www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

غناجة … مات أم قتل/د.مصطفى يوسف اللداوي

0

إنه ذات العنوان الذي بدأتُبه سلسلة مقالاتي عن الشهيد محمود المبحوح في يوم استشهاده في دبي في العشرين منيناير / كانون ثاني من العام 2010، وفي سلسلة المقالات التي تلت بينت أن المبحوحقتل ولم يمت، وأنه على الرغم من التقرير الطبي الأول الذي أكد إثر معاينة جثةالشهيد المبحوح أنه مات نتيجة لجلطة دماغية، وأن جسده يخلو من أي آثار عنف، أودلائل تشير إلى أنه قتل بفعل فاعل، بالإضافة إلى تقدير الذين رأوه في غرفته

غناجة … مات أم قتل

إنه ذات العنوان الذي بدأتُبه سلسلة مقالاتي عن الشهيد محمود المبحوح في يوم استشهاده في دبي في العشرين منيناير / كانون ثاني من العام 2010، وفي سلسلة المقالات التي تلت بينت أن المبحوحقتل ولم يمت، وأنه على الرغم من التقرير الطبي الأول الذي أكد إثر معاينة جثةالشهيد المبحوح أنه مات نتيجة لجلطة دماغية، وأن جسده يخلو من أي آثار عنف، أودلائل تشير إلى أنه قتل بفعل فاعل، بالإضافة إلى تقدير الذين رأوه في غرفته  مستلقياً على سريره، بملابسه الداخلية، وأدويتهحوله، فضلاً عن وجود هاتفه النقال وحقيبته وبقية ملابسه وحاجاته الخاصة الأخرى،بما أوحى لمن كان في المكان أنه مات في فراشه، وأن أحداً لم يقتله أو يغتاله، وأنأحداً لم يدخل إلى غرفته إذ لا يوجد آثار فتح للباب عنوةً، كما أن بطاقة بابالغرفة الذكية كانت موجودة الغرفة، وبدا أن أحداً لم يعبث بثيابه أو أغراضه، كماأنه لم يقع بينه وبين آخرين مفترضين أي اشتباك أو محاولة للمقاومة منه، لخلو جسدهمن أي كدمات أو إصابات، مما دفع البعض إلى الاستعجال ونفي شبهة الاغتيال، معتبراًأن الوفاة طبيعية، ولا يوجد ما يوجب الإدعاء بأنه قتل أو اغتيل، خاصة أن البعض شهدبأنه كان يعاني من مرضٍ، وكان يتناول عقاقير طبية خاصة به، مما يجعل من كون الجلطةالدماغية سبباً مقنعاً للوفاة.

لكن هذه الوقائع الشكلية،ومحاولات التمويه المتعمدة، والقدرة الفائقة التي تميز بها المجرمون عندما دخلواغرفته ببطاقةٍ ذكية مزورة، وكمنوا له في غرفته، وباغتوه عندما دخل، حيث تبين بعدذلك أن الفارق الزمني بين لحظة دخوله غرفته وهي موثقة بكاميرات الفندق، وبينمفارقته للحياة لا تتجاوز العشرين دقيقة، وتبين للوهلة الأولى التي استغرقت أياماًأنهم لم يتركوا أثراً يدل على جريمتهم، أو يدل عليهم، أو ينفي عن الحادث شبهةالموت الطبيعي، الأمر الذي دفع بالبعض إلى استنكار فرضية الاغتيال، متهماً منيحاول إثبات الجريمة أنه يلوي أعناق الحقيقة، ويحاول أن يختلق نتائج مفترضةوخيالات غير واقعية، دون الاستناد إلى وقائعٍ أو أدلةٍ وشواهد مادية مقنعة.

لكن التحقيق تواصل وأخذمجرىً آخر، وبدأت الأدلة والقرائن والشواهد والصور والوثائق والاتصالات وغيرهاتظهر تباعاً، وظهر المنفذون على أجهزة التسجيل وهم يدخلون غرفة المبحوح أكثر منمرة، وشوهدوا وهم يدخلون الفندق على دفعات، فرادى وجماعات، وظهروا وهم متنكرينوأحياناً بأشكالهم الحقيقية، وبعد أيامٍ من التحقيق الذي استند في البداية علىالشك، معتمداً على غياب القميص الذي كان يلبسه الشهيد لحظة دخوله غرفته، ثم تبينلاحقاً أن كل أغراضه الشخصية موجودة سوى القميص، الذي أكد قطعاً أن هناك جهة أخرىدخلت الغرفة، ونفذت عملية القتل بطريقة ذكية ومبتكرة، ولكن المبحوح الذي كان يمتازبالقوة والجسارة والعنفوان، قاومهم في البدء، وربما صارعهم، الأمر الذي أدى إلىتمزيق قميصه، مما دفع الفاعلين إلى نزع ثيابه، وأخذ القميص الممزق معهم بعد أن تأكدوامن نجاحهم في تنفيذ العملية، ولم يكن في حسبانهم أن مئات الكاميرات قد دونت وسجلتووثقت الكثير من حركتهم، وكان أن قاد القميص إلى أخطر وأكبر مجموعة أمنيةإسرائيلية، تحمل جنسياتِ وجوازات دولةٍ غربية عديدة، وقد وصوا إلى دبي من بلادٍعدة وفي أوقاتٍ مختلفة.

النتيجة التي لم تكنمتوقعة أن التحقيق قد أفضى إلى معرفة حقيقة ما جرى، وأن المبحوح اغتيل ولم يمت،وأن جهاز المخابرات الإسرائيلي هو الذي كان يقف وراء هذه العملية الأمنية الكبيرة،والتي استلزم تنفيذها أكثر من ثلاثين شخصية من الرجال والنساء، وفضح جهازالمخابرات الإسرائيلية، وبدأت الدول الأوروبية وكندا تتنصل من المسؤولية، وطردتعلى الأثر عدداً من الدبلوماسيين الإسرائيليين.

الحادثة اليوم تتكرر نفسهامع الشهيد كمال غناجة، وتأخذ ذات الاشتباه بأن الوفاة طبيعية، وأن أحداً لا يقفوراء جريمة القتل، إذ وجد الشهيد يتهيأ للدخول إلى الحمام، وفي المكان آثارٌلسجائر، وبقايا حريق بسيط لا يلفت الأنظار أدى إلى استنشاقه كمية كبيرة من غاز أولأكسيد الكربون، ما أدى إلى اختناقه ووفاته، وهذا أمرٌ طبيعي جداً وكثير الحدوث،ولكن هل أن اشتعال النار البسيطة كان نتيجةً لماسٍ كهربائي عادي، أم أنه كان عملاًمدبراً ومفتعلاً ومقصوداً، بحيث تشير الدلائل كلها إلى أن الوفاة كانت نتيجةطبيعية لاستنشاقه الغاز، حيث وجد في رئتيه كمية كبيرة من غاز أول أكسيد الكربونالخانق، وما يعزز هذه الفرضية أنه وجد في البيت أموالٌ ومستندات وأغراض شخصية لميمسها أحد، وبقيت في مكانها حتى فتح باب الشقة، ونقل الشهيد إلى المستشفى، كما لايوجد ما يشير إلى أن الباب فتح عنوةً، ولم يثبت أن الجيران سمعوا أصواتاً غريبة،أو فوضى تدل على عنفٍ في المكان، حيث بدا كل شئٍ طبيعياً، لا يثير شبهة ولا يلفتنظراً، علماً أن هذا النوع من الرجال المقاومين يمتازون بالحذر الشديد والحيطةالكبيرة، فلا يفتحون الباب لغريب، ولا يسمحون لمتسلل أن يدخل إليه أو يحاولالاقتراب منهم.

لم يصدر تقرير الطب الشرعيبعد من عمان أو دمشق، ولم يتم الإعلان رسمياً عن تحديد سبب الوفاة، علماً أن نتيجةتشريح جثة المبحوح استغرقت وقتاً، بل تأخرت بعض الشئ، رغم انتشار شائعة أن الوفاةكانت طبيعية ونتيجة لجلطة دماغية، ولكن النتيجة جاءت أخيراً مخالفة لكل المعايناتالتي سبقت، ونافية قطعياً فرضية الموت الطبيعي، وهذا ما قد تظهره نتائج التشريحالقادمة.

المبحوح قتل بعد وصوله إلىدبي بأيامٍ قليلة، وغناجة قتل بعد وصوله إلى دمشق قادماً من عمان بأيامٍ قليلة،وكلا الرجلين يعمل في ذات الملف، إذ نذرا نفسيهما للمقاومة، ومضيا حتى الشهادة فيإسناد المقاومة في الداخل، وتزويد المقاومين بكل مستلزمات الصمود والقتال، وقدأدرك الكيان الصهيوني أن المبحوح الذي جاء خلفاً لسلف، لم يشغر مكانهما باستشهاده،ولم يجبن إخوانه من بعده، ولم تعقم المقاومة أن توفر بديله، فأدرك الكيان أن غيرهقد تقدم ليملأ الفراغ، ويؤدي المهمة ويواصل نهج المقاومة، وليس غريباً أو صعباً أنيعرف عن الشهيد كمال جهاده ومقاومته، رغم أنه صموتٌ هادئ، لا يبحث عن الأضواء، ولايحرص على الشهرة، ولا يعمل ليعرف، ولا يجاهد ليتقدم، ولا يحرص أن يعرف الناس قدرهودوره وفعله، فكان أن عمل في الخفاء، وثابر في السر، وحافظ على فعالية دوره سنينطويلة.

كان الأول عز الدين الشيخخليل هو الأسبق على الطريق قد نالت منه المخابرات الإسرائيلية وقتلته، ثم نالت منالمبحوح الذي لا يقل عن عز الدين قوةً وجسارة، وبينهما محاولاتٌ أخرى لغيرهما لمتنجح، أي أن الاغتيال يطال العاملين في هذا المجال، والمهتمين بشؤون المقاومةلوجستياً ومادياً، علماً أنهم يتطلعون إلى الشهادة، ولا يخافون من الموت، بل يتمنونلقاء خالقهم وهم يحملون البندقية على أكتافهم، فلماذا نستبعد أن المخابراتالإسرائيلية هي التي نفذت جريمة قتل كمال غناجة، بيديها أو بأدواتٍ أخرى، إذ أنعدم وجود دليلٍ على الجريمة هو دليل بحد ذاته على الجريمة، ووجود قرائن وأدلة علىالوفاة الطبيعية هو أقوى دليل على وجود طرفٍ آخر صنع هذه الوقائع، وأوجد هذهالدلائل، وحاول إيهام المعنيين بأن الوفاة كانت بسبب الماس، خاصة في ظل انقطاع تيارالكهرباء المتكرر، وفي ظل وجود عملياتٍ أمنية أخرى مجاورة ومتزامنة، علماً أنالحرق وإن كان بسيطاً إلا أنه يخفي الكثير من الدلائل، ويطمس العديد من الشواهد،ويخلط الأمور ببعضها، إذ أنه نفسه يخلق آثاراً مخالفة، ويغير المعالم التي كانت،بما يجعل من الحسم واليقين أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، ميسراً وجوه الاشتباهالكثيرة وأشكال الظن البعيدة عن الحقيقة.

لا استبعاد أبداً لفرضيةالقتل المقصود والمتعمد، فالأشياء المتشابهة تتعاضد، والشخصيات المتشابهة تتكرر،والعدو الذي يقصد ويتابع ويرصد ويعلن عزمه على التنفيذ واحد، والمعركة معه مستمرةولم تتوقف، فلا ينبغي تبرئته من الجريمة، ولا يجوز استبعاده من دائرة الاتهام، إذلا متهم غيره، ولا مستفيد سواه، ولا حريص على الغياب إلا هو، فمن الخطأ تبرئته،والبحث عن مستفيدٍ آخر من الجريمة، وإن غابت الشواهد وانعدمت القرائن، فبصماتالكيان الصهيوني تبقى بادية بوضوح في كل الجرائم الأمنية التي تطال شعبنا وأبناءأمتنا، جديدها وقديمها، وهو لا يتوقف عن التهديد والوعيد، وقد أبدى فرحه بمقتل غناجة،وابتهج لغيابه، وأظهر الكثير من الشماتة لما أصابه.

على المهتمين بالشأنمتابعة التحقيق ومواصلة الاستقصاء، وعدم إهمال الحوادث التي سبقت، والجرائم التيوقعت، وألا يجرفهم الإعلام وبريقه الأخاذ وتقنيته الحديثة السهلة، نحو مغالطاتٍقاتلة، وتصريحاتٍ باطلة لا تخدم سوى العدو، ولا تنفع غير المنفذين، بما قد يكررالجريمة ضد آخرين، وبما يضعف المقاومة ويوهن عزمها، ولكن المجرم مهما بلغ في ذكائهوحرصه، فإنه سيترك خلفه دليلاً يدل عليه، ويقود إليه، وكما فضح المبحوح قاتليه وهوشهيد، فإن الأيام القادمة ستفضح قاتلي غناجة وإن تأخر الزمن، فمن حمل روحه على كفهوجاهد، فإن الله لن يتره عمله، ولن يضيع جهده، وسيختاره من بيننا شهيداً، فهذا وعدالله له بأن ينتقيه من بيننا، وأن يصطفيه من خيارنا، “ويتخذ منكمشهداء”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.