www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

نصف مليون غشيم خلف نصف مليون مقود/بقلم آرا سوفاليان

0

في قسم العناية المشددة في احدى مشافينا الخاصة ذات الصناديق العامرة والمليئة حتى التخمة بكل أنواع النقود من محلية وأجنبية نتيجة فواتير الاستشفاء التي تقترح الرقم وتوزع عليه الخدمات فيما بعد حيث تجد أجور نقل دم ليتبين أنه لم يتم نقل دم وأجور تصوير بالمرنان ليتبين أنه لم يتم أي تصوير لا بالمرنان ولا بغيره وعليك أن تدفع فحسب.

نصف مليون غشيم خلف نصف مليون مقود…بقلم آرا  سوفاليان

في قسم العناية المشددة في احدى مشافينا الخاصة ذات الصناديق العامرة والمليئة حتى التخمة بكل أنواع النقود من محلية وأجنبية نتيجة فواتير الاستشفاء التي تقترح الرقم وتوزع عليه الخدمات فيما بعد حيث تجد أجور نقل دم ليتبين أنه لم يتم نقل دم وأجور تصوير بالمرنان ليتبين أنه لم يتم أي تصوير لا بالمرنان ولا بغيره وعليك أن تدفع فحسب.
كنا نتردد لزيارة قريب متقدم في العمر استطاع استنزاف كل ما تبقى في جيوب عائلته فرداً فرداً، دون أن يعلم بذلك بسبب الغيبوبة التي يرقد فيها بسلام، وكان قد تعرض لجلطة دماغية ثانية ولم يبق في جسده شيء يعمل غير القلب… ومع تمنيات المشفى بإقامة مديدة وسعيدة وطويلة لم يبق أمام أهله إلاَّ إشهار إفلاسهم التام وإشهار إفلاس أقاربهم وأقارب الأولاد والأحفاد.
وتحضرني هنا مقالة صغيرة قرأتها وفيها خبر مقتضب يقول … تم في أميركا الحكم بالسجن على الطبيب الأرمني فلان فلانيان من أصل كندي مخترع تقنية الموت الرحيم، لأن التشريعات والقوانين الكندية تفتقد إلى أي نص يؤدي إلى إدانة هذا المخترع وسجنه وبالتالي فلقد تم استقدامه إلى الولايات المتحدة ليحاكم هناك وفق القوانين السائدة وقد تمت المباشرة بتنفيذ الحكم وتم زجه في السجن وقد سمع سجانه يهمس في اذنه بالانكليزية مع زم الشفتين على طريقة الكاو بوي (وين رايح بهل عجقة)!!!.
ممتاز جداً … ولكن ما الفائدة المرجوة من ميت لا يعمل في جسمه أي جهاز إلاَّ قلبه … وبالتفكير والتمحيص في الجواب وبدون مساعدة أي صديق من داخل الأستديو أو من خارجه، يتبين أن هناك فائدة مرجوة جداً جداً جداً … وهي على أقل تقدير المليون ليرة التي أنفقت على مريضنا الحيّ الميت، وفي حال وجود مليون مريض مثله حول العالم… فإن الطبيب الأرمني الكندي الأميركي تسبب بحجب مليار وحدة نقدية وأنقذ أصحابها من هدرها بلا طائل عن طريق الاحتفاظ بها بدلاً من وضعها في صناديق اللصوص وبالتالي فيجب سجن هذا الطبيب العديم الإنسانية لأن كل الإنسانية متوفرة في صناديق المحاسبة والفواتير العائدة لمشافي القطاع الخاص دور ملائكة الرحمة.
وهناك سؤال خارج الموضوع ويطرح نفسه بشدة على نفسه وهو الآتي: هل عجز علماؤنا عن اختراع دواء للسرطان أو دواء للإيدز ؟؟؟ …. الجواب: لا لم يعجزوا ولكنهم عجزوا عن مجابهة شركات الدواء وشركات الأبحاث التي تروج لأدوية تعالج الأعراض ولا تشفي لأن اختراع دواء يشفي السرطان سيؤدي إلى إضاعة المليارات من الدولارات وهي أثمان الأدوية الخلبية التي تدور حول الموضوع ولا تدخل فيه مباشرة… وبالتالي ما هي الفائدة المادية المرتجاة من مريض سرطان تماثل للشفاء. 
وظل مريضنا على هذه الحال وأهله يتدبرون الدنانير والدوالير واليورويات، إلى أن جاء طبيب يخاف الله وأقترح على أهل المريض نقله إلى مشفى عمومي حيث النفقات هناك أقل بكثير من مقصلة المشفى الخاص وطلب من أهل المريض عدم ذكر اسمه لأن إدارة المشفى الخاص ستسارع إلى فصله من العمل إن وصل إلى مسامع القائمين عليها بأن الطبيب الفلاني هبّل فمه بالنصيحة الفلانية لأهل المريض الفلاني… واستمع أبناء المريض لنصيحة الطبيب الطيب وطلبوا سيارة إسعاف لنقل والدهم إلى مشفى عمومي وتم رفض طلبهم لأن المشفى الخاص قرر إعلان الحرب عليهم (لأن خيرهم قد انقطع وما عاد منهم ثمرة).
فطلبوا سيارة اسعاف حكومية… وبعد الكثير من المحاولات والوعودات لم يأتي أحد لأن المسألة هي مسألة نقل وليست مسألة إسعاف… فتدخل ممرض ابن حلال يدعى قاسم النصف واقترح على أبناء المريض إحضار سيارة إسعاف خاصة تأتي من جهة تم التعاقد معها لخدمة مثل هذه الحالات، وأبرز كرت فيزيت عليه الاسم ورقم الهاتف ورسم لسيارة إسعاف يشتهي الناظر إليها أن يمرض ليستخدمها  لشدة جمالها ولا بد أن يقع الإنسان في غرامها من أول نظرة لأنه لا يوجد مثلها في بلاد الفرنجة قاطبة ولا بد أنه تم استقدامها وصاحبها من كوكب أورانوس.
  وبعد ساعة ونصف وصل ميكرو باص  تم تنسيقه بعد أن كان يعمل على خط حفير العنزة،  فاشتراه متعيش وفك مقاعده ووضع فيه شبه سرير واسطوانة أكسجين مع نربيشة تواليت وتحت السرير هناك سحارة خضار عدد 3 وفواكه عدد 2 وقرط موز وبعض زجاجات الحليب البلاستيكية وربطات خبز من الأفران الاحتياطية مرمية بطريقة (القطش واللحش) حيث لا بد أن المتعيش يعمل (اوفر تايم)  كموزع للمواد الغذائية وهو متعاقد مع بقاليات تستجر هذه الغذائيات.
ونزل رجل الفضاء بثيابه المتسخة وشاروخه من مركبة الفضاء وفتح بابها الخلفي فانبعث رائحة من داخل السيارة تنبئ بقذارة متراكمة تعود لألف سنة سابقة و لا تخطر على بال أقذر المخلوقات،  وسأل عن أهل المريض الفلاني وقاده حظه العاثر إلى مقابلة أم البنات… حيث اتفقنا على أن تذهب إلى المشفى لوحدها… بسبب انشغالي في مؤتمر طبي… ويا ساتر استر…  كانت تحدثه والكارت فيزيت في يديها وسبابة يدها اليمنى تشير إلى صورة سيارة الإسعاف المطبوعة على الكارت فيزيت المسلفن… وتصيح بالرجل… أبعد ساعة ونصف من الانتظار تأتي فخامتك ومعك حاوية الزبالة هذه …اذهب… اذهب من هنا الآن وضعْ فيها كل أهلك… ولكن قبل ذلك أريد أن أعرف؟ من هو القذر الذي تعاقد معك؟ ومن هو مديرك؟… وفي أي شركة أو مكتب تعمل؟، ومن الذي أدخلك إلى المشفى بصحبة مستوعب الجراثيم هذا الذي تسميه سيارة إسعاف؟
وصعد الرجل إلى مركبته الفضائية وطار هرباً كالصاروخ فلقد قرر في قرارة نفسه أنه (مو كل مرة بتسلم الجرّة).
وتم طلب سيارة الإسعاف الحكومية وبطريقة أخرى ناجعة ووصلت بعد عشر دقائق وتم نقل المريض إلى مشفى حكومي.
ووصلت أنا متأخراً بعد أن (ضرب الذي ضرب وهرب الذي هرب)، وأمام الوجوه الكالحة والمياه المالحة وعبارة لا نعرف لم أعرف أي شيء…. فاتصلت لأعرف فعرفت اسم المشفى الجديد فذهبت.
وسألت عن الغرفة رقم 20 الملحقة بالعناية المشددة فقالوا في الطابق الرابع وصعدت بالمصعد واعترض المصعد شرطي وبيده فتاة صغيرة لا تتعدى الثمانية سنوات بيدها منديل ورقي تمسح الدم الذي يخرج من فمها وتبكي بشدة فانحنيت وسألتها عن اسمها فقالت شيئاً غير مفهوم أمتزج بالبكاء وبالدم الذي يخرج من فمها، قلت للشرطي ما القصة؟ قال لي: قصة كل يوم، قلت وما هي: قال: قصة نصف مليون غشيم خلف نصف مليون مقود، وصرخت الصغيرة بكل قوتها… أريد أمي… فسألت الشرطي: أين أمها فقال في الطابق الرابع وهزّ رأسه ونظر إلى الأرض، فقلت له بالله عليك أخبرني ماذا حدث قال: كانت الأم وصغيرتها تقطعان الشارع من ممر المشاة وشارة السيارات حمراء بشهادة الشهود فصدمتهما سيارة مسرعة وقد هربت وسائقها، ولم يتمكن الشهود من معرفة رقمها ولا نوعها ولا حتى لونها بسبب العتمة، وكانت إصابة الأم شديدة، قلت له وما أدراك أن إصابة الطفلة ليست شديدة… إن الدم يخرج من فمها.  قال لي: الأطباء قرروا ذلك… قلت له: وماذا تفعل أنت قال لي: أبحث عن مكان أكتب فيه الضبط وأباشر التحقيق … قلت له: هنا في المشفى؟ قال نعم،قلت: ومع من؟ مع هذه الطفلة الصغيرة؟… قال نعم… قلت له والمجرم طليق والصغيرة قيد التوقيف بدلاً من أن تكون الآن تحت المراقبة الطبية… فماذا لو أن لديها نزف داخلي وهي تدور معك للبحث عن مكان تكتب فيه الضبط… قال لي: قلت لك أن الأطباء قالوا انها لا تشكي من شيء… وأردف قائلاً:(تعال علمّنا شغلنا)… قلت له سأفعل حالاً: قلت للصغيرة سآخذك إلى أمك إذا توقفت عن البكاء… فهدأت الصغيرة… وأحضرت لها كأساً من الماء فشربت القليل ولاحظت أن الدم يتسرب من لثتها  ومن باطن الشفة فلا بد أن الصدمة أصابت وجهها و أسنانها، سألتها عن اسمها و عن اسم والدها وإن كان يحمل جهاز خلوي فأجابت نعم، قلت لها هل تعرفين رقمه قالت نعم، قلت هيا لنتصل به.
سيدي الكريم آسف لكوني أنقل لك هذا الخبر المؤسف، لقد تعرضت زوجتك وابنتك الصغيرة لحادث صدم وقد هرب الفاعل، زوجتك في العناية المشددة ولا أعرف عن حالتها أي شيء وصغيرتك معي الآن يبدو أنها بخير وهناك نزف دموي من اللثة وباطن الشفة ومن الأنف نحن في المشفى الفلاني وفي الطابق الرابع أمام باب المصعد نحن ننتظرك … لا لا لن أغادر حتى تأتي… يا سيدي إسمى  آرا  سوفاليان … آرا  آرا  ألم تسمع بآرا  وبدير عطية أنا الأولى آرا…  آرا سوفاليان … لا لا لست فاعل خير بل فاعل واجب… تعال أنا أنتظرك.
قلت للشرطي: اذهب الآن وتدبر لك مكان تكتب فيه الضبط وهذه هويتي إن كنت تعتقد بأنني سأهرب بالبنت… فأنا بالطبع أريد أن أعلّمك وأعلّم غيرك شغلك وشغله فهذا الذي فعلته أنا كان عليك أن تفعله أنت وقبلي بكثير… فلا أحد يعرف مصلحة الصغيرة إلاَّ أهلها وفي غياب أمها كان يتوجب عليك الاتصال بوالدها، أما تحقيقك الغير مجدي فنتيجته معروفة حيث سيتم تسجيل الحادثة كلها ضد مجهول وهذا أمر معروف وبديهي وهو وباء مستفحل في سوريا وبعلامة تجارية مسجّلة بامتياز.
ترك يدي ممدودة في الهواء ولم يأخذ هويتي ورفض أن يغادر المكان، فانحنيت باتجاه الصغيرة وقلت لها سيأتي البابا حالاً ولكن قولي لي هل تشعرين بدوخة قالت لا قلت هل ترين ذاك الضوء بوضوح قالت نعم قلت هل تشعرين بحاجة للنوم قالت لا قلت لها هل تشعرين بحاجة لدخول التواليت قالت لا، قلت لها: هل أنت جائعة قالت لا… قال لي الشرطي: ها أنت تحقق مع الصغيرة فهل (على راسك ريشة)، قلت له: لا يا مولانا لقد تركنا التاج والريشة لكم أنا أتحقق من تماسكها وردود أفعالها التي تبشر بعدم وجود ضعف أو وهن أو نزف داخلي فلقد مضى على تعارفنا أكثر من عشر دقائق وأعتقد أن الصغيرة بخير.
ووصل الوالد وفي حالة لا يعلم مداها إللاَّ الله، وأخذ الصغيرة وسألني عن العناية المشددة فذهبت لأرشده وترك الفتاة في عهدتي ودخل ليرى زوجته … ثم خرج بعد قليل وقال لي: غائبة عن الوعي ولكن الحمد لله قلبها ينبض لقد رأيت الجهاز… قلت له: اعرض الصغيرة حالاً على طبيب بشري ثم على طبيب أسنان واتصل بي إن لزمك شيء فأنا أعرف كل أطباء الأسنان في دمشق… قال لي: شكراً لك جزاك الله كل خير… قلت له: (الله يعافي لك الأم والصغيرة)، سأذهب للبحث عن مريضي… اتصل بي ساعة تشاء إذا لزمك شيء يتعلق بطب الأسنان.
فقدت الرغبة في البحث عن مريضي وقررت المغادرة ففوجئت بابن مريضي يجلس بعيداً على كرسي كبير يتسع لبضعة أشخاص وخلف الكرسي بللور محطم وقطع من الألومنيوم مرمية على الأرض وحولها قطع خشبية وبقايا أثاث محطم وسطل مسح قذر وقشّاطة بيد خشبية مكسورة، وفجأة دخلت قطة وصارت بيننا ولم تكن مستغربة فيبدوا أنها من أهل الدار وأعزّ… وذهبت باتجاه غرف العناية المشددة، وقذف رجل بالسيجارة من بعيد فجاءت قرب سطل المسح … ونظرت إلى البلاط المتسخ واستغربت أن يقوم أحد بمسح هذا البلاط، لأن طبقة الأقذار الملتصقة بالبلاط تحتاج لمائة مجحاف لاقتلاعها… وتبادلت عبارات المجاملة مع ابن مريضي وسألته عن والده… فقال لي: الوضع يسوء كل يوم … ولم يعد بالإمكان إعطاؤه السيروم اليوم.
وخرجت أبحث عن الطفلة ووالدها… فلم أعثر عليهما… فكرت بالطب والمشافي العامة والخاصة وذلك السرطان المستعصي، فلا الطب طب ولا المشافي مشافي ولا الأطباء أطباء وليس في ملائكة الرحمة شيء من الرحمة سوى لون الرداء، إلى متى والوضع المزري هو السائد والى متى يتم تفشيل الشرفاء وإقصاؤهم، لا يوجد حلّ!!!! كل المليارات التي أنفقت والنتيجة هي أننا نجلس في أول صف من وراء !!! كيف ستنصلح الأمور ومتى، تمنيت أن يهبني الله مصباح علاء الدين لبضعة ثواني فأطلب من المارد أن يجمع المفسدين والمرتشين والخونة والمنتفعين وأعداء التطور والعصملليين والانتهازيين والبريوقراطيين ويأخذهم على بساط الريح برحلة لا عودة منها إلى جزر الواق واق  ويريحنا منهم.
   وكانت تدور في ذهني تلك المحاورة التي جرت بيني وبين الشرطي وتذكرت منها العبارة الآتية:  فأنا بالطبع أريد أن أعلّمك وأعلّم غيرك شغلك وشغله فهذا الذي فعلته أنا كان عليك أن تفعله أنت وقبلي بكثير أما تحقيقك الغير مجدي فنتيجته معروفة حيث سيتم تسجيل الحادثة كلها ضد مجهول وهذا أمر معروف وبديهي وهو وباء مستفحل في سوريا وبعلامة تجارية مسجّلة بامتياز.
نعم وباء مستفحل … والدواء معروف… فإن عائدات مخالفة واحدة من تلك المسماة تجاوز إشارة تشتري عشرة كاميرات مراقبة تزرع كل واحدة أمام ممر مشاة… لأنه ولله الحمد فإن الإنسان في سوريا لا يتعرض للدهس إلاَّ وهو يقف في منتصف ممر المشاة… وكل حوادث الدهس يتلوها الهرب… أما في حال وجود كاميرا فإنه بالإمكان العثور على الداهس الهارب بعد عشر دقائق… ويتم شنقه أيضاً بعد عشر دقائق أخرى… وبعد ذلك ستصبح حوادث الدهس على ممرات المشاة في سوريا في ذمة التاريخ، فإن كانت الضرورة قد أوجبت وضع نصف مليون غشيم خلف نصف مليون مقود بعد سياسة منع الاستيراد التي استمرت عقود طويلة… فهناك حلول عملية لتدارك المصائب الناجمة عن ترك نصف مليون غشيم يعبثون بسياراتهم الحديثة بأرواح الناس… اسمعوا نصيحتي فتنتهي المهزلة المسماة(تم قيد الحادثة ضد مجهول)
 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.