www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

ذاكرة القدس الجزء الثاني

0

عندما فتح الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القدس وجد أهلها يتحدثون العربية. ومنذ العهد العُمرى الذي أبرمه الخليفة عمر مع صفرونيوس بطريرك القدس «ظل التسامح الإسلامي متجذرًا مؤصًلا عبر قرون من الزمن ومهيمنًا على أصحاب الديانات السماوية الثلاث في المدينة المقدسة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، ولم يعكر صفوه إلا موجات من التعصب زمن الحروب الصليبية وزمن الهجمة الصهيونية لاستعمار فلسطين استعمارًا عنصريًا استيطانيًا».

 

ذاكرة القدس (4)
شهادات عروبة القدس
د.إبراهيم فؤاد عباس
 
 
 
 
يدل الاسم القديم للقدس (يورو شالايم) على عروبة القدس ، باعتبار أن هذه الكلمة كنعانية ، وقد ذكر الأستاذ مصطفى مراد الدباغ في كتابه القيم بلادنا فلسطين (الجزء التاسع – القسم الثاني في بيت المقدس (1) ، صفحة ،22) : “لبيت المقدس أسماء كثيرة، أقدمها الاسم الذي أطلقه عليها أقدم سكانها العرب الكنعانيون، وهي مدينة السلام – نسبة إلى سالم” .
ولعل أهم ما يثبت عروبة القدس وتاريخها الإسلامي هي – كما يؤكد محمد الصادق في صحيفة البيان الإماراتية 5/3/2003- النقود ، ولذلك يؤكد الدكتور رأفت النبراوي عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة أن النقود التي تم صكها خلال العصور الإسلامية تثبت وتبرهن على عروبة القدس باعتبارها من الوثائق الرسمية وأن هذه النقود سواء كانت من العملات الذهبية أو الفضية أو النحاسية أو البرونزية وثائق رسمية لا يمكن الطعن في قيمتها التاريخية أو فيما يرد عليها من كتابات وزخارف آدمية أو حيوانية أو هندسية أو نباتية وهذه النقوش كان يسجل عليها اسم إيليا وهو الاسم الذي أطلقه الإمبراطور الروماني “مادريان” على مدينة القدس بعد حرقها وهدم بقايا هيكل سليمان وكان ذلك سنة 1300م ويقول: إن القدس ظل يطلق عليها هذا الاسم حتى ضمها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17 هجرية وكانت أقدم النقود التي وصلتنا والتي ضربت بإيليا فلسطين تلك التي تحمل صورة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في العام 65، 86 هجرية وصكت في عهده وتحمل حرف Mكما حملت بعض الكتابات العربية وكان أشهرها العبارة الكريمة “محمد رسول الله” ، “بسم الله” ، “لا إله إلا الله وحده”.
1- شهادة التاريخ
شغلت فلسطين بسكانها القدماء منذ أكثر من عشرة آلاف سنة وهؤلاء السكان استقروا في الأراضي المنخفضة من فلسطين مثل أريحا (جيريكو) وبيسان(بيت شان) . وفي أواخرالألف الرابع ق.م. تعرضت فلسطين لموجة هجرة عربية كبيرة هي المعروفة بالأمورية الكنعانية فنزل الأموريون داخل بلاد الشام وجنوبها الشرقي واستوطن الكنعانيون ساحلها وجنوبها الغربي أي فلسطين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكنعانيين والفينيقيين شعب واحد نسبًا ولغة ودينًا وحضارة انقسم إلى قسمين سكن الأول فلسطين والثاني الساحل الشامي من مصب نهر العاصي إلى جنوبي الكرمل . وتؤكد ذلك موسوعة لاروس في “الميثيولوجيا” :”الفينيقيون كانوا جزءًا من الشعوب الكنعانية التي تكونت منذ فجر التاريخ بالهجرات السامية إلى الأرض الواقعة بين البحر المتوسط والصحراء السورية . وكنعان معناها الأرض المنخفضة. وفي اللغة الحورية القديمة اسم “كناجي” ومعناها أحمر اللون . وأطلق الإغريق على المجتمعات المتناثرة على طول الساحل الشامي اسم فينكس Phoenix أي أحمر اللون ومن هنا اسم فينيقي . ذلك أن هذه الشعوب اختصت في صناعة الصبغة الأرجوانية التي تستخرج من أصداف “الموركس” التي كانت موجودة قرب ساحل فلسطين.
دراسة “عروبة فلسطين ثابتة عبر التاريخ والدين والتراث” للمؤلف(الشرق الأوسط، عدد الاثنين 12/10/1981، الحلقة الثالثة).
ويذكر د.أحمد صدقي الدجاني أن الإنسان سكن في منطقة القدس منذ فترة ما قبل التاريخ – حسب اصطلاح المؤرخين- وهناك آثار له فيها تم اكتشافها تعود إلى العصور الحجرية (البيلستوسيني، والباليوليثي، والنيلوليثي) وحيث شهد العصر الحجري الحديث (النيلوليثي) حدوث الثورة الزراعية. وظهرت القدس مدينة في بدايات العصر البرونزي حين بناها الكنعانيون مع مجموعة مدن على طريق المياه بين الشمال والجنوب حوالي الألف الرابعة قبل الميلاد، على مرتفع الضهور قرب عين ماء جيمون في موقع حيوي، واكتسبت القدس منذ إنشائها مكانة دينية وكان ملكها هو عبد الإله “السلام” وهي مدينة سالم “أور سالم” وقد عرفت باسم سالم، وكونت مملكة مدينة، وعرفت من أسماء ملوكها: قدوم سالم وملكي صادق، وجاء ذكرها في نصوص مصرية قديمة تعود إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، (نصوص اللعنة Execration Texts).
وهنالك شبه إجماع بين الباحثين على أن الوجود الكنعاني في فلسطين كان راسخًا خلال الألف الثالثة قبل الميلاد . ويروي “هيرودوت” على لسان علماء صور أن الكنعانيين قدموا إلى فلسطين في القرن الثامن والعشرين ق.م.
 وظهرت القدس قبل قدوم نبي الله داود (عليه السلام) إليها في القرن العاشر قبل الميلاد بزمان طويل يمتد إلى عشرين قرناً، لذا فإن محاولات الصهيونية التوسعية اليوم ربط تأسيسها “بالملك داود”، هو استمرار في القفز فوق الحقائق التاريخية الذي دأبت عليه هذه الحركة العنصرية، كما أنه تحوير وتزييف للقراءة الصحيحة لتاريخ نبي الله داود.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن سيدنا داود عندما أراد بناء هيكل للرب في القدس ، قام بشراء البيدر الذي كان لرجل يبوسي يدعى آرونا (2 صم 24:24-25) ،ولذلك عاش اليهود أقلية بين اليبوسيين حتى السبي البابلي (587ق.م).
وتؤكد شواهد التاريخ أن القدس سكنها منذ نشأت جزء من شعب فلسطين، وأن هذا الشعب هو واحد من شعوب المنطقة التي تعود جميعها إلى أصول واحدة تحركت بين أجزائها في هجرات متتالية، وحملت هذه الهجرات إلى فلسطين من قلب الجزيرة العربية: العموريين والكنعانيين ثم العبرانيين والآراميين، وكان للهجرة الكنعانية أثر كبير فسميت فلسطين أرض كنعان مع أجزاء من سوريا ولبنان، واندمجت في الكنعانيين موجات هجرة تالية، وانصهرت في بوتقة شعب فلسطين جماعات من شعوب أخرى مرت بالبلاد أو اقتربت منها مثل الحيثيين والحوريين أو استقرت بها مثل الفلسطينيين الذين أعطوا أرض كنعان اسمهم، كما انصهرت في بوتقة شعب فلسطين جماعات من شعوب حكمت البلاد من فرس ويونان ورومان وروم آثرت البقاء وتوطنت بعد أن استأمنت. واستكمل لشعب فلسطين صورته وتحددت هويته في أعقاب الانطلاقة العربية بالإسلام، والفتح الذي حمل موجة جديدة من عرب الجزيرة، وانتقل من الحديث بالآرامية إلى اللسان العربي بسهولة: لأن اللغتين تنحدران من أرومة واحدة.
وكان اسم العرب قد تردد في تاريخ فلسطين من قبل، واعتنق جزء من شعب فلسطين الإسلام وبقي جزء آخر يدين بالنصرانية واليهودية، واستمرت فلسطين بعد الفتح وطناً لشعبها العربي هذا بملله كلها، واندمج في هذا الشعب مهاجرون جاءوا إليها آمنين ومتأمنون حملتهم غزوات اندحرت.
ويؤكد د. فيليب حتى (كتابه تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين) أن العبرانيين الذين جاءوا إلى فلسطين ليسوا إلا جماعة من جماعات عدة أتوا “بشكل متجولين ومغامرين ومرتزقة وجنود استقروا تدريجيًا بين سكان كانوا أرقى منهم فتعلموا الحرث والبناء والقراءة والكتابة، وورثوا المظاهر الأساسية للحضارة الكنعانية”.
ويقول المؤرخ والمستشرق الفرنسي المعروف غوستاف لوبون : “… غير أن استقرار العبريين بفلسطين تم بالتدريج على ما نرى، فالعبريون قضوا زمناً طويلاً ليكون لهم سلطان ضئيل في فلسطين لا أن يكونوا سادتها”. ويضيف : “وفي فلسطين كان يعيش اليبوسيون …، وكان السلطان في فلسطين للفلسطينيين … ، وكان ذلك حتى عهد داود”.
وفي الإصحاح العاشر من سفر التكوين نقرأ هذه العبارة:”وكنعان ولد حيدون بكره وحثًا واليبوسي والجرحاشي والحوي والعرقي والسني والأروادي والصماري والحماني ، وبعد ذلك تفرقت قبائل الكنعاني”- أي انتشرت في أرض كنعان . والعبارة تفيد أن هذه الشعوب – ومنها اليبوسي- تجمعها الجامعة الكنعانية العربية.
وفي الإصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين خبر زواج سيدنا إبراهيم بقطورة الكنعانية بعد وفاة زوجته سارة. وقد أنجبت له ستة أولاد هم : زمران ويقشان ومدان ومدين وبشناق وشوحا .
دراسة “عروبة فلسطين ثابتة عبر التاريخ والدين والتراث” للباحث (الشرق الأوسط،عدد السبت 10/10/1981، الحلقة الثانية).
وفي كتابه “دوميني ينسي” (دراسة للنزاع الفلسطيني) كتب الكاتب الشهير “نيفيل بارير” ص11 يقول:”بطريقة التسلل التي كانت مصحوبة عامة بالقتل ، وطد العبريون أنفسهم تدريجيًا في تلال القدس والجليل ولم يأت عام 1000 ق.م. حتى كانوا يؤلفون عنصرًا قويًا في البلاد ، بحيث أمكنهم إنشاء مملكة عبرية في ظل الملك سليمان . وكان هذا الملك يدين بالولاء للمصريين . ولقد اكتسبت العاصمة “القدس” شيئًا من حضارة المدن الفينيقية، وحتى ذلك الوقت لم يكن العبريون يؤلفون وحدهم سكان البلاد بصفة عامة ، بل كانوا بعيدين عن تأليف الغالبية العظمى للسكان”. وقد توالت على القدس غزوات عدة وحكمت من قبل الفراعنة والفرس واليونان والرومان الغربيين والروم الشرقيين لكن الطابع الكنعاني ظل الطابع الأغلب الذي حدد هويتها طيلة تلك العصور ، وهو ما لاحظه المؤرخ البريطاني هنري بريستيد من أن تأثير هؤلاء (الغزاة) تركّز في المدن وبقي الريف كنعاني الطابع في فلسطين .
وخضعت القدس لحكم الفراعنة في عهد فراعين مصر تحتمس الثالث 1479ق.م، أمنحتب الثالث 1413ق.م، إخناتون 1375ق.م، توت عنخ آمون 1351 ق.م، سيتي الأول 1314 ق.م، ورمسيس الثاني 1292ق.م. وبعد موت داود خلفه ابنه سليمان (973 ق.م تقريبًا) الذي بنا الهيكل ودعم المملكة التي أسسها والده فيما عرف بالمملكة الموحدة Monarchyالتي دامت حوالي 70 عامًا. وبعد وفاة سيدنا سليمان انقسمت المملكة الموحدة إلى مملكتين متنافستين ومتحاربتين (يهودا وعاصمتها القدس وإسرائيل وعاصمتها شكيم ) .
ويقول الكاتب اليهودي جون إيه. جريدJohn A. Greed   إن اليهود الذين كونوا جماعة “إسرائيل” بعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام حوالي القرن العاشر ق.م. امتزجوا بالسكان الكنعانيين “مما أدى إلى اختفاء النقاء العرقي للجنس اليهودي”. ويضيف في كتابه:
 The Next Twenty Years”وفي عام 670 ق.م توقفوا عن الوجود كتجمع. وما تبقى منهم انتشر وامتصتهم الأمم الأخرى”.
وظلت القدس تحت سيطرة مملكة يهودا إلى أن دخلها نبوخذ نصر سنة 586ق.م ودمرها ونقل سكانها اليهود إلى بابل (السبي البابلي) . وحول هذه الحقبة يذكر د. زئيف هيرتزوج الأستاذ في جامعة تل أبيب في مقال نشر في شهر نوفمبر 1999 في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الدولة اليهودية التي أسسها داود وابنه سليمان “لم تولد مملكة عظيمة ، بل تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد حين أقامت مجموعتان من الرعاة دولتين صغيرتين متخاصمتين هما يهوذا وإسرائيل”.
صحيفة النهار اللبنانية، عدد 30/11/1999.
وبعد استيلاء الفرس على سوريا وفلسطين سمح الملك قورش سنة 538ق.م بعودة اليهود إلى أورشليم وأمر بإعادة بناء الهيكل . وكان العائدون بقيادة “زوربابل” الذي عمل على بناء هيكل جديد (515ق.م) وظلت القدس تحت الحكم الفارسي إلى أن فتحها الإسكندر الأكبر (332ق.م) ، وهنا كانت المفاجأة عندما تحالف اليهود مع الإسكندر المقدوني ضد الفرس الذين أعادوهم إلى القدس!.
 وتأرجحت السيطرة على القدس في عهد خلفاء الإسكندر البطالسة والسلوقيين .
وقام الملك السلوقي أنطوخوس الرابع حوالي سنة 165 ق.م بتدمير الهيكل ، وأرغم اليهود على اعتناق الوثنية ، وكانت نتيجة ذلك أن اندلعت ثورة المكابيين ، وتمكن اليهود من نيل الاستقلال تحت حكم الحشمونيين (135ق.م- 78ق.م).
وفي عام 63 ق.م خضعت القدس للحكم الروماني . وفي عهد الإمبراطور نيرون بدأت ثورة أخرى لليهود ، فقام طيطوس باحتلال المدينة (سنة 70م) ، وحرق الهيكل . وعندما تكررت ثورة اليهود سنة 132م بقيادة باركوكبا أسرع الإمبراطور أدريانوس إلى إخمادها ودمر الهيكل وأقام على أنقاض المدينة مدينة جديدة أسماها (إيليا كابيتيولينا) . ولما اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية أعاد إلى المدينة اسم أورشليم وقامت والدته (هيلانة) ببناء الكنائس فيها.
 
 
 
القدس خلال العهود المختلفة وحيث يبدوالعهد الكنعاني (3500-1004ق.م الأطول ، يليه العهد الإسلامي (639-1917م) -المصدر: “فلسطين والوعد الحق”
 
 
القدس خلال العهود المختلفة وحيث يبدو العهد الكنعاني (3500-1004ق.م الأطول ، يليه العهد الإسلامي (639-1917م) -المصدر: “فلسطين والوعد الحق”
ويعتبر ما كتبه قسطنطين زريق في جريدة الحياة (عددها الصادر في 22/6/1990) بعنوان “القدس والعالم” من أفضل ما قيل حول تفنيد الإدعاءات الصهيونية حول الحقوق التاريخية والقانونية المزعومة لليهود في هذه المدينة . ففيما يتعلق بالحقوق التاريخية – وهو ما يهمنا هنا – يقول زريق:”من حيث التاريخ لا يمكننا في هذا المجال المحدود أن نستعيد سيرة هذه المدينة الجليلة خلال القرون الثمانية والثلاثين من نشأتها إلى وقتنا الحاضر عبر العهود العديدة التي تقلبت فيها، والدول المختلفة التي تتابعت على حكمها ، والأحداث التي برزت فيها والتي أبرزتها إلى العالم في شكل لا تماثله أية مدينة أخرى في العالم ، بل حسبنا أن نشير إلى أن القدس لم تنشأ كمدينة يهودية ، كما يعتقد الكثيرون من الغربيين أو كما يريدهم اليهود أن يعتقدوا ، بل نشأت مدينة كنعانية حوالي سنة 1800 ق.م ، أي قبل ستة قرون من غزو بني إسرائيل لفلسطين ، وقبل ثمانية قرون من احتلال اليهود لها حوالي سنة 1000 ق.م . وإذا استعرضنا الحكم اليهودي لها، وجدناه قصيرًا محددًا بالنسبة إلى تاريخها المديد وبالمقابلة مع الحكم العربي الإسلامي. فالمملكة التي أسسها داود لم يتجاوز عمرها 73 سنة في عهده وعهد ابنه سليمان باني الهيكل المعروف باسمه. ثم انقسمت هذه المملكة دولتين: إسرائيل في الشمال ويهودا في الجنوب. واحتفظت يهودا بالقدس عاصمة لها ، لكنها تعرضت لغزوات الدول المحيطة بها إلى أن احتلها نبوخذ نصر عام 587ق.م ونقل أهلها إلى بلدة بابل. ويستخلص من هذا أن اليهود حكموا القدس مدة 413 سنة ، تضاف إليها فترة المكابيين الذين ثاروا على الرومان ، وتمتد ثمانين سنة (141ق.م -63 ق.م) ، فيكون المجموع ما يقارب 500 سنة على أبعد تقدير بالنسبة إلى 3800 سنة من تاريخ المدينة المعروف وبالمقابلة مع 1180 سنة من الحكم العربي الإسلامي .
وقد تكرست عروبة القدس بالفتح الإسلامي لها . فبعد أن هزم المسلمون الروم في معركة اليرموك وفتحوا الشام ، توجه أبو عبيدة بن الجراح إلى فلسطين وحاصر إيلياء (القدس) فترة أربعة أشهر، وتم تسليم مفاتيحها في السنة الخامسة عشرة من الهجرة (636م) إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أمن عند دخوله المدينة أهلها على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم فيما عرف بالعهدة العمرية التي وردت بالنص الآتي:
(هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبناهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم، ولاتهدم، ولاينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صُلُبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم). شهد على ذلك الصحابة الكرام : خالد بن الوليد , عمر بن العاص , عبد الرحمن بن عوف , معاوية بن أبى سفيان.
ويذكر أن عمر بن الخطاب عندما فتح القدس وجد أهلها يتحدثون العربية. ومنذ العهد العمرى الذي أبرمه الخليفة عمر مع صفرونيوس بطريرك القدس “ظل التسامح الإسلامي متجذرًا مؤصًلا عبر قرون من الزمن ومهيمنًا على أصحاب الديانات السماوية الثلاث في المدية المقدسة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، ولم يعكر صفوه إلا موجات من التعصب زمن الحروب الصليبية وزمن الهجمة الصهيونية لاستعمار فلسطين استعمارا عنصريا استيطانيا”.
فؤاد إبراهيم عباس : مصادر عروبة فلسطين(القدس أون لاين).
 

ذاكرة القدس – 5     
الكاتب/ د.إبراهيم فؤاد عباس    
30/04/2009 

عندما فتح الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القدس وجد أهلها يتحدثون العربية. ومنذ العهد العُمرى الذي أبرمه الخليفة عمر مع صفرونيوس بطريرك القدس «ظل التسامح الإسلامي متجذرًا مؤصًلا عبر قرون من الزمن ومهيمنًا على أصحاب الديانات السماوية الثلاث في المدينة المقدسة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، ولم يعكر صفوه إلا موجات من التعصب زمن الحروب الصليبية وزمن الهجمة الصهيونية لاستعمار فلسطين استعمارًا عنصريًا استيطانيًا».
فؤاد إبراهيم عباس: مصادر عروبة فلسطين (القدس أون لاين).
وإذا انتقلنا من حيّز الحكم إلى حيّز التكوين الشعبي، وجدنا «الحق التاريخي» اليهودي أضأل في هذا مما هو في ذاك. وتتبين هذه الضآلة من الحقيقة الأساسية التي يجهد الصهيونيون في إخفائها ، وهي أن سكان فلسطين العرب لا ينحصرون في القلّة التي جاءت عند الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي ، وإنما يضمون الكثرة الغالبة المكونة من أهل البلاد الأصليين الذين عاشوا فيها قبل هذا الفتح بقرون ثم تقرّبوا بعد الفتح ، والذين تعود صلتهم بفلسطين إلى أقدم الأزمنة وتتعمق جذورها وتتفرّع في تراب الوطن ومن ضمنه القدس، بينما صلة اليهود كانت طارئة ولم تمتد على البلد (فلسطين) بكامله، وعندما تشتتوا عنه بقي فيه سكانه الأصليون ومن تحدّر منهم ، وهم من يمثلهم الفلسطينيون العرب اليوم.
وفي استعراضنا للوضع الديمغرافي للقدس عبر التاريخ سندرك أن اليهود كانوا غائبين عن المدينة حتى قيام المملكة الموحدة عام 1000 ق.م وظلوا قلة في تلك المدينة العربية منذ تعرضها للغزويْن الأشوري والبابلي ، ثم خلت القدس منهم تقريبًا لأكثر من 1500 عام بدءًا من سنة 132م. فالثابت تاريخيا أن مملكة إسرائيل سقطت سنة 721ق.م في يد «سرجون الثاني» الآشوري الذي سبا أحسن رجالها وعددهم 27280 شخصًا إلى ميديا ،وأن مملكة يهودا سقطت عام 586ق.م عندما اجتاح نبوخذ نصر الكلداني مملكة يهودا ودمر “أورشليم”مع هيكلها وسبا عظماءها وعددهم حوالى 50 ألفًا معظمهم لم يعودوا إلى أورشليم في عهدالملك قورش وإنما فضّلوا البقاء في بابل. وأباد طيطوس عام 70 م عددًا كبيرًا من اليهود وسبا عددًا آخر. وفي سنة 132م جرى القمع الكبير لليهود على يدالقائد الروماني أدريانوس حيث لم تقم لليهود قائمة في القدس بعد هذا القمع وتشتتوا بعدها في مناطق عدة في الشرق الأوسط وأوروبا.
ولمدة تزيد على 1600 عام بعد الضربة القاضية التي وجهها أدريانوس لليهود في القدس وتدميره الهيكل كادت تلك المدينة تخلو من اليهود. واستجاب الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرغبة أهالي القدس في إجلاء اليهود من المدينة حيث توثّق هذا البند في العهدة العُمرية على نحو ما سبق ذكره.
وفي سنة 1268م صادف نحمان جيروندي عائلتين يهوديتين فقط في القدس. وتذكر موسوعة لاروس في تاريخ فلسطين الحديث أن فلسطين – بما في ذلك القدس- ضمت 60 ألف يهودي عام 1918.
انظر دراسة الباحث «عروبة فلسطين ثابتة عبر التاريخ والدين والتراث التي نشرت في الشرق الأوسط، – الحلقة الثالثة ، عدد الاثنين 12/15/1981
ونتيجة التركيز الاستيطاني اليهودي في القدس تزايد عدد اليهود باستمرار سنوات الهجرة حسب الجدول التالي:-
سكان المدينة من اليهود      العام
– 14.000                         1887
45.000 20.000                 1890
– 50.000                         1897
–  40.000                       1904 
بدأت الدولة العثمانية بفرض قيود على الهجرةليصل عدد اليهود إلى   80.000 عام  1908
وفي عام 1910 توزع اليهود في فلسطين على الشكل التالي:-
في القدس 60%
في يافا، صفد، طبريا، الخليل 25%
في المستوطنات 15%
وكان سكان القدس في ذلك التاريخ 90.000 ألف نسمة وانخفض العدد إلى 50.000 نسمة سنة 1917 بسبب هجرة اليهود إلى مصر أثناء الحرب العالمية الأولى.
ثم عاد التواجد للارتفاع:-
السكان        العام
61.000       1920
157.000     1940
164.000     1947
المصدر: www.angelfire.com [1] (الاستيطان في القدس)
وثمة ما يثبت أن يهود اليوم لا يمتّون بصلة لليهود الذين عرفوا زمن سيدنا موسى عليه السلام . ويقول المستشرق الفرنسي أرنست رينان بهذا الصدد : إن اليهود المعاصرين ليسوا ساميين ، بل أنهم خليط من كل الشعوب الأوروبية. وهو ما يؤكده أيضًا المستشرق البريطاني الأمريكي برنارد لويس عندما ذكر في كتابه (مملكة الخزر) أن اليهود الجدد الذين تدفقوا على فلسطين من روسيا وأوروبا الشرقية منذ القرن التاسع عشر من أصل آري اعتنق أجدادهم اليهودية مع بولان ملك الخزر في القرن التاسع الميلادي.
شهادة الدين على عروبة فلسطين
يرى د. الدجاني أن عروبة القدس تتمثل دينيًا بارتباط هذه المدينة المقدسة بأنبياء الله سبحانه وتعالى عند المؤمنين، ويقول بهذا الصدد : ” إنا واجدون في التراث الديني قصصًا عن هذا الارتباط منذ آدم عليه السلام، وتاريخًا واضحًا منذ إبراهيم عليه السلام -أبي الأنبياء- وهو الذي جاء فلسطين مهاجرًا ونزل يبوس ضيفًا على العرب اليبوسيين وزار مصر وعاد منها ليستقر في الخليل وليحمل زوجه هاجر وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع عند بيت الله المقدّس في مكة».
ويستطرد د. الدجاني : «قد توالى ارتباط الأنبياء من أبنائه بالقدس في سلسلة مباركة فيها إسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وصولا ً إلى محمد صلى الله عليه وسلم الذي أسرى الله به إلى المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السماء».
وارتباط القدس بالدين الإسلامي لا يعود زمنيًا– كما يعتقد البعض – إلى الفتح الإسلامي للمدينة واستلام الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب لمفاتيحها فقط، ولا إلى حادثة الإسراء والمعراج ، وإنما يعود أيضًا إلى ما قبل تلك الحادثة بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، تحديدًا إلى عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام عند قدومه إلى المدينة وصلاته مع ملكها (ملكي صادق) لله الإله الواحد عند البقعة المقدسة التي بنى عليها سيدنا إبراهيم الخليل المسجد الأقصى . والحمد لله القائل في كتابه الكريم 🙁 وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاة وآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)- الحج: 78.
وواقعة بناء سيدنا إبراهيم عليه السلام للمسجد الأقصى يؤكدها ما ورد في حديث النبي محمد صلى الله عليه و سلم حينما سأله أبو ذر الغفاري قال : «سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أول مسجد وُضع على الأرض قال المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟، قال المسجد الأقصى قلت: كم بينهما؟، قال: أربعون عاماً ثم لك الأرض مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ» أو كما قال صلى الله عليه و سلم .
وأرض فلسطين باعتراف التوراة ذاتها كانت أرض غربة بالنسبة إلى آل إبراهيم وآل إسحق وآل يعقوب إذ كانوا مغتربين في أرض فلسطين بين الكنعانيين سكانها الأصليين .
وتؤكد لنا التوراة غربة اليهود عن القدس، ففي سفر القضاة 11:19 و 13 نجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف (يبوس) “.. وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا، قال الغلام لسيده :
«تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا». فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا».
«وَقَالَ ابْرَاهِيمُ لِعَبْدِهِ كَبِيرِ بَيْتِهِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي 3 فَاسْتَحْلِفَكَ بِالرَّبِّ الَهِ السَّمَاءِ وَالَهِ الأرض إن لا تَاخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ انَا سَاكِنٌ بَيْنَهُم 4 بَلْ إلى أرْضِي وَإلَى عَشِيرَتِي تَذْهَبُ وتأخذ زَوْجَةً لِابْنِي إسْحَاقَ».( تك ، 4-3 : 24 )
وهذا يؤكد أن إبراهيم عليه السلام كان غريبًا في أرض كنعان ، إذ أنه كان بإمكانه فيما لو كان هناك يهود من عشيرته تزويج ولده من إحدى بناتهم بدلا من إرسال عبده إلى أرام النهرين لجلب عروس لابنه من هناك.
وتقول نصوص التوراة أيضًا:» وَتَغَرَّبَ إبراهيم فِي أرْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ أياماً كَثِيرَةً» .(تك ، 34 : 21(. و»َسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أرْضِ غُرْبَةِ أبيه فِي ارْضِ كَنْعَانَ». ( تك ، 1 : 37 ).
و “ وَجَاءَ يَعْقُوبُ إلى إسحاق أبيه إلى مَمْرَا قَِرْيَةِ أربع (الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ) حَيْثُ تَغَرَّبَ إبراهيم وإسحاق” . ( تك ، .(27: 35
مجلة العلوم الاجتماعية عدد 29/8/2008
وأشارت روايات التوراة إلى أن الملك اليبوسي ملكي صادق، اعتقد هو وجماعته بالله الواحد العلي مالك السماوات والأرض، وحيث اتخذ هذا الملك من بقعة الحرم القدسي الشريف معبداً له، وقدم ذبائحه على موضع الصخرة المشرفة. وقد مجّدته التوراة، كما مجّده الإنجيل باعتبار أنه أول من قدس الحرم الشريف ووصفاه بأنه (كاهن الله العلي) .
وبذلك يكون العرب الكنعانيون أقدم من قدس هذه البقعة وتعبّد فيها، وذلك قبل أن يقوم سليمان بن داود ببناء هيكله بما يقرب من ألف سنة.
 
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.