ما أجمل أن ينتابك شعور الولائين والحب لبلدين ورئيسي جمهوريتين حبي لبلدي سوريا مسقط رأسي ومسقط رأس أبي، وحبي لأرمينيا مسقط رأس جدي وأجداده من قبل، ومحبتي لرئيس بلدي سوريا سيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد، ومحبتي أيضاً لرئيس أرمينيا بلد أجدادي مع اشتياقي الشديد لرؤيتها ولو لمرة واحدة.
صاحب الولائين … بقلم آرا سوفاليان
ما أجمل أن ينتابك شعور الولائين والحب لبلدين ورئيسي جمهوريتين حبي لبلدي سوريا مسقط رأسي ومسقط رأس أبي، وحبي لأرمينيا مسقط رأس جدي وأجداده من قبل، ومحبتي لرئيس بلدي سوريا سيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد، ومحبتي أيضاً لرئيس أرمينيا بلد أجدادي مع اشتياقي الشديد لرؤيتها ولو لمرة واحدة.
محبتي لسوريا الحبيبة وشعبها الأبي الكريم الشهم المغيث المعطاء، الذي عطف على الأرمن وقاسمهم رغيف الخبز والزاد ومنحهم الأمن والأمان وأعطاهم حق العمل والمواطنة الكاملة وحرية العبادة بعد انقشاع الغمّة، فشعروا بالأمان والسلم والسلام .
وتفردت سوريا في هذا الرقي والتعامل الحضاري مع الأقليات فتحولت إلى قدوة ومضرب للمثل… وفي معرض متابعتي للتغطية الكاملة على الهواء مباشرة من فضائيات الدولتين ومن مواقع الانترنيت… سألتني ابنتي الصغيرة
بابا ماذا تفعل؟
قلت: أتابع أخبار زيارة رئيسنا لرئيسنا وقد سافر والوفد المرافق من بلدنا إلى بلدنا.
أما الهدف فهو نبيل والمسعى كريم وأرجو من الله أن يتحقق الهدف والمسعى إن شاء الله، وبمناسبة هذه الزيارة الكريمة رأيت أن أهدي هذه المقالة الجميلة للشعب العربي السوري وأنا منه وصاحب الولائين، شعب البلد الذي أحببت وحيث الماء الذي شربت والزاد الذي أكلت والهواء الذي استنشقت عربون محبة وولاء وإخلاص … وسوريا أحلى بلاد الدنيا، حتى أزور أرمينيا وأرجع لأقول… سوريا أحلى بلاد الدنيا.
المقالة:
أهدتني إبنة عمي التي تعيش في أرمينيا بريليانتيغ ميهران سوفاليان وزوجها آرسين آركامي بيدروسيان أثناء زيارتهما الأولى لسوريا 1986/1987، معجم صور يحيط بالتاريخ الأرمني والأوابد والآثار الأرمنية القديمة من عهود أورارتو في أرض أرمينيا الكبرى التي تمتد من مناطق جورجيا والقفقاص وأذربيجان لتتاخم أواسط آسيا الصغرى ثم غربها ناحية المتوسط وهي تلك الأراضي التي تعرف باسم مملكة أرمينيا الصغرى أو كيليكيا مروراً بسوريا ولبنان وحتى سواحل عكا في فلسطين حيث وصلت جيوش الملك ديكران الكبير الفاتح إلى هناك ونشأت أمبراطورية أرمنية قوية لم ينجح الأرمن في الحفاظ عليها، وتم العثور في عكا على لقى أثرية وهي نقود ذهبية مصكوكة تحمل رسم الأمبراطور الفاتح الملك ديكران الكبير، وصولاً إلى صور الأديرة والكنائس وبوابات وأسوار مدينة آني عاصمة أرمينيا القديمة… وصولاً إلى المتاحف والشوارع ومبنى الميترو والمعارض والمسارح ودار الأوبرا والتماثيل والمنحوتات والتحف الأثرية في المتاحف وتلك التي تزين الساحات العامة في يريفان.
ووقفت مشدوهاً أمام صورة رائعة بل منحوته تمثل البطل الأسطوري دافيد الصاصوني يمتطي حصانه ويحمل سيفه الأرمني الأصيل.
توقفت طويلاً أمام الصورة والسيد بيدروسيان زوج ابنة عمّي يتولى الشرح والتعريف وينتظر الصورة التالية، وعندما طال انتظاره قال لي الحق معك يا آرا أن تتوقف طويلاً أمام هذه الصورة، فهذه المنحوتة نالت جوائز عالمية وتعتبر بحق أجمل منحوته لحصان وفارس وسيف في وضع الحرب، والمنحوتة هذه تتحدث عن اسطورة وهي اسطورة دافيد الصاصوني.
اسطورة دافيد الصاصوني:
سحب اوهان الحصان الأسود، ووضع رجله في الركاب الأيسر وقبل أن يضع الثانية في الركاب الأيمن توقف الحصان فوق قمة جبل صاصون.
وهناك رأى اوهان حصان دافيد إبن أخيه، شارداً في الجبال بدون فارس وجيش الفرس يملأ السهل كأنه أمواج البحر.
لبس اوهان سبعة من جلود الجاموس لتشتد مقاومتها فلا تتمزق، ثم وقف فوق قمة الجبل وكأنه الغيم المتلبد وصاح: هيا هيا يا دافيد أين أنت، تذكر الصولجان الذي في يدك اليمنى والفظ اسم الأم المقدسة فتخرج إلى النور وترى الأرض من جديد.
فسرى صوته كالرعد ووقع في أذن دافيد فقال ها هو عمّي يناديني من أعلى قمة في جبل صاصون.
وأضاف اوهان يا ماروتا يا والدة السيد المسيح، أيها الصليب الخالد المقدس رمز عذابات ملك الملوك، أبتهل إليكما أن تساعداني لأعثر على دافيد.
فوقف دافيد على رجليه، وضرب حجر الطاحون ضربة حطمته وحولته إلى ألف قطعة تطايرت في الفضاء وما زالت تدور فيه حتى اليوم، ثم خرج من الحفرة ووقف كالطود الأشمّ.
ذُعر ملك الفرس مما رأى وقال مخاطباً دافيد.
ـ أخي دافيد تعال معي الى هنا نقعد إلى المائدة ونتحدث.
ـ لا … لن أقعد بعد اليوم إلى مائدتك ما أنت إلاّ عدو دنيء وجبان جاء يحتل أراضي الغير، هيّا خذ سلاحك واركب حصانك وانزل إلى الميدان لنتبارز.
ـ لا بأس لا بأس … لنتبارز … قال ملك الفرس … بشرط أن أبدأ أنا بالضرب.
ـ ليكن لك ما تريد، قال دافيد، ثم ذهب ووقف في وسط الميدان.
ركب ملك الفرس حصانه وحمل دبّوسه وأعدًّ عدته وابتعد بحصانه حتى ديار بكر، ومنها كرَّ على دافيد مشرعاً عليه رمحه الضخم الذي يزن ثلاثة آلاف رطل، فلمّا وصل اليه، ضربه به وارتفع الغبار واهتزت الكرة الأرضية، فتسائل الناس في البلاد، ماذا جرى؟ أزلزالٍ هو أم صاعقة عظيمه؟ فأجاب العارفون بالحقيقة ( إن العمالقة يتبارزون).
وصاح ملك الفرس في جنده صيحة فرح، لقد قتلتُ دافيد بهذه الضربة، إلاَّ أن دافيد صاح من بين الغبار… لا زلت حياً أيها الملك.
ـ طبعاً فلقد جئتك من مكان قريب ومن مدى أقرب أنظر من أين سآتيك الآن.
وقام العملاق ليكرَّ مرة ثانية وركب حصانه ومضى عائداً به في هذه المرة إلى حلب ومنها أطلق لجواده العنان فهبت الأعاصير من الجانبين لهول السرعة، أما سنابك الحصان فلقد هزّت الأرض هزّاً، فلمّا وصل ضرب ضربة عظيمة أصمّت آذان الناس القريبين منها.
وصاح ملك الفرس مرة أخرى جذلانً
ـ ها قد مات دافيد الصاصوني… فناداه دافيد، لا زلت حياً أيها الملك، ولتضرب ضربتك الأخيرة وبعدها يأتي دوري.
فتعجب ملك الفرس وقال: طبعاً فلقد جئتك من مكان قريب ثم نهض للمرة الثالثة وركب حصانه وابتعد به هذه المرة إلى بلاد فارس وعاد كالبرق الخاطف، يلوّح بدبوسه الضخم فلما وصل استجمع قوته وضرب ضربة عملاق ثقيلة وارتفع الغبار حتى حجب الشمس وغطّى سهل صاصون بأكمله وبقي الغبار كالسحاب ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ والناس خلالها يتأسفون على شباب دافيد الضائع، حتى مضت الأيام الثلاث وانقشع الغبار عن السهل الفسيح، فبدا دافيد راسياً كالطود، شامخاً مثل جبل كوركور العظيم وقال: لمن الدور الآن أيها الملك العظيم، فانتاب الملك خوف شديد وارتعش فؤاده رعشة الموت وطارت نفسه الخبيثة كالشعاع وأسرع إلى إحدى حفره العميقة واختفى في ظلمتها الكئيبة بعد أن أمرْ بأن توضع على فوهة الحفرة أربعون قطعة جلد وأربعون حجر طاحون، وعندئذٍ إستعدَّ دافيد الليث إبن ذاك الليث وركب حصانه ولكزه فطار به، وسيفه البرّاق يلمع في يده فأسرعت اليه جاتو أم ملك الفرس وشعرها منسدلٌ على وجهها قائلة: دافيد لتطأني سنابك حصانك، ولتمنحني هذه الضربة، أتوسل اليك، فقال لها حسناً هذه لك وبقيَّ إثنتين…فجاءت أخت الملك تبكي وتتوسل.
ـ دافيد أقتلني بدلاً منه… إطعن صدري وأعفي عنه… فقال حسناً، هذه لك وبقيت واحدة.
قال دافيد: لم يبق له من يشفع له، فيجب أن تكون الضربة قاضية.
ثم نهض إلى حصانه وركبه وطار به كالريح بل كالصاعقة وانقض على مكمن الملك وضرب بسيفه البرّاق فتقطعت الجلود الأربعين وتحطمت الحجارة الأربعين وطارت في الهواء، وشق جسد الملك إلى نصفين، فرددت روح الملك المتعبة من أعماق الحفرة صيحة يائسة، أنا حيّ يا ديفيد، أعد الكرّة إذا شئت.
ولكن دافيد كان واثقاً من ضربته وواثقاً من نفسه ومن سيفه، فقال للملك: إضرب على صدرك تعرف الحقيقة، فضرب الملك على صدره فإذا به ينقسم الى شقين، الشقين الذين قطعهما السيف وقع الأول على اليمين ووقع الثاني على اليسار، فلما شاهد جند فارس ما حلَّ بملكهم تملّكهم خوف عظيم.
فوقف دافيد بهم وقال: أيها الجند لا تخافوا واستمعوا إليَّ… ما أنتم إلاَّ رجالٌ مضطهدون، تعيشون جياعاً وعراة في ظل الاستبداد وتعانون من شتّى الآلام، وتشتكون من الهموم، فما بالكم تحملون الأقواس والنبال وتغيرون معتدين على أرض غيركم، إنّا لنا بيوتاً وعيالاً وآباءٌ وأبناء مثلكم، فهل مللتم الحياة المطمئنة التي كنتم تقضونها في الفلاحة آمنين، أم سئمتم الأرض والحقل فتركتم أرضكم وزرعكم وحصادكم وركضتم وراء آمالٍ خائبة.
هيّا عودوا من حيث أتيتم إلى أرض وطنكم فارس واتركوا أرمينيا العظيمة لشعبها العظيم واعلموا أنكم إن عدتم لتعتدون علينا بالسلاح فستلاقون من دافيد الصاصوني وأحفاده وسيفه البراق وسيوفهم ما لاقاه ملككم، وستصل سيوفنا إليكم أينما كنتم ومهما بلغتم من الأعماق مستترين بالصخور، وبإذن الله سوف تندمون أشد الندم وستخسرون الحرب إن جئتم إلينا تحاربون لأنكم أنتم المنهزمون.
——————————————————–
من منشورات مطبعة مطرانية الأرمن الأرثوذوكس في تفليس في العام 1892 ومن مؤلفات الشاعر الأرمني الكبير هوفانيس تومانيان المولود في قرية تسيغ في مقاطعة لور الأرمنية وهو إبن قسيس القرية وكان يقرض الشعر مذ كان في العاشرة من العمر.
ولد في العام 1869 ولما بلغ الثالثة عشر من العمر، أرسله والده الى مدرسة نيرسيسيان في تفليس عاصمة جورجيا فدرس فيها ثلاث سنوات ثم تركها ليعمل موظفاً في مطرانية الأرمن في تفليس، ليترك العمل بعد ذلك ويتفرغ للكتابة.
آرا سوفاليان
Ara Souvalian
ara@scs-net.org