www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

القبالاه أخطر الحركات الصوفية اليهودية/مصطفى إنشاصي

0

من كم يوم قرأت مقالة للأخت وفاء الزاغة عن تاريخ 11/11/2011 وعلاقته بالماسونية وحركة القبالاه اليهودية وعلم الآثار … رأيت أن ألأقدم لفرسان المنتدى تعريف بحركة القبالاه اليهودية وعلاقة وخطورتها على العالم، وقد نشرت ذلك ضمن سلسة حلقات عن مركزية القدس والأقصى في الفكر الديني الصهيوني والعقيدة الإسلامية، والحلقات هي خلاصة حوار دار بيني وبين بعض الأصدقاء.هناك شبه إجماع بين مؤرخي وكتاب الصهيونية:

القبالاه أخطر الحركات الصوفية اليهودية

مصطفى إنشاصي

من كم يوم قرأت مقالة للأخت وفاء الزاغة عن تاريخ 11/11/2011 وعلاقته بالماسونية وحركة القبالاه اليهودية وعلم الآثار … رأيت أن ألأقدم لفرسان المنتدى تعريف بحركة القبالاه اليهودية وعلاقة وخطورتها على العالم، وقد نشرت ذلك ضمن سلسة حلقات عن مركزية القدس والأقصى في الفكر الديني الصهيوني والعقيدة الإسلامية، والحلقات هي خلاصة حوار دار بيني وبين بعض الأصدقاء.

هناك شبه إجماع بين مؤرخي وكتاب الصهيونية: أن الصهيونية نشأت في الفكر النصراني وخاصة البروتستانتي، وأن الغرب (الاستعماري) صنع الصهيونية واستغلها لتحقيق أهدافه ضد الأمة والوطن. وأن حركة الاسترجاع النصرانية التي يزعم الكتاب أن الصهيونية نشأت فيها هي نفسها حركة الاسترجاع اليهودية، وحركة الاسترجاع اليهودية هي خلاصة فكر حركة القبالاه اليهودية، وحركة القبالاه تأسست في الأندلس في القرن التاسع والعاشر الميلادي، أي أنها سابقة على المذهب البروتستانتي الذي نشأ في القرن السادس عشر الميلادي، والذين تبنى أتباعه فكر حركة الاسترجاع القبالية اليهودية بحذافيره ويعملون خدماً لليهود إن صح أن المذهب البروتستانتي مذهب نصراني وليس طائفة يهودية!

سأل صديقي الدكتور ما هو فكر حركة القبالاه؟.

قلت لصديقي الدكتور: حاضر سأقول لك ما هي رؤية الاسترجاع في فكر حركة القبالاه اليهودية، ولكن أريد منك أن تصبر علي قليلاً ولا تستعجل في الوصول إلى ذلك، لأنني أريد أن ألقي لك وللأخوين الكريمين اللذين يشاركانا الحديث الضوء قدر الإمكان على هذه الحركة الخطيرة، لأن فيها بعض الحقائق التي تنير لمن يريد أن يفهم حقيقة التواري والخداع اليهودي، الذي يقصد به اليهود تضليل الآخر غير اليهودي حتى لا يُدرك حقيقة أهدافهم، أو تُحدث عنده نوع من الإرباك في الفهم والتحليل والنتائج التي يتوصل لها عنهم. فقال: جيد بس أدخل في الموضوع. قلت له: ألم أقول لا أريد الاستعجال؟. قال: أنا لست مستعجلاً.

استأذنتهم قليلاً، ودخلت إلى غرفة المكتب، وأحضرت فصل من الفصول التي كنت كتبتها عن الحركة الصهيونية، وقلت لهم: آثرت أن أقرأ لكم قراءة لتشاركوني الفهم والتفسير لبعض النصوص التي تحتاج إلى تدقيق، فحركة القبالاه حركة صوفية، وأنتم تعلمون أن بعض مصطلحات الصوفية يصعب فهماها، لأنها ترمز إلى معاني أبعد مما يتبادر لذهن القارئ أو السامع للوهلة الأولى، وكذلك حتى إذا ما سألني أحد عن المرجع أذكره له مباشرة. فقالوا: لا لن نسألك، فشكلك عندك رؤية واثق منها وإلا ما كنت اعترضت بهذه القوة على الرؤية التي تحاول تجريد الحركة الصهيونية من بعدها الديني. فقلت: إذا أسمعوا …  

حركة القبالاه اليهودية

يظن كثير من القراء أن عودة اليهود إلى فلسطين لتحقيق السيادة اليهودية على العالم في الدين اليهودي لا تتم إلا آخر الزمان على يد المسيح المنتظر، الذي عند عودته إلى الأرض كما هو في العقيدة النصرانية- أو بعثه -كما هو في العقيدة اليهودية- يعيد اليهود سلمياً إلى فلسطين. هذا هو المفهوم الذي يحاول ترسيخه كتابنا من العلمانيين أو َمنْ نقل عنهم من غير العلمانيين عن علمانية الحركة الصهيونية وكيان العدو الصهيوني في أذهان وعقول القراء من المثقفين وغيرهم. ولكن الباحث في التاريخ اليهودي يجد أن تاريخ (الشتات اليهودي) المزعوم، لأن اليهود الحاليين لم يكونوا قد شردوا من فلسطين لأنهم أبناء الأوطان التي جاؤوا منها ومن نفس عرقها، يجد الباحث في ذلك التاريخ محاولات عدة لإعادة اليهود إلى فلسطين دون انتظار للمسيح المخلص. أشهرها ما قامت به حركة القبالاه اليهودية الصوفية لا أقول من تطوير لمفهوم (الخلاص المسيحاني) في العقيدة اليهودية فقط، ولكن ما قامت به من جهد للحفاظ على العقيدة والغايات اليهودية من الاندثار أمام تأثير الحضارة الإسلامية كما سبق القول، وكذلك من استكمال التعديلات والتنقيحات اليهودية على الدين اليهودي كما هو المعتاد في تاريخ ذلك الدين، بحسب متطلبات ومستجدات العصر الذي يعيشون فيه، وأهمها أنهم جعلوا عودة المسيح المنتظر اليهودي الذي يحتج به الكتاب العلمانيين عودة رمزية بعد إقامة (الدولة اليهودية) في فلسطين، وليس شرطاً لإعادة اليهود إلى فلسطين وبسط السيادة اليهودية على العالم.

تعريف القبالاه

القبالاه مصطلح يُطلق على مجموعة من الأفكار التي تحتوي على المضامين الفلسفية الدينية والتصوف اليهودية، وهي في مجملها من الأفكار المنفصلة غير المترابطة التي تصل في بعض الأحيان إلى حد التعارض الكامل، ويعد (إبراهام بن داوود) في القرن الثاني عشر الميلادي من أوائل مؤسسيها -علماً أن بداياتها الأولى كانت في القرن التاسع والعاشر الميلاديين- إلا أن الفضل في انتشار أفكارها يرجع إلى (إسحاق الأعمى) في القرن الثالث عشر الميلادي. وتعتمد القبالاه تفسيرات العهد القديم على اتجاهين: أحدهما نظري وازدهر في أسبانيا وجنوب فرنسا، والآخر عملي وازدهر في المغرب وفي ألمانيا بصفة خاصة. كما أن تصوف القبالاه قد استمد عناصره الكثيرة من التلمود وراح ينازعه تلك السيطرة من الداخل حتى استطاع الوقوف إلى جانب التلمود ومقاسمته النفوذ المتصاعد بازدياد.

وسألت: هذا واضح؟ قال الدكتور: واضح أن القبالاه على هذا ليست مجرد حركة عابرة مثل كثير من الحركات اليهودية التي نسمع أو نقرأ عنها في تاريخ اليهود، وهذا يفهم ـ وأشار وهو يواصل حديثه بيده باتجاه الأخوين الجالسين بما يوحي أن الكلام موجه لهما ـ من الفقرة الأخيرة التي تقول: أن القبالاه راحت تنازع التلمود حتى استطاعت الوقوف إلى جانبه ومقاسمته النفوذ المتصاعد بازدياد. وقلت بدوري زيادة في التوضيح لقوة نفوذ القبالاه: هذا فهم صحيح، بالإضافة إلى أن أفكار القبالاه وتفسيراتها للمعتقدات اليهودية تعتبر حتى الآن مرجعية عند الحاخامات اليهود في كيان العدو الصهيوني وخارجه، وليس كل حاخام يمكنه فهمها أو الإطلاع عليها لأنها لا يفهمها إلا القلة منهم، وهنا تكمن خطورة هذه الحركة ويظهر مدى نفوذها أيضاً.

وواصلت حديثي: أن القبالاه تعتقد أن أي ممارسة للطقوس الدينية تجد صداها في العالم العلوي. وأن أي عمل يؤدى إلى توطيد العلاقة مع الرب من شأنه أن يؤدي ثواب الروح. أما العمل السيئ فتكون نتيجته عقاب الروح في الآخرة. وقلت: تأملوا عقاب الروح وليس الجسد، فالقباليون مثلهم مثل معظم الطوائف اليهودية لا يؤمنون ببعث الأجساد في العالم الآخر، لأن عقيدة العالم الآخر عندهم عقيدة خاصة كما هي الديانة اليهودية ديانة خاصة، فالآخرة عند معظم اليهود هي العودة إلى فلسطين وما يتبعها إلى أن يحققوا السيادة العالمية على الأرض، ويحاسبوا جميع البشر على ما اقترفوه في حق اليهود من مظالم، وما تمتعوا به من ثرواتهم التي هي ثروات (الشعب المختار). وأكدت على أن هذه نقطة مهمة يجب أن نتنبه لها عند التفريق بين يهودي متدين ويهودي ملحد أو علماني، لأنهم جميعهم سواء ما داموا لا يؤمنون بالحياة بعد الموت وما يصاحبها من بعث ونشور وحساب وجنة ونار يتمتع أو يعذب فيهما الروح والجسد.

 فقال الدكتور مازحاً: هذه هي مشكلتك، أنت ترى أن الذي يفرق بين العلماني والمتدين في العالم كله هو، الإيمان بالآخرة وكل ما يحدث بعد الموت للجسد والروح معاً من ثواب أو عقاب. قلت له: هذا صحيح. ولكن هناك ما هو أهم من ذلك عندي كمسلم لتصنيف الملحد والعلماني عن المتدين. فقال: تقصد كما فهمت من حواراتي الكثيرة معك حول هذه النقطة أن الأديان الأخرى وإن كانت تؤمن بالآخرة وبعث الروح والجسد وثوابهما أو عقابهما، إلا أنها أديان وثنية علمانية لأنها من صنع البشر.. قاطعته قائلاً: والأهم أن الأديان الأخرى لا تملك منهج إلهي متكامل يربط بين الدنيا والآخرة مثل الإسلام، الذي فيه وحده ما يمكن أن تميز به بين العلماني والملحد عن المتدين والملتزم. فالإسلام الدين الوحيد الذي لا يقبل أن يفصل بين ما هو دنيوي وما هو أخروي لأنهما مترابطان، والربط أو الفصل بينهما يترتب عليه ثواب أو عقاب في الآخرة، خلاف الأديان الأخرى التي لا يترتب فيها على ذلك شيء.

فعلق صديقي الدكتور أيضاً مازحاً: يعني اليهودي المتدين واليهودي العلماني ملحدين وعلمانيين وداخلين النار على طول بدون حساب. قلت له مازحاً: تمام ابري عليك.

واصلت حديثي عن القبالاه: المعروف في الدين اليهودي، أنه إذا اقترف الأب ذنبا فإن أبنائه يحملون ذنبه من بعده مهما طال الزمن وأن هذا الذنب لا يسقط بالتقادم. والدليل على ذلك، أنه عندما طلب اليهود من (بيلاطس) الحاكم الروماني للقدس أن يقتل سيدنا عيسى المسيح عليه السلام، تردد لأنه رجل صالح ولم يؤذى أحد بل يقدم خدمات ومساعدات كثيرة للناس، ولم يقترف ذنباً في القانون الروماني يستحق عليه القتل، قالوا له فيما معناه أنهم هم وأبنائهم الذين سيأتون من بعدهم الذين يحملون ذنبه ـ وقلت لا أذكر مكان النص بالضبط في الأناجيل وإن أحببتم بحثت لكم عنه ـ: “دمه علينا وعلى أبنائنا”. ردوا لا، لأن هذا الأمر سمعوا به من قبل. لذلك واصلت حديثي بالقول: وقد “كان القباليون ينفون الذنب الوراثي، ولكن المتأخرين أجازوه (أي إذا اقترف الأب ذنباً تحمل أولاده مسئوليته) وهم يعتقدون أن كل الأرواح خُلقت في آدم لتشارك في تحمل المسؤولية عن خطيئته”.

تبرئة الفاتيكان لليهود

وقلت سأقف مع الشطر الأول من هذا النص وأتناوله من ناحيتين تكملان بعضهما:

* الأولى: أنه بناء على عقيدة الذنب الوراثي اضطهد الغرب بعد أن اعتنق النصرانية اليهود محملاً لهم الذنب في قتل إلهه -بحسب عقيدته الباطلة- وقد يكون لشدة اضطهاد النصارى لليهود في تلك الفترة تأثيره على حمل المتقدمين من القباليين على أن يتظاهروا بالتخلي عن عقيدة الذنب الوراثي، في محاولة منهم لتخفيف كراهية النصارى لهم والحد من عمليات الاضطهاد ضدهم. وذلك دليل على الخداع والتضليل اليهودي للآخر عندما يكون لليهودي مصلحة حتى ولو أدى ذلك إلى تغيير دينه تُقية، وعندما تتغير الظروف وتصبح لصالحهم سرعان ما يكشفوا عن حقيقتهم، وذلك ما حدث مع المتأخرين من القباليين الذين جاؤوا في زمن لم يعد فيه اليهودي خائفاً من الاضطهاد إذا ما أعلن عن حقيقة معتقده، بعد التحولات الدينية والسياسية التي حدثت في المجتمعات الغربية النصرانية.

* أما الثانية: فلها علاقة بمدى تغلغل اليهود في الكنيسة الكاثوليكية سواء كان ذلك باختراقها من الداخل أو بالتقاء المصالح بينها وبين اليهود دينياً، كما سبق وأن التقت سياسياً مع الأنظمة الحاكمة في الغرب الصليبي. فتدخل الدكتور بالقول: أكيد تقصد رفض البابا لطلب هرتزل الاعتراف بالحركة الصهيونية ومباركة أهدافها في فلسطين بدايات القرن الماضي، وموافقة الفاتيكان في المجمع المسكوني الثاني للكنيسة الكاثوليكية عام 1965 على تبرئة اليهود من دم المسيح بحسب اعتقاد النصارى.

قلت: صحيح؛ ولكن دعني أوضح الأمر أكثر: إن البابا كان يرفض الحركة الصهيونية من منطلق إيماني ديني، ذلك لأن اليهود لم يعترفوا بالمسيح وأنكروا (إلوهيته) ـ بحسب عقيدتهم ـ ولم يعترفوا حتى برسالته، فقد سجل هرتزل رد البابا عليه في يومياته، قال البابا: “لم يعترف اليهود بسيدنا ولذلك لا نستطيع أن نعترف بـ(الشعب اليهودي)”. وهذا فيه درس بليغ للمسلمين وخاصة العلماء الذين يهرولون إلى مؤتمرات ما يدعونه زوراً (حوار الأديان السماوية)، فقد كان حري بهم رفض أي لقاء مع اليهود لأنهم لا يعترفون بديننا حتى الآن، لأن أي لقاء معهم يضفي على دينهم الشرعية السماوية في الوقت الذي هو خلاف ذلك، ويكسبهم التأييد والقبول عند كثير من عوام المسلمين وضعاف النفوس منهم، وهذا خطر كبير يفتح باب الدفاع عن اليهود وإقامة العلاقات والتطبيع بينهم وبين الشعوب الإسلامية في الوقت الذي يغتصبون فيه أرضهم المباركة وقدسهم وأقصاهم في خطر. وليتهم قلدوا البابا في موقفه الذي كان رده النهائي على هرتزل: “لا يمكننا أن ندعم هذا”. وانتهى اللقاء بين البابا وهرتزل برفض البابا لطلب هرتزل.

ذلك الموقف نقضه المجمع المسكوني الثاني على الرغم من أن اليهود لازالوا لم يؤمنوا بالمسيح بعد، ورغم كثير من اعتداءات اليهود ضد الكنائس ودور العبادة النصرانية في فلسطين التي كشفت عن مدى خطورة اليهود على النصرانية والإسلام. إلا أن الكنيسة الكاثوليكية برئتهم من دم (إلههم) بحسب عقيدتهم، وفي تسعينيات القرن الماضي حققوا نصراً آخر في قلب الفاتيكان عندما وقع الفاتيكان مع كيان العدو الصهيوني على برتوكول لإقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين. في الوقت الذي رفض فيه الفاتيكان تقديم مجرد اعتذار عن ما ارتكبه الفرنجة من جرائم ضد المسلمين في الحروب الصليبية الأولى. إنه لقاء الأعداء ضد العدو المشترك “الإسلام”.

علق أحد الأخوين الجالسين معنا على حديثي عن رفض البابا طلب هرتزل الاعتراف بالحركة الصهيونية عام 1904 لأن اليهود لا يعترفوا بالمسيح، وما حققه اليهود اليوم من اختراق للكنيسة الكاثوليكية، قائلاً: يبدو أنهم بعد أن اخترقوا النصرانية يريدوا اختراق الإسلام من خلال ما يسمونه (حوار الأديان السماوية)؟ علقت مبتسماً: قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف:8).

أكملنا حديثنا عن القبالاه: هكذا أصبح واضحاً أن الحركة الصهيونية أعادت إنتاج غايات وأهداف الدين اليهودي في ثوب سياسي عصري، علماني الظاهر؟. قال صديقي: أيوة، ولكنك حتى الآن لم تقول لنا ما هو فكر الاسترجاع القبالي!. قلت له: لا تريد أن تتخلى عن طبعك في الاستعجال؟. فتدخل أحد الأخوين وقال مازحاً: من يسمعك يظن أنك ما شاء الله بالك أطول منه، ما أنت لا ترى نفسك، لدرجة أني مندهش من طول بالك في التفصيل عن القبالاه! ضحكنا جميعاً، وقلت: معلش أعذروني ولكن قلت لكم إن حركة القبالاه مهمة لمن يريد أن يعرف مدى التضليل والانتقائية في القراءة العلمانية لعدونا، وهم الذين رفعوا شعار “اعرف عدوك” بعد هزيمة 1967، ولكن للأسف ظلوا مصرين على أن يعرفوا عدوهم من خلال معرفتهم لأنفسهم فقط. فقال أحدهم ضاحكاً: معلش هذه لم أفهمها! قلت: يعني من خلال فهمهم لليهودية أنها دين والصهيونية حركة سياسية لا علاقة لها بالدين، سبق أن تكلمنا في ذلك. المهم:

الزوهار كتاب القبالاه

إن المنعطف الرئيسي في تطور فكر القبالاه كان في مطلع القرن الرابع عشر عند ظهور كتاب القبالاه الشهير بالزوهار zohar  “كتاب الإشراق”. والزوهار كما يقول عارفوه يتخذ شكل الشرح والتعليق على أسفار التوراة الخمسة، لكي يكشف عن المعنى المخفي لروايات التوراة والوصايا الإلهية. “… أما تعاليم (الزوهار) الذي ترجع تعاليمه إلى جذور تلمودية منها ما يتعلق بفكرة مجيء المسيح المنتظر وعودة بني إسرائيل إلى فلسطين وقيام الهيكل في موقعه القديم، والتوراة في نظر (الزوهار) هي (المخطط) أو (التصميم) الذي تزود الله به قبل خلق العالم! لأن التوراة تحتوي على كل شيء…”. وعلقت على هذا النص، بالقول: هنا تكمن خطورة كتاب الزوهار وقوته. وسألت: عارفين لماذا؟. قال الأخوين: لا. قلت: تكمن خطورته في اعتباره عند اليهود شارحاً لأسفار التوراة الخمسة الأولى، التي تُعرف بـ “أسفار موسى”. فقال أحد الأخوين: كيف يعني؟ فتدخل صديقي الدكتور بالقول: لأن أسفار موسى أو أسفار التوراة الأولى الخمسة تؤمن بها جميع الطوائف اليهودية على اختلافها. وهذا معناه أن جميع الطوائف اليهودية تكون متأثرة بدرجات متفاوتة بأفكار القبالاه بحسب قربها أو بعدها عنها، لأنه هناك طوائف يهودية لا تؤمن ببقية أسفار التوراة التي بلغت 39 سفراً، أليس كذلك يا أبو بلال؟ قلت: نعم 39 سفراً، وزدت وكذلك بعض المذاهب النصرانية وخاصة البروتستنت لا تؤمن بجميع تلك الأسفار وتؤمن بالأسفار الخمسة الأولى!.

وواصلت حديثي ممازحاً الدكتور: ألم أقل لك أنك بدأت تفهم علي؟ وواصلت: ما قاله الدكتور صحيح، وأنا ممن يؤمن بأن الخلاف بين الطوائف اليهودية ما هو إلا توزيع أدوار، ما يعني: أن جميع الطوائف اليهودية تؤمن بتفسيرات القبالاه لهذه الأسفار المشتركة بينها التي لا يخرج عنها فكر الحركة الصهيونية وإن تظاهروا بمعارضتهم للحركة الصهيونية. كما أنه لا يهمني أي يهودي في العالم سواء يؤمن أو لا يؤمن بالصهيونية، أنا الذي يهمني هو: هذا اليهودي الذي رفض الاندماج في وطنه الأصلي مع بني قومه وادعى أنه يهودي عرقاً وجاء ليغتصب وطني باسم الدين، لو لم يكن يفهم اليهودية كفهم الصهيونية لها ما رفض حياة الأمان في وطنه وجاء ليغتصب وطني. كما يهمني في اليهودي المندمج في وطنه الأصلي حجم دعمه لكيان العدو الصهيوني المغتصب لوطني، فذلك تعبيراً عن يهوديته وصهيونيته أيضاً.

وأكملت حديثي: ذلك بالنسبة لخطورة كتاب الزوهار الذي يحتوي على فكر القبالاه، أما قوته فراجعة إلى أنه إلى جانب تفسيراته لأسفار موسى الخمسة فهو أيضاً ترجع تعاليمه إلى جذور تلمودية منها ما يتعلق بفكرة مجيء المسيح المنتظر وعودة بني إسرائيل إلى فلسطين وقيام الهيكل في موقعه القديم. فهو جمع بين أصلين من أصول اليهودية: التوراة والتلمود، وخاصة ما يحتج به العلمانيين من تضليل لنا في قضية عودة المسيح في عقيدة اليهود. وهذا ما سنوضحه الآن يا دكتور، عند الحديث عن فكرة الخلاص عند القبالاه.

فكرة الخلاص عند القبالاه

كان القباليون قبل الطرد من أسبانيا يصبون اهتمامهم حول كيفية بداية الخليقة، محاولين الوقوف على مكوناتها الأولية وجذورها الأساسية. وكان الخلاص عندهم هو معجزة خارقة تؤدي إلى خلاص العالم عندما يظهر المسيح ويشع بضوئه على العالم بأركانه الأربعة. وقد كان مصير الشعوب والأمم الأخرى في فكر القبالاه هو نفس ما تحدث عنه الأبوكالبيس (كلمة يونانية تطلق على المؤلفات التي تهتم بالكشف عن الأشياء الغامضة التي تقع فيما وراء الطبيعة الخافية عن العين البشرية) وأحبار التلمود من استعلاء والرغبة في تدمير كل ما هو من غير بني إسرائيل، ولكنه يظهر لنا في القبالاه بطريقة عكسية حيث تدعي القبالاه أن كافة شعوب الأمم الأخرى يتلقون ضيائهم في هذا العالم دفعة واحدة إلا أن ذلك الضوء ينسحب عنهم تدريجياً حتى تقوى إسرائيل وتدمرهم. وعندما تذهب روح الدنس عن العالم ويشيع نور الرب على إسرائيل حينئذ ستعود كل الأشياء إلى أصولها الأولى في حالة الكمال التي كان عليها الكون في بداية الخليقة. ثم توجهت لصديقي الدكتور، وقلت له: فسر لنا هذا النص بأسلوب نفهمه.

فقال بتأثر وضيق ظاهر: إلى الآن موقفهم من المسيح هو الموقف التقليدي الذي نعرفه وتأخذه أنت ـ يقصدني ـ على من يقولون بعلمانية الحركة الصهيونية استناداً له. وواصل حديثه: ولكن حقدهم الظاهر على العالم، ونيتهم المبيتة لإبادة كل ما هو غير يهودي هو الخطير في هذا النص، يا رجل هؤلاء مجرمين، هؤلاء يُمنون أنفسهم بالسيادة العالمية على العالم، وفي عقيدتهم أن قوة غير اليهود في تراجع وقوة اليهود في تصاعد، وستبقى كذلك إلى أن تعود ـ كما يعتقدوا ـ السيادة لليهود على الكون ويستعبدوا غير اليهود. فسأل أحد الأخوين: برأيك يا دكتور هذه الثقة الظاهرة في النص على ماذا تعتمد وهم كانوا ضعفاء؟ أجابه: هذه الثقة بتقديري نتيجة ما كانوا يشعرون به من نجاحات وتقدم في عملياتهم اختراق عقائد الشعوب الأخرى وتدميرهم لبنيانهم ونظمهم الاجتماعية. فقال الآخر: قصدك ما قامت به الماسونية اليهودية وغيرها من جمعيات وحركات يهودية في السيطرة على الثقافة والفكر اليوناني والروماني ومن بعدهم النصراني؟ فقال: هيك شي. ثم قال موجهاً الحديث لي: واصل.

واصلت: أما بعد الطرد من أسبانيا فقد فسرته القبالاه كما فسر (حزقيال) أحد أنبياء السبي البابلي وأول من وضع أسس العقيد اليهودية الحالية وربطها بالعودة إلى فلسطين، فقد اعتبر أن الابتلاء بالسبي هو فلسفة (يهوه) إله اليهود في تطهير (شعبه المختار) قبل إعادته إلى فلسطين. وكذلك القبالاه فقد اعتبرت الطرد من أسبانيا بدايات آلام مخاض المسيح التي ستنهي التاريخ وتبشر بالخلاص، وأن الطرد هو أسلوب الرب (يهوه) في تطهير (شعبه المختار). إلا أن فكرة الخلاص أخذت تزداد أهميتها وحاول القباليون الأسبان البحث عن تفسير صوفي للطرد من أسبانيا وعلاقة ذلك بمرحلة الخلاص.

وقد جاء هذا التفسير فيما بين عامي “1540 – 1580” على يد (إسحق لوريا) أحد القباليين الأسبان الذين تمركزوا في مدينة “صفد” بفلسطين. وأصبحت تعرف قبالاه باسم “قبالاه لوريا” أو ” قبالاه أري”. وقد وضع لوريا تفسير لكيفية بداية الخلق التي خلص فيها إلى معرفة الكيفية التي سيحدث بها الخلاص. والتي سيلغي فيها دور المسيح اليهودي وإن كان سيبقى على رمزيته. وكما ستلغي قبالاه لوريا دور المسيح اليهودي في تحقيق الخلاص مع الإبقاء على رمزيته فإنها سوف تضع الأسس الأولى لعقيدة الاسترجاع، والتفت إلى صديقي الدكتور مبتسماً، وقلت: التي أطلنا عليك يا دكتور في الحديث إلى أن وصلنا إليها. فقال ضاحكاً: وأخيراً؟ قول لنشوف.

عقيدة الاسترجاع اليهودية

قلت: وتصل “قبالاه لوريا إلى ذروة الاستعلاء والعنصرية وذلك حينما تربط مصير الكون كله بمصير بني إسرائيل. مدعية أن العالم الحاضر يقع في حالة من الشتات وأن ذلك مرتبط بشتاتهم … وبالتالي يجب على بني إسرائيل أن تصلح ذلك الصدع الكوني وهو شيء يمكن أن يقوم به كل يهودي وذلك بإتباع التوراة ووصاياها … وادعى أولئك القباليون أن الشتات رسالة ضرورية فبعد إصلاح حالة الشتات يقوم بنو إسرائيل بإعادة الومضات إلى مكانها الصحيح في الكون”. وقلت: هذا هو أصل ما يزعمون أنه عقيدة الاسترجاع النصرانية!.

فقال أحد الأخوين: أين هي؟ لم أراها في النص! فقال له الدكتور مازحاً: أنا رأيتها. فقال له سريعاً: أرني أين هي؟ فقال الدكتور: إن أصل رؤيا الاسترجاع النصرانية التي سبق أن تكلم عنها أبو بلال، وهي ربط النصارى البروتستنت عودة المسيح عليه السلام مرة ثانية لخلاص العالم من الشرور التي يعيشها بشرط عودة اليهود إلى فلسطين، موجود في ربط قبالاه لوريا مصير العالم بمصير اليهود واعتبار أن السبب في جميع هذه الشرور هو شتات اليهود في جميع أنحاء العالم وابتعادهم عن فلسطين، وأنه لا يمكن إصلاح الخلل الحادث في الكون إلا بإعادة اليهود إلى (وطنهم). فرؤيا الاسترجاع النصرانية أخذت من قبالاه لوريا أنه لا يمكن أن يتحقق خلاص العالم على يد المسيح قبل أن يعود اليهود إلى فلسطين، ولذلك أصبح واجباً على كل مؤمن نصراني بروتستنتي أن يعمل من أجل إعادة اليهود إلى (أرض الميعاد)، لأنه شرط عودة المسيح وبداية الألفية السعيدة.

هززت رأسي مبتسماً وسألت: أليس معي حق عندما أنفعل وأرفض التفسيرات التي لا يقبلها العقل أو المنطق، عندما يقول لنا كثير من الكتاب: أن رؤيا الاسترجاع النصرانية هي نفس رؤيا الاسترجاع عند القبالاه اليهودية، ورغم ذلك ودون أن نعرف متى أصبح الأصل فرعاً أو المتبوع تابعاً أو كيف حدث ذلك، نجدهم خلصوا بنا إلى القول: أن الفكرة الصهيونية نشأت في الفكر النصراني، وأن الغرب الصليبي هو الذي استغل اليهود لتحقيق أهدافه في وطننا، وأن اليهود لم يفكروا يوماً في العودة إلى فلسطين قبل المجيء المسيح الذي عند عودته سيعيدهم إليها سلماً؟! أضفت: كما أن عقيدة الاسترجاع اليهودية، والنصرانية الصهيونية أيضاً هي عقيدة عنصرية، فالقبالاه زادت من فكرة العنصرية والاستعلاء اليهودية على الآخر عندما اعتبرت أن رمز خلاص إسرائيل هو الخلاص للعالم أجمع، واسترداد إسرائيل في المحكمة المسيحانية كما لو كان استرداد للعالم وللكون كله ووصوله إلى مرحلة الإصلاح والكمال النهائي.

واستطردت: ذلك ما له علاقة بعقيدة الاسترجاع، أما اتهام الحركة الصهيونية بالعلمانية والإلحاد واستغلها للدين، لأنها أعادت اليهود إلى فلسطين بالقوة والفعل البشري ولم تنتظر عودة المسيح ليقوم بذلك سلماً! إن ذلك واضح في النص -المذكور في الحلقة السابقة- فقبالاه لوريا إلى جانب تأكيدها على العنصر الديني في فكرة الخلاص أي لم تنفي ظاهراً دور المسيح في ذلك، إلا أنها رأت أن الخلاص يتحقق عن طريق خلاص الأرواح وأتباع الوصايا، بما يعني أن عودة المسيح ليست شرطاً لتحقيق الخلاص. ويبدو أن الأخوين الجالسين معنا بدءا يريدان أن تكون مشاركتهما أكثر إيجابية لذلك طلب أحدهما أن أعيد قراءة النص فأعدت قراءته. فقال مازحاً مع الدكتور: هذه المرة رأيتها يا دكتور. فرد عليه الدكتور هو الآخر مازحاً: أريني إياها يا شاطر. فقال ضاحكاً: أن القبالاه جعلت على كل يهودي واجب إصلاح الصدع الكوني من خلال إتباع التوراة ووصاياها.

قلت: صحيح؛ وإن ما لا تراه القراءة الانتقائية في الدين والتاريخ اليهوديين –إن صحة التعبير- أقصد كتابا العلمانيين، هو أن قبالاه لوريا أدخلت إلى القباليين فكرة جديدة تقول: أن كل إنسان قادر على إصلاح روحه وروح جاره أيضاً وذلك من خلال التحول الذاتي. وهو التحول الذي يمثل حالة شتات الأرواح الداخلي. وأن هذا التحول يمثل عنصراً أساسياً لا سبيل للتخلص منه. وقد أدت هذه الأفكار إلى تطور بالغ في مفهوم الخلاص ميزها عما ورد من قبل. فهي جعلت من الكون كله عنصراً حيوياً في جلب الخلاص، وجعلت اليهودي مشتركاً فيه ـ في تحقيق الخلاص ـ ولكل شيء في الكون دوراً أساسياً يجب تأديته في مرحلة الخلاص, وهكذا أصبحت مهمة الخلاص موكولة إلى كل مخلوق وكل فرد لإصلاح روحه والوصول إلى الخلاص. ولم يعد دور المسيح الذي سيأتي من نسل داوود أكثر من رمز لاكتمال الخلاص، ويرجع سبب الاحتفاظ بشخصية المسيح عند القبالاه أن القباليين أنفسهم كانوا متحفظين في تناول التراث، ولأن التراث كان يتناول شخصية المسيح عند الحديث عن الخلاص.

 ثم التفت إلى صديقي الدكتور وقلت: أيوة يا دكتور، باقي في النص نقطة ثالثة يحتج بها العلمانيين على علمانية الحركة الصهيونية. وقبل أن أكمل حديثي، قال: أعد قراءة النص. فأعدت قراءته. فقال: تقصد ادعاء أولئك القباليون أن الشتات رسالة ضرورية، وأنه بعد إصلاح حالة الشتات يقوم بنو إسرائيل بإعادة الومضات إلى مكانها الصحيح في الكون. قلت له مازحاً: نعم، ولمزت ألم أقل لك .. فقاطعني سريعاً، قائلاً: بعينك، أنا لو لم أقتنع ما وافقتك على ذلك. وضحكنا جميعاً. 

وقلت أختم الحديث عن عقيدة الاسترجاع وقبالاه لوريا وتطويرها لفكرة الخلاص ومفهومها في اليهودية، بما كتبه (يوسف دان): “أدت قبالاه لوريا إلى تغيير ملموس في فكرة الخلاص وذلك للتوفيق بين أسطورة الخلاص التي طغت في عصر التلمود والتي تشمل على عناصر كوارثية ويوطوبية، وبين أسطورة المستقبل الذي تحدثت عنه القبالاه المبكرة كما يبدو في كتاب الزوهر. وقد تم وضع مرحلة تلقائية بين التغيير المفاجئ وبين مرحلة الإصلاح في المستقبل بحيث أصبح هو زمن الأحداث الحاسمة والفاصلة بين الماضي الأسطوري وبين المستقبل الأسطوري أيضاً”.

هذه خلاصة رؤيا قبالاه لوريا لفكرة الخلاص، بعد تطويرها من أجل تقريب زمن الخلاص اليهودي باسترداد فلسطين وإقامة الدولة المسيحانية فيها. وعن حديث الأخ ـ وأشرت ـ إليه عن الماسونية وغيرها، يقول الدكتور عبد الله التل: “القبالاه كأحد الحركات اليهودية الفاعلة في التاريخ اليهودي والعاملة من أجل تحقيق أساطير التوراة وأحلام اليهود فإنها كانت مثلها مثل غيرها من الحركات اليهودية النشطة وثيقة الصلة بالماسونية”.

الحديث مع الأخوة المذكورين كان طويلاً، والتدليل على انتقائية القراءة لليهودية والحركة الصهيونية واستقلالية المشروع اليهودي وتوريط اليهود للغرب في كثير من الأحيان في وطننا كان طويلاً. ولكن توقف نشر الحلقات هو ما منعنا من استكمال تلك الفكرة وهي كما قلت مجموعة عندي في عدة فصول في الكتاب  الذي لم يرى النور منذ أكثر من ربع قرن!.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.