثون:مشهد تحقيق وإقامة أحمد صلاة الغائب مع الحضور!!.
ولكن من هم الحضور وهل يعرفون تلك الصلاة؟.
الفصل الرابع والثلاثون:وهو عبارة عن محاكاة أحمد لذاكرته وضميره…فرسالة لخاله الذي يبدو أنه يروي له كل شيء،هل تتسع الرواية لها؟ أم هو إقحام كما رأيت؟.
الفصل الخامس والثلاثون: وبعد غياب لعنوان الفصل يكتب المؤلف: دمشق-الشام.
يقدم لنا هنا شخصية جديدة دمشقية اسمها مازن، يتحرك في جغرافية الوطن.وهو قرب شيخه يتداول معه قضية الأعور الدجال ذاتها…
وفي الفصل السادس والثلاثون:وفيه يبين المؤلف أن قناع أستر كشف، وأنها تدري جيدا أن الأعور الدجال مع الخمسة المسيطرين على العالم، وسؤالها كان : ماذا يهمهم في الأمر؟.
هذا السلام الواضح الغريب في الحديث ورد بول الغريب الهادئ الحيادي كما وصف في السرد:
–فعلا وماذا بعد؟
في الصفحة 384 يبين المؤلف تماما ماكان بصدد توضيحه في جسد الرواية ككل، ولماذا تجري الاغتيالات للأثرة العلمية وبغية السيطرة العالمية، وجعل سكانه بهائم ترعى. لتسأل أستر:
-ماذا يفعل الطرفان في غمرة الانتظار تلك؟…ولن يغير هذا من سيرورة الأحداث.
وقررت إرشادهما للجزيرة مقابل ثلث المجد البحثي المتعب!!بعد رمي المسدس لهما دليل معاهدة سلام..
الفصل السابع والثلاثون:
ترحيب من على الجزيرة وتعجب من حال أستر الغامضة!.
الفصل الثامن والثلاثون: يمكننا أن الحدث الدرامي بدأ بالتصاعد عند مقتل مارك، لتبدأ البحيرة المائية السردية بالتموج…وفي هذا الفصل يعود المؤلف للاستعانة بالتاريخ لشرح مايعتلج في صدره من حقائق تخشى البوح …
الفصل التاسع والثلاثون:
يقيد ثلاثتهم على كرسي غريب دون قيود، ليأتهم ردا واحدا:
-ستكونون ممثلي البشرية لمشاهدة حقيقة كبرى!.
الفصل الأربعون:
ينبؤنا هنا بأن أحدهم أعلن بدء حرب هرمجدون!.
ليبشرهم أحدهم أنهم لن يقتلوا بل هم من سينقل ماسيرونه بأعينهم!.
إنها مسرحية تجسد تلك الحرب الكبرى بدقة..بتقنية الهولوجرام.لكن في الواقع أراد الكاتب كما لاحظت تنبيهنا ولفت نظرنا وأن كل شيء معد بعناية ولكن..
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ الأنفال 30
الفصل الحادي والأربعون: دمشق القديمة –في زمن لم يعرف بعد على وجه التحديد.
يقدم المؤلف شخصية أبو عادل مارا بالباب الغربي للجامع الأموي، ليفاجؤنا بمفاجأة الرواية كلها وكأنه يتمنى أن يعيشها…
ختاما
كانت الرواية تحكي عن عالمين فيزيائيين مسلم ومسيحي كانا يناقشا أشراط الساعة بطريقة علمية محايدة والغريب أنهما لم يتركا لشأنهما، لماذا؟.[12]
هل أجابت الرواية عن هذا التساؤل ؟ نتركه لكل قارئ يبحث عن المغامرة الفكرية.
يمكننا القول بعد تلك المغامرة القرائية الجميلة تلك، أن فنية الرواية واضحة بتمكن كخط فني عام، برغم عنصر التشويق الذي كان يغيب ويعود إلينا من جديد.
أديبنا العزيز شامل سفر رحالة في عالم الحياة والزمن والواقع، يمسك بكل مهم ليقدمه لنا ساخنا على طبق من ذهب، فشكرا له ولصدق قلمه.
أشكر للمؤلف هديته القيمة من جديد ونتمنى له نتاجا غزيرا جديدا ناجحا.وسنترقب جديده دوما.[13]
د. ريمه عبد الإله الخاني
2-3-2021
[1] تعد المدرسة الانطباعية بشكل عام وكما وردت في ويكيبيديا بشكل خاص:
الانطباعية مدرسة أدبية فنية، ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، ترى في الإحساس والانطباع الشخصي الأساس في التعبير الفني والأدبي، لا المفهوم العقلاني للأمور. ويرجع ذلك إلى أن أي عمل فني لا بد من أن يمر بنفس الفنان أولاً، وعملية المرور هذه هي التي توحي بالانطباع أو التأثير الذي يدفع الفنان إلى التعبير عنه، فالانطباعية من هذه الوجهة هي محاولة للتعبير عن الأحاسيس الفورية للعالم والأحداث.وكان (إدمون دو جونكور وأخوه جوليه) وهما كاتبان فرنسيان من القرن التاسع عشرالميلادي أول أهم الكتَّاب الانطباعيين. واستخدم الأمريكي (جون دوس باسوس) بعض رؤوس الموضوعات والأغاني والإعلانات في مقطوعات انطباعية تُبرز روح القرن العشرين.
وقد اعتمدت في تلك الإضاءات على المذهب الانطباعي عموما، حيث وجدته ناقصا بدعوى كون الانطباعية مذاهب كذلك، فهناك الانطباعية النفسية والانطباعية الفكرية والانطباعية المعرفية والانطباعية الشعورية أو المشاعرية، بحيث يجد الناقد صدى النص في نفسه وعقله ومعارفه، فيقدم بضاعته النقدية على أساس مايملك من أدوات، مضافا إليها القيمة العملية وهي الخبرة.
[2] نلفت عناية الفارئ إلى أن النقد الانطباعي الذي نهجته في الدراسة لم يتطرق عقديا لما ورد من نقاش حول الساعة والذي يتخذه بعضهم أو بعض الكتاب العالميين من استباحة النقاش حول الغيبيات التي تمهد للإلحاد في بعض الأحايين، وظننا بكاتبنا خيرا، بكل الأحوال تركت الأمر بين يدي المؤلف ونيته، إنما عملي أدبي خالص .لذا وجب الإعلام.
[3] باحثة وأديبة مؤسسة شبكة فرسان الثقافة، ناشطة في مجال المحاضرات الجامعية عن بعد، وتقدم خدماتها الجامعية والنسوية عبر مجموعات التواصل.
[4] مختارات من قصص الأديب شامل سفر:دعوتها شامليات.للتميز بلغة الوصف الواقعي التفصيلي.
[5] كنت قمت بتأسيس مجموعة القارئ النهم في الواتس-والذي تفرع عنه 3 مجموعات جديدة فضلا عن مجموعات الموقع نفسه السابقة- كمختبر قرائي منذ عام 2017م قمنا فيه بقراءة الروايات الفائزة في المسابقات ورصد العمق الفكري في الأكاديميين العرب وقد ضمنت النتائج في بحث قد نلقيه في مؤتمر عالمي قريبا بإذن الله مع ذكر أهم القراء والأكاديميين فيه.
[6] بول سويني: عضو برلمان المملكة المتحدة.
[7] الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم: 2731 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين/موقع الدرر السنية.
[8] الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : ابن باز | المصدر : حاشية بلوغ المرام لابن باز
الصفحة أو الرقم: 437 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | انظر شرح الحديث رقم 76801/موقع الدرر السنية
[9] لم نجد ذلك في السرد فماهو القصد ؟ أم أحمد ممثل للعرب كافة كرمز؟.
[10] لعل التفكير الغربي عملي جدا بحيث يبحث عن تطبيق الفكروترجمته واقعا أكثر من النقاش حوله.فالناقش لديهم دراسة علمية وهذا مالاحظته عدة مرات.
[11] لقد أخذ على الأديب عدنان كنفاني ترهل رواياته، على غرار رواية بدو المدينة الفلسطينية، التي رغم بعض ترهل فيها وإطناب بقي المحور الرئيس فعال فيها. ويبقى الأديب المذكور ملك القصة القصيرة الفلسطينية.
[12] يمكننا أن نقول: أن المؤلف خاض مغامرة نرجو أن تحسب له لاعليه لأن زمن الساعة من المعميات التي لم تفتح أسرارها حتى لنبينا الكريم صلوات الله عليه:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ الأعراف:187.بينما يمكننا النظر في أشراطها ولعل العلم مافتئ يبحث في ذلك وهذا واقع، ويبقى ضعيفا أمام قدرة الله وعظمته، وما قدمته ماهو إلا تقييم أدبي فني انطباعي ولم أناقش فكرة الرواية وماورد عن وجود الدجال كخيال جامح للكاتب، خرج عن المنطق ربما لأن الدجال قد لايكون زمن ظهوره الآن فكيف سيبقى سجينا حتى ظهوره مثلا؟ كعمر إنساني لايمكنه البقاء طويلا؟
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ سورة محمد18
[13] تم نشرها في موقع goodreads عرفانا بالجميل.