الواقع الفكري والحضاري في العالم الاسلامي
لم يعد الاسلام في العصر الحديث هو الموجه الاساسي ولمتعد قاعدته الحضارية
هي القاعدة التي ينطلق منها المسلمون لمواجهة الحياة الحضاريةالجديدة التي نتجت
عن احتكاكهم بالعالم الغربي وحضارته الحديثة
ان المذهبية الاسلامية كانت توجه الحياة والحضارة فيا
لعالم الاسلامي وكانت حركة الفكر الاسلامي
في تنوعها منظمة ونشيطة وملتصقةبمتطلبات التطور والتغير ومواجهة اقدار الحياة وكانت قوية في مواجهتها قانون التحدي
والاستجابة علي الرغم من عوامل النخر الداخلي التي بدأت تتسلل الي خلاياها منذ القرن الاولي الهجري
غير انها بدأت تبتعد عن الطبيعة والمجتمع واحداثة العظام ابتعادا كبيرا ممااحدث فجوة فكرية كبيرة لاسيما في القرن الذي سبق سقوط بغداد والقرون التي تلته لقد تفرغ الجيل الاول الصافي العقيدة المنسجم الفكر الي نشر الاسلام ومواكبة تغير الحياةوتربية الانسان وتخطيط المدن وشق الانهار وزرع الاشجار وبناء المعامل وتوسيعالعمران فكان فكره واقعيا يتفاعل مع الارض ويتسابق مع الزمن غير ان الرياح الهوج قد عصفت بهدوء البحرالاسلامي الهادئ فجرت بما لا تشتهيه السفينة الاسلامية عندما واجهت المجتمع الاسلامي بعد فتوحات الاسلام الكبري حضارات وثنية واديانمحرفة وفلسفات جاحدة لها اسلحتها ودفاعاتها في الفكر ومنطقها في النقاش فشنت هجوما فكريامركزا شاملا علي اصول العقائد الاسلامية ووضعت امام المسلمين اسئلة ضخمة في عالمالعقيدة والشريعة تبغي زعزعة العقائد والتشكيك في احكام الشريعة والوقوف امام نورالاسلام وجهاد المسلمين للإنشاء الحياة الكريمة في الارض كان خوفامراء المسلمين وعلمائهم ومفكريهم من عظيما كادوا ان يفقدوا توازنهم بل فقدوا بعدحين غيرة علي الاسلام وتفكيرا في مصيرعقائد المسلمين
ترك الاسلام المساحة العظمي في عالم الشهادة والواقعلحركة العقل الانساني تواجهه متغيراته منمنطلق الكليات والأصول العامة في الشريعةالاسلامية النقلية منها والعقلية لقد تكونت من تلك المواجهة المتلاحقة المضبوطةحركة الفقه الاسلامي بمذاهبه ونظرياته وقواعده العامة فشكلت ثروة فقهية هائلةاخصبها الواقع المتنوع المتغير المستمر فغدا الفقه الاسلامي باصولة ومبادئه العامةوتطبيقاته يشكل ضوابط حركة المجتمع كما كان يعبر عن واقعية احسن تعبير في مجالاتالحياة كلها
الاسلام من واقع الوحي الالهي الثابت بالقران والسنة لميميز الحكام المسلمين ولم يعطهم حقوقا فوق حقوقهم البشرية ولم يعترف لهم بنظريتهالتفويض الالهي والحق المطلق في الحكم ولم يجعلهم كذلك مصونين غير مسؤلين بل نظراليهم من حيث هم افراد من المسلمين لهموعليهم ماعليهم مسئولون مكلفون يلون الحكم ببيعة صحيحة من المسلمين لا اكراه فيهاولا تزييف ينوبون عن الامة في تنفيذ احكام الشريعة الاسلامية والمحافظة علي عزةالاسلام والمسلمين ويحفظون لهم حقوقهم في انفسهم ومالهم وكرامتهم
ولم تنجُ العقيدة الدينية من آثار هذا الضعفوالانحطاط فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم – سجفًامن الخرافات، وخلَت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراءوالمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات،يوهمون الناس بالباطل والهبات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء ويزينون للناسالتماس الشفاعة من دفناء القبور وغابت عن الناس فضائل القران فصار يُشرَب الخمر والأفيونفي كل مكان، وانتشرت الرذائل على غير خشية واستحياء ونال مكةَ و المدينة ما نال غيرهمامن مدن الإسلام فصار الحج ضربًا من المآسي. وعلى الجملة فقد هبط المسلمون مهبطًا بعيد ألقرار فلو عاد صاحب الرسالة – صلىالله عليه وسلم – إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يُدهَى الإسلام لغضب وأطلق اللعنةعلى من استحقها من المسلمين، كما يُلعَن المرتدون وعبده الأوثان وليس من المنطق المقبولالقول بأن ذلك نزل بالمسلمين فجأة فالمتأمل في تاريخ الإسلام والمسلمين يكشف عن وجودعوامل كثيرة كان لها أثرها الخطير في حباتهم إذ جعلتها تأخذ في التدهور والانحطاط وبتضافرتلك العوامل التي بدأ بعضها مبكرًا في حياة المسلمين، مع ما جدَّ من عوامل أخرى علىمسار ألتاريخ أخذ التدهور يزداد شيئًا فشيئًا حتى بلغ قمته في القرن الثامن عشر، مماهيأ للغرب أن يعدَّ جيوشه، ويزحف بها على العالم الإسلامي، حتى سقطت دولة واحدة بعدالأخرى تحت سلطة المستعمِر. وإذا كانت سيطرة الغرب على الدول الإسلامية تعدصدمة كبيرة نزلت بالمسلمين، فإن هذه الصدمة قد أيقظنهم إذ إن كثيرًا منهم أخذوا يقارنونبين حالة الشعوب الإسلامية، وما وصلت إليه من الضعف والتأخر والاستعباد والخضوع للغربوما وصلت إليه أوربا من القوة والتقدم في الصناعة، وفي العلم وفي شؤون العمران وشؤونالسياسة والاقتصاد. إن الملاحظ والمتتبعلمسيرة الأمة الحضارية أن الغرب قد جنى ثمار معركته الفكرية مع الأمة أول ما جنى هدمه لكيان الأمة التنفيذي ألا وهو ألخلافة وقدميّع في نفوس المسلمين عبر تشويه متعمد صورة الخليفة والخلافة حتى إذا هدمها عام1924م لم تثر ثائرة الأمة ولم ينكروا على من فعل هذه الفعلة الشنعاء ومر الأمر بهدوءوكأن شيئا لم يكن!!!
وفرخت هذه الحرب ثلة من المفكرين، جعلوا الغرب فبلتهم ينهلون منه التصورات العقديةوالفلسفية الشاذة والقيم الخُلُقية والقوانين والعادات والتقاليد وسوقوها للأمة بكل ما أوتوا من قوة ، فظهرت آثاردعاويهم في لباس المرأة المسلمة، وفكر جمهرةالعوام الذين رأوا في الغرب مثلا أعلى في السياسة والحكم والتنظيم وسن التشريعات والتقدمالاقتصادي والعلمي، وحكموا على الأمة أنها لن تتقدم ما دامت بعيدة عن نهج الغرب وفكره.وبدت ثمار الغرب الفكرية تظهر في تصرفات الناس وحكمهم على الأشياء من خلال النظر إلىالأمور بمنظار النفعية والمادية البحتة‘ فرضوابالحلول الوسط ، وأصبح المسلمون يحتكمون إلى الطاغوت ولا يجدون غضاضة في ذلك ماداموامصلين صائمين، وكأنه ليس مطلوبا منهم في الإسلام غير ذلك وهكذا حتى عاشوا حياة الضياعورأوا في الغرب الذي دمر عقولهم، وخرب حياتهمصديقا ومعلما ومخلصا وفيا. فكيف يمكن مواجهة الغزو الفكري و التخلص من آثاره؟؟إننافي ظل هذا الوضع الذي نحياه من فقدان الكيان السياسي الذي يحرس الأمة بفكرها وأبناءها
لا بد أن يقوم كل إنسان بما هو مطلوب منه فيالمحافظة على أسرته وأبنائه ، ويكون قيّما على أفكار الأمة ، يحارب كل دخيل ويفضح كل مؤامرة ، ويحذر الأمة من عواقبها الوخيمة.مع العلم التام أنه لا يتخلص من الغزو الفكري وآثاره إلا بقيام الدولة ألإسلامية الذييحقق وجودها الاستقلال عن فكر الغرب ، وتطبيق الأحكام الشرعية التي تضمن في نهاية المطافحياة رغيدة للمسلم وتحقق له العدل الاجتماعيالذي كان افتقاده في ظل الأنظمة الحالية مدخلا مهما للغزو الفكري. وعندما تعيش الأمةالحياة ألإسلامية فإنه بلا شك تكون الأمة والنظامحرّاسا للفكر الصحيح فتتأصل أحكام الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر ويمارس كل مسلم دوره في بذل النصيحة لإخوانه وللنظام ويحاربون معا كل دخيلة ؛لأنه يدرك تمام الإدراك
أنه على ثغرة من ثغر الإسلام فلن يؤتى الإسلاممن قبلة ومما لا شك فيه أن جعل قاعدة التعليم في الدولة العقيدة الإسلامية ، يكون صمام أمان يمنع دخول الأفكارالغريبة أو تسربها إلى العقول والوجدان. وفي ظل الدولة الإسلامية التي تحمل الإسلامللعالم بالدعوة والجهاد لا بد أن يكون في هذه الدولة مراكز أبحاث لدراسة الغرب وتحليلظواهره الفكرية والعقلية والعلمية على أسس إسلامية لمعرفة اتقاء شره ، وتكون مُعينالمعرفة السبل الكفيلة لتحميلهم الفكر الصحيح عبر المواجهة الحضارية وذلك بتوصيلهم الإسلامبالطرق الشرعية ألمؤثرة فيتلمسوا عدل الإسلامليتخلوا تلقائيا عن أفكارهم ، ويدخلوا فيما دخلنا فيه.
—
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسيةوالقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهدالعربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
محمول
01002884967
الدكتور عادل عامر