تلك السنون
تلك السنون الغاربات ورائي | سفر كتبت حروفه بدمائي |
ما عشتها لأعدّها بل عشتها | لتبين في سيمائها سيمائي |
سيّان لو أني قنعت بعدّها | عمري وعمر الصخرة الصماء |
ولبذّني يوم التفاخر شاطىء | ما فيه غير رماله الخرساء |
لا حت لي العلياء في آفاقها | فأردتها دربا ألى العلياء |
ومحبة للخير تسري في دمي | ورعاية للضعف والضعفاء |
وعبادة للحق أين وجدته | والحسن في الأحياء والأشياء |
لتدور بعدي قصة عن شاعر | رقصت به الدنيا جناح ضياء |
نشر الطيوب على دروب حياته | وسرى هوى في الطيب و الأنداء |
وأطلّ في قلب البخيل سماحة | وشجاعة في السلم والهيجاء |
ومشى ألى المظلوم بارق رحمة | وهوى على الظلام سوط بلاء |
فتعز دنيا قد طوت آبائي | وتهش دنيا أطلعت أبنائي |
تلك السنون ببؤسها ونعيمها | مالت بعودي وانطوت بروائي |
أين الشباب ألفّ أحلامي به | ليس الشباب الآن لي برداء |
نفسي تحس كأنما أثقالها | قد خيرت فتخيرت أعضائي |
كم من رؤى طلعت على جنباتها | ركبا من الأضواء و الأشذاء |
قلبت فيها بعد لأي ناظري | فتعثرت عيناي بالأشلاء |
يا للضحايا لا يرفّ لموتها | جفن ولا تحصى مع الشهداء |
ودعت لذات الخيال وعفتها | ورضيت أن أشقى مع الحكماء |
فعرفت مثلهم بأني موحد | بؤسي،وأني خالق نعمائي |
… |
|
إني أراني بعد ما كابدته | كالفلك خارجة من لأنواء |
وكسائح بلغ المدينة بعدما | ضلّ الطريق وتاه في البيداء |
شكرا لأصحابي فلولا حبهم | لم أقترب من عالم اللألاء |
بهم اقتحمت العاصفات بمركبي | وبهم عقدت على النجوم لوائي |
… |
|
شكرا لأعدائي فلولا عيثهم | لم أدر أنهمو من الغوغاء |
نهش الأسى لما ضحكت قلوبهم | عرس المحبة مأتم البغضاء |
ذني إلى الحسّاد أني فتّهم | وتركهم يتعثرون ورائي |
وخطيئتي الكبرى إليهم أنهم | قعدوا ولم أقعد على الغبراء |
عفو المروءة والرجولة أنني | أخطأت حين حسبتهم نظرائي |
…شكرا لكلّ فتى مزجت بروحه | روحي فطاب ولاؤه وولائي |
من كان يحلم بالسماء فإني | في قلب إنسان وجدت سمائي |
ليس الجمال هو الجمال بذاته | الحسن يوجد حين يوجد رآء |
ما الكون؟ ما في الكون لولا آدم | إلا هباء عالقاً بهباء |
وأبو البرية ما أبان وجوده | وأتم غايته سوى حواء |
إني سكبت الخمر حين سكبتها | للناس ، لا للأنجم الزهراء |
لا تشرب الخمر النجوم وإن تكن | معصورة من أنفس الشعراء |
… |
|
تلك السنون ، عقيمها كولودها | حلو لديّ، كذا يشاء وفائي |
فالليلة العسراء من عمري | وعمر الدهر مثل الليلة السمحاء |
يا من يقول (ظلمت نفسك فاتئد) | دعني ، فلست بحامل أعبائي |
إنّ الحياة الروح بعض عطائها | وأنا ثمار الروح كلّ عطائي |
ما العمر؟ إان هو كالإناء وإنني | بالطيّب الغالي ملأت إنائي |
فإذا بقيت ، فللجمال بقائي | وإذا فنيت ، ففي الجمال فنائي |
… |
|
للّه ما أحلى وأسنى ليلتي | هي في كتاب العمر كالطغراء |
يا صحب لن أنسى جميل صنيعكم | حتى تفارق هيكلي حوبائي |
وتقول عيني “قد فقدت ضيائي” | ويقول قلبي”قد فقدت رجائي” |