www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية/16/أسامه عكنان

0

منذ فَشِلَ مشروعُ “الكونفدرالية” الذي مثَّل آخر محاولة لتفعيل “الخيار الأردني”، بدأ الإعداد لمرحلة “الخيار الإسرائيلي” الذي تعاملت معه “منظمة التحرير الفلسطينية” باعتباره خيارا فلسطينيا، فيه من “الفلسطينية” أكثر مما في كل الخيارات الأردنية السابقة منها، لمجرد أن أحدا لا يساوره القلق بشأن نقاء “الهوية الفلسطينية” عندما تتعامل مع إسرائيل مباشرة، خلافا للحالة التي تتعامل فيها هذه الهوية مع الأردن بنظامه الوظيفي القطري المعهود.

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية

 

 

“دراسة في حلقات”

 

 

“جزء من بحث قُدِّمَ لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية”

 

 

أسامة عكنان

 

 

عمان – الأردن

 

 

الأردن وطن وليس مزرعة خراف

 

 

والأردنيون شعب وليسوا قطيع ماشية

 

 

والأردني مواطن يملك وطنا، وليس عابر سبيل يستجدي كسرة خبز

 

 

وحكام الأردن خدم وموظفون عند شعبهم، وليسوا سادة عليه أو مستعبدين له

 

 

فمن فهم فليعمل بما فهم، ومن لم يفهم فليذهب إلى الجحيم

 

 

قراءةٌ في دور الأردن التاريخي كوطن مُهِمٍّ يلد رجالاً أهم، ورفضُ دورِه الوظيفي كمزرعة تسمِّن الخراف لخلق فضاءٍ آمنٍ لأعداء الأمة

 

 

 

الحلقة السادسة عشرة

 

 

كيف تجسَّدت وظيفية النظام الأردني منذ أيلول 1970 وحتى نيسان 1989

 

 

ثالثا

 

 

مشروع “قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية” لعام 1988

 

 

أولا.. منظمة التحرير الفلسطينية تسقط “مشروع التحرير” وتقدم “مشروع الهوية الفلسطينية” عليه..

منذ فَشِلَ مشروعُ “الكونفدرالية” الذي مثَّل آخر محاولة لتفعيل “الخيار الأردني”، بدأ الإعداد لمرحلة “الخيار الإسرائيلي” الذي تعاملت معه “منظمة التحرير الفلسطينية” باعتباره خيارا فلسطينيا، فيه من “الفلسطينية” أكثر مما في كل الخيارات الأردنية السابقة منها، لمجرد أن أحدا لا يساوره القلق بشأن نقاء “الهوية الفلسطينية” عندما تتعامل مع إسرائيل مباشرة، خلافا للحالة التي تتعامل فيها هذه الهوية مع الأردن بنظامه الوظيفي القطري المعهود.

فلا أحد يتصور أن الفلسطينيين قد يذوبون في “الإسرائيلية” بفلسطينيتهم وعروبيتهم وإسلاميتهم ومسيحيتهم، لأن إسرائيل ذاتها ترفض ذلك وتحاربه ولا تريده، بسبب تعارضه مع فكرة “اليهودية” التي تحرص على جعلها وعاءً دينيا نقيا لهوية الدولة ومواطنيها، بينما معظم الفلسطينيين كانوا يتصورون أنهم يُسْتَدْرَجون إلى الخيارات الأردنية ليذوبوا في “الأردنية” ذوبانا تاما، وليعودوا إلى ما كانوا عليه قبل عام 1968، ويضربوا عرض الحائط بكل إنجازات “الهوية” التي حققوها على مدى أكثر من عقدين من الزمان.

أي – وكما هو واضح – فإن وهمَ نقاء “الهوية الفلسطينية” وتجسيد “أناها” المميزة والمقدسة وطنيا، كانت كلها أساطيرُ حاضرة عندما تمَّ اللجوء إلى الخيار الإسرائيلي والقبول به كأداة إنقاذٍ للقضية الفلسطينية، ليتَّضِح لنا على أرض الواقع ومن خلال الممارسة العملية أنها كانت أداةَ انتحار لا أداة إنقاذ. لقد كان الخوف على ذوبان “الهوية الفلسطينية” في “الهوية الأردنية” من جديد، فيما لو تمَّ التجاوب مع الخيارات الأردنية – وهو خوف مشروع في نظر منظمة التحرير، بعد كل هذه التضحيات من أجل ذلك الإنجاز الوهم المسمى “هوية فلسطينية” وإن تكن على الورق وفي الأدراج – مُحَدِّدا أساسيا لوجهة السياسة والدبلوماسية الفلسطينيتين منذ الخروج المهين من الأردن.

فليس المهم هو التحرير الحقيقي واليقيني، وانتهاج أي شيء يمكنه أن يؤدي إليه بالمنظور القومي الإستراتيجي، حتى لو كان هذا الشيء متمثلا في إعادة إنتاج العلاقة الأردنية الفلسطينية بشكلٍ مختلفٍ عن الشكل الذي أدى إلى كوارث ما بعد أيلول، وإنما المهم هو أن يبقى الفلسطينيون في أكناف وهمهم “الأنَوي” و”الهوياتي”، حتى لو افتقر مشروع التحرير في ظل أولوية هذا الوهم إلى أي مستوى من مستويات اليقين والحتمية، وتحول إلى ممكن بعيد المنال. وهكذا فقد سار الفلسطينيون بهذا الوهم نحو حتفهم، وإلى مثواهم الأخير، الذي جرتهم إليه “اتفاقية أوسلو” العتيدة بعد أن استسلموا للخيار “الإسرائيلي”.

لقد أصبح هدف الفلسطينيين هو الحفاظ على أسطورة “الهوية الفلسطينية” و”الدولة الفلسطينية” فكرةً عالقة في الأذهان، وأملاً يراود النفوس، وملفاً يُزَيِّن به الساسةُ أدراجَهم، حتى لو تأجل إلى الأبد تحويلُها إلى واقع متجسٍّد على الأرض. ولم يخطر ببالهم أن بالإمكان الانعتاق من سطوة هذه الأسطورة لجعل التحرير مشروعا قابلا للتّحَقُّق، فقط إذا نُظِرَ إلى “الهوية” باعتبارها أداةً ممكنة للتحرير، وليس باعتبارها هدفا في ذاتِها يهون لأجله مشروعُ التحرير ذاتُه.

لقد أصبحوا ينظرون إلى أيِّ مشروع مطروح عليهم، وإلى أيِّ خطة معروضة للتعاطي مع قضيتهم، من منظار بعدهما عن، أو قربهما من وهمهم الذي عاشوه ورفضوا التنازل عنه، غير مبالين بأي أيديولوجيةِ وإستراتيجيةِ تحريرٍ جديدة وفعالة ومنتجة وحقيقية، إذا كانت ستسحب الوكالةَ منهم وتسلمها لغيرهم، بل حتى لو كانت ستشرك معهم غيرهم في هذه الوكالة، عبر إحداثِ بعض التغييرات في مكانةِ الهويات، تخفضُّ من سقف القداسة في “الهوية الفلسطينية”.

ولم يستطيعوا التعامل مع المنجزات التي حققوها على صعيد هويتهم وحقوقهم المشروعة من الناحية القانونية والأخلاقية عربيا وعالميا، عبر نضالهم الطويل وتضحياتهم الكبيرة، باعتبارها رصيدا إستراتيجيا لا خوف عليه من أي مشروعٍ يعيد إنتاج العلاقات بين الهويات في الأردن وفلسطين على قواعد جديدة تؤصِّل للتحرير طريقا لتجسيد الهوية وليس العكس، رغم أننا جميعا نعلم أن المكانة الحقوقية والقانونية لكل من قرار التقسيم “181” وقرار حق العودة “194”، اللذين يمثلان أهم ركائز الحق الفلسطيني في منظور الشرعية الدولية، بالإضافة إلى كل القرارات المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للمساس، ما تزال على حالها من قوة الشرعية والاستحقاق، منذ أن أُقِرَّت، رغم أنها أقرت في ظل غيابٍ كاملٍ لأي مستوى من مستويات “الهوية الفلسطينية” و”التمثيل الفلسطيني” القوي والقادر على فرض الحقوق.

فليست منظمة التحرير، ولا نضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني التي يشهد لها القاصي والداني منذ حوالي خمسين عاما، ولا تجسيد هذا الوهم المتمثل في “الهوية الفلسطينية” في الخيالات والأدراج، ولا نتائج حرب أيلول، ولا ثورة الستينيات قبلها، ولا نضالات لبنان بعدها، هي التي أجبرت العالم على الاعتراف للفلسطينيين بحقوقٍ أكبر مما بات الفلسطينيون أنفسهم يطالبون به لأنفسِهم بعد سقوط أكثر من مليون شهيد.

وبالتالي فمِمَّ الخوف على “هويةٍ” منحهم العالم إياها على مساحة من الأرض تنازلوا هم عن معظمها رغم ضخامة التضحيات، فقط من أجل الحفاظ على ما تصوروا أنه تجسيد له دلالة لـ “الهوية الفلسطينية”؟! ولمَ تقديم هذا الحق المكفول والمحفوظ شرعيا على أولوية التحرير، إذا كان للتحرير طريق آخر أكثر جدوى وفاعلية من طريق الأوهام، وإن يكن عبر تأجيل موضوعة الهوية إلى ما بعد التحرير؟!

لقد أصروا على بقاء الوكالة في أيديهم، تماما مثلما يفعل “المحتال” الذي يحرص على التحكم في أموال مُوَكِّلِه بالحيلولة بينه وبين جعله يسحب التوكيل منه، لسبب بسيط هو أن الهدف لم يعد هو التحرير، الذي إذا تطلب تغييرا في مكانة الهويات وقداستها ومستوياتِ تَجَسُّدِها استجبنا له وحققناه، بل غدا هو العيش في هذا الوهم المدعو “هوية فلسطينية”، وإن تكن في خيالات المرضى والحالمين.

ولأن شيئا لا يمكنه الحفاظ لهم على هذا الوهم سوى إبقاء زمام الوكالة في أيديهم، فقد فعلوا كل ما في وسعهم كي لا تفلت الأمور منهم. فأصبحت “منظمة التحرير الفلسطينية” جراء هذه الأوهام، وبسبب التمسك الأعمى بهذه الأسطورة، أكبرَ حجرِ عثرةٍ يقف في وجه أي مشروع تحرير حقيقي. إنها بصفتها التي جسدتها التداعيات الحقوقية والسياسية التي رافقت صيرورتها منذ عام 1970 وحتى الآن، تمثل أكثر الأنظمة العربية وظيفية وقطرية في ذاتها من جهة، وأكثرها شرعنة للوظيفية وللقطرية العربية ككل من جهة أخرى.

بدأ الأردنيون والفلسطينيون يتحركون نحو “الخيار الإسرائيلي” عندما اتضح أن “الخيار الأردني” بعد مرور 18 عاما على “مجزرة أيلول” لن يكون هو الخيار الذي قد يقبل الفلسطينيون بالعودة إليه، وهم ما فتئوا يعيشون في أوهام ما يعتبرونه إنجازات “الهوية الفلسطينية” و”الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني” منذ عام 1970، على أرضية التحرر من الخيار الأردني والانعتاق من تبعاته التي ما كانوا قادرين على تصوُّر شكلٍ لها، غير ذلك الذي عرفوه في الفترة 1948 – 1965، رغم أنهم هم الذين تحدوا ذلك الشكل وغيروا من الطبيعة الوظيفية للهوية الأردنية في ذلك الوقت، وفجروا بأردنيتهم الحاضنة لفلسطينيتهم واحدة من أنبل وأعظم ثورات العالم المعاصر.

تناسى الفلسطينيون بعد منتصف الثمانينيات، أنهم كانوا على رأس من أفشلوا ذلك الخيار في الخمسينيات ومنتصف الستينيات، رغم قسوته وشراسته وتجذُّر وظيفيته آنذاك، عندما أفقدوه زمام المبادرة حتى بشأن ما يتعلق بالهوية الأردنية. ما يجعل الخوف منه ومن عودة هيمنته على هويتهم كما كان عليه حال هيمنته عليها بعد مؤتمر أريحا، في ظل امتلاك مشروعٍ واضح للتحرير، خوفا مما لا يخيف.. إلخ.

ولكن، وبقدر ما كان الحرص الفلسطيني على عدم الانجرار وراء الخيار الأردني بدون تمحيص وحذر وتحوُّط في مرحلة ما بعد أيلول، حرصا قد يبدو وجيها، بسبب وضوح عدم وطنية ذلك الخيار الناجمة عن وظيفية النظام الأردني أساسا، وعدم موثوقية أي ادعاء له الحرصَ على تحرير الأرض المحتلة ودعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين بعد كل الذي حصل في أيلول، بقدر ما كان التخبط والعجز في سياسات منظمة التحرير إزاء “الخيارات” واضحا وجليا، بسبب عدم ارتكاز تلك الخيارات إلى رؤية متكاملة تتعلق بمشروع التحرير في فضاءاته القومية والإنسانية، وانكفائها على مرتكزات لم تسمح لرؤية “منظمة التحرير” بالخروج من دوائر “الهوية الفلسطينية” الضيقة، بصفتها مكتسبا إستراتيجيا يتَّسم بشرعية الحكم على السياسات وعلى الخيارات، بل وعلى مصداقية مشروع التحرير ذاته.

فلو كان رفض الفلسطينيين للخيار الأردني قائما – حقيقةً – على ضبابية مشروع التحرير في عناصر ذلك الخيار وفي مُكَوِّناته، لكان رفضا دافعا باتجاه البحث عن الخيارات البديلة التي تختلف عنه في كونها متحررة من تلك الضبابية، ودافعة فعلا باتجاه بلورة وتنمية مشروع حقيقي للتحرير. إلا أن الواقع غير ذلك تماما. فالمقاومة عندما كانت تمارس نشاطَها في الأردن في الستينيات، تمردت على الخيار الأردني عندما كان هو الخيار الثوري القومي التحرري الحقيقي المتاح، مستحضرةً الخيار الفلسطيني بكل وظيفيته وقطريته، فقط لأنه يستنهض مشاعر الأنا والهوية لدى الفلسطينيين، دون أدنى اعتبار لأولوية مشروع التحرير الذي كان يتطلب شيئا من التواضع في مطالب الهوية الفلسطينية آنذاك، حفاظا على الأردن قاعدة آمنة أكيدة لثورة عربية كبرى حقيقية.

وبالتالي فما ضحت الثورة لأجله بخيار “التحرير الحقيقي والفاعل والمنتج” الذي كان قائما بالفعل في الستينيات، وهو وهم “الهوية الفلسطينية المقدسة”، وهي مخطئة في ذلك، ما كانت لتضحي به لأجل خيار أردني وظيفي قُطري يطرحه نظام الملك حسين، ولا يمت إلى التحرير بصلة، دون أن تحتاط وتحذر وتمحِّص، وهي محقة في ذلك من هذا الوجه، مع التحفظات التي ستتضح لنا في سياق التحليل.

فالخيار “الفلسطيني الوظيفي” الذي جاء على أنقاض الخيار “الأردني الثوري”، أسقط إستراتيجية “التحرير”، وأنجزَ أسطورة “الهوية المقدسة” في العقل الفلسطيني، أي أنه أنجز شيئا ما بالنسبة للفلسطينيين، وإن كان مخادعا ومضَلِّلا وهزيلا وغامضَ المستقبل، ومساحاتٌ الوهم فيه أكبر من مساحات الحقيقة. بينما “الخيار الأردني” الذي طرحه “الملك حسين بن طلال” بعد أيلول، سواء في عام 1972 عبر مشروع “المملكة العربية المتحدة”، أو في عام 1984 عبر مشروع “الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية”، إنما كان يهدف إلى إسقاط الاثنين معا، “الهوية” و”التحرير”. لذلك كان رفضه مفهوما من هذا الوجه، مع وجود آفاقٍ لبقاء مشروع التحرير الذاوي منفتحا على فضاءيه المحلي والقومي في الخيار الأردني، ليحدث في الأردن ما يمكنه أن يُنْتِجَ حالةً شبيهةً بتلك التي سبق وأن نتجت في عام 1965 عما حدث في عام 1948.

لكن رفض هذا الخيار لن يكون مفهوما البَتَّة من وجه رفضه والقبول بدلا منه بالخيار الإسرائيلي الذي سيُسْقِط هو أيضا كلا من “الهوية” و”التحرير”، دون أن يتيح الآفاق التي كان سيتيحها سابقه، لأن الثورة ومؤسساتُها عندما تضع نفسَها رهن إشارة “الخيار الإسرائيلي” وداخل مساحة أرضٍ لا تملك أي عمق إستراتيجي لـ “حماية إسرائيل” نفسها، ناهيك عن أن تملكه لـ “مشروع التحرير”، كما وعى ذلك جيدا أساطين الفكر الثوري الفلسطيني بدءا بـ “خالد الحسن” ومرورا بـ “صلاح خلف” وليس انتهاء بـ “هاني الحسن”، فهي إنما تنتحر وترهن كل مستقبلها لعناصر ذلك الخيار الإسرائيلي، وتضع كلَّ أوراقها في سلة هذا الخيار، لتصبح النتيجة المرتقبة تتخذ شكل معادلة قوامها: “إما الحل الإسرائيلي، وإما القضاء على المشروع الفلسطيني كاملا، وعلى رأسه مشروع الهوية الذي أضاعت الثورة أربعين عاما من عمرها لتحافظ عليه على حساب مشروع التحرير القومي، فإذا بها تجد نفسها وقد خسرت الاثنين معا، “الهوية” و”التحرير”.

أي أن قادة المشروع الفلسطيني الذي تنازل عن أردنيته الثورية الدافعة باتجاه “مشروع التحرير” القومي منذ عام 1968، متمسكا بفلسطينيته الدافعة باتجاه “مشروع الهوية” القطري الوظيفي، أثبتوا فشلا ذريعا جديدا بعد عام 1982، لا يقل كارثية عن فشلهم المتمثل في ابتلاع طعم النظام الأردني في الستينيات، عندما مارس مع المقاومة الأردنية لعبة “لوغو الهويات” بكفاءة منقطعة النظير، ليستجيبوا لها بسذاجة منقطعة النظير أيضا.

ولقد تمثل الفشل الذريع الجديد هذا في أنهم ما تمكنوا من رؤية الآفاق غير المرئية التي يتيحها الخيار الأردني، وهي آفاق إعادة إنتاج الشعب الأردني على قواعد ثقافة “مصلحة الفكرة” بكل فضاءاتها الممكنة على صعيد إعادة تثوير الشعب الأردني بمكونيه الشرق أردني والفلسطيني، وهي الثقافة التي ما كان لها أن تستعيدَ مساحاتِها في الأردن في تلك الفترة على حساب ثقافة “مصلحة العصبية” المستشرية بكل مكوناتها التدميرية، إلا بوجود الشريك الفلسطيني بفاعلية على الأرض الأردنية. وما رأوا في ذلك الخيار سوى انطوائه على تقديم “الهوية الفلسطينية” تنازلات – بدت لقادة المشروع الفلسطيني جوهرية – عن المكتسبات “الوهم” التي يعتبر قادة هذا المشروع أنها حققتها بنضالات الفترة 1970 – 1982.

لم يقف الفشل الذريع الذي مُنِيَ به قادة المشروع الفلسطيني عند ذلك الحد، بل إن هذا الفشل تفاقم في التعبير عن نفسه، عندما فاجأ هؤلاء القادةُ العالمَ وعلى رأسهم الأمة العربية عام 1993 باتفاقية “أوسلو” التي تُجَسِّدُ – عمليا – القبولَ بالخيار الإسرائيلي. لقد كشف هذا القبول عن كارثة أيديولوجية تجعلنا نجزم بأن قادة هؤلاء المشروع يمثلون أسوأ نموذج للقُطرية والوظيفية العربية، أهداها الفلسطينيون لخريطة “سايكس بيكو” كي تستكمل بها بناءها الذي كان ناقصا منذ عام 1916.

ووجه النقص في تلك الخريطة هو أنها رغم كل العبث الذي مارسته في الإقليم، مُجَسِّدَة حشدا من الهويات القُطرية الوظيفية المتنافرة والمتنازعة، والمتكالبة على الحفاظ على “السايكسبيكوية” إطارا لصيروتها السياسية والاقتصادية والثقافية، فإنها بقيت عاجزة مع ذلك – أي خريطة سايكس بيكو – عن أن تحوِّلَ “الهوية الفلسطينية” إلى هوية قُطرية وظيفية، بعد أن كانت هي الهوية الوحيدة التي أفلتت بحكم طبائع الأمور كما كانت عليه في تلك الفترة من أسر “السايكسبيكوية”، إلى أن قدم الفلسطينيون بمشروعهم “الهوية الفلسطينية الوظيفية” على حساب “الهوية الأردنية الثائرة”، أكبر خدمة يمكن أن يقدمها طرف لعدوه التاريخي، بأن أسهموا بأنفسهم في خلق كل الظروف التي فرغت الفلسطينيين من ثوريتهم التي تجسدت قبل 1948، ومن قدرتهم على التكييف التثويري لغيرهم عندما ثوروا “الهوية الأردنية الوظيفية القطرية” عام 1965.

فقادة المشروع الفلسطيني الذين لم يروا في “الخيار الأردني” تلك الآفاق الثقافية القادرة على إعادة إنتاج الشعب الأردني سياسيا وبالتالي ثوريا باتجاه “مشروع التحرير”، أو ربما الذين رأوا ذلك لكنهم لم يجدوا أنفسهم معنيين بالأمر، مادام ذلك لن يتحقق إلا على حساب بعض مكونات هويتهم المقدسة التي أصبحت معيارَ الحكم على الحق والباطل، وعلى الصواب والخطأ، وعلى القداسة والنجاسة، فيما يعرض عليهم وفيما يفكرون فيه سياسيا..

نقول.. إن هؤلاء القادة الذين رأوا أو لم يروا تلك الآفاق في الخيار الأردني، تغاضوا عند قبولهم بالخيار الإسرائيلي عن حقيقة أن كل آفاق إعادة إنتاج عناصر مشروع التحرير الممكنة والمحتملة في الخيار الأردني، ستتبخر في الخيار الإسرائيلي. وهم عندما تغاضوا عن ذلك، فلأنهم تصوروا أن ما كان سيُفْقِدُهم إياه الخيار الأردني على صعيد “وهم الهوية”، لن يزاحمَهم عليه الخيار الإسرائيلي، بسبب حرص الإسرائيليين على التخلص حتى ممن هم لديهم من الفلسطينيين، لا إذابة ملايين غيرهم في “الهوية الإسرائيلية”.

ومع أن هذه المفاضلة بين الخيارين على النحو الذي تمَّت به، تؤشِّر في حد ذاتها على عناصر تدميرية في أيديولوجية التثوير العربي، بسبب أنها قدمت “الهوية” القطرية الضيقة بكل وظيفيتها على “مشروع التحرير” في خياراتها السياسية، إلى درجة إعطاء الأولوية إلى خيار إسرائيلي يشير شكله الظاهر المُضَلِّل إلى عدم المزاحمة على الهوية، على حساب خيار أردني يشير شكله الظاهر إلى نوع من أنواع المزاحمة على الهوية. مع أن الخيار الأول سيغلق الأبواب كاملة أمام مشروع التحرير إلى أجل غير مسمى، ريثما تحدث في الأمة تغييرات جوهرية تدفع بهذا الاتجاه، فيما الخيار الثاني – أي الأردني – هو بطبيعته منطوٍ حتما على محفزات وميكانيزمات الدفع باتجاه إعادة إحياء ذلك المشروع على الساحة الأردنية.. نقول.. مع أن المفاضلة بين الخيارين على النحو الذي تمت به، تعتبر دليلا على كارثية التوجهات الأيديولوجية لقادة المشروع الفلسطيني، فإن ما تصوره هؤلاء القادة على صعيد وهم “الهوية الفلسطينية” لم يكن صحيحا من حيث المبدأ.

فنحن لسنا ندري على أي أساس تصور هؤلاء أن “الهوية الفلسطينية” ستكون بمأمنٍ من الغوائل بلجوئها إلى هذا الخيار وبارتمائها في أحضان الإسرائيليين، بينما تاريخ الصراع كله يكشف عن حرص إمبريالي صهيوني وظيفي على ألا تتجسد “الهوية الفلسطينية” على أرض الواقع ولا بأي شكل، وعن أن الحالة الوحيدة التي تمَّ السماح فيها لهذه الهوية بالتجسُد إنما كانت لأجل إنقاذ النظام الوظيفي الأردني في الستينيات من “الهوية الأردنية الثائرة”، بعد أن اقتنع الثالوث الإمبريالي – الصهيوني – الوظيفي بأن “الهوية الفلسطينية” التي ستتجسَد ستكون وظيفية قطعا، وأن تجسُّدَها على ذلك النحو – مؤقتا – سيقضي على “الهوية الأردنية الثائرة”، لتتم العودة بعد ذلك لمناجزة هذه الهوية الجديدة حتى وهي وظيفية وقطرية، كي تعود إلى سابق عهدها في عالم البرزخ الذي جاءت منه، لأجل ألا تتحول إلى هوية شبيهة بهوية الأردنيين التي قضت عليها بتجسدها الوظيفي هذا بعد عام 1968؟!

إن كل أحداث الفترة 1970 – 1982 وما بعدها، كانت تصب في هذا الاتجاه، سواء ما حصل منها في لبنان من حصار وتصفية وملاحقة وقتل ومعارك تُوِّجَت بالطرد إلى منافٍ جديدة، أو في الأردن من ترسيخ لثقافة “مصلحة العصبية” بكل تداعياتها التدميرية على الأردن سياسة واقتصادا وإدارة وبُنىً مجتمعية، أو في العقل الفلسطيني نفسِه من تضخُّم إحساسه بالأنا وبالهوية على حساب أي خطوة تدفع باتجاه قومية أو عالمية الثورة، وهما القومية والعالمية اللتين يقتضيهما مشروع التحرير الحقيقي لهذه البقعة المركزية من العالم.

إن إستراتيجية الإمبريالية والصهيونية والوظيفية العربية إزاء الثورة بعد خروجها من الأردن وارتدائها ثوب “الهوية الفلسطينية”، كانت تنصبُّ نحو تحقيق غاية أساسية هي ذاتها الغاية التي انطوت على تجسيدها مبادرتا عام 1948 في “أريحا”، و1949 في “التجنيس”، ألا وهي تغييب “الهوية الفلسطينية”، والحيلولة دون قيام “الدولة الفلسطينية” حتى لو كان جزءٌ من فلسطين محررا كما كان عليه الحال في أعقاب حرب 1948، وذلك لأسباب أيديولوجية تتمثل في أن تَجَسُّد “الهوية الفلسطينية” على أي جزء من أرض فلسطين، هو في نهاية المطاف النقيض الأشد خطرا على “الهوية الصهيونية” القائمة على الجزء المتبقي من فلسطين.

ونظرا لأن استحضار “الهوية الفلسطينية الوظيفية” مع نهاية عقد الستينيات كان استحضارا اضطراريا تمَّ اللجوء إليه من قبل الوظيفية العربية بنصائح الإمبريالية والصهيونية، فقط لإنقاذ الهوية الأردنية الوظيفية التي كانت تحتضر إن لم تكن قد ماتت أصلا بفعل الثورة. فقد كان من الطبيعي كي تعود الأمور إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل عام 1965، أن يصارَ إلى بذل الغالي والنفيس لأجل إخفاء “الهوية الفلسطينية الوظيفية” التي تمَّ تخليقها من جديد، خشية أن تتطور إلى هوية غير وظيفية، كما حصل للهوية الأردنية بعد عام 1948 عندما انقلبت إلى ثورة راحت تمهد لمشروع التحرير والوحدة والنهضة العربية منذ عام 1965.

وإذا كان ما مارسه النظام الأردني على الساحة الأردنية على مدى الفترة 1970 – 1982، من سياسات تكريس ثقافة “مصلحة العصبية” التي أسهمت في تخريب الأردن على كل الصعد، بدءا بتكريس الشرخ بين الهويتين الوظيفيتين الأردنية والفلسطينية، مخففة بالتالي من احتمالات الانقلاب الثقافي الذي كان يخشى منه النظام وقادته الإقليميون والعالميون، يعمل في اتجاه تلجيم احتمالات انزلاق الثورة التي أصبحت فلسطينية ممعنة في قطريتها وفي وظيفيتها، إلى خنادق القومية والعالمية، وفي اتجاه محاصرة أي دفع تمارسه باتجاه تخليق حالة أردنية جديدة غير متوقعة. وإذا كانت المؤامرات التي تعرضت لها الثورة الفلسطينية في موطنها الجديد “لبنان” تعمل هي أيضا في هذا الاتجاه. فإن هذا كله لا يكفي، ويجب أن يحدث إلى جانبه شيء آخر مهم، وهو توظيف نتائج الفعل الرسمي للنظام على الساحة الأردنية، ونتائج الفعل التآمري المناهض للثورة على الساحة اللبنانية، في حصارٍ من نوع آخر هو حصار “الخيارات السياسية”، بصفة هذه الخيارات السياسية هي الغاية التي يفترض أن الثورة تناضل وتكافح لأجل التوصل إليها.

ثانيا.. الانتقال من الخيار الأردني إلى الخيار الإسرائيلي، كيف ومتى ولماذا؟!

أي أن الخيار الأردني الذي كان يطل برأسه من حين لآخر، كان يعمل في اتجاه إعادة ابتلاع “الهوية الفلسطينية” على طريقة لا تختلف كثيرا عما حدث عقب حرب 1948 وإن يكن بأدوات المرحلة وبحسب ظروفها. ولما فشل هذا الخيار في تحقيق الغاية المرسومة، لم يعد هناك من بدٍّ لدفع الثورة نحو الخيار الإسرائيلي.

في هذا السياق، يقول “شيمون بيريز” ردا على سؤال من الصحفي الفرنسي “أندريه فرساي” الذي أدار حوارا مطولا بينه وبين “بطرس بطرس غالي” الأمين العام السابق للأم المتحدة، حول ما كانت إسرائيل مستعدة لتقديمه للفلسطينيين خلال مفاوضات السلام مع مصر، ما يؤكد به ما نقوله هنا، فهو يقول ما نصه: “لقد كنا بالطبع لصالح الخيار الأردني. أي أننا كنا على استعداد للتفاوض حول تقسيم السيادة على الأراضي المحتلة ولكن مع عمان، ولكننا لم نكن على استعداد لبدء مباحثات مع منظمة التحرير الفلسطينية. لذا فلم يكن الأمر رفض التفاوض بخصوص وضع الضفة الغربية وقطاع غزة ولكن معرفة مع أي شريك نتفاوض”(1). وهذا يعني أن إسرائيل لم تكن تعارض مبدإ تنفيذ ترتيبات محددة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة تضمن لها إبقاء “الهوية الفلسطينية” وممثليها خارج اللعبة. ولأن الأردن لا يستطيع التفاوض بشأن ترتيبات كهذه مع إسرائيل بدون حسم علاقته بالفلسطينيين عبر منظمتهم، بعد أن أصبحت لهم هويتهم التي أسهم هو نفسه في إيجادها من خلال لعبة “لوغو الهويات” في الستينيات، فقد كان من الضروري أن يُطْرَح الخيار الأردني بصفته حاضنة للحالة التي تسمح بقبول إسرائيل تنفيذ مثل تلك الترتيبات التي تحدث عنها شيمون بيريز، وهو ما فهمه الفلسطينيون جيدا بعد 1982، أي بعد أن فقدوا كل عناصر قوتهم التي يمكنها أن تجعلهم طرفا يمثل خيارا ندا قائما بذاته.

وبقيت إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة تراهنان على إمكانية استدراج الفلسطينيين إلى الخيار الأردني، رغم أن الخيار الإسرائيلي هو الأفضل بالنسبة لهما، بسبب أن هذا الأخير كان ما يزال قيد الإنضاج، ولم تكن الظروف قد أتيحت لطرحه خيارا بديلا، لا من الناحية الأخلاقية، ولا من الناحية الثقافية، ولا من الناحية السياسية. ومع ذلك فقد كان الإعداد له كخيارٍ بديلٍ نهائي في حال فَشِلَ الخيار الأردني، قد بدأ منذ وقت مبكر من طرف الفلسطينيين، رغم عدم الاستجابة له استجابة مُنْتِجَة من قبل الإسرائيليين، لقناعتهم بعدم نضج ظروفه بعد.

“فمنذ عام 1970 ومحمود عباس بموافقة عرفات يعمل على الاتصال بالقوى الإسرائيلية. فشل حينا ونجح أحيانا. في كتابه “الطريق إلى أوسلو” يقول محمود عباس: من الذين اقتنعوا بهذه الفكرة ودفعوا حياتهم ثمنا لها الشهيد سعيد حمامي مندوب فلسطين في إنجلترا، والشهيد نعيم خضر مندوب فلسطين في بلجيكا، والشهيد عصام السرطاوي الذي كان مكلفا من قبلي بالاتصال بالقوى الإسرائيلية الداعية للسلام. وبعد عام 1977 كما يضيف أبو مازن “عقدنا عشرات اللقاءات وحضرنا عشرات المؤتمرات التي تضم إسرائيليين من مختلف الاتجاهات”(2) هنا يَطرحُ سؤالٌ نفسَه: إذا كان الخيار الإسرائيلي هو الخيار الأفضل في الإستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية. وإذا كان الفلسطينيون قد أبدوا منذ وقت مبكر كما أشار إلى ذلك “محمود عباس” استعدادهم للتحرك في اتجاه ذلك الخيار وقدموا لأجله تضحياتٍ جسيمة، فلماذا يتم تأجيله إلى أن تستنزف الخيارات الأردنية كلَّ زخمها وكل احتمالاتها وآفاقها، أي لماذا تُعطىَ الفرصة لمثل تلك الخيارات أصلا؟!

في حقيقة الأمر لم تكن محاولات الفلسطينيين في هذا الاتجاه على مدى الفترة 1970 – 1982 تدل على اندلاقٍ فلسطيني على إسرائيل ناجمٍ عن أزمةِ مستقبلٍ ومصيرٍ تمر بها الثورة ومنظمة التحرير. ففي ظل قوة المقاومة في لبنان، وتطور علاقاتها مع القوى الوطنية اللبنانية، وفي ضوء تنامي المساحات السياسية والقانونية العالمية التي حظيت بها في تلك الفترة، بل وفي ظل تنامي فعلها الأمني على الساحات الأوربية، يغدو تحرك المنظمة في هذا الاتجاه، تحركا تريده أن يقوم على الندِّيَّة، وهو ما لا يمكن لإسرائيل أن تقبلَ به في ظل محصلة موازين القوى الحقيقية على الأرض.

فإسرائيل تريد دفع الفلسطينيين إلى “خيار إسرائيلي” يندلقون عليه، عندما تكون البدائل والخيارات أمامهم معدومة، فيلجأون إليه على النحو الذي تريده إسرائيل، وهو النَّحْو الذي لا مكان فيه للندِّيَّة، والعاكسُ لصورةِ مهزومٍ يقبل بالفتات، كي يغضَّ الطرف عن المخاطر الإستراتيجية في هكذا خيار، عندما يرى فيه ما يهيأ له أنه مكاسب آنية، فيتِمُّ القضاء عليه بالضربة القاضية.

أي أن إسرائيل لم تكن تريد بدءَ مسيرة “الخيار الإسرائيلي” بمحاولةٍ قد تفشل بسبب رمقِ قوة في منظمة التحرير، تظهرها كنِدٍّ حقيقي لإسرائيل، بل هي أرادت أن يكون “الخيار الإسرائيلي” الذي سَتَزُجُّ بمنظمة التحرير إلى أنفاقه، خيارا أولا وأخيرا، ينتهي بانتهائه “المشروع الفلسطيني” ككل. ومن هنا فقد كان الخيار الأردني الذي أطل برأسه عام 1984، خيارا يهدف إلى مفاقمة الإحساس الفلسطيني بأن هويته في خطر من خيارات النظام الأردني، بعدما غدت هذه الهوية هي المعيار الحقيقي لتقييم كل الخيارات والمبادرات والعروض.

إسرائيل كانت تدرك إذن أن الفلسطينيين الذين اعتبروا أنفسَهم وقد تحرروا من النظام الأردني منذ عام 1970، لن يعودوا ليخضعوا لاحتلاله مرة ثانية، وبالتالي فقد كان عليهم أن يستنزفوا مع هذا النظام زخم كل الممكنات السياسية، وهو ما تجلى في فشل مشروع “الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية” عام 1984، لتبدأ مسيرة العد التنازلي في عمر التأجيل الذي كان الخيار الإسرائيلي يختبئ وراءه.

فبعد فشل مشروع الكونفدرالية لم يعد هناك أفق لأي مشروع يمثل خيارا أردنيا، إلا أن يتنازل “الملك حسين” عن الأردن لمنظمة التحرير ويحمل حقائبه ويرحل!! وبالتالي فقد يَمَّمَ الجميع سرا وعلنا وجوهَهم صوبَ “تل أبيب” يُعِدُّون اللوحة القادمة لتُرسَمَ عليها معالمُ الخيار الإسرائيلي القاتل. وكانت مبادرة “الملك حسين” إلى إعلان قراره التاريخي بـ “فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية”، هي فاتحة الطريق الرسمية التي مهدت للمشروع الإسرائيلي أن يدخل إلى حيز التنفيذ، لتكون من ثمَ هي المبادرة التي مهدت لكل التغيرات التراجيدية التي عمت المنطقة، بعد أن هيأت لها ظروف جيوسياسية أخرى عناصر الاكتمال فالتكامل. فما هو هذا القرار؟ وكيف جسَّد بداية النهاية لمرحلة بأكملها في تاريخ الصراع، وفي تاريخ القضية، بل وفي تاريخ الأردن أيضا؟!

ثالثا.. قرار فك الارتباط وعلاقته بمهندس العلاقات الأردنية – الفلسطينية “عدنان أبو عودة”..

“إن قرار فك الارتباط هو القرار الذي اتخذه الملك حسين في 31/7/1988، معلنا فيه فك العلاقة القانونية والإدارية بين الأردن والضفة الغربية، والذي أعلن ياسر عرفات بعده، وتحديدا في 15/11/1988 ما عرف بوثيقة استقلال دولة فلسطين”(3). لتبدأ مسيرة الانفراط في عقد التعامل مع “قضية فلسطين”، التي ما أن أُقِرَّ قانون فك الارتباط حتى دخلت بالتتابع، إلى سلسلةِ دوائر مظلمة من تاريخها، انتهت بها إلى الترنح فالانكفاء فالموت، بعد أن تمكنت كل دائرة منها من قضم مساحة من رمق حياتها المتبقية. “قرار فك الارتباط” في عمان أعدَّ الذبيحة للنحر، و”إعلان الاستقلال” في الجزائر نحرَها، و”مؤتمر مدريد” غسَّلَها، و”اتفاقية أوسلو” كفَّنَتها، لتقوم اتفاقية “وادي عربة” بدفنها تحت التراب.

إن الضجة الكبيرة التي أثارها هذا القرار من حيث توقيته ومضمونه ودلالاته وطريقة اتخاذه، جعلت الكثيرين يغفلون عن أنه مَثَّلَ حداًّ فاصلا بين مرحلتين في تاريخ الأردن وفلسطين، بل والأمة العربية كلها. وربما أن هذه الغفلة كانت ناتجة عن أن هؤلاء الكثيرين لم يكونوا ليدركوا ما للأردن في سياق علاقته بفلسطين، وما لهذه الأخيرة في سياق علاقتها بالأردن، من قدرة على تحديد معالم الخرائط السياسية للإقليم في حاضره ومستقبله.

على العموم، فإن الحديث عن “قرار فك الارتباط” هو حديث مُرَكَّب، لا يفصل فيه القانوني عن السياسي، ولا التحرير عن جدل الهويات، وهو بالتالي حديث يسحبنا حتما وبالضرورة إلى استحضار شخصيةٍ غايةٍ في الأهمية، تعودت على أن تتحرك متقمِّصَةً دور الظل لشخصية “الملك حسين”، ألا وهي شخصية “عدنان أبو عودة”، الذي عرفناه على مدى سنوات طويلة في فترة الأحكام العرفية جاوزت الربع قرن، وزيرا للإعلام، ووزيرا للبلاط، ومستشارا مقربا للملك حسين بن طلال. واستحضارنا لهذه الشخصية يستمد أهميته مما لهذا الرجل من دورٍ بارز في هندسة العلاقات الأردنية الفلسطينية عموما، وتلك التي رُسِمَت ما بعد أيلول 1970 خصوصا، متوَّجَةً بقرار فك الارتباط، الذي لا نجد أنفسَنا مجانبين للحقيقة إن أطلقنا عليه قرار “عدنان أبو عودة”.

وإننا كي نحيط بقرار فك الارتباط إحاطةً موضوعية تربطه بصانعه الحقيقي ربطا يَقرَؤُه في هذا الصانع شكلا ومضمونا، ويفهم ما غَمُضَ منه بفهم ما تجلى من مُنْتجِهِ تصريحا أو تلميحا، يجدر بنا أن نتعرَّف على شخصية “عدنان أبو عودة”، كما يعرضها لنا هو بنفسه، وعلى الجذور السياسية والأمنية لهذه الشخصية، كما كشف عنها صاحبها بلا حرج أو تحوُّط.

بداية، دعونا نستحضر في شخصية هذا الرجل في أول ما نستحضره، إدراكَه العميق لغرابة وحراجة وغموض صورته لدى الفلسطينيين في مرحلة “أيلول” وما بعده، حتى “فك الارتباط”. يقول “عدنان أبو عودة” في هذا السياق: “كانت صورتى غريبة وعجيبة، وذلك لأن العالم كله كان ينظر فى ذلك الوقت للأردنيين على اعتبار أنهم يقتلون الفلسطينيين، وعليه فقد كنت بالنسبة لهم خائناً، ثم تغيرت الصورة مع الوقت، إلى أن وصلنا إلى سنة 1988، وقام الملك حسين بفك الارتباط مع الضفة الغربية، وأصبح معروفاً فى ذلك الوقت أني صاحب الخطة. وبناء على ذلك تغيرت نظرة من كانوا ينتقدوننى من الفلسطينيين فى السابق، وأصبحوا ينظرون إلىّ كوطنى فلسطينى عظيم”(4).

لن يستوقفَنا كثيرا في هذا التصريح اعترافُ “عدنان أبو عودة” بأنه صاحب خطة “فك الارتباط بين الضفتين”، مادام هو نفسه يعلن أن الأمر كان معروفا، أي أنه لم يكن سرا مخفيا. وإنما يستوقفُنا إعلانُه الواضح المتحرر من كل أنواع الحرج، أن عمله في صفوف نظام الملك حسين منذ ما قبل أيلول وحتى قرار فك الارتباط، كان يُنظر إليه على أنه عمل من أعمال الخيانة للقضية الفلسطينية، باعتباره أردنيا من أصل فلسطيني. وأن هذه النظرة لم تتغير إلا بعد أن تقدم للملك حسين بخطة “فك الارتباط” التي جعلَ تنفيذُها منه رجلا فلسطينيا عظيما في نظر الفلسطينيين الذين كانوا يخوِّنونَه بالأمس القريب أنفسِهم. وهو ما يدل على أن الفلسطينيين – ويُقْصَدُ بهم هنا على وجه التحديد، الرسميون في منظمة التحرير – نظروا إلى قرار فك الارتباط باعتباره إنجازا كبيرا على صعيد قضيتهم. وهو ما سنحلله بالشكل المناسب في سياق حديثنا هذا عن ذلك القرار.

إن “عدنان أبو عودة” شخصية تثير الجدل والريبة والتساؤل، وتبعث على الحيرة والارتباك. فهو قد وصل إلى أعلى المناصب فى الأردن، حيث أصبح رئيساً للديوان الملكى في الفترة “91 – 1992″، بعد أن كان وزيراً للبلاط في الأعوام “84 – 1988″، وأكثر وزراء إعلام الأردن شغلا لهذه الحقيبة الوزارية، حيث شغلها مدة عشر سنوات متفرقة فى عهد حكومات أربع هي حكومات الأعوام “70 – 1972″، و”73 – 1974″، و”76 – 1979″، و”80 – 1984”. كما أنه شغل منصب مندوب الأردن الدائم لدى الأمم المتحدة في الفترة “92 – 1995″، وعضوية المجلس الوطنى الاستشاري في الفترة “82 – 1984”. فضلا عن أنه كان عضوا في مجلس الأعيان لفترة طويلة. والأهم من هذا كله أنه عمل مستشاراً سياسياً للملك “حسين بن طلال”، وكان كاتباً لنصوص معظم خطبه.

“وهو لم يحصل على هذه المكانة بالترقى التقليدى داخل “النظام”، وإنما وصل إليها عبر طرق متشعبة وبالغة الغرابة، حيث بدأ اهتماماته السياسية فى صدر شبابه بالانتماء إلى “حزب التحرير”، ثم سرعان ما هجر صفوف الإسلاميين وانضم إلى “الحزب الشيوعي” عام 1955 ليتركه عام 1958. وبعد هذا التاريخ “النضالى” فى صفوف المعارضة الإسلامية والشيوعية، حدثت الانعطافة الكبرى والانتقال من مشاغبة المعارضة إلى دهاليز المخابرات. وأصبح محللاً بالمخابرات الأردنية.. هكذا مرة واحدة. وجاء هذا التحول الميلودرامى على يد “محمد رسول الكيلانى” الذى كان مدرساً زميلاً له فى مدينة “السلط” الأردنية قبل أن يصبح مديراً للاستخبارات. وبالفعل نجح “محمد رسول الكيلانى” فى تجنيد عدنان أبو عودة الذى انتقل من وظيفة مدرس إلى قلب المؤسسة الاستخباراتية الأردنية، ليصبح ضابطاً محللاً فى فترة عصيبة قبيل “أيلول الأسود”، لتبدأ رحلته مع صنع الأحداث فى الأردن والشرق الأوسط”(5). ولأننا لا نستطيع المرورَ على محطات حياة “عدنان أبو عودة” سالفة الذكر مرورَ الكرام، متعاملين معها بتلك السذاجة التي تَعْتَبِرُ الانتقال من صفوف “حزب التحرير” إلى صفوف النقيض المعتقدي له، ألا وهو “الحزب الشيوعي”، بمثابة نقلة أيديولوجية صرف، غيرت قناعات الرجل من الإيمان المتشدد، إلى ما يمكنه أن يكون إلحادا متطرفا، في فترة وجيزة. لينتقل بعد ذلك إلى نقيض الاثنين معا، وهو “جهاز مخبرات النظام” الذي يعارضانه ويعاديانه في فترةٍ حرجةٍ كالخمسينيات، تاركا صفوف الحزب بعد أشهرٍ فقط من إفشال محاولة الانقلاب ضد نظام الملك حسين، ببساطة لا تقل عن تلك التي نقلته من “التحرير” إلى “الشيوعي”..

نقول.. لأننا نستطيع التعامل مع محطات حياة هذا الرجل بسذاجة، فإننا سنقفز على البراءة التي حاول إظهارها بعرضه التلقائي للأمر في الحديث عن سيرته، وكأنه يتحدث عن التقلب في علاقته بجيرانه أو ببعض أقاربه، منتقلين إلى النقطة الأهم في هذا السرد. فأن يتحول الإسلامي المتشدد والشيوعي الملحد إلى ضابط مخابرات محلل في فترة وجيزة وفي مرحلة عصيبة، أمر يطرح أكثر من سؤال، يجيب عليها “عدنان أبو عودة” نفسه، فيعفينا من مغبة الظنون والتخرُّصات. فهو يقول في معرض حديثه عن بدء علاقته بالملك حسين:

“أنا أولاً كنت فى المخابرات كمحلل وليس كضابط عمليات، بمعنى أن المسؤول الرسمى كان يعطينى التقارير وأنا أقوم بدراستها وفكها وتحليلها، ثم أكشف منها اتجاهات معينة وأكتب تقارير حول ذلك. وقد لفت منهجى فى التحليل انتباهَ الملك، لأنه لم يكن يتلقى تقارير من النوعية التى أكتبها. فهو كان يتلقى تقارير أقرب إلى تقارير الشرطة. ولأول مرة بدأ يرى تقارير بها اقتصاد وعلم نفس وأمور أخرى. ولذلك فقد سأل الملك حسين عن الذى يقوم بكتابة هذه التقارير، وقيل له أنه أنا الذى أقوم بكتابتها. فطلب أن يتعرف بى شخصياً وكنت فى ذلك الحين ضابطاً برتبة نقيب. وكانت هذه هى بداية التعارف”(6). “عدنان أبو عودة” إذن هو ضابط مخابرات أردني من أصل فلسطيني برتبة نقيب في الستينيات، لفتت تقاريرُه المتقنة وغير المسبوقة حتى من قبل المحترفين بسبب حرفيتها العالية من الناحية التحليلية، نظرَ “الملك حسين” فطلب التعرفَ عليه، لينتقل بهذه الخطوة إلى مهندسٍ للعلاقات الأردنية – الفلسطينية، في أكثر فترات هذه العلاقة توترا وحساسية وحراجة، هي فترة أيلول وما بعدها، على مدى ربع قرن من الزمن. فهل يمكننا بعد هذا كله ألا نقف مُطَوَّلا عند كل تصريحاته ومواقفه المتعلقة بتوصيفه وتحليله لمحطات هذه العلاقة التي اعترف بصناعته لأهمها على الإطلاق، ألا وهي محطة “قرار فك الارتباط بين الضفتين”؟! فلنواصل الاستماع إليه وهو يقول معرفا على نفسه بشكل دقيق..

“أنا لست مهندسَ العلاقات الفلسطينية الأردنية طيلة حكم “الملك حسين”، ولكنى كنت جزءاً من “صياغة العلاقات الأردنية الفسطينية” ابتداءً من السبعينيات، لأني دخلت الحياة السياسية فى سنة 1970، بينما “الملك حسين” كان يحكم البلاد منذ 1953. وقد دخلت المعترك فى مرحلة من أصعب المراحل، وهى ما سميت “بأيلول الأسود”. والآن فإن الواقع الفلسطينى نفسه لا يمكن أن تُحْسَنَ قراءتُه بدون أن نرجع لتلك الفترة. فأنا دخلت فى تلك الفترة وأصبحت “جزءاً من تاريخ العلاقات الفلسطينية الأردنية” لمدة 25 عاماً تقريباً، حدثت فيها أمور كثيرة، ابتداءً من “أيلول الذى لعبتُ فيه دوراً أساسياً”، باعتبارى أولاً من الضفة الغربية من أصل فلسطيني، وفى نفس الوقت مسئولاً فى الحكومة الأردنية”(7).

إن الأهمية التي كان يحظى بها وجود شخصية “عدنان أبو عودة” بالقرب من “الملك حسين” في كل الفترات العصيبة، بدءا بأيلول عام 1970، مرورا بكل محطات التجاذب الأردني الفلسطيني بعد أيلول، وانتهاء باتفاقيات السلام مع الإسرائيليين، سواء الفلسطينية منها في “أوسلو”، أو الأردنية منها في “وادي عربة”، لم تكن محل مناقشة. ففي هذا السياق يقول “عبد الفتاح طوقان” أحد كبار المحللين السياسيين لتاريخ العلاقة الأردنية الفلسطينية: “إن عدنان أبو عودة تحمَّل عبءَ الدفاع عن الأردن وإدارة إعلامه فى عهد “حرب أيلول لتصفية الفدائيين”، و”اتفاقيات الفلسطينيين السرية مع “الإسرائيليين”، ثم في عهد “التمهيد للسلام الأردني مع إسرائيل”. فقد كان “أبو عودة” يحمل الأفكار للملك الحسين، وكان الملك يجلس مع أبو عودة يحدثه عن أفكاره، فيقوم أبو عودة بصياغتها ومن ثم كتابتها. لقد كان الرجل يمثل خط الدفاع الأول والأخير للملك “حسين بن طلال” إعلاميا وسياسياً”(8). إذن فـ “عدنان أبو عودة” هو الذي تولى وضع الخطط السياسية الكفيلة بالدفاع عن الأردن، وإدارة إعلامه من كواليس المخابرات لتصفية الثورة في أيلول، باعتباره ضابطا محترفا متميزا في المخابرات العامة منذ بواكير عهده بها. ولم تبدُ عليه أيُّ علاماتِ حرجٍ عندما اعترف قائلا: “كنت أمثل المخابرات فى الحكومة العسكرية”(9)، مشيرا إلى الحكومة العسكرية التي شكلها “الملك حسين” عشية مجزرة أيلول.

وهو فضلا عن ذلك، من أدار الماكينة الإعلامية والسياسية للدولة الأردنية عندما آن أوان التسويات السياسية مع إسرائيل في أواخر الثمانينيات. وقد مثَّل بالتالي صمامَ الأمان الإعلامي والسياسي لنظام الملك حسين على مدى ربع قرن من الزمن، بدأ بـ “أيلول” وانتهي بـ “وادي عربة”، وهو ربع القرن الأكثر أهمية في تاريخ العلاقات الأردنية – الفلسطينية، لأنه ربع القرن الذي أنتجته بكل عناصره تداعيات مرحلة ما قبل عام 1965، والذي أنتج المرحلة الراهنة بكل تداعياتها.

وفي سياق استعراضه التبريري لبعض ملابسات أيلول أثناء تسليمه الملكَ حسين تقريرا أمنيا كان قد أعده حول الأوضاع في الأردن في عام 1970 يقول “عدنان أبو عودة”: “ولما ذهبت لتقديم التقرير، وجدت الملك لم يهتم بقراءته بل بادرنى بالقول: أخ عدنان أنت من القلة في هذه البلد الذين يدركون أنه إذا ظل الحال كما هو عليه، فسنفقد الأردن مثلما فقدنا الضفة الغربية”(10). ثم يواصل تصريحه الخطير الذي أصَّل به أيديولوجيا لما حدث في أيلول قائلا: “وبمجرد أن انتهى الملك من ذكر هذه الحقيقة، وجدت نفسى لا أحتاج لتفكيرٍ طويل وأدركت ماذا يعنى وقبلت الاشتراك فى الحكومة العسكرية، لأنى كنت أعلم أن ما قاله الملك هو حقيقة مؤكدة، فالضفة الغربية راحت، والفدائيون يشتغلون على الأردن لتغيير النظام فيه، فى حين أنه إذا تغير النظام بالأردن فستنتهى فلسطين، لأنه حينئذ ستقول إسرائيل أن الأردن أصبح فلسطين. ولهذا فقد وافقتُ من منطلق حرصى على القضية الفلسطينية وحرصى على الأردن”(11).

ثم يختتم تصريحه ذاك بهذا التوصيف الأخلاقي البطولي الإسبرطي لخطوة أيلول بقوله: “إن ثبات الملك حسين وقيادته ومن كانوا معهم، وكان عددهم ستة أشخاص، أتشرف بأنى كنت أحدهم، هو الذي جعل المملكة تستمر.فكلام الملك حسين مازال صحيحاً حتى يومنا هذا، والسبعين كانت خطوة صحيحة، ولكن الفلسطينيين لم يتعلموا الدرس ومن تعلم لا يقود الصف الفلسطينى الآن”(12).

في ضوء ما تمكنا من إيراده إما على لسان عدنان أبو عودة أو على لسان محللين عرفوا كيف يقرؤون هذا الرجل، نستطيع القول بأن الرجلَ يَعترف بأمورٍ غاية في الأهمية والخطورة، ويُعْتَرَف عنه بأمورٍ لا تقل أهمية وخطورة عما اعترف به هو عن نفسه، غير آبهٍ بالتداعيات الأيديولوجية والسياسية لما يصرِّح به. ففي ما نقلناه آنفا سواء في تصريحاته أو فيما صُرِّحَ به عنه، نلمس الحقائق التالية..

1 – الرجل مُكَوِّن مهم في صياغة العلاقات الأردنية الفلسطينية منذ عام 1970.

2 – الرجل دخل إلى المعترك في مرحلة صعبة جدا، هي مرحلة أيلول عام 1970.

3 – لا تمكن قراءة الواقع الفلسطيني في أي مرحلة بدون الرجوع إلى مرحلة “أيلول”.

4 – الرجل لعب في “أيلول” دورا أساسيا بصفتيه الفلسطينية والأردنية.

5 – الرجل مثَّل المخابرات العامة في الحكومة العسكرية عشية مجزرة “أيلول”.

6 – الرجل يعلن أن ضياع النظام الأردني عام 1970 كان يعني ضياع فلسطين.

7 – كان يجب أن يبقى النظام الأردني كي لا تقول إسرائيل أن الأردن هو فلسطين.

8 – ما حصل في “أيلول” عام 1970 كان صحيحا وما يزال كذلك.

9 – الرجل وافق على الانضمام إلى حكومة “أيلول” العسكرية حرصا على فلسطين.

10 – ومن ثم، فالرجل واحد من قلة يدركون صحة ما جاء في 6، 7، 8، 9.

11 – وأخيرا فالرجل يرى أن الفلسطينيين لم يتعلموا الدرس حتى الآن.

 

… يتبع

 

الهوامش..

1 – (كتاب “ستون عاما من الصراع في الشرق الأوسط/شهادات للتاريخ”، حوارات “بطرس بطرس غالي” و”شيمون بيريز” مع “أندريه فرساي”، منشورات “دار الشروق”، القاهرة، الطبعة الأولى، 2007، ص 213).

2 – (كتاب “مقدمات النظام العربي”، الجزء الأول: “قبل مؤتمر بال وبعد أوسلو”، تأليف “كمال العزة”، منشورات “شركة مطبعة الندى”، عمان، 2001، ص 86 – 87).

3 – (مقال بعنوان “سلامة حماد يكشف أسرار قرار فك الارتباط”، بقلم “زياد الطهاري”، بتاريخ 8/6/2010، عن موقع “زارا نيوز”، على الرابط التالي: http://zaranews.net/local/3143.html).

4 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

5 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

6 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

7 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

8 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

9 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

10 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

11 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

12 – (من موقع “الحوار المتمدن”، العدد 1984، حوار بعنوان “أخطر شخصية سياسية أردنية يتحدث، عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكى”، أجرى الحوار “سعد هجرس“، بتاريخ “22/7/2007″، على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=103051).

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.