www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

زوجة باباي…بقلم آرا سوفاليان

0

تقررت عودتهما وأولادهما… أم قررا العودة فهذا أمر غير مهم لأن الأهم هو عودتهما بالذات… هو… ولا أراه إلاَّ لماماً فلقد ألتحق بعمل جديد انشغل به كلياً ولا بد أنه شكر ربه وحمده الف مرة..

زوجة باباي…بقلم آرا سوفاليان
تقررت عودتهما وأولادهما…  أم قررا العودة فهذا أمر غير مهم لأن الأهم هو عودتهما بالذات… هو…  ولا أراه إلاَّ لماماً فلقد ألتحق بعمل جديد انشغل به كلياً ولا بد أنه شكر ربه وحمده الف مرة..
لأن البقاء بين أربعة جدران مع (زوجة باباي) هو أمر يشجع على الانتحار… وهذا على الأقل من وجهة نظري ولا أعرف إن كان باباي قد تآلف مع زوجته وتعود أخلاقها وتعودته ولكن بالنسبة لي على الأقل وإذا كنت أشترك مع باباي بشيء من موجبات الرجولة فلا بد أن نشترك ببعض المشاعر أقلها إنهاء حياتنا لدى وقوعنا في قفص ذهبي تكون فيه (زوجة باباي) هي نصفنا الثاني.
جاؤوا… بل عادوا من بلاد بعيدة ومعهم سيارة فارهة لا بد أنها كل ما بقي لهم ومعهم لأن نفقات المعيشة في أي دولة من تلك الدول البعيدة تستهلك كل ما خصص لهم، وكان العود أحمد والذي لا أعرفه هو الكثير الكثير ولكن الذي أعرفه أننا كلانا نحن… وهم… غير مسرورين ولا يغشانا الحبور أو السعادة من هذه العودة.
فلقد بدأت المشاكل عندما قرر باباي وهب زوجته الجمل بما حمل فبدأت بدورها التعلم على قيادة الجمل… فنزلت إلى الشارع ومعها صغارها الذين وقفوا يلعبون دور الأعين الساهرة أمام ووراء السيارة، ووضعت أمهم المفتاح في مكانه وأدارته دون أن تعيده إلى الوراء فصدرت أصوات تشغيل متواصلة وكاد أن يتحطم المارش ويتطاير في الجوّ قطع متناثرة لولا أن السيارة ألمانية المنشأ والمصنع والملجأ وباتت الآن في أرضٍ غريبة وفي يد غريبة، وتعدّل موقع المفتاح إلى البداية بإلهام منه تعالى، وبدأ الفصل الثاني من المسرحية وهو صوت المحرك الذي يعادل في السرعة سيارة تسير بسرعة الـ 200 كم في الساعة ولكنها لا تتحرك من مكانها وأنخفض صوت المحرك بعد أن أدركت السيدة أن هذا الهدير كافي لتحويل السيارة إلى طائرة، ووضعت السرعة الأولى وسارت بواقع تنتيعة واحدة إلى الأمام وصرخ الأولاد وضغطت على المكابح فتوقف المحرك وعادت محاولات التشغيل من جديد وعاد المحرك إلى الزئير ووضعت السرعة الخلفية ورفعت قدمها اليسرى عن الدواسة اليسرى كما كانت تشرح الأمر لباباي الذي نزل كالمصعوق بملابس النوم فيما بعد ليتفقد الأضرار… رفعت قدمها فطارت السيارة إلى الخلف وأستقر جنبها الأيمن بعمود الكهرباء المعدني فتحطمت المنظومة الرأسمالية اليمينية المتطرفة وصار الرفراف اليمين مع الطبون وأضواء الفرام والإشارة البرتقالية في خبر كان … وفُتح غطاء الباكاج وصار في خبر حيثما. واستقرت السيارة وصمت المحرك… وتجمع الناس ونزلت زوجة باباي دون أن تغلق الباب وعلى وجهها ملامح الإشمئزاز… وجاء البقال بعد أن ترك باب رزقه للتفرج… وأردف بصوت مسموع… الحمد لله أنها جاءت (بالسيارة ومو بالأولاد)… ورمقته زوجة باباي بنظرة كفيلة بإسقاط ( الـ ء ا ء عن الزوزة، أي طائر القاق ـ الغراب ـ عن شجرة الجوز… حسب لهجة أخوتنا أهل جوبر).
وغابت زوجة باباي بضعة أيام وغابت السيارة الفارهة أيضاً وعادوا كلاهما… وأثر على السيارة يدّل على مكان الإصابة الموجعة واضح للعيان من جراء التجليس السيء والمصابيح الغير أصلية والدهان البعيد عن اللون الأساسي… أما زوجة باباي فلقد أضافت ريشة طاووس جديدة في الكعكة التي تضعها في مؤخرة رأسها… وظننا أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد ولكن سرعان ما خاب ظننا… فلقد استأجرت زوجة باباي سائق العالِمْ آنشتاين ليتولى تعليمها قيادة السيارات فكان يحضر في الصباحات الباكرة يضع يده على الزمور بانتظار نزول جلالتها لموافاته فيوقظ أهل الحارة جميعاً فيقفزون من أسرتهم وتقفز هي أيضاً من سريرها ويجتمع الجميع كل على شرفته… وسيل من الشتائم تطال الخادم والمخدوم لدرجة أن أحد الجيران وفي اليوم العاشر من بدء المباشرة بمناقشة رسالة الدكتوراه في قيادة السيارات وبعد الإزعاج المتواصل والمستمر من قبل الخادم الذي يضع يده على زمور السيارة بدون توقف.  ألقى الجار المنزعج زجاجة ماء باردة على زوجة باباي عندما كانت تهم بالصعود إلى العربة الملكية فتحطمت الزجاجة على مقربة من زوجة باباي وسببت لها رعب هائل وعاد رجال الشرطة أدراجهم  وسجلت القضية ضد مجهول لأنه لم يكن بالإمكان إسناد التهمة إلى أي من قاطني الشقق المطلة على العربة الملكية، خاصة وأن كل بناية مخالِفة بطابقين إضافيين وملحقين مخالفين أيضاً وهذا قد أوقع الشرطة في نظرية احتمالات لا يعرف أولها من آخرها فتم تسجيل الواقعة ضد مجهول… وحصلت زوجة باباي على الشهادة وظنننا أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد ولكن سرعان ما خاب ظننا … فلقد كادت زوجة باباي أن تتعبى بي على المنعطف المفضي إلى حارتنا  فدخلت من حارة مجاورة مبتعداً عنها ورأيتها في المرآة وتخيلت ما كانت تتمتم به ووصلت قبلها وأقفلت باب سيارتي أريد الصعود إلى منزلي ويداي منشغلتين بالأحمال والأثقال التي يعرفها كل رب بيت.
فنزلت من سيارتها وأشارت لي وهي تنظر نفس النظرات المتعلقة بالزوزة و القاق… وقالت غاضبة أنت تعمدت أن تسبقني لتأخذ المكان الفيء… قلت لها بل هربت منك خوفاً على سيارتك خاصة وأن قصة العامود لم تزل طازجة… قالت مهددة…  إذا سمحت ابعد سيارتك من هنا فأنا أريد أن أضع سيارتي… قلت لها… نحن نضع سياراتنا هنا حسب أسبقية الوصول وندفع جميعاً نفس الرسوم ونفس الضرائب و بالتساوي فلا يتميز زيد على عبيد ولا عبيد على زيد… قالت ولكن هذا مكاني وأنا متعودة أن أضع سيارتي فيه… قلت لها أرجو إبراز الطابو الذي يؤيد هذه المقولة وعند ذلك سأضع سيارتي في حارة أخرى أما بالنسبة للتعود فأنتِ هنا منذ شهر وأنا قبلك بخمسة عشر سنة وأرجو أن تقسمي هذه المدة على شهرك هذا وبعد ذلك تتحفيني بقناعتك المتعلقة بمسألة التعود… قالت لي (احترم حالك وعريف مع مين عم تحكي) فقلت لها حتى هذا الفولكلور فلقد تم التخلي عنه هنا في سوريا قبل تشريفك بفترة طويلة وصار من المنسيات أما التذكير به من جديد فهو أمر يدعو للغثيان والقرف إذا شئت.
قالت… طيب أنا بفرجيك… قلت لها حسناً ولكن لا تتأخري.
وفي ظهيرة اليوم الثاني… وكنت عند البقال انتظر دوري… وبقالنا هذا رجل متقدم في العمر أمضى حياته كمساعد أول في الجيش وكان له أصدقاء وزملاء أعرفهم وقد تعاقدوا كمستخدمين مدنيين في الإسكان العسكرية ثم في السكن العسكري وعملنا معاً في الفترة التي كنت فيها رئيس حسابات مركز الفرع في حرستا… فكان بقالنا يعتبرني زميلاً في المهنة مع فارق العمر الكبير… ويكرمني في كل مرة أدخل دكانه ويبيعني بعض الأشياء التي يخبئها خصيصاً لي وتتمتع بصلاحيات جيدة، ويحاول استثنائي من الدور فأرفض حتى ولو كان قبلي طفل صغير يبيت استخارة ويشاور عقله مائة مرة من أجل شراء قطعة بسكويت… وكنت أنتظر دوري عندما سمعت زمور سيارة متوقفة يشق العنان ويشنف الأذنين…  بدأ متقطعاً ثم مستمرا… ثم مزعجاً وقاتلاً… ً ودخل طفل إلى الدكان وقال للبقال (عمو روح كَلِّمْ المرا يلي قاعدة بالسيارة هي قالتلي إنني قلك هيك)…فقال البقال للطفل(هيي قالتلك تقللي هيك)… فأجابه نعم.
وقفز الرجل من خلف الطاولة يحمل بيده العصا التي ينزل بها الغلق العائد للمحل… وحفلة هزلية استمرت لدقائق كدت أموت فيها من الضحك.
فلقد نزل الرجل والعصا في يده اليمين وأقترب من باب السائق وصار يطرق عليه طرقاً عنيفاً ويهدد ويتوعد بعبارات فهمت منها ما معناه… ما في احترام أنا رجال بقد أبوكي ونازلة دحي بالزمور وصرعتي مخنا بدك أني انزل كلِّم جنابك… ولك شو مفكرة حالك أنا خدمت طول  عمري بالجيش وما كانت بتفرق معي أكبر رتبة… وجاي مرا تذلني بآخر هل عمر قدام الناس… ما تشرفي حضرتك وتنزلي من السيارة سعرك بسعر الناس يللي بالمحل… فقالت له احترم حالك وعريف مع مين عم تحكي… فقال لها مع مين يعني… يعني أنتي ساكنة بالمالكي ونحنا ساكنين بجرمانا… والله ما بتطلعي أكتر من مرت باباي… وأطبقت زوجة باباي الباب بعنف وهي تهدد وتتوعد وسمعت نفس العبارة… طيب أنا بورجيك… وضحكنا كلانا أنا والبقال حتى الثمالة… وقلت له لقد قسوت عليها يا صاح… قال لي والله( محمرة عيني منها من مبارح) قلت له وماذا فعلت مبارح… قال لي( هل تعرف سامي أبن أبو سامي… قلت له لا والله لا أعرف الأب ولا الابن) قال لي…(لك  الولد الصغير يللي بيلعب بالحارة على بسكليت الحمراء الصغيرة)… قلت له نعم عرفته… قال: البارحة دخل سامي بسيارة زوجة باباي ووقع على الأرض هو ودراجته وتقدمت منه زوجة باباي وظننا أنها تريد مساعدته على الوقوف ولكنها انهالت عليه بالضرب ولم نتمكن من تخليص الولد من بين يديها إلاّ بصعوبة بالغة.
قلت له: ولماذا تلقبها بزوجة باباي… أجاب لأنها طويلة ولها كعكة خلف رأسها وصوتها يشبه صوت زوجة باباي وسخيفة… قلت له دون أن أتكمن من التوقف عن الضحك… وأنت من أين عرفت باباي أو زوجة باباي… قال لي (والله على زماننا ما كان في هادا المضروب التلفزيون)… ولكن أحفادي يحبون باباي، ولديهم كل مجموعته على سيديات وأيضاً تل الدبيس…  قلت له وما هذا ؟؟؟  قال لي: الأولاد المسخ تبع الفضاء يللي بيبطنهوم في تلفزيون ولونهم أصفر ونهدي وأخضر وأحمر… قلت له: نعم نعم الـ تيلي تابيس… قلت له أشكرك يا سيادة المساعد أول فوالله العظيم أنا لم أضحك هكذا منذ مدة طويلة لقد ألهمتني أن أكتب مقالة أسميها زوجة باباي.
وسجلت الفكرة في مفكرة الكومبيوتر ووضعت العنوان وأهملت المقالة… ولم أعد أرى السيارة فلقد اختار باباي أن يبيعها ولا أعرف إن كان ذلك قد حصل بعد حادث أليم أم شيء آخر… ولم أعد أرى السيدة التي هددتني… ولم تفرجيني بعد أن قالت لي أنا بفرجيك.
 ومساء اليوم كانت تقف في أسفل البناية المواجهة لبنايتنا شاحنة كيا و طاقم من الفتوة يتعاونون عل نقل فرش وأثاث وفرن غاز وبراد وأسِرة وكنبايات تخص باباي الذي قرر مغادرة البيت الذي يستأجره مفضلاً الانتقال إلى مكان آخر… فلقد تم تأجير البيت نفسه إلى جماعة عراقيين استطاعوا أن يدفعوا أكثر ولا بد أن زوجة باباي قد هددتهم ولكن … كما في المرات السابقة (ما طلع معها شي)… ولا بد أن الجيران جميعاً (قلم قائم) كان ينتابهم الشعور الذي كان ينتاب سامي الصغير… فلقد كان يلعب بدراجته الصغيرة مقترباً من الشاحنة ثم مبتعداً عنها… ثم مودعاً لها بنظرات لا تتمنى لها العودة.

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.