بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا
بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا | ولا أرى لشبابٍ ذاهبٍ خلَفا |
عاد السوادُ بياضاً في مفارقهِ | لا مرحباً هابذا اللونِ الذي ردفا |
في كلِّ يومٍ أرى منه مبيِّنة ً | تكاد تُسْقِطُ منِّي مُنَّة ً أَسَفَا |
ليت الشَّبَابَ حَلِيفٌ لا يُزَايِلُنا | بل ليته ارتدّ منه بعضُ ما سلفا |
ما شَرُّها بعد ما ابيضَّتْ مَسَائحُها | لا الود أعرفه منها ولا اللَّطفا |
لو أنها آذنتْ بِكراً لقلتُ لها | يا هَيْدَ مالِك أو لو آذنَتْ نَصَفَا |
لولا بنوها وقولُ الناسِ ما عطفتْ | على العتاب وشرُّ الودِ ما عطَفَا |
فلن أزالَ ، وإنْ جاملتُ ، مضطغِناً | في غيرِ نائرِة ٍ ضبَّا لها شنَفَا |
ولا حبٍ كحصيرِ الراملات ترى | من المطيِّ على حافاته نَطِفا |
والمُرْذِياتِ عليها الطّيْر تَنْقُرها | إمّا لهِيداً وإمّا زاحِفاً نَطِفَا |
قد ترك العاملاتُ الراسِماتُ به | من الأحِزَّة في حافاته خُنُفَا |
يَهْدِي الضَّلُولَ ذَلُولٍ غيرِ مُعْتَرِفٍ | إذا تَكَاءدَه دَوِّيُّهُ عَسَفَا |
سمحٍ دريرٍ اذا ما صُوَّة ٌ عرضتْ | له قَريباً لسَهْلٍ مال فانحرَفا |
يجتازُ فيه القطا الكُدريّ ضاحية ً | حتّى يَؤوبَ سِمَالاً قد خَلَتْ خُلُفَا |
يَسْقِينَ طُلْساً خَفِيّاتٍ تَرَاطُنُها | كما تَرَاطَنُ عُجْمٌ تَقْرَأ الصُّحُفَا |
جَوَانحُ كالأَفَانِي في أَفاحِصِها | ينظُرْنَ خَلْفَ رَوَايَا تَسْتَقِي نُطَفَا |
حمرٌ حواصلها كالمغدِ قد كسيتْ | فوقَ الحواجبِ مما سبدتْ شعفَا |
يوماً قطعتُ وموماة ٍ سريتُ إذا | ما ضاربُ الدُّفِّ من جنانِها عزَفا |
كلفْتُها حرّة َ الليتينِ ناجية ً | قَصْرَ العَشِيِّ تُبَارِي أَيْنُقاً عُصُفَا |
أبقى التهجرُ منها بعد ما ابتذلتْ | مَخِيلة ً وهِبَاباً خَالَطَا كَثَفَا |
تَنْجُو وتَقْطُر ذِفْرَاها على عُنُقٍ | كالجِذْع شذَّب عنه عاذِقٌ سَعَفَا |
كأن رَحْلِي وقد لانتْ عَرِيكتُها | كسوتُه جورَفاً أقرابُهُ خصفَا |
يجتازُ أرضَ فلاة ٍ غيرَ أنّ بها | آثارَ جنٍّ ووسماً بينهم سلفا |
تَبْرِي له هِقْلة ٌ خَرْجاءُ تحسبَهُا | في الآلِ مخلولة ً في قرطفٍ شرفا |
ظَلاَّ بأَقْرِية ِ النَّفَّاخِ يومَهما | يَحْتَفِرَانِ أُصُولَ المَغْدِ واللَّصَفَا |
والشَّرْيَ حتّى إذا اخضرَّتْ أُنُوفُهما | لا يألوانِ من التنُّومِ ما نقفا |
راحا يطيرانِ معوجَّين في سرعٍ | ولا يريعان حتى يهبطا أنُفا |
كالحَبَشِيَّيْنِ خافَا من مَلِيكهما | بعضَ العَذاب فجالا بعدَ ما كُتِفَا |
كالخاليَيْنِ إذا ما صَوَّبا ارتفعا | لا يحقرانِ من الخطبان ما نقفا |
فاغترَّها فشآها وهي غافلة ٌ | حتى رأته وقد أوفى لها شَرفا |
فشَمَّرَتْ عن عَمُودَيْ بانة ٍ ذَبَلاَ | كأنّ ضاحِيَ قِشْرٍ عنهما انْقَرَفَا |
وقارَبَتْ من جَنَاحَيْها وجُؤْجُئِها | سكَّاءَ تثني إليها ليناً خُصفَا |
كانت كذلك في شأوٍ ممنعة ٍ | ولو تَكَلَّفَ منها مِثْلَه كَلِفَا |