www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

بياعة الوهم ……. (قصة)/بقلم: شامل سفر

0

كانت مؤمنة .. هل تصدقون ذلك ؟! …

نعم، كانت مؤمنة .. لكن إيمانها كان إيماناً إبليسياً

ومن الطراز الأول أيضاً … الفرق بسيط .. إبليس اعترض على خلق آدم من طين، ورفض السجود له .. وهي اعترضت على قوامة الرجال .. «وما الفرق بيننا ؟!» ، كانت دائماً تتساءل .. «كلانا من طين» ….. وأما وجه التشابه فكان: «فلأغوينّهم» … أي أنها أخذت من إبليس طريقةَ الانتقام … المجال الزمني لعمل إبليس وذريّته هو الحياة الدنيا التي ستنتهي عاجلاً أو آجلاً … والمجال الزمني لعمل بيّاعة الوهم هو حياتها … وإذا تحرّينا الدقة نقول: ذلك الجزء من حياتها الذي تكون خلاله قادرةً على ممارسة بيع الوهم … لأن أسلحتها التي بين يديها .. الجسد .. المفاتن .. لها عمر افتراضي .. وهي الأخرى ستشيخ .. ثم تنتهي .. عاجلاً أو آجلاً.
ولولا ذلك الـ (تستستيرون) الذي خُلِقَ في جسدها رغماً عنها، لَمَا مكّنت أي واحدٍ من الأغبياء الذين كانوا حولها من الوصول إليها … كان منهجها الأساسي أن تمنّيهم فقط .. ابتسامة هنا .. بضع كلمات طرية هناك .. مشيةٌ متغنّجة .. ألبسةٌ تُظهر وتُخفي … وعودٌ بأن الآتي سيكون أجمل .. وأكمل .. فقط عندما تسمح الظروف .. همسٌ مجاني تماماً .. لمسٌ محدود، حسب نوعية الزبون والبضاعة .. إلى آخر السلسة الطويلة التي تعرفها كلُّ بياعة للوهم من (نمرتها) .. وكل (آرتيست) تعمل في كازينو .. ويعرفها أيضاً كل شيطان وشيطانة من شياطين الجن أو الإنس .. لا فرق.
وللحقيقة والتاريخ، فهي قد حاولت توظيف ذلك الـ (تستستيرون) الذي تكرهه .. بطرقٍ أخرى .. فما نجحت … جرّبت أن توظفه ضمن شركةٍ بينها وبين واحدة أخرى على شاكلتها .. فما ارتوت .. الفطرة لا تكذب، ولا يُكذَب عليها .. ثم توصّلت إلى الحل .. صارت تُحادث تستستيرونها لوحدها .. لوحدها فقط .. تتخيّل واحداً من أولئك الأغبياء الكثر الذين يلهثون وراء إيهاماتها .. تتخيّله وقد صار كلباً مطيعاً مئة بالمئة .. يجعله خيالُها يقول كما تحب هي أن يقول .. ويفعل كما تحب هي أن يفعل .. والنتيجة .. ارتواء جزئي أيضاً .. لكنه أفضل من لا شيء.
لكن الاضطرار له درجات … فابتسامةٌ خبيثة يمكن أن تجعل حماراً ما يحمل بعض المسؤوليات بدلاً عنها، على أمل الوصول يوماً … اتصال هاتفي لبضع دقائق، مع صوتِ فحيحها، يمكن أن يجعل كلباً آخر يأتي بهدية .. أو يقدّم خدمة … وهكذا … وأما الاضطرار إلى دفعات أكبر .. أو خدمات أكثر .. فكان يقتضي منها أن …. أن تستعمل التستستيرون بمعيّة الأبله ذي النقود الكثيرة … حتى إذا كان الارتواء كما تشتهي، تابعت .. أو العكس، فكانت تقلّص عدد المرات .. بحجة أن الظروف لا تسمح .. والأمور في كل الأحوال لصالحها .. هكذا كانت تتوهّم.
حتى الصبيان الصغار لم يفلتوا من براثنها … كانت تختار الصبيان الذين بلغوا تلك المرحلة العمرية الحسّاسة … ولا أتحدث هنا عن المراهقة .. بل عمّا قبلها بقليل .. في ذلك العمر الذي تشعر كلُّ امرأة على وجه الأرض ـ بفطرتها ـ أن الصبي فيه يشتهي .. ويفكّر .. وأن بدايات المراهقة صارت على الأبواب … ذلك العمر الذي كانت النساء المسؤولات عن حمّامات السوق الخاصة بالنساء، إذا أحسّت بأن صبياً أتى مع أمه إلى الحمّام قد بلغه، ترفض أن يدخل .. وتقول لأمه: «هذا قد كبر .. دعيه يذهب مع أبيه إلى حمّام الرجال» …. وبيّاعة الوهم مع أولئك الصبيان، كانت تفكّر بشكل استراتيجي .. بعيد المدى .. فهم سيكبرون يوماً .. وبما أن ملامستهم في المرحلة الحالية، أو تقبيلهم، أو حتى المزاح معهم بدرجة مدروسة من التفلّت الخفيف … لن يزعج أحداً .. ولن يستنكره أحد في أجواء مليئة بالعهر الأكبر .. فهي كانت دوماً .. تعدّهم كي يصيروا في يوم من الأيام، زبائن يشترون منها الوهم .. كما يشتري منها الآن كل غبي.
الأقارب .. الجيران .. المعارف .. الزوّار .. أيُّ واحدٍ منهم هدفٌ محتمَل … كانت إذا وضعت رِجْلاً على رِجْل .. عَوَتْ في عيونِ أشباه الرجالِ كلابُ … أو إذا فتحت مغارة فمها الكذّاب .. سالَ من أفواهِ أنصافِ القرودِ لعابُ … ومنهم طبعاً أولئك الذي يغضّون الطرف عن زوجاتهم أثناء الجلسة .. فالخنزيريةُ منهجٌ متساهل .. وتساهلهُ متبادَل …… ومضت الأيام.
في أخريات أيامها … يبست .. نشفت .. حتى صوتها صار كأصوات الرجال … لم تعد الـ (كريمات) المطرّية تجدي .. ولا مزيلات رائحة التعرّق تنفع … هجم ضغطُ الدم .. والكوليسترول .. والتهاب المفاصل التنكسي .. وترقق العظام .. والشيبُ الواعظُ .. والإغماء المنذر …… صارت ترى بعينيها كيف يذهب زبائنها القدامى إلى غيرها .. إلى بيّاعاتٍ للوهم أصغر منها وأجمل.
إلا أن الشيء الوحيد الذي لم تقدر على فهمه .. ولا على استيعابه .. ولا على تصوّره … هو جيرانها في البناء المقابل ….. زوجٌ وزوجة .. تجاوزا السبعين، بل الثمانين … كانا يجلسان كل يوم بعد العصر في الشرفة .. يشربان القهوة معاً، ويتحادثان … وهي تكاد تموت، كي تعرف عن أي شيء يتحدثان … السعادة ترفرف عليهما بجناحين من حنان .. والودُّ يطلُّ من عيونهما بنظرةِ تفهّم .. والسرورُ يلبس طاقيّة الإخفاء كي يجلس معهما، ليتعلّم .. والرضى يحوطهما بذراعين من حُب.
في بيتها البارد .. الخالي إلا من بضع زياراتٍ قصيرة للأبناء، متباعدة المدة … أدمنت مراقبة الشرفة المقابلة … صارت تتخفى وراء ستارة النافذة أحياناً .. تراقب وهي تضغط على ما تبقى من طقم أسنانها المتخلخل.
وعندما قامت الرائحة المعروفة بوظيفتها … فنبّهت الجيران .. وخلعوا البابَ بحضور المختار والشرطة …. كان الجسدُ ملقى على الأرض بجانب النافذة .. وفي إحدى اليدين .. منظارٌ مكبّر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.