www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

أبا الوليد .. إنّ التقهقر لن يفيد/

0

في صبيحة هذا اليوم الخميس 23/4/2009 وصلت إلى مكتبي بمدينة غزة وكما جرت العادة بدأت أتصفح بعض المواقع الإخبارية الفلسطينية للاطلاع على مستجدات الأحداث، فمنها ما يفرح القلب وأكثرها تبثّ الأحزان في النفس. فمن القليل المفرح ” حماس ترفض شروط كلينتون وتنتقد ازدواجية واشنطن ” ؛ لكنّ المحزن كثير ومن أمثلته ” مشردو غزة: اقترب الصيف وحاصرتنا الأفاعي “، ” أجهزة عباس تسلم جنديا صهيونياً دخل نابلس بالخطأ!! “، ” السلطات المصرية تمنع وفداً اسكتلندياً بينهم نائب من الوصول إلى قطاع غزة “، ” سليمان يلتقي ليبرمان بعيداً عن وسائل الإعلام ويدعو نتنياهو لزيارة القاهرة “.

أبا الوليد .. إنّ التقهقر لن يفيد
 
عبد الرحمن أبو العطا*
 
في صبيحة هذا اليوم الخميس 23/4/2009 وصلت إلى مكتبي بمدينة غزة وكما جرت العادة بدأت أتصفح بعض المواقع الإخبارية الفلسطينية للاطلاع على مستجدات الأحداث، فمنها ما يفرح القلب وأكثرها تبثّ الأحزان في النفس.
فمن القليل المفرح ” حماس ترفض شروط كلينتون وتنتقد ازدواجية واشنطن ” ؛ لكنّ المحزن كثير ومن أمثلته ” مشردو غزة: اقترب الصيف وحاصرتنا الأفاعي “، ” أجهزة عباس تسلم جنديا صهيونياً دخل نابلس بالخطأ!! “، ” السلطات المصرية تمنع وفداً اسكتلندياً بينهم نائب من الوصول إلى قطاع غزة “، ” سليمان يلتقي ليبرمان بعيداً عن وسائل الإعلام ويدعو نتنياهو لزيارة القاهرة “.
غير أنني شعرت بالصدمة والذهول من خبر لم أكن أتوقعه في أشد الكوابيس وطأة والذي عنون له موقع فلسطين الآن بـ ” مشعل للبرلمان البريطاني: لن نقبل أقل من حدود 67 “.
تذكرت حينها لقاءا صحفيا أجريته مع الشيخ أحمد ياسين رحمه الله بعد تعثر مباحثات كامب ديفيد الثانية عام 2000م ، بسبب رفض ياسر عرفات لبعض المقترحات الإسرائيلية والأمريكية؛ فقال لي الشيخ: أحيي صمود أبو عمار ، ذكّرته بأنّه فرّط في الكثير من حقوق الشعب الفلسطيني و هو قد جلب إليهم كوارث جمّة ، ولم يلتزم بوقفية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأرض فلسطين على أجيال المسلمين؛ فردّ رحمه الله بالقول: هو مشروعه (يعني أبو عمار) التنازل ونحن مشروعنا الثبات فإذا أخذ موقف ثبات يكون قد اقترب مني فأحييه على ذلك الموقف.
وليس الثبات كلمة تلاك بالأفواه في المحافل وعبر الشاشات أو أغنية يصدح بها تلفزيون فلسطين مثلا لياسر عرفات (صامد يا غالي) بينما وقّع على غالبية فلسطين دولة لليهود وإنما هي مواقف صعبة تحتاج إلى رجال كأحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة وغيرهم من القادة الكرام، قادرين على حمل الأمانة حتى يتوفاهم الله مقبلين غير مدبرين ثابتين غير مفرطين متمسكين بمشروعهم للتحرير الكامل في كل المراحل.
نعم لقد اقتضى الثبات على المواقف والتمسك بكامل الأرض التي هي جزء من عقيدتنا التي تربينا عليها في المساجد أن نفقد أعزّ أحبابنا من أهلها وجيراننا ومواضع مودتنا وخيرة رجالنا وأعلى هيئاتنا القيادية.
والكارثة لو اعتقد واحد من أصحاب القرار في القيادة السياسية بأنّ بريطانيا التي أخلفت وعدها للشريف حسين ولم تعتذر عن وعد بلفور وأرسلت بجنودها إلى العراق وبعثت بخيرة ضباطها وجنودها إلى أفغانستان يمكن أن تفي له بوعود أو أن يكون بحوزتها ما فيه فائدة ومصلحة للشعب الفلسطيني ، وأدعو علماء التاريخ أن يفهموه كيف تحقق الدول والجماعات مصالحها، وأن يخبروه ما هي المملكة المتحدة وما هي سياساتها تجاه المشرق الإسلامي، وأدعو الباحثين لتعليمه ما هو موقع هذه المقابلة من وضع الخطط والاستراتيجيات المحكمة.
إلى هنا الدماء تغلي في عروقي ، وفي المركز الفلسطيني للإعلام وجدت الخبر بعنوان آخر ومن سوء حظي أنني قررت أن أشاهد التفاصيل التي جاء فيها ” وأوضح مشعل خلال كلمته أن الفرصة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط “مواتية لكن مدخلها الوحيد هو الضغط على “إسرائيل”، معتبرًا أن تجاهل القضية الفلسطينية وتركها دون حل “سيؤدي إلى انفجار الوضع في المنطقة”.
المصيبة أن هذا الكلام يشابه ما يقوله محمود عباس فقد نشرت له تصريحات صحفية مع كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية المنصرفة: ” نحن نواصل جهودنا مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش للوصول إلى حل سياسي شامل ودائم مع إسرائيل يقوم على دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 دون تضييع أي فرصة سانحة لذلك “.
فإذا كان الأمر كذلك وهذا التفريط مقبول لدى قيادتنا السياسية فما المانع من أن يعود محمود عباس إلى غزة بلا شروط، وما الحائل دون تطبيق قراره بإقالة الحكومة برئاسة إسماعيل هنية، وتنصيب سلام فياض بدلا عنه، وما المبرر لسقوط كل هذه الأعداد من الشهداء والجرحى وتشريد الآلاف من الأسر؟ ، ولنغير وجهتنا الإسلامية ونتحول إلى وطنيين نفعيين.
 
تعليقات بسيطة
وحتى يكون موقفي واضحاً من هذه التصريحات الخطيرة والمثيرة فإنني أسجل هنا بأنني غير معترض على التحدث إلى نواب في مجلس العموم البريطاني أو حتى في الكونغرس الأميركي وإن كان في الأمر بعضا من الإهانة لشخص الأستاذ خالد مشعل ولحركة حماس كذلك ، كعادة الكفار في التعامل مع المسلمين إذ أن الكلمة لم توجه إلى المجلس لدى انعقاده وإنما وجهت إلى الجالسين في غرفة الانتظار ريثما يتوجهوا إلى الجلسة.
ولكن اعتراضي هو على المضمون الذي احتوته الكلمة فإنّ ما جاء فيها عبّر عن ضعف في الوعي السياسي للخطاب تجاه الغرب، فهؤلاء كما تعلمنا من أستاذنا الفاضل الدكتور عصام سيسالم _رحمه الله_ عبارة عن قبائل همجية دارت بينهم في التاريخ البعيد والقريب ملاحم طاحنة قتلت الملايين منهم وهم يقدسون القوة ويهابون الأقوياء والتراجع أمامهم بهذه الطريقة سيزيدهم قربا من إسرائيل التي هي أقوى منا كما ذكر مشعل في تصريحاته، وعنا بعدا ولنا احتقارا.
ومما أثار الضحك الممزوج بالحزن هو تعليق الأستاذ علي بركة نائب ممثل حركة “حماس” في دمشق على “السماح لخالد مشعل بتوجيه هذه الكلمة”؛ فقد ذكر من ضمن الدلالات بأن مجلس العموم البريطاني يعترف بأن حماس حركة تحرر وطني وليست حركة إرهابية، وهذا كلام لا أصل له في علم السياسة ولو أتعب نفسه في قليل من التفكير لوجدها فكرة باطلة لما يلي:-
–       هل مجلس العموم البريطاني استمع إلى كلمته خلال جلسة رسمية ؟.
–       هل رئيس مجلس العموم البريطاني هو من دعاه لإلقاء هذه الكلمة ؟.
–       هل شطبت بريطانيا اسم حركة المقاومة الإسلامية حماس عن قائمتها للمنظمات الإرهابية ؟.
–       هل يمكن للحركة أن تمارس نشاطاتها في بريطانيا بشكل اعتيادي ؟.
–       هل يستطيع الأستاذ خالد مشعل أو واحد من القادة السياسيين البارزين التوجه إلى بريطانيا دون أن يتعرض للأسر أو الطرد ؟.
وأضاف علي بركة “هذا يؤكد فشل سياسة العزل الأمريكية تجاه حركة حماس بعد فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006” ، ولا أدري ماذا يقصد بسياسة العزل الأمريكية ؟، فهل يعني بذلك أن إلقاء كلمة هنا أو كتابة مقالة هناك أو لقاء وفد معارض هنا أو رجل مخابرات متخفي تحت غطاء عمل إغاثي هناك أو نائب مختص بشؤون الأمن هنا أو رئيس متقاعد هناك يمكن أن يكون دفعا استراتيجيا مفيدا لتلك السياسة الأمريكية ؟!.
ثم إن التعبير فيه شيء من الدونية إذ أن حماس منذ نشأتها لا تسعى إلى أن تكون ممن يدورون في فلك الأمريكان ولا تقبل إلا بالاعتزال عنهم وعن أعوانهم وهذا إن قصده الأخ بقوله “فشل سياسة العزل الأمريكية”  فهو كما أفهم من كلامه يرى أن اعتراف أميركا ومن يستجيبون لسياساتها بحماس مكسب، ويدل أيضا على أنه لا يرى في أميركا عدوا وهذا ليس منهج الشيخ أحمد ياسين ولم يقل به أحد ممن ثبتوا على الطريق حتى وافته المنية أو حظي بالشهادة.
والفقرة التالية تؤكد قولي عن دلالة اللفظ على الشعور بالدونية حيث أفاد علي بركة ” التواصل اليومي مع حماس من قبل الاتحاد الأوروبي هو دليل على أن الحركة هي أحد ممثلي الشعب الفلسطيني الشرعيين” ، فهل ننتظر من هؤلاء أن يحددوا لنا من هو الممثل الشرعي لشعبنا، أو أن يعطونا الشرعية للتحدث باسم الشعب الفلسطيني أو نقبل منهم أن يمنعونا من ذلك ؟.
ولكن بفضل الله عرض الأستاذ بركة معلومة تؤكد ما ذهبت إليه من انتقاد لحالة الاستضعاف والتراجع عن ثوابت الحركة الإسلامية التي أبداها خالد مشعل في حديثه إلى الجالسين في الغرفة الجانبية بمجلس العموم البريطاني وهي ” كذلك هناك دلالة واضحة هي أن هذا التواصل جاء بعد فشل العدوان العسكري الصهيوني على قطاع غزة “.
إذن فالقوم يقدسون القوة ولا يحترمون إلا الأقوياء ولا يحسبون للضعفاء حساباً وهذا ما يؤكد أن التراجع والتقهقهر عن التمسك بطرد الاحتلال من كافة أرجاء فلسطين في الظاهر والباطن لن يفيد بل سيزيد الأمر من التعقيد.
وأخطر ما في الأمر أن التصريحات التي أطلقها الأستاذ خالد مشعل تعزز الحل الأميركي للقضية وهو حل الدولتين، وإن كانت القيادة السياسية تظنّ أن الحل المعروض يمكن أن يقبل بحركة مقاومة إسلامية متمسكة بثوابت الدين كجزء منه فهي واهمة.
ويبدو أنّ الذين ينادون بالاحتكام إلى ما يسمى المجتمع الدولي ويؤملون في أوروبا وأميركا خيرا من قادة الحركة لم يدرسوا جيداً تجربة حركة فتح ذات التاريخ النضالي الطويل والتي فكرت بذات الطريقة ولكنها تحوّلت بسلاحها من صدور العدو إلى شعبها بحجة الاتفاقات والالتزامات في وقت تتواصل فيه جرائم العدو، وآلام أهلنا في الوطن والشتات.
ويبقى القول بأن الاعتراف بضعف عدتنا وعتادنا يجبرنا غير مختارين على الثبات في طريق التحرير الكامل والتوقف عن إضعاف أنفسنا بأنفسنا من خلال التصريحات غير المسئولة حول القبول بدولة في حدود حزيران عام 1967، قبل الحديث عن أية تفاصيل مع العلم أن سياسة التفاوض أثبتت فشلها الذريع في التعامل مع اليهود ، ونحن على وصية الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله أن نمسك بالبندقية حتى طرد المعتدين والعودة إلى الديار جميعا.
_____________________________________________
 
* كاتب وصحفي فلسطيني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.