www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

ديفورا إليعاد … قصة أفعى/بقلم: شامل سفر

1

في مطار إحدى الدول العربية

قرأ موظفُ الجوازات الاسمَ والمهنة

فبدا له الأمر طبيعياً: ديفورا إليعاد ـ الجنسية:

أمريكية ـ المهنة: مندوبة شركة ألبسة … ثم في صالات الحفلات والفنادق وبين موائد الابتسامات والعطور، بدا الأمرُ طبيعياً أكثر .. امرأة .. أمريكية .. جميلة .. وتمثل شركة … أي أن الطمع القصير المدى؛ ذلك الصديق القديم للغباء البعيد المدى .. أعميا العيونَ عن حقيقةٍ (كان) يجب أن تكون واضحةً للعيان: لماذا ؟ .. لماذا الألبسة بالذات؟ .. ولماذا الآن؟ .. ولماذا هنا؟
لم تطلب الأفعى معلوماتٍ من أحد، ولا طلبت التعاونَ مع أحد .. كل الذي كانت تقوله لأصحاب المحلات الكبرى لبيع الألبسة هو أنها تود التعرف إليهم، على اعتبار أنها تعمل في نفس المهنة، وأنها تريد تقديم عربون مودة: نماذج مجانية من إنتاج شركتها؛ يعرضها صاحب المحل على الواجهة، وعندما يبيعها فالثمن كله له .. أي بدون رأسمال .. ربح كامل …. البضاعة مغرية جداً: جينز صناعة أمريكية ! … سال لعابُ أصحابِ أنصاف العقول، ثم وافقوا فوراً .. فبادرت هي بسرعة لتثبيت تأثيرها بالقول: «وقبل أن تنتهي كمية النماذج اتصل بي .. وسأبادر لتزويدك بكمية أخرى» …. فأنزلت ذممُ أصحابِ أنصافِ العقولِ بناطيلَها الواسعةَ .. وانحنت إلى الأمام إذعاناً.
النقطتان اللتان لم يكلف أحدٌ خاطره بطرح أي سؤال حولهما هما .. ما قصة هذا الاسم الغريب الذي لا يبدو أمريكياً: (إليعاد)؟! .. ثم ما قصة محصول القطن الذي بدأ بعضُ الفلاحين يشتكون إلى مكاتب الزراعة بأن فأراً غريباً مشهوراً بتسمية: (فأر الحقل) قد بدأ يظهر في حقولهم ويؤذي المحصول لأنه يتكاثر بسرعة؟! … الجواب كان بسيطاً جداً لكنه خطيرٌ للغاية .. فالأفعى تحمل جنسية ثانية من كيانها السرطاني المسمّى: إسرائيل … كما أنها نجحت في تهريب عدد محدود من ذكور وإناث فئران الحقل في إحدى حقائبها، ونجحت في بث تلك الفئران في حقول القطن … كل ذلك كان يجري، وأصحاب اللعاب السائل والذمم المطاطية يتوهمون بأنهم استطاعوا خداعَ مندوبةٍ غبية لشركةٍ أكثر غباءً .. وأنها تتابع الإنفاق بدون طائل.
وبما أن الرأسمال صفر، فقد بادر تجار الغباء إلى تسعير البناطيل بسعرٍ قريب جداً من سعر البنطال المحلي الصنع، من أجل أن يُباع بسرعة .. ولم ينسوا بالطبع أن يكتبوا أمامه على الواجهة: صناعة أمريكية .. وهكذا قاموا بتنفيذ فكرتها على أفضل وجه، دون أن تطلب منهم ذلك … بعض أنواع الطمع الغبي لا شفاء منه.
وبالتدريج .. ورويداً رويداً .. اعتاد المستهلك على شراء البضاعة الأجنبية الصنع .. فـَ (الفرنجي برنجي) كما يقول المثل الغبي .. والسعر نفسه تقريباً … هذا في الوقت الذي كانت فيه كميات القطن في الحقول، والتي يُصنع منها الجينز المحلي، تتناقص بفعل العمل الإجرامي الذي قامت به أفعى واحدة .. أفعى واحدة فقط، شقراء الشعر، وترطن بألفاظٍ طرية .. وتقوم بأي شيء لو لزم الأمر أيضاً.
لقد قدّم أصحاب البناطيل السهلة الارتخاء ـ بانحنائهم المشين ـ خدمةً دعائية مجانية للأفعى، دون أن يدروا بأنهم يساهمون في ضرب صناعة محلية تشكّل دعامةً من دعامات اقتصاد بلدٍ بأكمله .. يكاد لا يملك من الموارد الاقتصادية إلا القليل.
بعد فترة من الزمن .. غزت المنتجاتُ القطنية الأجنبية الصنع أسواق ذلك البلد .. لكن بأسعار ارتفعت تدريجياً إلى أن بلغت الحد الفاحش … في الوقت الذي قامت شركة أخرى … تحمل اسماً آخر تماماً .. لكن مالكيها هم مالكو شركة الجينز أنفسهم … قاموا بتقديم عرض لشراء محصول القطن لفترة زمنية كبيرة .. مع أنه مضروب ومصاب … لكن الحل الكيميائي طبعاً كان بأيدي علمائهم جاهزاً للاستعمال فوراً .. ومن قبل بداية العملية بفترة طويلة … بكلامٍ أكثر بساطةً، صار المستهلك يشتري الجينز الأجنبي الصنع بالسعر الفاحش، مع أن القطن الذي تمت صناعة هذا الجينز منه .. هو من إنتاج أرضه وبلده. وتلقت صناعة الألبسة القطينة في البلد المذكور ضربةً موجعة لم تتعافَ منها إلا بعد زمن.
أحداث هذه القصة الحقيقية مئة بالمئة، لم تجرِ في المريخ .. ولا في ذهن كاتب روائي وجد لديه بعض الوقت فأحب أن يحكي حكاية … أحداث هذه القصة موثقة في الكتب المعتبرة التي تؤرخ لقضايا التجسس الاقتصادي .. لكن الكثيرين من أبناء أمة (اقرأ) .. ليس لديهم وقتٌ كافٍ للقراءة .. إنهم يتابعون علامات الإعجاب التي وضعها لهم أصدقاؤهم على صفحات التواصل .. يتابعونها وهم ذاهبون إلى السوق .. كي يشتروا بنطال جينز .. قطن مئة بالمئة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.