هجوم على سورية: سقوط الأقنعة!
بقلم: فادي الحُسيني
كثُر الحديث بشكل واسع عن ضربة ـــــ شبه مؤكدة ـــــ على سوريا،
وإن لم يتضح حتى لحظة كتابة هذا المقال،
هوية بقية المعتدين إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
الذي دفع جميع المراقبين والمسؤولين لأخذ هذا الأمر بمنتهى الجدية، العديد من الإشارات والتصريحات، التي جاءت لأول مرة تعكس جدية في التعامل مع الملف السوري. كنت دوماً من المُقلين في الكتابة عن الشأن السوري، لأسباب عدة، إلا أن الحديث عن الضربة المحتملة دفعني للكتابة اليوم، لأُقدم تحليلاً يبعد عن المغالاة في تقدير المواقف، أو التحيّز إلى جانب رواية دون غيرها، بهدف إطلاع القارئ على جوانب غير مرئية، بشكل مقصود أو غير مقصود من قِبل أطراف هذا النزاع.
لماذا الهجوم الآن؟
على الرغم من مرور ما يزيد عن العامين على انتفاضة الشارع السوري في وجه حاكمه، إلا أن المواقف العربية والغربية لم تتعدَ الاستنكار والشجب والتهديد، ومؤخراً الدعم العسكري المحدود، كما لم تلقَ المعارضة السورية ما لاقته المعارضة الليبية زمن القذافي من دعم وتأييد دبلوماسي، واعتراف دولي. هذا التباطؤ في التعامل مع الملف السـوري أعطى جميع الأسـباب ليشـق الإحباط طريقـه إلى نفوس المعارضـة، وأن يسـمح بدخول لاعبين دوليين وإقليميين إلى السـاحـة السـوريـة، ليظهر وكأنـه صراع بقاء بين دول كبرى، لا علاقـة للشـعب السـوري بـه، سـوى أنـه الضحيـة. تسرب الشك في دوافع هذا التباطؤ في المواقف العربية والغربية على حد سواء، وآلت بعض التحليلات الى أن إطالة أمد الحرب الطاحنة السورية، هي نقطة تاريخية تقاطعت فيها مصلحة العديد من الأطراف؛ فبالإضافة إلى إنهاك سوريا، بمقدراتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية، يتم استنزاف القدرات العسكرية والبشرية والمالية لعناصر شيعية وسنية، تعتبرها كثير من الدول خطراً داهماً. فتم استدراج عناصر “حزب الله”، وعناصر من “الحرس الثوري الإيراني”، ليُقاتلوا عناصر سنية متطرفة، وسلفية إضافة لتنظيم ‘القاعدة’.
إلاّ أنه وفجأة قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذ قرار التدخل العسكري، عن طريق ضربة لم تُحدد ملامحها بعد. وفقاً للرواية الأمريكية، وتصريحات عدد من الدول الغربية، أن هناك أدلة شبه قاطعة بأن النظام السوري هو من قام بالهجوم الكيميائي المحدود، الذي أدى لمقتل 1429 شخصاً منهم 426 طفلاً، وفقاً لإحصاءات وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري). الرد الغربي والأمريكي والإسرائيلي ـــــ الذي دعا على الفور إلى ضرب النظام السوري ـــــ كان من السرعة لدرجة أثارت الدهشة والسخرية؛ فلم تكد تجف الدماء، وإذ بالرئيس الأمريكي يجزم بأن الفاعل هو بشار ورفاقه، ولكن إن كانت القدرات الإسـتخباراتيـة الأمريكيـة بهذه النجاعـة، فكيف لها أن تُخفق في إحباط الهجوم على قنصليتها في ليبيا، أو التوقع بإطاحـة الجيـش المصري بالرئيـس محمد مرسـي..!!؟؟ وإن كان السـلاح الكيميائي ‘خطاً أحمراً’، فأين كانت الأبعاد الإنسـانيـة للحرب في سـوريا، عندما أسـقطت الأسـلحـة التقليديـة والخفيفيـة (غير الكيميائيـة) آلاف الضحايا في صفوف المدنيين السـوريين قبل ذلك..!!؟؟
إن الأمر المؤكد هنا أن الضربة الأمريكية المحتملة، تهدف بشكل قاطع إلى إحداث توازن على الأرض للمحافظة على سير المعارك بالشكل الذي يخدم إطالة عمر الصراع، للأسباب التي أسلفناها سابقاً. وإن حدث تطور في الآونة الأخيرة، فالتطور الأبرز ليس استخدام السلاح الكيميائي، بل تحقيق النظام نصراً ميدانياً على الأرض، خاصة بعد التدخل الصريح والمباشر لمقاتلي “حزب الله”، في مدن عدة مثل القصير، وحلب وغيرها. هذا التطور الميداني يُدركه جميع المراقبين للحالة السورية، وأصبح من غير المنطقي أن يقوم النظام باستخدام هذا النوع من الأسلحة، خاصة وأنه يُدرك تبعات مثل هذا التصرف.
الهجوم الكيميائي!
الأمر شبه المؤكد هو وقوع هجوم شبه كيميائي محدود، أوقع عدداً من الضحايا، الكثير منهم من الأطفال. بعثة التفتيش الدولية أكدت، بعد فحص موقع الهجوم، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الهجوم قد نُفذ عن طريق صاروخ..!! والسبب في هذا التحليل عدم وجود حفرة في الأرض جراء سقوط الصاروخ. هذا الدليل، وأنا لستُ خبيراً عسكرياً، يقودنا للجزم أن الهجوم قد وقع عن طريق تفجير مستودع أو تفخيخ مركبة، تحمل هذا النوع من السلاح. هذا النوع من الهجمات ليست شائعة من قِبل الجيش النظامي السوري، إلا أن احتمال قيام عناصر نافذة في الجيش (من دون علم القيادة) بالقيام بهذا العمل، بدافع عقابي أو بغية توريط الدولة، أمر وارد. تقرير لجنة تقصي الحقائق أثارت حفيظة وزير الخارجية الأمريكي الذي ضرب مصداقيتها قائلاً: إن مهمتها ليست تحديد هوية الجاني.
يبقى احتمال آخر وهو أن قيام العناصر المعارضة (القاعدة أو الجيش الحر) بهذا العمل بهدف وضع النظام في هذا الموضع أمر وارد أيضاً. هذا الاحتمال الأخير، إن صح، له أبعاد خطيرة تتجاوز الهجوم بحد ذاته، فإن كانت عناصر’القاعدة’ هي من نفذ الهجوم، فهذا يعني أن التطور في تسلح ‘القاعدة’ وصل حد امتلاكها لهذا النوع من الأسلحة، ويكون هنا ناقوس خطر للقريب والبعيد على حد سواء. أما إن كان الجيش السوري الحر هو من قام بهذا العمل، فهذا يعني أن أصابع الاتهام يجب أن تُشير للدول المنادية بالديمقراطية والمتباكية على حقوق الإنسان، التي تزود الجيش الحر بالسلاح، فتتضح شكل مؤامرة كبرى، يسقط مع السقوط الأخلاقي كل الأقنعة.
الضربة المحتملة على سورية!
لم تبقَ صحيفة أو قناة إخبارية إلا وسارعت برسم ملامح الهجوم الأمريكي على سوريا. يجزم المحللون أن الهجوم سيقع، ورغم تحفظنا على كلمة ‘جزم’، إلا أن الرؤية العامة تُشير لوقوع ضربة محتملة أمريكية على سوريا. حصرنا لكلمة أمريكية يعود لعدد من الحقائق، أهمها أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع أخذ قرار من مجلس الأمن بسبب الموقف الروسي، وثانياً لا يوجد إجماع داخل حلف الـ (ناتو) للقيام بهذه الضربة، حيث أظهر عدد من دول وسط وشرق أوروبا فتوراً لمثل هذا القرار، كما أن مجلس العموم البريطاني لم يُعطِ الضوء الأخضر للقوات البريطانية للمشاركة في هذا العمل، وأخيراً فالدول العربية لم تُظهر حتى اللحظة أية نية للمشاركة في عمل كهذا، وبطبيعة الحال فإن (إسرائيل) لن يتعدى دورها التحريض على عمل يُنهك النظام السوري أكثر وأكثر.
إذاً، يتبقى خيار قيام الولايات المتحدة بعمل فردي، من دون أي تفويض أممي، الأمر الأكثر واقعية. بمثل هذه المعطيات، فإن هجوماً محتملاً كهذا لن يتجاوز ضربات سريعة، لمواقع محددة سلفاً، تؤدي الغرض في إحداث بعض التوازن على سير المعارك على الأرض. ضربة سريعة من البوارج الحربية الأمريكية، تضمن خسائر محدودة للغاية، وتُجنب أي تداعيات إقليمية قد تجر المنطقة لأتون حرب واسعة، هو السيناريو الأنسب لمثل هذا الحدث (إن وقع).
رد فعل النظام السوري يعتمد بشكل رئيس على تقييم قيادته لتبعات هذا العمل. إذا أدرك النظام السوري أن الهدف من الضربة إضعاف بعض من قدراته، فأغلب الظن أنه سيُمرر هذا العدوان، كما مرره سابقاً، حين هاجم الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع سورية، عدة مرات. أما إن كان تقييم النظام أن هذا العمل قد يُهدد وجوده بأي شكل من الأشكال، فسيقوم بالرد المباشر، وفي عدة اتجاهات من أجل خلط الأوراق في المنطقة، ومحاولة تجنب سيناريو سقوطه. وفي هذه الحالة، فإن (إسرائيل) ستكون المرشح الأكبر لتلقي الزخم الأكبر من الانتقام السوري، خاصة أنه قال مراراً أنه يحتفظ بحق الرد على الهجمات الإسرائيلية السابقة، في المكان والزمان الذي يرتئيهما. هذا الاحتمال لا ينفي احتمال زج بعض دول عربية، كانت لها مواقف عدائية ضد النظام، ولها علاقات مميزة مع المعتدي الأمريكي، ولكن تبقى هذه الفرضية ضعيفة إلى حد ما. أما سيناريو مهاجمة النظام لتركيا، فاحتمال وروده ضعيف، خاصة أن البرلمان التركي أعطى الضوء الأخضر لجيشه للقيام بعمليات على الأرض السورية، كما سيكون هذا الرد إشارة انتظرها الأتراك منذ مقتل عدد من مدنييه بقذائف من الأراضي السورية، وإسقاط طائرة حربية تركية من قِبل الدفاعات السورية ومقتل طياريها. الموقف الرسمي العربي موحد في غض الطرف عن أي عمل عسكري أجنبي على سوريا، أما الموقف الشعبي فقد انقسم على حاله، فقسم رأى في قسوة النظام سبباً وجيهاً لعقابه، حتى إن كان العقاب بأيد غريبة، والقسم الآخر يعترض على أي تدخل أجنبي، مهما كانت دوافعه أو أسبابه المعلنة.
إن قررنا قراءة التاريخ، فتفاصيلـه جديرة بتحديد اتجاه بوصلـة القرار السـليم، ولأن آثار وعلامات التدخلات الأجنبيـة مازالت بارزة على الأجسـاد، ولأن الألم إن نطق لأخبرنا عما فعلـه بنا عدوان الأغراب، ولروى الحزن كيف فعلت الاسـتعانـة بالغريب على الشـقيق، يُصبح الأحرى بنا رفض أي عدوان أجنبي على أي بلد عربي مهما كانت الأسـباب، والمطالبـة بتفعيل منظومـة عربيـة تقوم بما يفعلـه الطامعون في بلادنا، الذين يدخلون ويضربون ويبطشـون، ويأخذون ما لا يسـتحقون ويتركون لكم الفتات.
فلتُغلق الأبواب، ولتتحد القلوب والألباب، في كل البلدان، لنبذ ورفض أي تدخل مهما كانت الأسـباب.