www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

لأن الشعوب لها حساب – فهمى هويدى

0

أرادت ملكة إسبانيا أن تزور شقيقها في لندن (ملك اليونان السابق قسطنطين) بعدما أجرى عملية جراحية في القلب، فاستقلت مع مرافقيها إحدى الطائرات منخفضة التكلفة في ذهابها وإيابها، وتكلفت تذكرة الفرد منهم 35 دولارا. وقالت صحيفة «بريوديكو» نقلا عن مصادر القصر الملكي إن التذاكر المخفضة كانت الخيار الأفضل للملكة صوفيا لأنها أوفر، وأن أفراد الأسرة الملكية يستخدمون الرحلات الجوية العادية في سفرياتهم الخاصة شأنهم في ذلك شأن بقية المواطنين، باستثناء الملك خوان كارلوس الذي عادة ما يسافر بطائرة عسكرية.

لأن الشعوب لها حساب – فهمى هويدى

أرادت ملكة إسبانيا أن تزور شقيقها في لندن (ملك اليونان السابق قسطنطين) بعدما أجرى عملية جراحية في القلب، فاستقلت مع مرافقيها إحدى الطائرات منخفضة التكلفة في ذهابها وإيابها، وتكلفت تذكرة الفرد منهم 35 دولارا. وقالت صحيفة «بريوديكو» نقلا عن مصادر القصر الملكي إن التذاكر المخفضة كانت الخيار الأفضل للملكة صوفيا لأنها أوفر، وأن أفراد الأسرة الملكية يستخدمون الرحلات الجوية العادية في سفرياتهم الخاصة شأنهم في ذلك شأن بقية المواطنين، باستثناء الملك خوان كارلوس الذي عادة ما يسافر بطائرة عسكرية.

وحين قرر الرئيس أوباما أن يفي بوعد قطعه لزوجته ميشيل خلال حملته الانتخابية باصطحابها إلى برودواي لمشاهدة أحد العروض المسرحية هناك، فإنه استقل طائرة عسكرية صغيرة إلى نيويورك، وهناك تناول العشاء في أحد المطاعم، ثم ذهب إلى المسرح، وعاد أدراجه بعد ذلك إلى البيت الأبيض (في واشنطن). لكنه لم يهنأ بما فعل، إذ استغل الجمهوريون المناسبة واتهموه بأنه يستمتع بوقته رغم المصاعب التي تواجه الاقتصاد الأميركي، وأصدرت اللجنة الوطنية الجمهورية بيانا قالت فيه إنه: في حين كان الرئيس أوباما يستعد للسفر إلى حي المسارح في مانهاتن لمشاهدة عرض مسرحي كانت شركة جنرال موتورز تستعد لإعلان إفلاسها، وتستمر عائلات عديدة في الولايات المتحدة في معاناتها لتتمكن من تسديد فواتيرها.

تصرف كل من ملكة إسبانيا والرئيس الأميركي يعد من الأخبار العادية التي تنشرها الصحف من دون أن يكون لها صدى سياسي يُذكر، حتى النقد الذي تعرّض له الرئيس أوباما لا يبدو أمرا شاذا، سواء فيما صدر عن الجمهوريين، أو فيما خص الإيضاح الذي أصدره وشرح للرأي العام فيه حقيقة ما جرى بالضبط. إلا أن ما جرى في بريطانيا مشهد مختلف تماما، أحدث زلزالا في الحياة السياسية، وأدى إلى استقالة رئيس البرلمان، كما أطاح برؤوس تسعة وزراء حتى الآن.

الحكاية أفاضت فيها الصحف خلال الأسبوعين الأخيرين، وكانت صحيفة «ديلي تلجراف» هي التي أطلقت شرارتها، حين نشرت بيانا بالمصروفات التي تقاضاها الوزراء والنواب من الميزانية بغير حق. إذ أساءوا استخدام صلاحية وفرها لهم القانون، تمكنهم من تغطية بعض النفقات الشخصية والمنزلية لتوفير الاستقرار المناسب لهم. وهي تتراوح بين ترتيب حديقة البيت أو ترميمه أو استئجار وفرش بيوت للقادمين من خارج لندن. وقد تراوحت المبالغ التي حصلها هؤلاء عليها بين 500 و5000 جنيه إسترليني. وهي مبالغ استهولها الشعب البريطاني، ليس لقيمتها المادية، ولكن لدلالتها المعنوية. ذلك أن النواب والوزراء حين حصلوا تلك المبالغ بغير وجه حق، فإنهم في رأي الناخب البريطاني خانوا الأمانة، وفقدوا الثقة والاعتبار. وهي أمور تهدم المستقبل السياسي لأي شخص، وذلك ما حدث بالضبط، حيث لاتزال توابع الزلزال مستمرة حتى اليوم.

لا أستبعد أن يلجأ البعض إلى المقارنة بين سلوك ملكة إسبانيا وغيرها من ملكات آخر الزمان. أو بين انتقاد الرئيس الأميركي لأنه ذهب يستمتع بوقته لعدة ساعات وبين غيره ممن يستمتعون بأوقاتهم طوال الوقت.
 
ولن أستغرب إذا انخرط واحد في البكاء ولطم خديه حين وجد أنهم في بريطانيا يحاسبون المسؤولين ويسقطونهم من مناصبهم جراء استيلائهم غير المشروع على بضع مئات من الجنيهات في حين أن الأكابر في بلادنا ينهبون الملايين والمليارات ويكون ذلك أحد مسوغات ارتقائهم في مدارج السلطة وائتمانهم على مستقبل السياسات.
 
لكني ما قصدت شيئا في كل ذلك، لأن ما همني أن ثمة قاسما مشتركا بين المشاهد التي ذكرتها. يتمثل في أمرين،
الأول أن الحكام في تلك البلدان بشر يعيشون على الأرض، وليسوا آلهة تعيش في الأبراج العالية والنائية.
 والثانى أن الشعوب هناك يعمل لها حساب، لأن شرعية أولئك الحكام وأنظمتهم مستمدة من رضائها،
أما كل ما عدا ذلك من انطباعات أو تعليقات فلست مسؤولا عنه.
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.