www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الممارسة الرقابية للمحكمة الدستورية العليا في مصر/الدكتور عادل عامر

0

نتيجة بحث الصور عن الدكتور عادل عامر

 

 

 

 

الحكم بعدم دستورية نص تشريعي ليس تشريعاً بالمعنى الاصطلاحي للتشريع

 لأنه ليس تعبيراً عن إرادة الهيئة النيابية الممثلة لجموع الناخبين في توجهاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية

إلا أن من الصحيح كذلك أن ما تصدره النيابة العامة من أوامر بحفظ الأوراق

– بوصفها المبدأ يدعونا بعض الآثار القانونية في محيط الدعوى الجنائية ليست قرارات أو أعمال إدارية بالمعني الاصطلاحي في قانون مجلس الدولة ، ومع ذلك لم يذهب أحد في الفقه والقضاء إلى إنكار الطبيعة الإدارية لهذه القرارات أو القول أنها صادرة عن النيابة العامة بوصفها سلطة قضائية ، حتى أولائك الذين ذهبوا إلى القول بأن للنيابة العامة طبيعة قضائية خالصة.

إن رقابة المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين هي قضاء وتشريع في آن واحد، فقاضي المحكمة الدستورية العليا يقضي ويشرع، في حين أن القاضي العادي يقضي ولا يشرع. ويترتب على الاختلاف القانوني في طبيعة عمل كل من المحكمة الدستورية العليا والقضاء العادي (جهة المحاكم ومجلس الدولة) اختلاف في توزيع الاختصاص بينهما بالنسبة للمسألة الدستورية، والذي يمكننا صياغته في مبدأ عام: وهو أن المحكمة الدستورية العليا تختص وحدها بالفصل في خصومة الموضوع للدعوى الدستورية بينما يختص القضاء العادي وحده بالفصل في خصومة الشكل.

ويتفرع عن هذا المبدأ العام مبدآن هما:

أولاً: المحكمة الدستورية العليا تمارس رقابتها من خلال القواعد ، بينما القضاء العادي يمارس رقابته كاملة من خلال النصوص فقط:

توضيح هذا المبدأ  يدعونا – أولاً – إلى توضيح قاعدتين أرستهما محكمة النقض متعلقتين بحدود اختصاص القضاء العادي بالمسألة الدستورية.

أولاً: قاعدة تدرج التشريع

أولاً: قضت محكمة النقض: أنه لا جدال أنه على ضوء نص المادة (175) من الدستور، فإن اختصاص المحكمة الدستورية العليا المنفرد بالحكم بعدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أو إلى دستوريته لا يشاركها فيه سواها وحجية الحكم في هذه الحالة مطلقة تسري في مواجهة الكافة، على أنه في ذات الوقت للقضاء العادي التأكد من شرعية أو قانونية التشريع الأدنى بالتثبت من عدم مخالفته للتشريع الأعلى، فإن ثبت له هذه المخالفة اقتصر دوره على مجرد الامتناع عن تطبيق التشريع الأدنى المخالف للتشريع الأعلى دون أن يملك إلغاءه أو القضاء بعدم دستوريته وحجية الحكم في هذه الحالة نسبية قاصرة على أطراف النزاع دون غيرهم وهذا القضاء مردود عليه: بأن مجرد امتناع القضاء عن تطبيق نص تشريعي بزعم مخالفته للدستور  هو في حقيقته ممارسة للرقابة على دستورية ذلك النص وعودة من جديد لممارسة رقابة الامتناع التي كانت تمارسها المحاكم قبل الأخذ بنظام المركزية في الرقابة القضائية على دستورية القوانين، فتكون محكمة الموضوع قد فصلت في مسألة دستورية.  ولا ينال من هذا النظر القول بأن حجية الحكم في هذه الحالة نسبية قاصرة فقط على أطراف النزاع لأن ذلك لن يغير من طبيعة المسألة التي فصلت فيها المحكمة، وبعبارة أخري، فإن مقطع النزاع في تحديد ما إذا كانت المحكمة قد فصلت في مسألة دستورية أم مسألة قانونية ليس بنسبية الحكم أو إطلاقه

وإنما فيما إذا كانت المحكمة قد بحثت – على وجه قاطع – في توافق أو تعارض النص التشريعي مع أحكام الدستور من عدمه، فالمحكمة العليا، كان قانونها يقصر حجية الحكم بدستورية نص تشريعي، على أطراف النزاع دون غيرهم ولا يمنح الحكم إلا حجية نسبية، ومع ذلك فلا يتصور القول إنها حين تقضي بدستورية نص تشريعي ورفض الدعوى، أنها بذلك لا تفصل في مسألة دستورية.

ثانياً: قررت محكمة النقض: ” أنه انعقد الإجماع على حق المحاكم في رقابة قانونية اللوائح أو شرعيتها وجري قضاء محكمة النقض من الامتناع عن تطبيق اللائحة المخالفة للقانون، بينما يختص القضاء الإداري بإلغاء هذه اللائحة، ومن غير المقبول أن يتقرر هذا الحق للقضاء العادي، بينما يمنع من رقابة مدي اتفاق القوانين مع قواعد الدستور وعدم مخالفتها له، فهذان النوعان من الرقابة القضائية ليسا إلا نتيجتين متلازمتين لقاعدة تدرج التشريع، وليس من المنطق – بل يكون من المتناقض – التسليم بإحدى النتيجتين دون الأخرى”.

وهذا القضاء مردود عليه: بأن الرقابة القانونية على شرعية اللوائح هي رقابة قاضي ينتمي إلى السلطة القضائية، أما الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، فهي رقابة قاضي يقع في مركز قانوني وسط بين السلطتين القضائية والتشريعية، أي هي رقابة قاضي ومشرع، ولذا فليس ثمة تناقض على الإطلاق في التسليم بإحدى النتيجتين دون الأخرى، بل إن ما ينسحب على التشريع الفرعي من تقرير رقابة شرعيته ينبغي ألا ينسحب على التشريع العادي بتخويل المحاكم حق الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور.

ثانياً : قاعدة النسخ الضمني لمحكمة النقض

قررت محكمة النقض ” أنه من المقرر أن الدستور هو القانون الوضعي الأسمى صاحب الصدارة وأن على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها فإذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدني لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به ويعتبر الحكم المخالف له في هذه الحالة، سواء كان سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور قد نسخ ضمناً بقوة الدستور ذاته”.

وأضافت المحكمة ” أن ما قضى به الدستور في المادة (41) منه من عدم جواز القبض والتفتيش في غير حالة التلبس إلا بأمر يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون، يكون حكماً قابلاً للإعمال بذاته، وما نصت عليه المادة (191) من الدستور من أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقي صحيحاً ونافذاً، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور، لا ينصرف حكمها بداهة إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته بغير حاجة إلى تدخل من الشارع القانوني”.

وأضافت المحكمة أيضاً ” أن من المقرر أن مفاد ما قضي به نص المادة (49) من قانون الإجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائي الحق في تفتيش الشخص إذا ما قامت ضده أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الجريمة دون أن يصدر أمر قضائي ممن يملك سلطة إصداره أو تتوافر في حقه حالة التلبس تعتبر منسوخة ضمناً بقوة الدستور نفسه من تاريخ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانون أدني ولا يجوز الاستناد إليها في إجراء القبض والتفتيش منذ ذلك التاريخ”.

تلتزم السلطة التشريعية كغيرها من السلطات في الدولة بقواعد الدستور وأحكامه ، ولا يعني هذا إن السلطة التشريعية تعمل بصورة إلية لا مجال فيها للتقدير ، ولكن الواقع أنها تتمتع بقدر من الحرية بحيث تكون قادرة على مواجهة التغييرات والتطورات التي تطرأ على المجتمع بصورة يومية ، والذي يفرضه تقدم الحياة البشرية في كل مجالات الحياة.

ومن اجل وضع نوع من التوازن بين مبدأ المشروعية وضرورة احترام السلطة التشريعية للدستور ، وبين ضرورة تمتعها بقدر من الحرية لمواجهة تطورات المجتمع ، وبالتالي ممارسة اختصاصاتها ووظيفتها التشريعية على أكمل وجه ، نشأت فكرة السلطة التقديرية للمشرع.

ويمكن تعريف السلطة التقديرية بصفة عامة بأنها ، حرية الاختيار الممنوحة لسلطة ما في ممارسة اختصاصاتها القانونية ، فيكون لها حرية تقدير كيفية تدخلها ووقت التدخل دون التقيد بإرادة غيرها من السلطات ، إي تمتعها بقدر من حرية التقدير إثناء ممارسة اختصاصاتها القانونية.

ومن هذا المنطلق كان لابد من تمتع السلطة التشريعية بسلطة تقديرية في ممارسه اختصاصاتها التشريعية، وذلك حتى يتمكن أعضائها من ممارسة وظائفهم التشريعية وفقا لإحكام الدستور ونصوصه، وحتى تحقق وظائفها أهداف المصلحة العامة التي لا يجوز إن تحيد عنها.

و إذا كانت السلطة التشريعية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في ممارسة اختصاصاتها التشريعية ، إلا إن هذه السلطة كغيرها من السلطات ، ليست سلطة مطلقة أو سلطة تحكمية لا قيد عليها ، ولكنها سلطة مقيدة ، تخضع للعديد من الضوابط والقيود التي يتعين الالتزام بها في تشريعاتها وإلا عد عملها عملا باطلا مخالفا للدستور متعينا بطلانه.

ومن القيود المفروضة على السلطة التقديرية للمشرع إن يستخدم سلطته التقديرية في الحدود المرسومة لها فيهدف بها إلى تحقيق المصلحة العامة دون إن يحيد بها عن هذا الغرض وإلا أصبح تشريعه كان معيبا بالانحراف متعينا إبطاله.

فالانحراف التشريعي يدور مع السلطة التقديرية للمشرع، فهو عيب قصدي يصيب غاية مصدر القانون فينحرف بغايته عن الصالح العام لتحقيق أغراض ذاتية، تكون في الغالب غير مشروعة. ومن ضوابط السلطة التقديرية المفروضة على المشرع أيضا إن يقوم المشرع بتنظيم الحقوق والحريات العامة وان يكفل من خلال هذا التنظيم الحماية التي نص عليها الدستور لهذه الحقوق والحريات ، فإذا امتنع المشرع عن تنظيم هذه الحقوق والحريات من هلال التشريعات ، أو نظمها بصورة قاصرة بإغفال تنظيم احد جوانبها مما يؤدي إلى الحد من فعالية الموضوع محل التنظيم كان ذلك إخلالا بالضمانات الدستورية لهذه الحقوق وتلك الحريات.

وقد ثار جدلا واسعا في الفقه حول رقابة القاضي الدستوري للإغفال التشريعي والذي يأخذ احد صورتين الصورة الأولى تتحقق عندما يغفل المشرع تنظيم موضوعا ما نص الدستور على ضرورة تنظيمه وهو ما يسمى بالإغفال الكلي ، والصورة الثانية إن ينظم القانون مسالة معينة ولكن يأتي تنظيمه بصورة قاصرة فلا يتناول بالتنظيم كافة جوانب هذه المسالة وهو ما يسمى بالإغفال الجزئي.

أما بخصوص موقف القضاء من رقابة الإغفال التشريعي ، فنجد إن بعض الأنظمة الدستورية قد أعطت لجهات الرقابة على دستورية القوانين حق الرقابة على الإغفال التشريعي ومن أمثلة ذلك دستور البرتغال والمجر ، أما المحكمة الدستورية العليا في مصر فقد ذهبت إلى إن الالتزام المفروض على السلطة التشريعية بعدم إغفال وضع معين نص عليه الدستور           ( الإغفال الكلي) ، يعد التزاما سياسيا وليس التزاما قانونيا ، وبالتالي لا تمتد إليه رقابة القضاء إما في حالة تنظيم المشرع لموضوع ما ولكن بصورة قاصرة إي عدم تنظيم كافة جوانب الموضوع 0 الإغفال الجزئي) ، فقد قررت المحكمة فرض رقابتها على هذه الصورة من صور الإغفال.

ويقترب موقف المجلس الدستوري الفرنسي من موقف المحكمة الدستورية العليا في مصر ، حيث اتجه المجلس الدستوري إلى مد رقابته على الإغفال التشريعي من خلال رقابته على عدم الاختصاص السلبي للمشرع حيث يرى إن الإغفال التشريعي من أهم صور عدم الاختصاص السلبي للمشرع.

و فيما يتعلق برقابة الملائمة في القضاء الدستوري ، فهي من الموضوعات الهامة والصعبة في نفس الوقت ، حيث ظل الفقه الدستوري السائد يردد بان الرقابة القضائية منذ نشأتها الأولى ، وعبر مراحلها وتطورها التاريخي ، رقابة مشروعية وليست رقابة ملائمة ، والتطورات المتلاحقة والعميقة التي أصابت قضاء الدستورية في مصر أو فرنسا تدفعنا إلى معاودة النظر فيما استقر عليه الفقه التقليدي من تحديد حدود الرقابة على دستورية القوانين بمشروعيتها دون ملامتها ، وتدعونا إلى الاعتراف بان الرقابة على الملائمة قد أصبحت في الوقت الحاضر حقيقة واقعية في قضاء الدستورية لا سبيل إلى إنكارها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.