www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

لم نعد نرغب بقطف الياسمين/آرا سوفاليان

0

نشرت بواسطة admin on يونيو 19th, 2009 تحت تصنيف آرا سوفاليان. يمكنك متابعة التعقيبات لهذا الموضوع عن طريق RSS 2.0. You can skip to the end and leave a response. Pinging is currently not allowed.

لم نعد نرغب بقطف الياسمين
نشرت بواسطة admin on يونيو 19th, 2009 تحت تصنيف آرا سوفاليان. يمكنك متابعة التعقيبات لهذا الموضوع عن طريق RSS 2.0. You can skip to the end and leave a response. Pinging is currently not allowed.

الحياة هي فرشاة رسام تحمل كل الألوان تواكب الإنسان منذ نعومة أظفاره وتسير معه فترسم أمنياته،أحببت أن أكون قائد ليتبين لي فيما بعد أن الأمم قد ملت قادتها، أحببت أن أكون رسام وصاحب نظرية ليتبين لي أن الشعوب قد كرهت الرسم وكرهت نفسها قبل نظرياتها، أحببت أن أكون مخترع أو مكتشف ليتبين لي فيما بعد أنني عاجز عن سبر أغوار أقرب المقربين إليَّ، أحببت أن أفهم مذاهب الناس وطرقهم في رد الجميل فلم أعثر إلاَّ على مبادلة الجميل بالعقوق والإخلاص بالخيانة والحب بالكره والجمال بالقباحة، تمنيت أن أفهم سر حب التملك واستعباد الغير فلم أجد إلاَّ الحقد تجاه من انسحب ليمنع الغير من استعباده بدلاً من تركه وشأنه ليتدبر حياته، تمنيت أن ينهل من أحب من مناهل الخير لأكتشف فيما بعد أن هناك غبي يمنع هذه المناهل، أحببت آلة أورغن رائعة هي الـ HAMMOND ولكني لم أتمكن من جمع ثمنها وعندما جمعته كان قد تم تنسيقها وتحولت إلى زر في آلة أورغن حديثة؟

أحببت امتلاك بيانو PIANO إلكتروني ميكانيكي حديث يدعى FINDER RODS لأكتشف بعد فترة وجيزة أن إنتاجه قد توقف.

أحببت طفلة كانت تجلس على راحلتي في مرحلة الروضة فهاجرت وأهلها إلى أميركا ولم يبق لي منها إلاَّ صورة بالأسود والأبيض تعود لحفلة التخرج من الروضة في العام 1960

تخرجت من الجامعة في بداية الثمانينيات وخدمت العلم وأحببت أن أعمل بشهادتي فتبين لي أن شهادتي لا عمل لها وهي تشبه رب عملي الذي لا عمل له سوى سرقة البلد، رب عملي الذي أحب أن يشركني بالمسؤولية عن طريق البحث عن طوق نجاة أضعه في متناول يده  ليخرج مثل الشعرة من العجين مع ملايينه وأدخل أنا السجن، فاستقلت لأني لا أحب أن أكون مشجب ولا أن أكون صندوق مفتوح جاهز لدفع الثمن ولا أن أكون لص فرميت شهادتي التي أحببتها.

أحببت وتمنيت أن أرزق بست ذكور وستة إناث، الذكور يمتلكون ما أملك والإناث يمتلكون ما تملك، ولكن … شاء الله أن يمنحني الأجمل.

كان لي رزق مكتوب في لوح القدر وهو نصيبي وما استحق وكانت لي ابنتان جميلتان فحسب، أنهت الكبيرة بالأمس المرحلة الابتدائية وكانت الثانية على الصف وجمعت 98/100 وخسرت علامة واحدة في التربية الرياضية لأن معلمة التربية الرياضية لا تضع العلامة التامة لأحد وهذا دأب العظماء الذين يتولون أمراً عظيماً على الدوام ! وهذا يذكرني بمادة الثقافة القومية الاشتراكية في الجامعة تلك المادة التي كان يتم بواسطتها إذلال أكثر الطلاب اجتهاداً فيتم منحهم علامة 1 أو 2 أو 3 على مائة، ولا أعرف إن كانت قد ألغيت الآن وخاصة بعد أن تم إغراق كل كتب القوميات في مياه البحر المالح الذي يكاد ينتهي الآن من إتمام مرحلة الجفاف التام،  و إغلاق آخر معقل للاشتراكية (الاتحاد السوفيتي) ومن قبله آخر معقل للاشتراكية الوطنية هذا المعقل الذي كاد أن يدمر العالم لولا لطف الله!

أما العلامة الثانية فلقد خسرتها في اللغة الإنكليزية بسبب التردد والتردد هو على الأرجح من دأب العظماء لأن التردد يأتي بعد المحاكات، والمحاكات تأتي بعد التفكير في زمن يفتقد لكليهما!

ومضى وقت عصيب حتى انتهت حفلة نهاية العام الدراسي، هذه الحفلة التي كان لها وقع قاس على الشقيقتين.
الصغيرة في الصف الرابع وهي غير معنية لا بالحفلة ولا بأي شيء آخر ولكنها مجبرة على النهوض باكراً لتذهب إلى المدرسة مع أختها لحضور التدريبات وكانت تبقى وحيدة تجلس بعيداً وتراقب الرقصات والتمثيليات والأغاني حتى حفظت كل شيء… وكان هذا هو الحل الوحيد الممكن لأن البديل هو تركها وحيدة في البيت ، وحيدة لأن والدها في الشغل وكذلك والدتها ومن الصعب أن يلتئمْ شمل العائلة قبل الساعة السادسة مساء.ً

أما الكبيرة وهي المحتفى بها في هذه الحفلة فلقد كانت تمر بأوقات عصيبة لا تحسد عليها بسبب سخف الإدارة  والقائمين على تسيير الحفلة في مدرستها وبسبب ضعف الكادر ووجود أشخاص غير مؤهلين ومن فاقدي البصيرة.

فلقد تم منح الطلاب وعداً وهو إشراك من يجيد العزف على آلة موسيقية في الحفلة عن طريق تقديم قطعة يختارها في الحفل وعلى الرغم من أن صغيرتي تجيد العزف على البيانو فلقد تم استبعادها عن طريق إلغاء مهام اللجنة الفاحصة المكلفة بانتقاء المتقدمين، وتم فرض شقيقة موظفة إدارية في المدرسة تولت العزف على آلة الكمان مع صديقة لها تصاحبها على البيانو وكانت النتيجة شيء منفر من الأصوات النشاز والعمل المقرف الممجوج الذي أثار تعجب كل الحضور، في حين رفعت ابنتي نظارتها عن عينيها ومسحت دموعها بيدها ولم تجد غير هذا الفعل لتعبِّر عن الظلم الذي لحق بها؟

وقبل الحفلة بيومين ذهبت أم البنات لحضور التمارين فتبين أنه تم اختيار طالبة تنفرد وحدها بخمسة رقصات في حين تم استبعاد كل فتيات الصف وتم وضعهم خلف الكواليس في المسرح بانتظار الفرج… ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس فلقد أبدت أم البنات رأيها بأنه ليس هناك من موجب لإبراز هذه الطالبة لوحدها ولرمي كافة الطالبات خلف الكواليس، وتم اعتبار هذا التصرف تدخلاً سافراً في الحفلة من قبل الأهالي وحدثت مشادة برزت فيها المديرة المنتدبة التي لا أراها في المدرسة إلاَّ عند قبض الرواتب والمفروضة فرضاً ضمن ايديولوجية التنفيع لترهق المدرسة برواتبها ورواتب أمثالها وهي لا تفعل شيئاً بالمطلق وقد وجدتها فرصة سانحة لتجد عملاً ما … فتشاجرت مع زوجتي ! فقررنا بعد هذه المهزلة عدم إشراك ابنتنا في الحفلة، وتدخل من تدخل من العائلة ومن لجنة المدرسة ومن الكنيسة فتراجعنا عن قرارنا  وعدنا لإرسال ابنتنا إلى الحفلة حيث لم يبق إلاَّ ساعة واحدة تفصلنا عن الحفلة وعندما عادت كانت موضع انتقام المدرب والمدربة الذين لم يتمكنا من محاسبة أمها الغائبة فاستعاضوا عن ذلك بالاقتصاص من ابنتنا حيث تم تهديدها بأنه لن يسمح لها بالاشتراك في الحفلة فاتصلت بنا إلى المنزل وحضرنا أنا وأمها وشقيقتها الصغيرة، وحدثت مشادة و من طرف واحد وهو الإدارة الممثلة بالمدير هذه المرة وهو صديق شخصي لي أعرف ومنذ 12 سنة أنه يكن لي كل الحب والاحترام ، ولكنه في هذه المرة بدأ بالصراخ معتبراً أن مجيئنا إلى المدرسة لنجدة ابنتنا هو تدخلاً سافر وجريمة لا تغتفر.

وتم بالفعل معاقبة ابنتنا عن طريق حرمانها من الاشتراك في الرقصة الختامية.

هذا التمييز المرذول  كنت قد تعرضت له في مرحلة الطفولة وعملت المستحيل بحيث لا يتعرض له أطفالي ولكن عبث، التفرقة والتمييز هما سمتان رئيسيتان من سمات المدارس الخاصة! ولم يسبق لي أن تحققت واحدة من أمنياتي لا من قبل ولا من بعد!
انتهت الفحوص وانتهت الحفلة الكابوس، وجاء الصيف وأيام العطلة، والصغيرتان في البيت مع صديقة أخرى صغيرة  تسكن في البناية ووالديها في الوظيفة والمناوبة وهما يشعران بالأمان عندما تكون ابنتهما في ضيافتنا، وكان مساء الخميس فسألتني ابنتي الصغيرة بابا هل تحقق لي أمنية ؟

قلت: نعم ولكن ما هي؟

قالت: أن تأخذنا في الغد إلى المسبح

وذهبنا إلى المسبح وكان يوماً جميلاً نمضيه بلا مدرسة ولا حفلات ولا تدريبات ولا تمييز ولا تفرقة، كنا ولا زلنا عائلة صغيرة سعيدة مؤلفة من أربعة أشخاص ومتفاهمة ومتفهمة لظروف أفرادها تجمعنا المحبة والقوة والقرار الواحد … وقرارنا هذه المرة تغيير المدرسة.

وفي طريق العودة إلى البيت وبعد نهار متعب ولكن جميل قضيناه في المسبح كنا بصدد الصعود إلى المنزل للجلوس تحت المكيف، هذا الاختراع المذهل الذي سيكلفنا استعماله شلفنا إلى شريحة المبددين للثروة الوطنية والقومية ( الكهرباء)، مما يبرر إدراجنا تحت مسمى فواتير الكهرباء التصاعدية… ركضت الصغيرة نحوي بعد أن أرسلتها الكبيرة في مهمة صعبة فقالت: باب هل تسمح لنا بقطف الياسمين قبل الصعود إلى البيت؟ قلت من أين؟ قالت: من شجرة ياسمين الجيران هذه، قلت: نعم أسمح.

ووقفت انتظر الصغيرتين الواقفتين أمام الياسمينة ونظرت إليهن ولمحت التردد فقلت لهما هيا اقطفوا بعض الياسمين ودعونا نصعد إلى البيت، فنظرت الكبيرة في عيني الصغيرة وقالت لي: الياسمين عالي وأيدينا لا تصل إليه… فاقتربت لأرى فرأيت ياسمينتين منخفضتين فقلت للصغيرتين هنا ياسمينتين  على ارتفاع اليد خذوهما واحدة لك والثانية لأختك.
عادت الكبيرة للنظر في عيني الصغيرة ثم نظروا باتجاهي فقالت الصغيرة هاتان الياسمينتان متلاصقتين، قلت نعم وماذا في ذلك ، قالت الكبيرة: لا بد أنهن شقيقتين، قلت نعم، فقالت: وكيف تريد منا أن نقوم بفصل شقيقتين عن بعضهما، قلت نعم هذا صحيح ولكن ما هو قراركن… قالا معاً … لم نعد نرغب بقطف الياسمين.

وبعد ذلك فهل هناك عاقل في الدنيا يهين فتاة تملك هذه المشاعر، أليس من المعيب أن تتم إهانة هذه الفتاة على يد معلمتها وأن تتم إهانة أهلها على يد مديرة ثم مدير مدرستها، أليس من الطبيعي أن يتم تبادل الأدوار لتصبح الصغيرة معلمة للكبيرة التي تحتاج لمليار درس في الأدب ومليار دورة للتعامل مع الناس قبل أن تكون معلمة ومسؤولة عن مدرسة أو عن حفلة! وان تكون الصغيرة التي تملك من الحكمة والأدب ما تملك مديرة لهذه المدرسة، فلا يتم بعد ذلك إهانة أولياء الأمور على النحو الذي تمت به إهانتنا على يد من كنا نعتبره من أفضل أصدقائنا! في الواقع لقد حزمنا أمرنا وقررنا ترك هذه المدرسة وشأنها أما الصغيرتان فلقد قررتا أن تقولا معاً (لم نعد نرغب بقطف الياسمين)!

Ara  Souvalian
ara@scs-net.org

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.