www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

نـحـن ، والمـأسـاة ، والتـغيـيـر /هـيـثـم البـوسـعـيـدي

0

نــأتي الى الدنيا وننطلق في دروبها وطرقها الشائكة، لكن هل نحس بقيمة وجودنا؟ هل ندرك الهدف من حضورنا الى هذا العالم؟ هل نسلك الطريق الصحيح؟ ام نمشي في الطريق الخاطئ دون ان ندرك ذلك؟ كم منا وقف متأملا امام نفسه؟ وكم منا قيم اعماله؟ وكم منا ادرك مكنون شخصيته؟ وهل نفهم حقيقة ذواتنا؟ وهل هي نتاج تراكمات صهرتها عوامل عدة، ام تلعب المآسي والمحن دورا في غربلة شخوصنا وتغيير اتجاهاتنا في الحياة ؟

نـحـن ، والمـأسـاة ، والتـغيـيـر
  بـقـلم هـيـثـم البـوسـعـيـدي

     نــأتي الى الدنيا وننطلق في دروبها وطرقها الشائكة، لكن هل نحس بقيمة وجودنا؟ هل ندرك الهدف من حضورنا الى هذا العالم؟ هل نسلك الطريق الصحيح؟ ام نمشي في الطريق الخاطئ دون ان ندرك ذلك؟ كم منا وقف متأملا امام نفسه؟ وكم منا قيم اعماله؟ وكم منا ادرك مكنون شخصيته؟ وهل نفهم حقيقة ذواتنا؟ وهل هي نتاج تراكمات صهرتها عوامل عدة، ام تلعب المآسي والمحن دورا في غربلة شخوصنا وتغيير اتجاهاتنا في الحياة ؟

إن افكارنا وعواطفنا وخطواتنا تتشاغل بشكل دائم باشياء أخرى من حولنا كالاسرة والرزق والوظيفة وعلاقاتنا بالآخريين، وتطغى على تفكيرنا عقلية المال والمصلحة الدنيوية والانغماس في مستنقع الملذات، ونستنفذ طاقاتنا في الركض وراء شظف العيش، وتضيع سنواتنا وايامنا في خضم الاحداث والظروف وقسوة الحياة بأشياء مفيدة وضارة، وتتحكم فينا الغفلة، ونسهو عما هو مهم، وتقودنا ضغوط الحياة الى مسارات متباينة، ونضع محاسبة الذات في سلة الاهمال، وتتحول ” الشهوة ” الى ادمان حينما نجد فيها حلاوة ولذة حتى ولو كانت تلك اللذة ممزوجة بالالم، وسط كل هذا تتناسى نفوسنا وعقولنا ” المكتوب” او ” القدر” القادم في الطريق إلا من ادرك حقيقة الدنيا وانها سلسلة من الامتحانات والاحداث الصعبة.

فجأة تحدث الفاجعة او الصاعقة او المأساة أو المحنة سميها ما شأت، ويهز الزلزال كل ارجاء كياننا ونكون إما نحن السبب واما يكون الآخرون شركاء في حدوث المأساة او يلعب القدر دوره، وروبما تخرج المأساة من مساحاتنا الشخصية لتكون مأساة جماعية يشاركنا الآخرون في التمرغ بأوجاعها – الحرب مثلا – ، فما الذي تفعله في ذواتنا؟ وما الذي تحفره في جدران قلوبنا؟ وما هو طعم الغصة وحجم مرارتها في النفوس؟ وكيف تمر تلك اللحظات؟ وما هو الهول الذي تحمله؟ وكيف نعيش تلك الدقائق الرهيبة؟

تمر تلك الدقائق كأنها ساعات، وتعيش اجسادنا ونفوسنا وعقولنا حالة اتحاد في مواجهة تلك اللحظات العصيبة، وتتدفق عواطفنا في كل الاتجاهات، وتتهيج مشاعرنا، وتمتلئ قلوبنا بالحزن، وتعتصر نفوسنا بالالم، وتعج نظراتنا بالمعاناة، ويبرز الهلع على محيانا في اقصى درجاته، ونشعر بإنكسار الذات، ونفقد توازننا، وتموت الكلمات على شفاهنا وتعجز السنتنا عن النطق بالحروف…

 عندئذ نرى الدنيا بصورة قاتمة …نرى الدنيا صغيرة اقل مما في كفة الميزان بل اتفه من التراب الذي تمشي عليه أقدامنا، ومن ثم تتساقط صورها المزيفة وتصدر من كل ارجائها روائح ولعنات وآهات وانات متباينة.

حينئذ لا جدوى من قبول او رفض المأساة او الفرار من المواجهة لان بعضنا يرفض المأساة بشدة ولا يقبلها بتاتا، هنا تحدث ” الصدمة ” فتختزلها عقولنا، وتتبرمج مشاعرنا على القهر والحسرة، ويحدث الشرخ وتشهد دواخلنا صراع خفي يستمر لفترة طويلة دون ان يمد او يحتوي من حولنا يديه ليساعدنا، ويصبح التنبؤ بالمآسي عادة مترسخة في اذهاننا،  ونعيش هواجس الخوف من القادم.

 وتتضاعف المأساة ويتعمق اليأس والوحدة والجزع ويموت الامل، وتكون ارواحنا عرضة لشتى الامراض، ونكون امام النزول الى ادنى مستويات الانحطاط، وتتوالى الخيبات وتتلاحق الانتكاسات، وبذلك نرفع رايات الاستسلام ونقدم وعاء الهزيمة والتنازل على طبق من ذهب الى المجهول.

 

 

 

اما بعضنا فتوعز له خلفيته الايمانية الربط بين الذات الالهية ودورها في التخطيط لوقوع المأساة لان – حسب ما نعتقد – لم تخلق المأساة في حياتنا صدفة بل لأجل حكمة و سنة كونية حتى تقيس مدى صبرنا و تختبر قوة  قلوبنا على التحمل، عندئذ نرى المأساة بعين النعمة وتظهر رؤيتنا الايجابية للمأساة، ونندفع للاقتراب من” الخالق” وننظر الى المأساة من زوايا الابتلاء والامتحان الالهي، ونربط بين حدوث المأساة وسلسلة اخطائنا وزلاتنا الفضيعة، فنفوز بمهارة مواجهة الاحداث القادمة، ونكسب طاقة رهيبة تحبس الجزع والسخط والشكوى، ونرث الصبر على ما سببته المأساة من هموم مستمرة، وتتساقط كل الامراض امام ارادتنا، وتصبح قلوبنا حصون منيعة من جميع الهجمات حتى ولو ضاقت الظروف أكثر من ذلك وانعدمت الحلول. 

بمرور الايام تخف سخونة الالم، وتهبط حرارة الوجع في اعماق نفوسنا، وتغزو فطرة النسيان عقولنا، ويتصاغر حجم المأساة. عند ذلك هل نستذكر لحظات المأساة هل نسترجع شريط الاستسلام؟ هل نستشعر ثواني الضعف التي مررنا بها؟ وفي نفس الوقت هل راجعنا صفحات افكارنا وتصرفاتنا؟ هل تشكلت صورة أخرى عن الحياة في تفكيرنا؟… من منا وقف وقفة طويلة مع نفسه ووضع نصب عينيه العبرة والعضة والتدبر…قليل من فعل ذلك لاننا تناسينا ان المأساة هي من اعطتنا شهادات النجاح او الرسوب، وهي من فرقت بين الذهب والنحاس، وهي من شخصت هشاشة وقوة شخصياتنا، وهي من قسمتنا الى فريقين اصحاب العقول والمشاعر اليقضة أواتباع العقول والقلوب الخامدة.

اذا تختلف احاسيسنا ونظراتنا وتتباين مواقفنا وتصرفاتنا ما بعد المأساة، وذلك يرجع لاختلاف طبائعنا وخلفياتنا المعرفية والفكرية والاسرية والدينية، لكن المأساة هي بداية حقيقية لتغيير مجهول في شخصياتنا لانها زرعت في الذاكرة لحظات ومواقف لن تنسى،  وشقت في النفس طرق واتجاهات جديدة، واجبرتنا على التغيير الذي نحن فقط نتحكم في شكله ونوعه، فإما ان يكون تغييرا للافضل او تغييرا للاسوأ، فقد يخمد ذلك التغيير مشاعرنا وتصرفاتنا الخاطئة او يروضنا على صفات حميدة او قد نتراجع عن اخلاقياتنا وقناعاتنا فنصبح امام خيارين خيار المصالحة والمصارحة مع الذات او خيار التجاهل او الهروب او الكذب على الذات. 

لكن السؤال الذي نوجهه لنفوسنا لماذا ننتظر المأساة حتى نتغيير؟ لماذا لم نتخذ قرار التغيير قبل حدوث المأساة؟ لماذا لم نفهم حقيقة الحياة ولعبة القدر؟ لماذا لم نتعظ من كل الاحداث الصعبة والمحن التي يمر بها من حولنا؟ولماذا ننتظر نيران الماساة حتى تكوي قلوبنا بمزيد من الآلآم؟ لماذ لا ننقذ انفسنا قبل وقوع الخطر؟ لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.