www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الأداء السياسى فى مسرحيتى ( السيد حافظ )/عبد الغني داوود

0

يقول المنظم المسرحى المغربى وأستاذ الدراما بجامعه مكناس بالمغرب د . عبدالرحمن بن زيدان : ( يعتمد السيد حافظ على أسلوب التحريض ومحاصرة المتفرج بالأصوات الرافضة المحتجة الداعية إلى النظر فى الواقع بغضب ) . كما يقول عنه د . السعيد الورقى أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة الاسكندرية : ( لعل أهم ما يميز مسرح الكاتب المصرى السيد حافظ هو سيطرة فكرة الثورة على تلك الأعمال – هكذا تبدو الثورة تياراً عاماً متدفقا خلال أعمال المؤلف منذ مسرحيته الأولى ) ..لكن ( الغضب والثورة ) يصطدمان بالفساد وتغييب الوعى وتزييف التاريخ ، وبعوامل الانشقاق والتشرذم والتفكك والانحلال بين أبناء الوطن العربى ، وهو ما جسده فى مسرحيتى ” إشاعة ” و ” رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة ” اللتين سنتناولهما فيما بعد .

الأداء السياسى فى مسرحيتى ( السيد حافظ )

” إشاعة ” و ” رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة “

بقلم:عبدالغنى داود

يقول المنظم المسرحى المغربى وأستاذ الدراما بجامعه مكناس بالمغرب د . عبدالرحمن بن زيدان : ( يعتمد السيد حافظ على أسلوب التحريض ومحاصرة المتفرج بالأصوات الرافضة المحتجة الداعية إلى النظر فى الواقع بغضب ) . كما يقول عنه د . السعيد الورقى أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة الاسكندرية : ( لعل أهم ما يميز مسرح الكاتب المصرى السيد حافظ هو سيطرة فكرة الثورة على تلك الأعمال – هكذا تبدو الثورة تياراً عاماً متدفقا خلال أعمال المؤلف منذ مسرحيته الأولى ) ..لكن ( الغضب والثورة ) يصطدمان بالفساد وتغييب الوعى وتزييف التاريخ ، وبعوامل الانشقاق والتشرذم والتفكك والانحلال بين أبناء الوطن العربى ، وهو ما جسده فى مسرحيتى ” إشاعة ” و ” رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة ” اللتين سنتناولهما فيما بعد .

ونلمس فيهما البعد السياسى الواضح فى خطابيهما ، وأن الأداء السياسى يحتل المكانة الأولى فيهما … حتى ولو كان يكتب الكوميديا التى قد تصل إلى درجة الهزلية .

 تتمركز أحداث النص الأول ” إشاعة ” حول فتاة من الصعيد ، محملة بقيم ومبادئ أستاذها ( مصباح الزمان ) الذى يريد أن يعيد كتابة تاريخ مصر ليكشف الزيف فيه ويصل إلى الحقيقة ، فتحاربه قوى الشر المتمثلة فى أستاذ الجامعة( فهمان ) والصحفى اللامع ( أبوالكلام ) رئيس تحرير صحيفة ( الجماهير ) . وتتعرض الفتاة الصعيدية طالبة الجامعة لضغوط وإغراءات تحاول أن تشدها إلى الانحراف والتخلى عن مبادئ أستاذها وخيانته ، والانجراف إلى مهاوى العصر الملئ بالفساد وخراب الذمم والتزييف والتدليس ، وعندما تقاوم يطاردونهما بالإشاعات عن علاقة آثمة بينها وبين أستاذها …مما يجعل خطيبها الفتى الصعيدى المتعلم يفسخ خطوبتها ويتهمها فى شرفها …وفى اللحظة التى يكاد ابن العم يؤمن ببراءتها وطهارتها .بعد أن راقبها ولم يجد فى سلوكها عيباً ، وبعد أن جاءه عمها الكبير الراحل فى المنام .ذلك العم الرمز الذى علقت الطالبة صورته فى شقتها …هذا العم الذى يرمز إلى نموذج الزعيم الأب …نجد أن قوى الشر تحول الإشاعة التى أطلقتها على الفتاة .وهى أنها أنجبت طفلاً سفاحاً ..فى الحرام …إلى حقيقة مؤكدة ، ويجد (ابن عمها ) بالفعل طفلاً رضيعاً فى شقتها . وتحاول ( الفتاة ) عبثاً..أن تدرأ عن نفسها التهمة دون جدوى ، ويدوى صوت الأستاذ المزيف ( فهمان ) فى أذنيها ..مذكراً إياها أنها لن تستطيع أن تفلت من قبضتهم ( لأنهم كل شئ فى البلد) ، وتنتهى المسرحية والفتاة تصرخ فى هيستريا نافية التهمة ..بينما يمسك ابن العم بالطفل المزعوم صارخاً : إن طفل الخطيئة هو الحقيقة الملموسة وليس مجرد إشاعة ….

والنص كما نرى تراجيديا تدور أحداثها فى أماكن متعددة مما يجعل مشاهد المسرحية سريعة ومتلاحقة وأقرب إلى المشاهد التليفزيونية المتتابعة ..حين ينتقل ما بين شقة الفتاة ، إلى المدرج الجامعى ، إلى كافيتريا الجامعة ، إلى مكتب رئيس تحرير صحيفة الجماهير ، إلى محطة أتوبيس ، إلى ساحة مولد، إلى مكاتب أساتذه الجامعة .ليكتشف أنواع الضغوط والمغريات التى تمارسها قوى الشر والفساد فى مقابل مقاومة الفتاة ..بينما يحسم أستاذها صراعه مع قوى الشر برفضه لكل الإغراءات وشجبه لكل ادعاءاتهم المغرضة . وموضوع المسرحية – كما نرى – يقتحم قضية هامة من قضايا الوطن وهى الصراع الأبدى بين الشرفاء والخونة من خلال رموز سياسية حكمت مصر منذ الستينات وحتى اليوم . تتمثل فى صورة ( العم الكبير) أو صورة نموذج الأب FATHER FIGURE الماثلة دائماً طوال العرض ، والذى تخاطبه الفتاة  وخطيبها ( والد الفتاة ) الذى أصابه الجزع والخوف على مصير ابنته لأنها تسبح ضد التيار مما يعرضها لإشاعات السوء  – وكأن هذا العم ما يزال حياً .وتأتى المفارقة الدرامية حين تجلب قوى الشر رضيعاً وتضعه فى شقة الفتاة على أساس أنه ( ابن السفاح ) الذى أنجبته لكى يحولوا الاشاعة إلى حقيقة .وهذا المشهد هو مركز الثقل فى المسرحية وعليه كان من الممكن أن تقوم دراما أكثر احتداماً وإثارة وحيوية ..لكنه فى النهاية جاء كالمفاجأه التى لم يتم التمهيد لها ، ولم يغُرَْسْ لها خيط درامىُّ لتكون هى القضية الجوهرية فى هذه المسرحية المحملة بدلالات إيحائية متعددة عندما تنعى عصر الطهارة والنقاء أيام العم الكبير أو صورة الأب ..هذا الذى كان يهاجمه ابن العم ( الخطيب ) الصعيدى المثقف ويتهمه بأنه كان ديكتاتورياً لأنه لم يعلمه كيف يتحاور معه ، وأنه كان مستبداً أفقده كل قدراته الإبداعيه والاعتماد على النفس . وللحق فإن خطايا هذا العم ويقصد به ( عصر عبدالناصر ) هى أفدح بكثير من تلك التى أشار إليها الشاب المثقف ..إذا لم يكن عصر عبدالناصر بعصر الطهارة والنقاء كما يقال ….بل ارتكبت فيه كل الجرائم الخلقية ،  وامتهنت فيه كرامه الإنسان ، وولدت فيه كل ألوان الفساد التى مازلنا نغرق فيها حتى الآن .

وفى تصورى أن هذا التعلق ( العاطفى ) بنموذج الأب أو شبح الأب أو فلنقل ( صورة الأب ) قد جعلت النص ينحو منحى خطابياً فى بعض المشاهد لكن تعدد المشاهد القصيرة وسرعة تتابعها والتى هى أقرب إلى الومضات الخاطفة ، وإلى تكنيك السيناريو التليفزيونى كما سبق أن قلنا – قد خففت من هذه النبرة الخطابية …فالأحداث هنا تدور بمنهج التنويعات على موضوع واحد …فالفتاة الجامعية تتعرض للمغريات وللتهديد عبر أكثر من أربعة نماذج فاسدة ، وتتعرض للوم والمؤاخذه من الأب وابن العم الخطيب ..مما استدرج النص إلى التكرارأحيانا،وأحياناً خفف من وطأته إمكانية الارتجال فى دور ( أبو الكلام ) واللجوء إلى الهزلية فى تصوير شخصية الشاب المدلل الفارغ ( طقطق )- ( الطالب الفاسد)…

ويبقى لهذا النص الجاد الذى كتب فى الثمانينات ونشر عام 1994 ( سلسلة إشراقات)-( الهيئة العامة للكتاب -مصر) أنه يناقش قضية جادة فى مناخ هازل …فلم تعد القضايا الجادة تشغل بال غالبية أهل المسرح بقدر ما يهمهم اجتذاب الجمهور بشتى ألوان الفرجة والزركشة والبهرجة التى تخدع العين دون اهتمام بالخطاب الذى يخلق الجدلية والحيوية التى تمهد لمناخ ديمقراطى حقيقى .

وفى النص الثانى ( رحلات ابن بسبوسة) يواصل القيام بدوره السياسى فى جبهة لا تنفصل كثيراً عن الجبهة التى دارت فيها أحداث وصراعات النص الأول ..ذلك الذى تصدى للتزييف والخداع والمساومة فى مصير الوطن ، ودعاوى الانفتاح والمهادنة والمسالمة والتخاذل …

لكن مسرحية( رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة )1994 كوميديا هزلية تنتمى إلى الكوميديا السوداء ، وبها ملامح كوميديا مسرح العبث الذى يعتمد على (الفارس ) أى الهزلية…وتستعرض المسرحية عذابات إنسان مصرى يعمل مدرساً- ( عبدالله ابن بسبوسة) تصحبه زوجته( سميرة) فى رحلته للبلاد العربية الشقيقة للبحث عن فرصة عمل أفضل تتيح له أن يقيم بيتاً فى بلد يأوى إليه .وتبدأ رحله العذاب من السفارة العربية بالقاهرة إلى المطارين المصرى والعربى ، ويستعرض النص ظروف معاناة الباحث عن عمل أو الذى يعمل فى ذلك البلد العربى الشرقى ، وخلافات ساسة هذه الدول العربية التى يدفع ثمنها الإنسان المصرى البسيط .الذى لا يجد من يحميه إلى أن يعود خائب الرجاء …مفلساً …لا حول له  ولا قوة . ثم يعاود ( عبدالله ) الكرة مرة أخرى ، ويشد الرحال إلى البلد العربى الآخر ( الغربى) الذى يرفع شعارات وحدة الوطن العربى وينادى بأمة عربية واحدة .ويلاقى المواطن البسيط الأمرين من رجال النظام هناك …كما حدث وأن لقى نفس العنت والاضطهاد من رجال النظام فى بلده …

والنص بهذا الشكل صرخة احتجاج حادة وشديدة السخرية والتهكم مما يحدث من سلبيات وفصامية، وتناقض بين الشعارات المنادية بأخوة أبناء الوطن الواحد وما يحدث فى الواقع من تفرقة وتشتت وتخلف وتعصب واضطهاد أبناء الوطن الواحد بعضهم لبعض …فى شكل يميل إلى التجسيد الكاريكاتورى الذكى لمأساة الإنسان والمواطن العربى البسيط متجسداً فى شخصية( عبدالله) المدرس المصرى الباحث عن حياه أفضل ..لذا فالقضية ساخنة ، وتقيم جسوراً وجدانية وعاطفية مع المتلقى فى كل بلدان الوطن العربى …حتى فى تلك البلدان التى ينتقدها النص ويسخر من عيوبها …فهى تعد بالنسبة لهم نقداً ذاتيا يراجعون فيه أنفسهم ، ويشير لمواطنيه إلى الكابوس الذى يعيشون فى ظله ولا بد لهم أن يفيقوا ويتخلصوا من هلاوسه …كما يتضمن صوراً من السلبيات المبتلى بها أبناء هذا الوطن العربى مثل لوحة الفنانة المصرية المبتذلة التى تتدنى لإغواء موظفى مطار البلد العربى كى تحقق مكاسب زهيدة وتسئ فى نفس الوقت إلى الفن والفنانين فى بلدها ، أو تهافت بعض ضعاف النفوس على دراهم معدودات .

إن هذا النص يستفيد من سمات مسرح الكباريه أو ما يطلقون عليه ( مسرح الكباريه السياسى) وهو مسرح تسلية ومتعة ظهر فى بدايات القرن العشرين ، ويحتاج إلى أقل عدد ممكن من أدوات الاكسسوار ، وكان يعتمد على ممثلين فرادى يغنون ويرقصون ، وممثلوه كوميديون بطبيعتهم . يستطيعون إقامة علاقة حميمة مع متفرجيهم ، وقد ظهر من خلال هذا المسرح العديد من نجوم الكوميديا فى كثير من بلدان العالم ..إلا أن النص فى النهاية عمل كوميدى متماسك ذو خطاب سياسى واضح ومحدد به نبرة مريرة وحادة ..لكنها عاشقة لإنسان هذا الوطن العربى المنكوب …

ويبقى تساؤل:- هل لدى هذا المسرح الثورى الغاضب القدرة على التأثير فى ظل الرقابة السياسية على المسرح فى الدول ذات النظام الشمولى والتى تمنع حتماً وصول أى خطاب غير مصرح به ؟

أتصور أنه يستطيع الانفلات والوصول إلى المتلقى فى مناخ هامش الديمقراطية المتاح الآن ، ويكون له تأثيره السياسى الواضح فى منطقة الوعى وفى سياق المعارك القومية والاتجاهات والتيارات المحتدمة والمتغيرة التى تتناوبها …    

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.