www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

“الشناقطة” سَحَرَةُ الشعر!! فهل ذاكرتهم حجة! (1)/ محمود المختار الشنقيطي المدني

0

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ..

انتهيتُ من قراءة كتاب”الرواية الشنقيطية من الألفية والشواهد النحوية”،وهو من تأليف الدكتور أحمد كوري بن يابة السالكي،والكتاب من منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.

في البداية كاد موضوع الكتاب الموغل في التخصص أن يصرفني عنه .. بل “نويت” إهداءه لأخي الدكتور ناجي بن محمدو حين .. بحكم التخصص .. فلعلي – هنا – أستأذنه في قراءة كتاب .. لا يعلم أنه له أصلا!!

ما يهم في الأمر .. أنني سُحرت ببعض ما جاء في مقدمة الكتاب،أعني قول المؤلف الكريم :

 (فرحم الله من أعان على نقد هذا البحث وكشف ما فيه من خطأ أو قصور،خدمة للدين والعلم.

ورحم الله الجاحظ إذ يقول :”وليس في الأرض إنسان إلا وهو يطرب من صوت نفسه،ويعتريه الغلط في شعره وفي ولده…،ولذلك احتاج العاقل في العجب بولدهوفي استحسان كتبه وشعره،من التحفظ والتوقي،ومن إعادة النظر والتهمة،إلى أضعاف ما يحتاج إليه في سائر ذلك” (..) والله يوفق القارئ للنصح،ويوفق الكاتب للانتصاح.){ ص 13 – 14}.

قطعا .. ودون شك لا أكتب نقدا للكتاب .. بحكم عدم التخصص .. لكني قراءتي للكتاب جعلتني أنظر إلى وجود تجاذب بين بعض أطروحاته ..

فالكتاب يطرح فكرة تكاد “تسفه” الذاكرة أو”الشفاهية” – حسب تعبيره –  وتجعل النصوص المعتمدة على الذاكرة نصوصا مفتوحة .. أي مثل الأدب الشعبي الذي لا صاحب له .. كلٌ يضيف له .. أو يحذف منه .. ونقل نصا طويلا في ذلك سوف أتركه إلى أن يحين وقته.. إن شاء الله.

كتب الدكتور”أحمد”تحت عنوان :

(الرواية الشنقيطية بين الكتابة والشفاهية :

هل بالإمكان القول إن نص الألفية والشواهد قد تحول لدى الشناقطة من نص كتابي ثابت إلى نص شفاهي متحول،كجميع نصوص الأدب الشنقيطي؟){ ص 69}

وفي مقابل هذا الطرح نجد طرحا آخر يجذبنا نحوه .. أعني استشهادات أخينا الدكتور”السالكي” بمثل .. (قال سليمان بن موسى :”لا تأخذوا القرآن من مصحفي ،ولا العلم من صحفي “.وقال ثور بن يزيد :”لا يفتي الناس صحفي ، ولا يقرئهم مصحفي”.(..) ويقول الخطيب البغدادي :”والتصحيف والإحالة يسبقان إلى من أخذ العلم عن الصحف”،ويقول الإمام العراقي :

والأخذ من أفواههم لا الكتبِ * أدفع للتصحيف فاسمع وادأبِ){ ص 186 – 187}

كما يقول عن تمسك “أحمد بن الأمين” بروايته (الشنقيطية “الشفهية”،عاضا عليها بالنواجذ،لا يتنازل عنها ولو خالفت جميع المراجع التي بين يديه!! ذلك بأنه أخذها عن”من يوثق به”،وتلقاها عن”أساتذة يقتدى بمثلهم”أما المراجع فيكثر فيها التصحيف والتحريف ،فلا يمكن الاعتماد عليها في رأيه){ ص 259 – 260}.

إذا كنا لا نستطيع الاعتماد على “الشفاهية” لأنها نصوصٌ مفتوحة .. ولا نستطيع الاعتماد على”الصحف” لأنها عرضة للتصحيف والتحريف .. فما العمل؟

هذه “الفَرشة” والسؤال ليسا أكثر من مقدمة للقسم الأول من الجزء الأول من الحوار مع هذا الكتاب .. وصولا إلى العنوان الذي يتربع على رأس هذه الأسطر .

المقصود بأن الشناقطة “سَحَرَةُ الشِّعْرِ” ما فعلوه بميمية حُميد بن ثور الهلالي – رضي الله عنه – والتي يقول عنها المؤلف الكريم :

(حظيت ميمية حميد بعناية كبرى لدى الشناقطة ،فقد عارضها ابن الطلبة اليعقوبي (ت : 1272هـ) بقصيدة ،وعارضها محمذون بن سيد احمد المالكي ( ت : 1307هـ) بقصيدتين ،وشرحها أربعة من الشناقطة) { ص 84}

ثم يقول :

(ولكن النص الذي يسميه الشناقطة “ميمية حميد” ،لا يطابق النص المعروف والمنسوب لحميد في المجامع الأدبية،بل هونص غريب جدا،يتميز بانه نص مفتوح تلتقي فيه فسيفساء من النصوص،لا يجمع بينها إلا الاتفاق في الوزن والقافية،من عصور مختلفة،تمتد من العصر الجاهلي الى القرن السابع أو الثاني عشر الهجري.{ في الهامش : لأن بعض أبيات النص يمكن ان يكون لابن مالك (توفي 672هـ)،وبعضها يمكن ان يكون من الشعر الشنقيطي : انظر الفقرة : 3 – 1 – 7 – 3،من هذا البحث،الذي لم يزدهر إلا بداية من القرن 12هـ ..}){ ص 85}  

هنا وقفة عتب على أخينا”السالكي”. ما كدت انتهي من كتاب (تراجم مشاهير الرجال في المغرب) للشيخ عبد الله كنون الحسني،والذي رتبه ناشره ترتيبا غريبا .. فهو يبدأ ترقيما جديدا مع كل ترجمة جديدة! فتتكرر الارقام ويصعب الرجوع اليها أو العزو لها إلا مع الاشارة إلى رقم الترجمة كأنها ضمن جزئ آخر !! اما هنا فالمؤلف الكريم يعيد إلى الفقرات،كما رأينا هنا ( انظر الفقرة : 3 – 1 – 7 – 3،من هذا البحث) والفقرة المشار اليها في الصفحة رقم 91 فلعل الإشارة إلى رقم الصفحة كان أسهل .. أوهكذا يبدو.

بطبيعة الحال تلك ملاحظة عابرة. أورد الدكتور”السالكي” نص الرواية الشنقيطية  للميمية كاملا (54) بيتا،ثم وصلنا إلى الفقرة  : ( 3 – 1 – 7 – 3 النصوص التي استقيت منها الرواية الشنقيطية من ميمية حميد بن ثور الهلالي :

يتشكل هذا النص من سبعة نصوص مختلفة، ادمجتها الرواية الشنقيطية في نص واحد ,وهي :

خمسة وثلاثون بيتا من ميمية حميد بن ثور الهلالي أو من الشعر المنسوب اليه :

وهذه المجموعة هي مركز النص ومحوره، فإليها تعود خمسة وثلاثون من الأبيات الأربعة والخمسين التي تشكل نص الرواية الشنقيطية ( أي : نسبة 64.81% )،اما التسعة عشر بيتا الباقية من الرواية الشنقيطية ( أي : نسبة : 35.18%)،فهي ليست من ميمية حميد،ولا هي لحميد بن ثور أصلا،بل هي لشعراء مختلفين كما سنرى.){ ص 91}.

ثم ذكر أن الميمية  ( في شرح ابن مسافر 152 بيتٍ ،ونجد نص الميمية الوارد في منتهى الطلب 120 بيتٍ ،ونجد نص الميمية الوارد في المخطوطة التيمورية 119 بيتٍ (…)  فالبيت (1) مطلع القصيدة في الرواية الشنقيطية،مثلا :

ألا هيما من ما لقيت وهيما * وويحا لمن لم يلق منهن ويحما

اورده ابن الأمين في نشرته للميمية،ولم يعتمد في نسبته لحميد إلا على “الرواية الشنقيطية “فهو لم يرد في النسخة التيمورية التي اعتمدها في نشرته ،كما يقول :”وقد سقط من نسخته بيتان من أولها، بقيا في حفظي){ ص 92}.

اما مطلع القصيدة في بقية المصادر فهو :

(سل الربع انى يممت أم سالم* وهل عادت للربع أن يتكلما (..) ولكن يبدو أن الرواية الشنقيطية قد لمحت أن البيت الأول مصرع ،فهو إذن المناسب لأن يكون مطلع القصيدة ،فاختارته على أساس ذلك!!){ ص 93}.

ومن المطلع إلى ..(عشرة أبيات لا يوجد لها ذكر في المصادر المعروفة (..) فهذه الأبيات العشرة ،ليست في النسخة التيمورية من الميمية التي اعتمدها ابن الأمين ،وليست في شرح ابن مسافر للميمية ،و لم يجد لها الشيخ العلامة عبد العزيز الميمني تخريجا ،وكذلك د.البيطار { محقق ديوان حُميد – محمود }(..) خمسة أبيات من قصيدة من  لزوميات أبي العلاء المعري (..) بيت لعمارة بن راشد (..) بيت للجلاح بن قاسط العامري (..) وهو البيت (29) من الرواية الشنقيطية :

ولم ينسبه مصدر من المصادر المعروفة إلى حميد ،وقد نسبه الزبيدي إلى الجلاح بن قاسط العامري.

وقد أدرجه ابن الأمين في نشرته للميمية ،مع أنه لاحظ أن اللسان لم ينسبه إلى حميد ،ثم أورده الميمني في هامش نشرته لديوان حميد ،ولم يذكره في المتن على عادته في ما انفرد به صاحب الوسيط ،ثم أصبحت نسبته إلى حميد ثابتة اعتمادا على نشرة ابن الأمين!! فنسبه مصطفى حجازي محقق التاج إلى حميد بصيغة الجزم،عازيا إلى نشرة الميمني للديوان!!   ){ ص 95 – 100}.

ويكمل المؤلف الكريم إعادة بعض أبيات الميمية إلى أصلها ..(بيت للعوام بن شوذب الشيباني :

فلو أنها عصفورة لحسبتَها   مسومة تدعو عبيداً وأزنما (..) وهو من قصيدة يهجو بها(..) بسطام بن قيس ويذكر فيها أسره يوم الغبيط وفراراه يوم العُظالي { في الهامش : انظر : الديباج لأبي عبيدة : 19 – 20،والمعاني الكبير في أبيات المعاني لابن قتيبة : 6 / 927،ومعجم الشعراء للمرزباني : 201 – 202،واالعقد الفريد : 6 / 46. وينسب البيت أيضا لمغيرة بن طارق بن ديسق اليربوعي  انظر : آمالي اليزيدي : 66،ونسبه بعضهم الى جرير  خطأ انظر : شرح أبيات مغني اللبيب : 5 / 97 – 102 }(..) وهذا البيت من الشواهد النحوية { في الهامش : انظر : مغني اللبيب بتحقيق الخطيب : 3 / 430،وشرح الأشموني : 4 / 58} ومن هنا تسرب إلى الرواية الشنقيطية.){ ص 100 – 101}

هنا تجدر الإشارة إلى الجهد الجبار الذي بذله المؤلف الكريم في العودة إلى المصادر والمراجع .. فقد عاد  إلى  (460) كتابٍ سوى الدوريات وما شابهها.

وبيت آخر من الميمية وهو ( بيت من الأبيات التي استشهد بها ابن مالك في كتبه ،والتي لا توجد في مصدر قبل ابن مالك (…) “أعيا الأدباء أمرها”،لكن الرواية الشنقيطية وجدت حلا للمعضلة،فلَحَمَته في ميمية حميد. وهو من شواهد طرة ابن بونة ،ومن هنا تسرب إلى الرواية الشنقيطية.(..) هذا مع أن ابن الأمين قد ذكر هذا البيت في الدرر اللوامع،ولم ينسبه إلى قائل معين ،كما يقول :”استشهد به على مجيئ الجملة الحالية مصدرة بـ”لا”النافية ،ولم أعثر على قائله”.. ){ ص 101 – 102}.

للأمانة في ظل هذه “الخلطة” الشنقيطية للميمية .. لا يستطيع الإنسان أن يقول :”من حفظ حجة على من لم يحفظ”!!

هنا نصل إلى ما نستطيع أن نسميه “السحر” في خلطة الشناقطة للميمية .. أو ما يدنو من عمل”الحواة” فبيت يتحدث عن”جَمل” حوله الشناقطة إلى “حمامة” !!

يقول الدكتور “السالكي” :

(لم تكن  صناعة خلطة  “الرواية الشنقيطية من ميمية حميد” بالأمر السهل. فهذا النص قد انتخب من عدة نصوص،تختلف من حيث قائلوها  وعصورها وأغراضها وأساليبها،فكان التعامل مع هذه النصوص يتطلب عقلية مبدعة وخيالا خلاقا ومهارة فائقة،وحفظا واسعاً للغة ،ومعرفة عميقة بتاريخ العرب ومساكنهم،كل ألئك لإذابة عناصر هذه النصوص  المختلفة في بوتقة واحدة ،ثم إعادة تصنيعها لتنتج نصا جديدا مترابطا منسجما متلائما ،مع إعادة تهذيب وتثقيف وسبك الألفاظ والمعاني لتأخذ مكانها في هذه الخلطة. ){ ص 103}  

الآن سيبدأ”العرض” وتحويل”الجمل” إلى”حمامة”!! وذلك عند قول “حُميد” :

ولما أتته أنشبت في خِشاشِه      زماماً كشيطان الحماطة محكما

فالبيت قد ورد في النص الأصلي في سياق وصف الجمل والرحيل،ومعناه أن النساء قد أتت الجمل ووضعت في خشاشه زماما كالثعبان،لتقوده به. يقول ابن مسافر الأموي في شرح البيت :”يعني : أتته العذارى – التي ذكرها فامتنع منها أولا – فذل لها وقر،حتى أثبتت الزمام في خشاشة زمامه. والخِشاش – بكسر الخاء – : العود الذي يجعل في أنف البعير”.

وقد زاد حميد المعنى إيضاحا بقوله في البيت التالي :

شديدا توقيه الزمام كأنما     يراها أغضت بالخشاشة أرقما

قال شارح النسخة التيمورية :”الخشاش والخشاشة : عود يعرض في أنف البعير يعلق به الزمام. يقول : إذا أخشت المرأة بهذه البُرة فكأنها حية تعضه. المعنى : يحسب البعير أن الجارية علقت بالخشاش حية فهو يفزع منها”.

ولكن الرواية الشنقيطية أدرجت البيت في غرض وصف الحمامة وجزعها على فرخها الذي اختطفه الصقر،لا في غرض وصف الجمل أو الرحيل،فكان لابد من تحوير بعض ألفاظ البيت ومعانيه ليلائم الغرض الجديد.فـ”خِشاشه”تغيرت الى”حُشاشَةِ”بقية الروح!والزمام صار مستعارا لمنقار الحمامة ! وصار المنقار هو المشبه برأس الحية!فصار معنى البيت أن الحمامة لما جاءت ووجدت أشلاء فرخها أدخلت منقارها في خثته لتحمله من جزعها عليه!!يقول الشارح :” يقول: لما أتت الحمامة فرخها ووجدته به رمق من الحياة،وقد تكسرت عظامه وأكل لحمه،نشبت فيه منقارها لتحمله،وجعله زماما وشبه المنقار برأس حية من حياة هذه الشجر. والله تعالى اعلم.){ ص 105 – 106}.

قبل الانتقال إلى بيت آخر .. ورد بيت حُميد هنا  :

ولما أتته أنشبت في خشاشه      زماماً كشيطان الحماطة محكما

فهل هذه هي الرواية الشنقيطية للبيت؟

إذ أنه يروى :

ولما أتته أنشبت في خشاشه      زماماً كثعبان الحماطة محكما

يبدو لي أيضا أن كتاب (شرح ميمية حميد بن ثور الهلالي،للشيخ محمذون بن سيد أحمد المالكي)،قد سقط من ثبت (المصادر والمراجع،فلم أعثر عليه هناك!

نعود للمؤلف الكريم وهو يتتبع “خلطة الميمية” :

(وكذلك البيت 🙁 49)،من الرواية الشنقيطية :

فلو أنها عصفورة لحسبتها    مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما

فهو بيت (..) في غرض هجاء بسطام بن قيس،كما تقدم،فلا علاقة له بالميمية ولا بأغراضها،لكن بعد أن دمجته الرواية الشنقيطية فيها،كان لابد من إعطاء معان جديدة لألفاظه،ومراجع جديدة لضمائره،حتى يكون له دور ومكان مناسب في عناصر هذه الخلطة.

فالبيت الأصلي ورد في غرض الهجاء،ومعناه – كما يقول ابن قتيبة – “لو أن عصفورة طارت ،لحسبتَها من جبنك خيلا معلمةً ،تدعو:”عبيدا”و”أزنما”أي شعارهم :”يا لعبيد يا لأزلم”.

لكن الرواية الشنقيطية أدرجته في غرض وصف الحمامة!!فكان لابد من معالجة مشكل معانيه وألفاظه ومراجع ضمائره،فـ”حسبتَها”في النص الأصلي في خطاب بسطام تغيرت إلى”حسبتُها”وصار المتكلم حميدا! و”مُسَوّمَة”في وصف الخيل،تغيرت الى”مشَوّقَةً”في وصف الحمامة! والضمير في”أنها”صار في الرواية الشنقيطية راجعا إلى حمامة حميد!مع أنه في الأصل “راجع إلى شيء معلوم من المقام،أي :ولو أن التي تخيلت لك عصفورة.){ ص 106 – 107}.

أنا فقط أتعجب ما حكاية”الحمامة” مع قومٍ هم “أهل إبل” وصحراء قاحلة !! وإن كان البيت رقم (49) ورد فيه لفظ”عصفورة” أو نص عليه الشاعر في هجائه .. فحولوه إلى الغزل!!

على كل حال .. بعد القيام بما ينبغي ليلائم البيت الغرض الجديد .. تمت معالجة المعنى أيضا. يقول الدكتور”السالكي” :

(ولم تكن معالجة المعنى الإجمالي للبيت ليوافق السياق الجديد بالمهمة السهلة. يقول الشارح :”يقول لو أن هذه العصفورة لا تتغنى لشوقتني وحسبتها تنادي بأسماء أحبائي لتثير لي شوقهم،فكيف وهي تتغنى بألحانها؟! وأصوات الحمام من ما يثير الشوق عادة. وعبيد وأزنم : بطنان من يربوع،تشبب حميد بن ثور – رحمه الله – بنسائهما،كما مر. ولعل عبيدا هذا : عبيد بن ثعلبة بن يربوع،أبو بطن من بني يربوع،وهو الذي يذكر في هذه القصيدة من أولها إلى آخرها بني يربوع،فذكر بني رياح وبني أزنم وبني عبيد”..(.. )وقول الشارح : “كما مر”: يشير به إلى أن “أزنم”تقدم ذكره في الرواية الشنقيطية من ميمية حميد في البيت : 2 :

أراك زنيما إن تعرضت ليلة      لأدم رياح أو لغزلان أزنما

ولكن الواقع أن هذ البيت لأبي  العلاء المعري،ولا علاقة له بميمية حميد،كما تقدم.

ويقول الشارح في شرح هذا البيت الأخير :”ورياح – ككتاب – وأزنم : بطنان من بني يربوع بن حنظلة،وسيأتي قوله :

فلو أنها عصفورة لحسبتُها     مشوقَة تدعو عبيدا وأزنما

ولعله يريد بعبيد : عبيد بن منقر،وهم بطن أيضا من تميم. خاطب نفسه فقال :”أعلم أنه لا يمكنك وصال نساء هذين الحيين إلا وأنت غريب في قوم غير قومك،لأنهما من تميم وأنت من بني هلال بن عامر بن صعصعة،ومنازلهم بعيدة عن منازل قومك”.

وقد أثارت أبيات أبي العلاء التي أدرجتها الرواية الشنقيطية في الميمية،متاعب أخرى للشناقطة،فقول أبي العلاء – وهو البيت : (33) من الرواية الشنقيطية – :

يرين على ما ليس يمكن قدرة     ويعملن في كيد الفوارس هِنَّما

غرضه الأصلي أقرب إلى الزهد منه إلى الغزل،ولكن الرواية الشنقيطية أدرجته في غرض الغزل،فكان لابد من معالجته ليوائم الغرض الجديد،وذلك لجعله تعبيرا مجازيا،كما يقول الشارح : “أي : يسحرن الرجال الأبطال والفوارس،ولا يريد أنهن ساحرات بالفعل،وإنما يريد أنهن يحبهن الرجال بلا سبب ظاهر،وما لا يظهر سببه يحمل على السحر فكأنهن يُعملن خرزات التأخيذ التي هي السحر إذا أردن أن يكدن الأبطال”.){ ص 107 – 108 }.

ويستمر”الاقتابس” من أبي العلاء :

(ومما ينسجم مع الزهد أيضا،قول أبي العلاء المعري في الأبيات السابقة :

فلا تبك جُملا إن رأيت جمالها .. تسنمن من رمل الغضا ما تسنما

ولكنه معنى لا ينسجم مع غرض الغزل الذي أدرجته فيه الرواية الشنقيطية،فكان لابد من معالجته بنقله من النقيض إلى النقيض : من النهي إلى الأمر،فقد صارت الرواية الشنقيطية – البيت 🙁 3) – :

ألا فابك جملا إن رأيت جمالها     تسنمُ من رمل الغضا ما تسمنا ){ 108 – 109}.

هكذا تغيرت الكلمة الأخيرة في البيت من”تسنما” إلى”تسمنا”!

حتى”الميمية” أصبحت – هنا – “نونية”! ما حكاية الشناقطة مع سيدنا حُميد رضي الله عنه!

ومن”المعري” إلى “عمارة” :

(وكذلك بيت عمارة بن راشد – وهو البيت : 32 من الرواية الشنقيطية :

فأما الأولى يسكن غور تهامة     فكل فتاة تترك الحجل أفصما

فقد استوجب جهدا لا يستهان به أيضا،لتسويغ وضعه في محله،وملاءمته لسياقه الجديد،ومعالجة تنافره الواضح مع سائر الأبيات،فقد بنته الرواية الشنقيطية على أبيات أبي العلاء المعري،وربطته بها،لينسجم الجميع في خلطة”ميمية حميد”. يقول الشارح عنه :”ولما ذكر في أول قصيدته نساء حيين من بني يربوع بن حنظلة،وهما بنو رياح وبنو أزنم،وكان الحيان في أماكن متباينة،أخذ من أول القصيدة في النسيب على نساء أحد الحيين،وهم أهل نجد وهو بنو أزنم،فذكر في نسيبه مواضع من نجد،فعرف بذلك أن مراده نساء بني أزنم،وهم،من أهل نجد،ومنازل بني رياح تهامة،أخذ هنا في النسيب بنسائهم،فأول ما قال فيهن : “فأما الأولى يسكن (…) إلخ “){ ص 109}.

انتهى القسم الأول …

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.