www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

دولة المدنية مدنية/نزار حيدر

0

مثلت هجرة رسول الله (ص) من مكة المكرمة الى المدينة المنورة (ربيع الاولعام 14 للبعثة) منعطفا استراتيجيا مهما في حياة المسلمين، وكذلك في مسيرة الاسلام كدين سماوي هو خاتم الاديان. انها الايذان بتاسيس (دولة المدينة) التي قامت على اساس الحق والعدلوالمساواة بعيدا عن كل انواع التمييز وهضم الحقوق. ولاهمية هذا المنعطف، فقد اتخذه المسلمون بعد رحلة الرسول الكريم (ص)تاريخا لهم، ولذلك حق علينا ان نحتفي براس السنة الهجرية من كل

مثلت هجرة رسول الله (ص) من مكة المكرمة الى المدينة المنورة (ربيع الاولعام 14 للبعثة) منعطفا استراتيجيا مهما في حياة المسلمين، وكذلك في مسيرة الاسلام كدين سماوي هو خاتم الاديان.

  انها الايذان بتاسيس (دولة المدينة) التي قامت على اساس الحق والعدلوالمساواة بعيدا عن كل انواع التمييز وهضم الحقوق.

  ولاهمية هذا المنعطف، فقد اتخذه المسلمون بعد رحلة الرسول الكريم (ص)تاريخا لهم، ولذلك حق علينا ان نحتفي براس السنة الهجرية من كل عام (الاول من ربيعالاول) والذي يمثل الهجرة النبوية الشريفة، لنقف عند تلك المحطات الاساسيةوالمعاني السامية التي مثلها هذا الحدث التاريخي الهام.

  وان اول ما يتبادر الى الاذهان، ونحن نستذكر حدث الهجرة النبوية الشريفة،هو طبيعة (الدولة) التي اقامها رسول الله (ص) في يثرب، وهي المدينة التي هاجراليها رسول الله (ص) وبقية المسلمين، والتي سميت فيما بعد بالمدينة المنورة، تيمناباختيار الرسول الكريم لها لتكون محطته التاريخية لاقامة دولة الحق والعدل، لينطلقمنها نور الاسلام ليشع على البشرية كلها.

  وبكلمة واحدة يمكننا القول بان (دولة المدينة) قامت على اساس الاية الكريمةالتي وصف فيها رب العزة رسوله الكريم بقوله عز من قائل {وانك لعلى خلق عظيم}وبالتاسيس على قوله (ص) { انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق} اي ان هذه الدولة قامتعلى اساس (الاخلاق) التي تادب بها رسول الله (ص) بقوله {ادبني ربي فاحسن تاديبي}وهو الشئ الذي امرنا رسول الله (ص) ان نمتثل اليه كما في قوله (ص) {تخلقوا باخلاق الله}وقوله {ان المؤمن ياخذ بادب الله}.

  ولقد غطت اخلاق الرسول الكريم كل مناحي الحياة، السياسية والفكريةوالثقافية والاجتماعية وغيرها.

  ولو تصفحنا اوراق التاريخ المتعلق بـ (دولة المدينة) لرايناها انها قامتعلى منظومة من هذه الاخلاق التي تحدث عنها القرآن الكريم ورسول الله (ص) والتي تقفعلى راسها:

  اولا: العلم، فهي دولة علمية تعتمد العلم في التخطيط والتنفيذ والتطوير علىمختلف الاصعدة، السياسية والعمرانية والادارية والاقتصادية وغيرها، كما انها تعتمدالعلم في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتعتمد العلم في الاستفادة منتجارب الانسانية، ولذلك قال (ص) {اطلبوا العلم ولو بالصين}.

  انها دولة اعتمدت العلم كاساس، فرفضت الجهل والتجهيل والتضليل، كما انهارفضت الخرافات والخزعبلات وثقافة الاحلام وغير ذلك من الامور التي تبقي المجتمعجاهلا لا يفقه او يفهم شيئا.

  ولقد وردت العديد من آيات القرآن الكريم تتحدث عن البعد العلمي في الرسالةالمحمدية كما في قوله تعالى {ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}وقوله {واتقوا الله ويعلمكم الله} وقوله {ويعلمك من تاويل الاحاديث} وقوله {ن والقلموما يسطرون} وهو قسم باقدس ادوات العلم.

  اما رسول الله (ص) فقد قال بهذا الصدد {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة}وقوله (ص) {انما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين من لا عقل له} وبه قرن بين الدينوالعقل، اي بين الدين والعلم، ليكون العلم وتنشيط العقل والتفكر صنو الدين، فمن لاعلم وعقل له لا دين له، لانه بذلك سيعبد الله على سبعين حرفا.

   ثانيا:الصدق والاخلاص، فبالصدق يعبد الانسان ربه وبالاخلاص يصدق مع ربه ونفسه والناسجميعا، ولذلك فليس غريبا ان كان عرب الجاهلية ينعتون رسول الله (ص) قبل البعثة بـ{الصادق الامين} لشدة صدقه واخلاصه فيما ينجز، ليس مع الله فحسب، وانما حتى معغيرالمسلم.

  ان (دولة المدينة) قامت على اساس الصدق، الذي يعني ان يتعامل الحاكم بوضوحوشفافية واخلاص مع كل رعايا الدولة، بغض النظر عن دينهم واثنيتهم واصلهم، فلا يؤثرنفسه على الاخرين ولا يميز اقاربه عن الباقين من الناس، ولا يقدم شرار خلقه علىخيار خلق آخرين، وهو لا يكذب عليهم ولا يغشهم، فلقد اخرج الرسول الكريم (ص)(المسلم) الذي يغش الناس في معاملاته من ملة المسلمين بقوله {من غش ليس منا}.

  لقد تحدث القرآن الكريم عن الصدق والاخلاص في اكثر من آية كريمة، كما فيقوله تعالى {وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذالشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء مايحكمون}.

  اما رسول الله (ص) فقد قال بهذا الصدد { لا تعمل شيئا من الخير رئاءا، ولا تدعهحياء}.

  ان المجتمع الصادق والمخلص يكون قريبا من اقامة سلطة الحق والعدل، والعكس هوالصحيح، فالمجتمع الذي يغرق في الكذب والدجل والتزوير والغش والفساد يفشل في تحقيقالعدل حتى بابسط صور ه.

   ثالثا:حق الناس اولا، ففي (دولة المدينة) لكل امرء حق فيها، بغض النظر عن دينه ومذهبهواثنيته، فحقوق الرعية واجبة على الراعي، كائنا من كانت الرعية، ولا يطمئن الناسعلى حقوقهم الا اذا عمل الحاكم على تطبيق القانون على نفسه اولا، وعلى الاقربينمنه، والا فما فائدة ان يطبق الحاكم القانون على الناس، الفقراء والبسطاءوالضعفاء، فيما يفلت الاقوياء من جماعته من سلطة القانون؟ لذلك حرص رسول الله (ص)على ان يطبق القانون، الشريعة هنا، على نفسه اولا، ولعل في الرواية التاريخيةالمؤكدة ما يدلل على ذلك، تقول الرواية:

  خرج النبي (ص) اثناء مرضه الاخير بين الفضل بن العباس وعلي بن ابي طالب حتىجلس على المنبر ثم قال:

  ايها الناس من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت لهعرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن اخذت له مالا فهذا مالي فلياخذ منه، ولا يخشى الشحناءمن قبلي فانها ليست من شأني، الا ان احبكم الي من اخذ مني حقا ان كان له او حللنيفلقيت ربي وانا طيب النفس.

  ولقد كان رسول الله (ص) يرفض الشفاعة في تنفيذ القانون للصالح العام، فلقدجئ اليه بالمراة المخزومية التي سرقت ليقيم عليها الحد، فاراد بعض الصحابة انيشفعوا لها لانها حديثة عهد بالاسلام، وارسلوا اليه اسامة بن زيد في ذلك فغضبالنبي (ص) وقال له:

  انما اهلك الذين قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرقفيهم الضعيف اقاموا عليه الحد، وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

  لقد فسدت مجتمعاتنا (الاسلامية) لان الحاكم وزبانيته وقبيلته ومحازبيه فوقالقانون، فيما يسحق هذا القانون الضعفاء والمساكين اذا سرق احدهم لقمة اراد انيطعم بها صغاره الذين يتضورون جوعا كل ليلة قبل ان يخلدوا الى النوم، فاي حق يقيمهمثل هذا المجتمع؟ واي عدل؟.    

   رابعا:التسامح، ونبذ العنف والارهاب وسياسات الفرض والاكراه والجبر، فالرسول الكريم (ص) مذكرامن قبل الله تعالى وليس مسيطرا، اولم يقل رب العزة في كتابه الكريم {انما انت مذكر* لست عليهم بمسيطر}؟ لان السيطرة خلاف الحرية، وان العبودية خلاف المسؤولية،ولذلك لم يجبر رسول الله (ص) احدا على الاسلام طوال حياته، كما يذكر ذلك المرجعالمحقق آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، دام ظله الوارف.

  وتتعزز اهمية وضرورة التسامح عند الاختلاف، ومن اجل ان نتجاوز حالاتالاحتقان والاقتتال والفرقة عند الاختلاف، يتعين علينا ان نعمق من مفهوم التسامحفي المجتمع، ولا يتحقق ذلك الا بتبني المبادئ التالية:

  الف: عدم احتكار الحقيقة، والذي نقراه في آيات عديدة منها قوله تعالى {وانااو اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين} وكذلك في قوله تعالى {ولا تبخسوا الناس اشياءهمولا تعثوا في الارض مفسدين} وفي قول رسول الله (ص) {من لا انصاف له لا دين له}.

  فاذا كان كل فرد في المجتمع يتصور انه صاحب الحق المطلق وانه دون الاخرينيمتلك ناصية الحقيقة، فان اي اختلاف في وجهات النظر لا يمكن ان نتصور له نهاية الابالاقتتال الفوضوي والعبثي.

   باء:فن الاصغاء، والذي يشرعنه قول الله عز وجل في كتابه العزيز {الذين يستمعون القول فيتبعوناحسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب} فالى متى نظل نثرثر فيالكلام من دون ان نحدث انفسنا ان نتعلم فن الاصغاء للاخرين ولو لمرة واحدة؟ يجب انيكون الكلام والاصغاء متساويان في حياتنا لنحقق مبدا الحوار البناء، والا فالحديثفقط الذي يشبه الثرثرة لا ينتج عدلا او حقا.

  جيم: احترام الاخر، كما في قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبواالله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل امة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوايعملون} وكذلك في قوله عز وجل {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوامن حولك فاعف عنهم واستغفر لهم}.

  اما رسول الله (ص) فقد قال {انكم لن تسعوا الناس باموالكم ولكن يسعهم منكم بسطالوجه وحسن الخلق} وكذلك قوله (ص) يوصي بغير المسلم {من آذى ذميا فقد آذاني} وقوله(ص) {من آذى ذميا فانا خصيمه يوم القيامة} وقوله (ص) { امرت بمداراة الناسكما امرت بتبليغ الرسالة}.

  ان اشاعة ظاهرة الاحترام في المجتمع هو الذي يزرع الثقة في النفوس فتعبر عنرايها بحرية، وبالتالي تحول دون صناعة الديكتاتور في المجتمع والتي ابتليت بهامجتمعاتنا، بسبب ان المواطن لا يتحدث الا وهو متعتع خائف، فكيف تريده ان يعبر عنرايه الحقيقي، خاصة اذا ما كان يخالف راي (الحكومة)؟.

  دال: الاذعان للتنوع، ورفض نظرية (التميز النوعي) او (شعب الله المختار)التي تذهب اليها بعض الجماعات البشرية، فان في مثل هذه النظرية احتقار للجنسالبشري وتعدي على عدالة الله عز وجل الذي خلق الناس كلهم من آدم وآدم من تراب، فساوىبينهم في الخلقة ولم يميز احدا على احد فيها، ولذلك قال تعالى مشيرا الى حقيقةالتنوع {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} وقوله {واختلاف السنتكم والوانكم ان في ذلكلايات للعالمين}.

  هاء: ادب الحوار والاختلاف، كما في قوله تعالى {ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظةالحسنة وجادلهم بالتي هي احسن} وقوله {ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوةكانه ولي حميم}.

   خامسا:التعايش، فمع الاذعان للتنوع والتعدد والخلاف في وجهات النظر والوعي والرؤية، لايمكن ان تستقيم الحياة في مثل هذا المجتمع، اي مجتمع، الا بالتعايش الذي يعنيترويض النفس على قبول العيش المشترك مع الاخر مهما تعددت المشارب، ولذلك وردتالكثير جدا من الاحاديث الشريفة عن رسول الله (ص) تتحدث عن هذا المفهوم كحجر زاويةفي العيش المشترك، كما في النصوص التالية:

   {حسنالخلق يثبت المودة} {حسن البشر يذهب بالسخيمة} {خياركم احسنكم اخلاقا الذين يالفونويؤلفون} {الا اخبركم باشبهكم بي اخلاقا؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: احسنكم اخلاقاواعظمكم حلما وابركم بقرابته

واشدكم انصافا من نفسه في الغضب والرضا} {حوائجالناس لديكم من نعم الله عليكم} {ان الله جعل قلوب عباده على حب من احسن اليها وبغضمن اساء اليها}.

   سادسا:المسؤولية، واساسها التوازن، كما في قوله تعالى في محكم كتابه الكريم {ان السمع والبصروالفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا} وكذلك في احاديثه (ص) {كلكم راع وكلكم مسؤول عنرعيته} {ملعون ملعون من ضيع من يعول} {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} {صلواارحامكم ولو بالسلام} {للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيعحتى ياثم}.

  سابعا: واخيرا، الرحمة، بما تعني من العطف والابوة والمحبة والاخوةوالتعاون، ولقد وصف القرآن الكريم بعثه النبي (ص) بقوله {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين}وهو الذي قال عن نفسه (ص) {انما انا الرحمة المهداة} كما ان من ابرز صفات المؤمنينهي انهم {رحماء بينهم} ولقد اعتبر القرآن الكريم سر نجاح الرسول في تبليغ الرسالة،كونه رحيما بالمؤمنين كما في قوله تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم}.

  مما تقدم نفهم بان (دولة المدينة) التي اسسها الرسول الكريم (ص) بعد هجرته كانتدولة مدنية، فلا هي عسكرية ولا هي دينية، بكل معاني الدولة الدينية، اساسها حقالناس اولا، والعدل والمساواة من خلال ترسيخ قاعدة (القانون فوق الجميع) وهي تعتمدالحريات المدنية بكل تفاصيلها، فضلا عن التنوع. 

   ولقدكثر اليوم الحديث عن (الدولة) التي يسعى (الاسلاميون) لاقامتها في بعض البلاد اثرفوزهم بالانتخابات، فما هي ملامح هذه الدولة؟ اهي (دولة المدينة) المدنية؟ ام انها(دينية) يجتهد فيها من يجتهد؟.

  برايي، فان اية دولة يؤسسها (الاسلاميون) لا تخضع لمقاييس (دولة المدينة)لتكون دولة مدنية بكل تفاصيلها، فهي لا اسلامية ولا يحق للاسلاميين ان يربطونهابالدين باي شكل من الاشكال، فدولة (الاسلاميين) اما ان تكون كدولة الرسول (مدنية)بكل معنى الكلمة، وبالصفات التي ذكرناها للتو في هذا المقال، او انها لا تمثل منالاسلام شيئا ابدا.

  وان من ابرز مصاديق (الدولة المدنية) هو ان يكون شان السلطة بيد الناسحصرا، فالشعب هو مصدر السلطات، وهو من يحق له اختيار الحاكم بلا فرض او اكراه اوجبروت، عبر صندوق الاقتراع.

  ولقد استدل علماء المسلمين وفقهاءهم على تنوع طريقة اعتلاء سدة الخلافة بعدرسول الله (ص) في العهد الذي يطلق عليه المؤرخون بعهد (الخلفاء الراشدين) الذياستمر (30) عاما، وهي المدة الزمنية التي نبه واشار اليها رسول الله (ص) في حديثهالمشهور والمتواتر على اختلاف التعابير { الخلافة ثلاثونسنة ثم تكون ملكا} او {الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا} والتي بداتبخلافة الاول لتنتهي بخلافة السبط الامام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام، وكذلككون عملية نقل السلطة لم تكن دائما على نسق واحد، استدلوا بذلك على كون السلطة شانالناس حصرا.

  الا ان المشكلة بدات عندما حول الحزب الاموي الخلافة الى ملك عضوض، فالغىبذلك كل معايير (دولة المدينة) المدنية العنوان والمعنى والجوهر.

  ولقد تكرست وتراكمت المشلكة عندما ترك المسلمون، بمرور الزمن، معالم (دولةالمدينة) ليتشبثوا بمعالم (دولة الملك) التي اسسها ونظر لها الامويون، ما عقدمشاكل المسلمين منذ ذلك اليوم والى الان.

  يقولالكاتب السلفي الكويتي المعروف عبد الله فهد النفيسي في كراسه الموسوم (عندما يحكمالاسلام) بهذا الصدد:

  لكن هذا النسق المتقدم، اي نسق نقل السلطة بالرضا والاختيار والبيعةوالمشورة وصفقة اليد وثمرة القلب، على حد وصفه، لم يقدر له عمرا طويلا (11 للهجرةالى 40 للهجرة) اي ما يقارب الثلاثين عاما، تبع ذلك نسق آخر في نقل السلطة يختلف،شكلا وموضوعا، عن النسق الاول الذي ساد في فترة الخلافة الراشدة، وقد بدا هذامعاوية مؤسس الدولة الاموية التي استمرت لمدة اطول بكثير من دولة الخلافة الراشدة،اي ما بين (40 للهجرة الى 127 للهجرة) اي ما يقرب (87) عاما، ساد خلال الفترةالاموية اسلوب جديد لنقل السلطة، اسلوب لا يخلو من الجبر والقهر والاستلاب والعسفافرز حكما عائليا صرفا ابتعد شيئا فشيئا عن حوزة العقيدة السماوية والمنهجالعقائدي والدعوة الى الله وتحقيق القسط بين الناس كما علمنا القرآن، ودخل شيئافشيئا الى عالم الدولة السياسية القومية العنصرية وعمليات الاستدعاء السياسيللقبيلة وتكريس التفاوت المعيشي بين الناس وبروز الاقطاع السياسي كقوة ارتداديةجديدة، وحملت هذه الدولة، منذ نشاتها، كل الجراثيم التي ادت، في النهاية، الىانهيارها.

  اذن، نحن اليوم امام لحظة اختيار تاريخية ازاء تجربة اقامة (الدولة) من قبل(الاسلاميين) فهل سيختارون نموذج (دولة المدينة) المدنية العادلة التي اسسها الرسولعلى قاعدة القرآن الكريم، ام  سنختارالنموذج الاموي الذي اسسه معاوية والذي قام على اساس العنف والارهاب والظلم والتوريثوالتمييز؟.

  سيحق لنا ان نسم (دولة الاسلاميين) بالعدل سلفا اذا ما اختاروا النموذجالاول، اما اذا اختاروا النموذج الثاني ونعتوه بالنموذج الاسلامي، فعلى الاسلامالسلام، انهم سيظلمون الاسلام اولا، ونموذج (دولة المدينة) ثانيا، وانفسهم ثالثا،والناس اجمعين رابعا. 

  ان من المعيب جدا ان يطلق على (دولة) كالتي اقامتها اسرة (آل سعود) الفاسدةوالتي تعتمد التكفير الديني والتطهير المذهبي وقمع الحريات وهضم الحقوق، خاصة حقوقالمراة، ان يطلق على مثل هذه الدولة بانها تلتزم بالشريعة الاسلامية، الا ان لا يكونالمقصود بذلك شريعة محمد (ص) وانما شريعة فصلها فقهاء البلاط على مقاسات اسيادهممن ملوك وامراء الاسرة الفاسدة.

  يقول السلفي الانف الذكر في كراسه المذكور:

  وحكم العائلة سواء كانت العائلة الاموية او العباسية او الفاطمية اوالحمدانية او العثمانية او اية عائلة حاكمة في عالمنا الاسلامي اليوم، هو اخطرانحراف وقع في التاريخ الاسلامي.

  والشئ بالشئ يذكر، فهو يورد هذا النص في كراسه من دون ان يسوق المبررالعقلي لتوليه الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج، كما انه لم يفسر لنا، لحدالان على الاقل، سبب عدائه لثورة الشعب في البحرين الرامية الى الاصلاح وانهاء حكمالقبيلة، وهو الذي يقول في مكان آخر من كراسه ما نصه:

  وحكم كهذا يحول، بالضرورة، العائلة الحاكمة الى مؤسسة تآمرية: التآمر علىالامة كيف تبقى خاضعة، ويضيف: ان حكم العائلة هو مستنقع لكل الطموحات غير الشرعيةالتي يحفل بها تاريخه، عالمنا الاسلامي، وهو الذي ادى الى كل الانهيارات السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الامة الاسلامية في وقتنا الحاضر:التجزئة السياسية والتبعية الاقتصادية والتخلف الاجتماعي والضعف والخور والدنيةوالهون في كل مؤسساتنا وبنياناتنا، ويختم بالقول: هذه طبيعة المسالة ولا داعيللحومان حولها، اي اللف والدوران.

  فهل سيكرس (الاسلاميون) كل هذا التخلف في (دولتهم) المرتقبة باختيارالنموذج الاموي بكل آثامه وجراثيمه؟ ام انهم سيضربون عنه صفحا، وبشجاعة، فيتجاوزون(1400) عام من (الدولة الدينية) القاهرة والظالمة ليصلوا الى نموذج (دولة المدينة)المدنية العادلة؟. 

  كذا الحال بالنسبة الى اية دولة ينوي اقامتها (الاسلاميون) خاصة من يطلقونعلى انفسهم اسم (السلفيون) وهي برايي تسمية خاطئة من الاساس، فهم اذا ارادوا انيعيدوا امجاد الاسلام فعليهم ان يقيموا نظام (دولة المدينة) الذي اساسه الحقوالعدل والمساواة، وان يكون معيار الرعية (المواطنة) فقط وفقط، وليس الدين اوالالتزام الديني او الاثنية او ما اشبه، فالراي العام هو الذي سيحكم على تسميةدولة الاسلاميين المرتقبة، وليس الاسلاميون انفسهم، ولقد قيل قديما (يدوم الملك معالكفر ولا يدوم مع الظلم) فالراي العام ينتظر اقامة العدل في المجتمع وليس اي شئآخر، وهو الجوهر الذي خلق الله تعالى البشر من اجل تحقيقه على وجه هذه البسيطة، فانما يهم الشعوب هو ان تعيش في ظل نظام عادل فحسب بغض النظر عن هويته وزي رجالاته،فالهوية ليست مهمة اذا ما قورن بهدف اقامة العدل، والزي ليس ذي معنى اذا ما قورنبالعدل، ولا يتجلى العدل الا بالقيم والاسس والاخلاق التي بنى على اساسها الرسول  (ص) دولته في المدينة.

  ان (الاسلاميين) بحاجة الى ان يقراوا تاريخ (دولة المدينة) بتمعن، فهي التيحددت معالم (الدولة المدنية) في الاسلام، اما الاعتماد على دول مثل بني امية وبنيالعباس وامثالهم، لشرعنة (دولهم) المرتقبة، فان ذلك سيركل تجربتهم بعيدا عنالاسلام وعن (دولة الاسلام) المدنية التي اقامها رسول الله (ص) في المدينة المنورة.

   25 كانون الثاني 2012

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.