www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

منْ قالَ إنَّ العربَ لا يقرأون؟!!/بقلم: نعمان إسماعيل عبد القادر

0

مُخطِئٌ منْ ظنَّ يومًا أنَّ العربَ لا يقرأون.. ومخطئٌ حقًا كلُّ منْ يقولُ هذا.. بلْ وينبغي إعادةَ النظرِ منْ جديدٍ في قولهِ وتوخي الحذر قبل أن يصرحَ مثل هذا التصريح الغريب؛ لأن نسبة القُراء عند العرب لا تتطابقُ مع زعمه وادعاءاته. ومما لا شك فيه أنها كانت ولا تزال نسبةً عاليةً تعانق عنان السماء بل وتفوق نسبة القراء في الدول الأوروبية وباقي دول العالم وحتى اليابان..

منْ قالَ إنَّ العربَ لا يقرأون؟!!
بقلم: نعمان إسماعيل عبد القادر
      مُخطِئٌ منْ ظنَّ يومًا أنَّ العربَ لا يقرأون.. ومخطئٌ حقًا كلُّ منْ يقولُ هذا.. بلْ وينبغي إعادةَ النظرِ منْ جديدٍ في قولهِ وتوخي الحذر قبل أن يصرحَ مثل هذا التصريح الغريب؛ لأن نسبة القُراء عند العرب لا تتطابقُ مع زعمه وادعاءاته. ومما لا شك فيه أنها كانت ولا تزال نسبةً عاليةً تعانق عنان السماء بل وتفوق نسبة القراء في الدول الأوروبية وباقي دول العالم وحتى اليابان.. وفي اعتقادي أنك لو قررت السفر ذات يومٍ  بالقطار السريع من عمّان الأردنية إلى الرياض السعودية أو من دمشق السورية إلى بغداد العراقية، أو من طرابلس الليبية إلى الدار البيضاء المغربية، ستجد حتمًا بين الركاب مَنْ يتصفح جريدةً أو يقرأ كتابًا في السياسة أو يستقصي شخصيات رواية أو يتتبع أحداثًا تاريخية من كتاب في التاريخ، ومنهم من يقرأ في كتاب سماويٍ أو موسوعة علميةٍ يحاول أن يفهم كل مصطلحٍ فيها.. وقد تجد فيهم من ترك كل هذا وأمسك قلمًا وأخذ يكتب بحثًا علميًا أكاديميًا لينشره في مجلة علمية عالمية. أليس هذا دليل واضح على تقدم الأمة؟  ثم لا يمكنك أن تجد شخصين اثنين يتبادلان الحديث في أمور غاية في التفاهة؛ لأنك ستجد الناس جميعًا منهمكين في القراءة، وكأنك قد تحسب نفسك متواجدًا في مكتبة جامعية، الكلام فيها محظور، والهمس فيها مسموح، والقارئ فيها ممدوح.. ولقد غمرتني السعادة حين قرأت تلك الدراسة الإحصائية التي تشير إلى أن معدل ما يقرأه المواطن العربي خلال عام واحد هو ما مجموعه 11 كتابا، في حين يقرأ البريطاني ما معدله 7 كتب، والأمريكي يقرأ ربع صفحة تقريبًا كل عام.. فقلت في نفسي: ما أرقى هذه الأمة! ما أعظمها من المحيط إلى الخليج! تضع القراءة على رأس سلم أولوياتها! أليس هذا دليل واضح على أن الأمة تقرأ أكثر من غيرها؟؟ إذن أمتنا هي أمة قارئه بكل ما في الكلمة من معنى.. ومن يقول غير هذا فهو مخطئ..
    لا أدري لماذا يرددون دومًا المقولة التالية: “أمة اقرأ لا تقرأ”؟.. وتكاد العبارة تنطلق لتسير في مجرى القداسة لتتضمن في معناها دلالات غير مرغوبة بتاتًا..  والحقيقة أنني سمعتها في مناسبات عدة، مع أني دائما أجد عكس ذلك في واقعنا.. والأوْلى والأجدر أن يُوَجَّهَ هذا الخطاب إلى الأمم الأخرى. إن من يرددها، لا يمكن اعتباره ناقما ومسيئا وفي قوله تجريح للأمة فحسب، إنما هو مرتد خارج عن الملة.. ولا أعرف ولا أفهم لماذا ينسب بعضهم  كلامًا إلى “موشي ديان” رجل الحرب المعروف في حرب الأيام الستة: “العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا سرعان ما ينسون”. والأخذ بهذا الكلام أو ببعض منه فيه مغالاة وإجحاف ونزعة شعوبية جديدة ومعاداة للعروبة، وقد يستفزني ويغيظني كل الغيظ؛ لأني لا أطيق سماع أحد يسخر من الأمة أو ينعتها بنعوت هي ليست منها ولا فيها إطلاقًا. ولو اعتبرنا الأمر صحيحًا فماذا يمكننا القول عن الابتكارات والاكتشافات العربية الكثيرة اليوم، وماذا نقول عن الاختراعات الحديثة التي تتسارع الأمم لشرائها.. أليست هناك علاقة بين القراءة والاختراعات؟  وكلما قرأت عن ابن سينا وابن حيان والخوارزمي والرازي.. تحركت في نفسي ألوان مختلفة من السخرية وأحسست بدغدغة في جسدي تدفعني انفجر ضحكًا وكأنّ الواقع الذي نسميه واقعًا لا يعرف شيئًا عن أمتنا المعطاءة..
     إن ما يقال عندنا يطبق بحذافيره بمهارة فائقة.. وينفذ تنفيذًا دقيقًا. وهذا مدعاة للفخر والاعتزاز. النظافة من الإيمان.. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. العلم يرفع بيتًا لا عماد له.. فليقل خيرًا أو ليصمت. نحن لا نرفع شعارات أو نحفظ ديباجاتٍ، أو نردد كالببغاوات أو نتميّز بالخطابات، إنما نترجمها كلها إلى أفعال على أرض الواقع.
       هب نفسك تنطلق في رحلة في حافلة فرنسية من باريس إلى مارسيليا، ستجد فيها من يقطب جبهته وحاجبيه في وجهك إذا أقدمت على توجيه سؤال تستفسر عن مكان ما، وستجد من يسخر منك حين تسأل عن مدة الرحلة، فيقول لك بكل صراحة ودون خجل: “إكرامية يا بيه”.. أقول هذا لأنني حين سافرت إلى كندا ورأيت ما رأيت بأم عيني، وجدت العجب العجاب، وعرفت أننا حقًا نسير في الاتجاه الصحيح. نزلت في ميدان وسط مدينة تورونتو، قرب مجمع تجاري ضخم، يطلق عليه الكنديون اسم “إيتون سنتر”، وكم كانت دهشتي شديدة حين وجدت الأوساخ تتراكم على الأرصفة، والقمامة رائحتها تنتشر في المكان، ما إن هبت ريح من البحيرة المجاورة إلا  وانتشرت معها تلك الرائحة في كل الاتجاهات. ليس هذا فحسب بل شاهدت المباني كلها سوداء تراكمت عليها طبقات مما نفثته السيارات من دخان عبر سنوات طويلة. ما لفت نظري واسترعى انتباهي أنني حين صعدت إلى حافلة كانت تتجه إلى الحي الذي أسكنه، رأيت الرمال تغطي سلم الحافلة وأرضيتها، والأوراق تنتشر في الممر وأسفل المقاعد تحت أرجل المسافرين.. سألت أحدهم عن كل هذا فأجابني غاضبًا: “هذه بضاعتنا إن أعجبتك، اشتر منها ما تشاء، وإن لم تعجبك، افرنقع عنّا ولا تتكأكأ علينا! دعنا في حالنا! نحن لا نتدخل في السياسة”.. سارعت في الافرنقاع وأحسست ساعتها أنني في بلاد لا يزال سكانها يعيشون حقبة القرن التاسع عشر.. وقلت في نفسي حمدا لله الذي خلقنا عربًا ولا زلنا نكتسب آداب النظافة منذ  نعومة أظفارنا.. وحين سافرت إلى قاهرتنا الحبيبة، وجدت فيها النظافة الحقيقية، التي تغنى بها شعراؤنا طوال السنين، والتي كنت أشتهي أن أراها في بلاد الغرب. وجدتها تبهر الأبصار، وتفتح الشهية، وتبعث الراحة والطمأنينة والسكينة في النفوس، وتنضر بها الوجوه. كانت الشوارع بريقها يلمع كأنها مرصوفة بألواح زجاجية، والبيوت جدرانها كأنها صفائح برونزية، والسلالم كأنها قطع ذهبية.. والحدائق الغناء ممراتها لا تجد فيها ذرة من التراب. إن هذا التميز المبارك لدليل صارخ على أن الأمة تقرأ، ولا تزال تقرأ، وستظل تقرأ حتى تفوز بجائزة “أكثر أمة تقرأ” ثمَّ تُسجل في كتاب جينيس للأرقام القياسية.
naamankq@yahoo.com
(كفر قاسم)  

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.