www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية21/أسامة عكنان

0

لا يُمكن لأي شعبٍ في العالم أن يُنْتِجَ معارضةً حقيقية إذا سادت أبناءَه “روح الحياد السياسي” في التعامل والتعاطي مع قضاياه. فالمعارضة هي فعل مُقاوِمٌ يستخدم مُختلف أشكال المقاوَمَة المتاحة والمشروعة للوصول إلى تحقيق الأهداف الجماهيرية. وهذا لا يتم إذا لم يكن الشعب قد حدد قضيته وتبناها ولم يقف إزاء مُكَوِناتها محايدا ومتفرِّجا. فكل محايد ليس في الواقع صاحب قضية.

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية

“دراسة في حلقات”

“جزء من بحث قُدِّمَ لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية”

 

أسامة عكنان

عمان – الأردن

 

الأردن وطن وليس مزرعة خراف

والأردنيون شعب وليسوا قطيع ماشية

والأردني مواطن يملك وطنا، وليس عابر سبيل يستجدي كسرة خبز

وحكام الأردن خدم وموظفون عند شعبهم، وليسوا سادة عليه أو مستعبدين له

فمن فهم فليعمل بما فهم، ومن لم يفهم فليذهب إلى الجحيم

قراءةٌ في دور الأردن التاريخي كوطن مُهِمٍّ يلد رجالاً أهم، ورفضُ دورِه الوظيفي كمزرعة تسمِّن الخراف لخلق فضاءٍ آمنٍ لأعداء الأمة

 

الحلقة الحادية والعشرون

تحوُّل الأردن في الفترة 70 – 1989 إلى دولة أمنية تقودها دائرة المخابرات العامة

 

– تفشي روح الحياد السياسي بين المواطنين الأردنيين..

لا يُمكن لأي شعبٍ في العالم أن يُنْتِجَ معارضةً حقيقية إذا سادت أبناءَه “روح الحياد السياسي” في التعامل والتعاطي مع قضاياه. فالمعارضة هي فعل مُقاوِمٌ يستخدم مُختلف أشكال المقاوَمَة المتاحة والمشروعة للوصول إلى تحقيق الأهداف الجماهيرية. وهذا لا يتم إذا لم يكن الشعب قد حدد قضيته وتبناها ولم يقف إزاء مُكَوِناتها محايدا ومتفرِّجا. فكل محايد ليس في الواقع صاحب قضية. إننا عندما نُحايد في الانتخابات ولا نذهب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتنا – وذلك عندما يكون التصويت موضوعيا، وعندما لا يكون الامتناع موقفا سياسيا مبادراً لأسبابٍ تتطلبها الحركة الجماهيرية المقاوِمةُ ذاتُها – إنما نُعبر عن منتهى السلبية والحياد اللذين لا يمكنهما أن يعنيا سوى أننا لا نبالي بقضيتنا التي تُحَل عبر صناديق الاقتراع، وأننا نقبل بالنتيجة أيا كانت دون إسهامنا في صناعتها.

إن هذا النوع من الحياد لا يخلق معارضة، ولا يقيم تصوراً أو فعلاً حركيا سياسيا مرتكزا إلى فلسفة مقاومة المعتدين على حقوقنا. لذلك فإن أي شعب اندثرت فيه معالم تخليق الأفكار المعارِضَة والمقاوِمة، واندثرت فيه بالتالي معالم البُنى التنظيمية السياسية المعارضة والمقاوِمة، هو في واقع الحال شعب قرر أن يكون محايدا سياسيا. ومن الضروري التأكيد على أن الشعب لا يكون محايدا إزاء قضاياه إلا إذا تعرض لشرخٍ في تركيبة أفراده الذهنية والنفسية أوصلته إلى هذا المستوى السلبي من التعامل مع قضاياه المفترضة.

ولكن كيف تَوَلَّدَ الحياد السياسي في الأردن؟!

وكيف تفشت السلبية السياسية في المُجتمع الأردني؟!

لقد حرصت الثقافة التي رعتها دائرة المخابرات العامة والتي أدارت البلاد على أساسها من خلف كواليس الحكومات على مدى السنوات الأربعين الماضية، على تقسيم الشعب الأردني المُسْتَهْدَف بالتَّشويه والتَّشلِية إلى شرائحَ وفئاتٍ، تكون لكل فئة أو شريحة منها قضاياها الخاصة، التي يجب أن تظهرَ متعارضة أو متناقضة مع قضايا الفئة أو الفئات الأخرى، والتي يجب أن يظهر مطلب التساوي فيها باعتباره مطلبا فِتْنَوياًّ يؤكد إشاعات النظام بشأن تنازع السيادة على الهوية بالشكل البغيض الذي كرسَّته “ثقافة العصبية” في هذا البلد، على أن تنجح هذه القضايا الخاصة المُفتعلة في التغطية الكاملة من حيث تبنيها والدفاع عنها ووصفها بالأولوية من قبل الشريحة المستفيدة، وبسبب مساسها بأمورٍ هامة في حياة المواطن المنتفع، على القضايا الجوهرية التي هي في الأساس قضايا كل شرائح الشعب مجتمعةً.

أي أن النظامَ يخلقُ أداءً سياسيا فيه تجاوبٌ إيجابي مع بعض مطالب وآمال شريحةٍ من شرائح المجتمع على حساب الشرائح الأخرى، تنشغل به كل الشرائح انشغالا تصادميا على الصعيد النفسي والذهني، عن القضية الجوهرية المُمَثِّلَة للتناقض الحقيقي بينها وبين النظام، وتنفصل الشريحة المنتفعة بموجبه وطنيا عن الشرائح الأخرى، التي سترى فيها شريحة تسرق بدعمٍ من النظام جزءا من حقوقها هي. فيما سترى الشريحة المنتفعة في تلك الشرائح التي حُرِمت مما انتفعت هي به، شرائح مُتَرَبِّصة، تنتظر الفرصة السانحة للقفز على امتيازاتها وحقوقها التي راحت تعتبرها مشروعة بشرعية النظام الذي منحها إياها وهو يربط هذه المنحة بشرعية تمثيله لهويتها ودفاعه عنها.

وبهذه الطريقة تكون “ثقافة العصبية” قد وُظِّفَت توظيفا فعالا لتقسيم المجتمع مرتين، الأولى بنجاحها في ربط فئة منه هي الفئة المنتفعة بالنظام الذي سترى فيه المدافع عن حقوقها والممثل لهويتها، والأخرى بنجاحها في جعل الفئة المحرومة تتعامل مع الفئة المنتفعة، باعتبارها فئة نقيضة لها، ستُصَنَّف منازعتُها للمنافع التي حظيت بها باعتبارها منازعة لها على الهوية، بعد أن يكون قد سكن في اللاوعي الجمعي للفئة المنتفعة، أن تلك المنافع هي استحقاق مشروع فرضته “الهوية”، ومنحه حامي تلك “الهوية”.

ولأن الشريحة المنتفعة ستبدأ بالبحث عن تأصيلٍ فكري وسياسي وربما ديني لقناعتها التي حقنها بها النظام إزاء تلك الشرائح المحرومة، فإنها ستنحرف هي أيضا وفورا إلى التعامل معها بوصفها شرائح تنازعها السيادة على الهوية وعلى الوطن، وبوصفها شرائح تخالف المشروعية الوطنية حينا والدينية حينا آخر، إذا بدر منها أيُّ تذمر إزاء المنافع التي استحوذت عليها، وإذا صدر منها أيُّ تشكيك في شرعية تلك المنافع، بعد أن تم تجاوز المشروعية الوطنية بمعناها الواسع، عبر هيمنة النزعة الفئوية والمناطقية والعشائرية، وبعد أن تم قبل ذلك تجاوز المشروعية القومية بهيمنة النزعة القُطْرية على الأداء السياسي للنظام.

وهكذا يحدث التخندق والاستقطاب، إماَّ دفاعا من قبل شريحة منتفعة عن منظومة الحقوق المُتَخَلِّقَة والمُنْطَواة في سياسة النظام التمييزية، بعد أن نجح النظام في أن يجعل من تلك المنظومة قضيةً أهم من القضية الجوهرية لكل الشعب، وهي القضية التي تم تحييدها بالكامل. وإما تَوَجُّسا وضغينة من قبل شريحة أخرى ضد الشريحة المنتفعة، دون قدرةٍ على مواجهة النظام ومطالبته بمساواتها بها، حتى لا تُتَّهم بأنها تثير الفتن والقلاقل، بعد أن تم تمهيد كل السبل لإتاحة هذا الفهم الغريب. وكل هذه المواقف وهذه التخندقات إنما تحدث على المستوى الذهني والنفسي، لأن الجميع قد اتفق ضمنا ولأسبابٍ وملابساتٍ تاريخية، على أن لا يتم التعبير عن هذا التخندق النفسي والذهني بالوسائل المادية.

ولعل من أكثر العناصر التي تُسْهِم في تفعيل حالة الاستقطاب الجماهيري النفسية والذهنية هذه، هو استفحال حساسية الظاهرة محل التصادم والتنافر الذهني والنفسي في سياق دلالتها التعبيرية عن السيادة على الهوية الأردنية، متحوِّلَةً إلى حالةٍ من الانشقاق الجماهيري في القضايا السياسية، والمُغَذاَّة بانشقاقٍ ثقافي مُهادن وغير حاسمٍ ولا ناضجٍ بالقدر اللازم لتشخيص الحالة وتقديم العلاج الناجع لها.

إن التوصيف الحقيقي لهذه الحالة المانعة لتخليق المعارضة، هو أن الشعب الذي يعاني مُجْتَمِعاً من حالة استلاب مشتركة يقهره بها النظام، يَجد نفسه بفعلِ ممارساتٍ مدروسة من قِبَلِ النظام نفسِه، منقسما على نفسه في موقفه من قضايا أخرى اكتسبت لديه قدراً من الأهمية – جَراَّء التعبئة الرسمية الدائمة، عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية وأنشطة الأجهزة الاستخبارية المُوَجَّهَة – يتفوَّق في ضرورة التعاطي معه عن تلك القضايا التي تعكس حالة الاستلاب المشتركة التي يعاني منها الجميع.

فتغدو قضية توظيف الابن وإيجاد عمل مناسب له أهم من حلِّ مشكلة البطالة، إذا كان حلها سيؤجل هذا التوظيف أو يقلص من مزاياه. ويغدو الحصول على مكرمة ملكية هنا وصدقة من مؤسسة هناك، إنجازا كبيرا يتجاوز في أولويته النضال من أجل محاربة الفقر في البلاد، حتى لو كانت هذه المحاربة ستحقق نتائج ملموسة، ولكن على حساب الانتفاع المرئي والقريب من تلك المكرمات والصدقات. ويغدو تأمين مقعد دراسي جامعي في تخصص مناسب وبالمجان، أو بأقل التكاليف على الأقل، في دولة يحصل أبناؤها على تعليمهم الجامعي بأغلى الأسعار عالميا، هدفا وأملا تهون أمام تحققه كل المشكلات، وعلى رأسها وضع الخطط الكفيلة بالتنسيق بين المخرجات التعليمية والمدخلات التنموية، إذا كان ذلك سوف يسهم في تقليص فرص تأمين ذلك المقعد، أو سوف يتدخل في تحديد تخصصه الدراسي. ويغدو حل مشكلة شخص واحد أيا كان نوع هذه المشكلة، وإن يكن باتباع أساليب فاسدة وملتوية، أمرا مؤصلا أخلاقيا، لا يبالي صاحب المشكلة بأن يكون حلها قد تحقق على حساب آخرين أضيعت حقوقهم بالفساد الإدراي. وعندئذ كيف يمكن أن تنشأ عقيدة حقيقية للتأصيل لفكرة المواطنة القائمة على مبدأ المساواة التامة في الحقوق والواجبات؟! بل كيف ستقوم في المجتمع عقيدة متماسكة لمحاربة الفساد في سياقه الكلي؟!

إن هذه القضايا التي حدث فيها الانقسام على المستوى الذهني والنفسي، والتي اكتسبت الأولوية في تعامل المواطنين مع حيثياتها، والتي يقف كل طرف فيها مواجهاً للطرف الآخر وخائفا منه ومتربِّصاً به، تجعله يتنازل عن أن يعارضَ النظام في القضايا التي يشترك فيها مع الطرف الآخر بوصفهما معانِيَيْن معا من هجمة النظام، والتي هي في الواقع أشد أهمية في سياق صُنْعِ مستقبل الطرفين المشرق، وأشد خطرا على النظام من حالة الاستقرار القائمة على الردع النفسي والذهني المتبادل. كما أن هذه القضايا بموجب الشكل الذي تَعْرِضُ فيه نفسها على المواطنين، تَجعل أياًّ من الطرفين لا يجرؤ على الدفع باتجاه عرض نفسه بالشكل الذي تفرضه مواضيع الخلاف، خشية أن يستفز الطرف الآخر فيندفع إلى الفعل المقابل نفسِه، فتحدث الكارثة وتنجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه كما تمَّ التأصيل لذلك في اللاوعي الجمعي للأردنيين.

وكأن العزوفَ عن تخليق المعارضة الحقيقية في قضايا المعاناة المشتركة، هو شكل غير واعٍ من القبول بالأمر الواقع الأقل سوءا من صراعٍ دامٍ، تم تصويره بوصفه نتيجةً مُحتمةً لأي تحرك في هذا الاتجاه الحقوقي الطابع. ليكون المستفيد من هذه الحالة الحرجة من التوازن الهش، هو النظام نفسه الذي سُيْنَظر إليه عندئذٍ بوصفه صمام الأمان الوحيد. فتُمَرَّر على جسرِ هذه الحالة، كل المخططات التي يُرادُ تَمريرها ضمن سياسة دعمِ وتفعيلِ وحمايةِ العلاقات الإمبريالية في المنطقة، ورعاية الفساد والمفسدين، ورهن البلاد ومقدراتها.

فعندما تتمكن القوى الخانقة لتطلعات الجماهير في بلد ماَّ، وعلى رأسها في بلدٍ مثل الأردن، جهاز المخابرات العامة، بوصفه القوة الناظمة لأدوات تَمرير علاقات مراكز رأس المال العالمي في كل مسامات المجتمع، وفي كل مرافق الدولة، من فصل قضايا المواطنين بعضها عن البعض الآخر، بشكل مدروس، يُدْخِل المواطن في دوامةٍ من الحيرة بين حقٍ ضائع يبحث عنه وميزةٍ خاصةٍ يَحظى بها، فإن ملامح السلبية تبدأ بِنَخْرِ بُنيته الأدائية، كما أن مظاهر الحياد تبدأ تحاصر نفسه وذهنه، ليفكر بطريقة.. “أنا وبعدي الطوفان”، و”مادامت سالما والنار لم تصل إليَّ فمالي وللآخرين!” على رأي “سرحان” في قصيدة توفيق زياد الغنائية الشهيرة “سرحان والماسورة”.

نستطيع أن نشير إلى قضية الحوافز والعطايا التعليمية في مجال التعليم العالي، وفق منظومة “المكرمات الملكية”، وإلى التوظيف في القطاع الحكومي وعلى رأس كل ذلك في المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية، بوصفهما قضيتين من أهم القضايا التي تستدرج ولاءَ فئةٍ على حساب فئة أخرى من المجتمع، خالقا حالة التصادم الذهني والنفسي الصامتة المشار إليها بين شرائح الشعب الكبرى، التي يَخلق هذا النوع من التصادم بينها حالةً دائمة من الردع الداَّعم لفكرة ولفلسفة ولإستراتيجية النظام، القائمة كلها على المنهج الأمني المدمر الذي تضطلع بتنفيذه دائرة المخابرات العامة، والهادف إلى الحيلولة دون تخليق معارضة تهدد منظومة المصالح التي تخدم التحالف الطبقي الحاكم من موقعه كخادم لمراكز رأس المال العالمي، عبر وظيفيته التي تكون بسبب هذه السياسة في مأمن من غوائل الدهر.

* سياسة التمييز في التعليم العالي من متطلبات ثقافة العصبية..

فيما يتعلق بالتعليم العالي تنتشر في الأردن على نطاقٍ واسع ظاهرة المزايا والحوافز التي تُمْنَح لفئاتٍ مسحوقةٍ من الشعب بشكل مدروس كماًّ وكيفاً، يُسْهِم في خلق هُوَّةٍ في اللاوعي الجماعي، بين فئات المجتمع المختلفة، ويُسهِم من ثم، ومع مرور الزمن في تعميق تلك الهوة. فتَدْفَعُ هذه السياسة المُحَفَّزين وغير المُحَفَّزين على حدٍّ سواء إلى الوقوع في المطب الذي وضعته المخابرات – المستشار الأمين لصناع ثقافة العصبية في الأردن –  في طريق محاولات تَخليقِ معارضةٍ جادة تتعامل مع قضايا المواطنين في ضوء كونها حُزْمَة واحدة متكاملة، ومعهم أنفُسُهم بوصفهم وِحْدَةً واحدة، بعد أن تكون سياسة النظام تلك قد أسهمت بفعالية في وضع تلك الوحدة موضع التشكيك.

فقد أخضعت سياسة التعليم العالي في البلاد منذ مطلع حقبة ما بعد أيلول، للظروف السياسية التي سادت هذه المرحلة. “فخصصت أعداد كبيرة نسبيا من المقاعد الجامعية للتوزيع على أساس مناطقي وجهوي وتقليدي، بحيث يستفيد منها أبناء الفئات المقربة من السلطات الرسمية ضمن الخطوات الرامية لمواجهة نفوذ القوى العقائدية المحظورة في الجامعات، وتجفيف المنابع التي يتم فيها تجنيد أعضاء جدد، وكان هذا الأمر مما يستفز الهوية على أساس “ثقافة العصبية” سواء لمن يتاح لهم التنافس على تلك النسبة من المقاعد أو لمن يحال بينهم وبينها لعدم انطباق الشروط عليهم”(1).

لا يوجد بلد في العالم تكثر فيه مظاهر الكرم الملكي على أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وبعض الفئات الخاصة الأخرى، مثلما هو الحال في الأردن، تحت عنوان “المكْرُمات الملكية”. ولا يوجد نظام سياسي في العالم يعرف كيف يَخلق كل أسباب الضغينة بين المواطنين من هذا الباب، مثلما يفعل هذا النظام. فإذا كان كل مواطن أردني ينذر حياته بالدرجة الأولى من أجل أبنائه ومستقبلهم الذي غدا في زمان كهذا يُقاس بالتعليم وبتحصيل الشهادات العلمية، ويدخر من قوته القاصر أساسا عن تلبية احتياجاته الطبيعية، لأجل أن يضمن تعليما مناسبا لأبنائه عندما يدخلون الجامعات، مادام التعليم الجامعي في الأردن – حتى الحكومي منه – هو خدمة يجب أن يُدْفَع ثَمنها من قوت المواطن الذي يريد تعليم أبنائه، وبأسعار عالية جدا، خلافا لكل دول العالم التي غدا التعليم الجامعي فيها بالمجان لكل المواطنين، حتى تلك الدول العريقة في رأسماليتها.. نقول.. إذا كان الأمر على هذا النحو، فإن  خطة المخابرات المدروسة والتي غدت أسلوبَ حياةٍ، ما كان لها إلاَّ أن تفعل فعلها المدَمِّر لنفس المواطن في الطرفين، المُتَمَيِّز والمحروم على حدٍّ سواء.

فنفس المحروم تنحشر في زوايا الضغينة ضد مواطنين آخرين يشاركونه المعاناة في مُجمل حقوقهم، عندما يراهم يَمتازون عنه في تأمين مستقبلِ أبنائهم بغير وجه حق. بل عندما يكتشف فجأة أنه يدفع من قوت أولاده ومن ثمن تعليمهم المكلف جدا والمرهق لإمكانياته المتواضعة، ثمن تعليم أبناءِ من سرق النظام حق أبنائه لأجل تعليمهم. رغم أن النظام يَنسب هذه المَجاَّنِيَّة وهذا التَّبَرُّع إلى الملك شخصيا – وكأن تلك الأموال مدفوعة من جيبه الخاص، أو مَخصومة من مُخصصاته الملكية المقررة قانونا، عندما توصف بأنها “مكْرُمَة ملكية” – وليس إلى المنفقين الحقيقيين والممولين الفعليين لتعليم أبناء تلك الفئة، في محاولة غير بريئة للإيحاء بأن تلك الأموال التي ستُنْفَق عليهم ليست من خزينة الدولة، ولا هي من الأقساط التي يدفعها أهالي أبناء الشريحة الأخرى المحرومة؟! وذلك في أغرب وأعجب ظاهرة تَكَرُّمٍ وتَبَرُّعٍ من نوعها في الوجود، عندما يسرق المتبرع – الذي هو النظام – مال الغير ويقدمه لجهة معينة، ناسبا ذلك إلى كرم خاصٍ من شخص معين يريد أن ينسب إليه هذا الكرم لأسباب محددة.

وهكذا تغدو المعادلة عند المواطن المحروم مُصاغَة على نحوٍ مختلف. فلن يغدو مَكْمَن المشكلة الوطنية في أن هناك شعبا يعاني من تَجَبُّرِ النظام وتحكمه في مصيره ومقدراته. بل هي تكمن في أن الشعب مقسوم إلى قسمين، قسم مستفيد وقسم غير مستفيد. أي أن هذا الوطن ليس وطنا للجميع، وأن هذا النظام لا يساوي بين الجميع. فتغدو أي مبادرة للمطالبة بالمساواة في الحقوق في نظر هذه الفئة المحرومة وكأنها فتح جبهة مع الشطر الثاني من الشعب، وهو الشطر المستفيد نسبيا والذي سينظر إلى أي محاولة من هذا القبيل على أنها اعتداء على حقوقه المشروعة.

ولأن صياغةَ المشكلة على هذا النحو تبدو أمراً مرعبا، يُذَكِّرُ بأهوال حربٍ قيل للجميع أنها أهليةٌ تسبب فيها من حاولوا الاعتداء على حق ذلك الشطر من الشعب في وطنه وفي هويته. عندئذ يتم التنازل عن هذه الحقوق من قِبَلِ أولئك المحرومين، وتبدأ ظاهرة اللاجدوى تنخر في نفوسهم، ليتشكل الحياد ولتتكون السلبية السياسية كمظهر من مظاهر أدائهم عندما يتعاملون مع حقوقهم المهدورة.

أما في الجانب الآخر، حيث شطر المواطنين المستفيدين – نسبيا – من هذه المزايا، فإن الشرخ يحدث بسبب الخديعةٍ الكبرى التي يقعون فيها، للتنازل عن ثورتهم الداخلية ضد نظام سرق كل حقوقهم الإنسانية وألقى لهم بالفتات، وللإبقاء على توجسهم الدائم من الآخرين الذين حُرِموا من تلك الامتيازات، وعلى شكهم في نواياهم، والتعامل مع تطلعاتهم ومعارضتهم إن حصلت من ثم، بوصفها نوعا من الحقد على تلك الامتيازات التي مُنِحت لهم بوصفهم أبناءَ الوطن الحقيقيين، رغم أنها مجرد فتات يتلهون به عن إدراك كبريات قضاياهم أو المطالبة بحلِّ العالق منها.

قد تبدو ظاهرة التمييز بين المواطنين في التعليم الجامعي، في بلد ما يزال يعلِّم أبناءَه بثمنٍ مكلف جدا، وكأنها ليست على هذا القدر من الأهمية في تكوين ذلك الشرخ الذي أسهبنا في الحديث عنه، للمراقب السطحي الذي لا يدرك الأبعاد الحقيقية والآثار الفعلية لهذه المسألة في واقع المجتمع الأردني. بينما الحقيقة على خلاف ذلك. وهي ربما تفوق في آثارها الحقيقية ما أشرنا إليه، عندما ننظر إليها في سياق تأثيرها الصيروري التاريخي طويل الأجل من جهة أولى، وفي سياق قدرتها غير المنظورة على صياغة اللاوعي الفردي والجمعي للمواطنين في خندق المنتفعين وفي خندق المحرومين على حد سواء من جهة ثانية.

وفي المجمل فإن لقضية التعليم الجامعي في الأردن آثاراً بالغة السوء في تكوين ظاهرة الحياد السياسي الذي يعاني منه المواطنون، رغم أن المواطن الأردني بِحكم الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ، هو الأكثر تسيُّسا وفهما للكثير مما يدور حوله في المحيط الإقليمي – في الغالب – من بين كل المواطنين العرب. ويمكننا أن نوجز تلك الآثار فيما يلي..

– إن الإصرار على الإبقاء على التعليم العالي مدفوعَ الثمن، بهذا الشكل المكلف، يجعل المواطن محدود الدخل – ومعظم المواطنين الأردنيين محدودو الدخل – يخطط منذ بواكير تكوينه لأسرته الصغيرة لتأمين مستقبل أبنائه التعليمي. وهو ما سوف يلهيه إلى حدٍّ كبير عن الانشغال بالقضايا الأخرى الهامة في حياته، فأبناؤه هم أهم قضاياه، ومستقبلهم هو أهم ما يَجب أن يشغله ويُحدد مسار حياته وخططه فيها. والمسألة لا تَحتمل التسويف أو التأجيل، فواقعه المادي لا يتيح له إن هو تقاعص أو غفل لحظة، أن يُؤَمِّن المدخرات الكافية لتغطية متطلبات هذه اللحظة القادمة، والتي ستهل سريعا في حياته.

ولنا أن نتصور تأثير هذا العنصر على أدائه العام وعلى وُجْهَة تفكيره. ولنا أن نتصور الفرق الكبير بين أدائه هذا وبين أدائه المفترض فيما لو أنه لم يكن منشغلا على المستقبل التعليمي لأبنائه على هذا النحو المُرْبِك، إذا كان التعليم الجامعي مَجانيا مثلا، ولا يقوم إلاَّ على أساسِ المنافسة الشريفة المرتكزة إلى عناصر التَّفَوُّق والكفاءة بين الطلاب. من المؤكد أن الثقل عن كاهل المواطن كان سيخف، ليتوجه أداؤه إلى دائرة أخرى من دوائر حقوقه المهضومة. من هنا تتبدى شراسة الهجمة الاستهدافية لنفس المواطن من خلال واقعة التعليم العالي المكلف.

– إن المواطنين الأردنيين الذين يقعون بموجب التصنيفات المخابراتية السائدة خارج دائرة استحقاق “المكرمات الملكية”، رغم كثرة هذه المكرمات التي اتسعت لتطال أبناء منتسبي القوات المسلحة، وأبناء منتسبي كافة الأجهزة الأمنية، وأبناء رجال المخابرات العامة، وأبناء مستخدمي الدفاع المدني، وأبناء بعض فئات موظفي الحكومة ضمن شروط معينة.. نقول.. إن تلك الفئة من المواطنين هي في واقع الأمر التي تقوم بتغطية كافة النفقات التعليمية الجامعية، سواء كانت لأبنائهم أو لأبناء الفئات والشرائح المستفيدة من المُكْرُمات الملكية، ليس على أساس التنافس الحقيقي القائم على قواعد استحقاق تربوية وأكاديمية معيارية متعارف عليها، ولكن على أساس فئوي مناطقي عشائري، يُحرَم فيه ابن من يدفع ثمن تعليم الآخرين، من حقه في التعليم الذي يستحقه إذا كان المعيار هو الكفاءة. ليغدو الوضع، أنه يتنازل عن تعليم ابنه الذي يستحق، لأجل تعليم من لا يستحق، بالتبرع بماله الخاص لتمرير هذه المعادلة النشاز. وهذا من شأنه أن يَخلق تلك الهوة النفسية التي تَحدثنا عنها مطولا فيما مضى بين شريحتين كبيرتين هي في المحصلة كل الشرائح المُكَوِّنَة للشعب الأردني.

– إن الآثار التي تخلقها مشكلة التعليم العالي، تدخل كل بيت أردني، وتطال كل أسرة أردنية بالضرورة. وليس تأثيرها محدودا كما قد يتصور البعض. فما من أسرة في هذا البلد إلاَّ وفيها طالب جامعي أو أكثر، أو أن فيها طالبا مرتقبا أو أكثر. أي أن كل الأسر الأردنية تقع حتما داخل دائرة المؤثرات التي خططت لها أجهزة المخابرات عندما جعلت التعليم العالي في هذا البلد يسير وفق قاعدتي الخدمة مدفوعة الثمن، والتمييز بين الشرائح على أساس المكرمات الملكية، التي تعفي المستفيد منها من التنافس بوصفه المُعَبِّرَ الحقيقيَّ عن الاستحقاقات، لتحرم المستحق الفعلي وفق معيار التنافس مما يستحقه بالتالي. خاصة إذا علمنا أن تحويل التعليم الجامعي في الأردن إلى خدمة تقدم لمستحقيها بالمجان، أمر سهل وميسور ولا يتطلب تلك الموازنات التي قد يتصورها البعض. ما يعني أن الإبقاء عليها خدمة مدفوعة الثمن على هذا النحو الباهظ التكاليف، ليس سوى سياسة أمنية تهدف إلى تعميق الشرخ المجتمعي المشار إليه.

إنها السياسة التي تريد أن تقول لفئة محددة: “أنتم رغم أنكم لا تستحقون التعليم الجامعي، ورغم أنكم لا تستطيعونه حتى لو كنتم تستحقونه، ها نحن ننتزعه لكم ممن يستحقه، ونجعلكم أنتم المنتفعين منه، فاحرصوا على الحفاظ على هذه النعمة، عبر تقدير السياسة الأمنية التي تقف وراءها، لأنها سياسة تحميكم وتحافظ عليكم، وتؤمن مستقبلكم ومستقبل أبنائكم”.

أي وبكلمة أخرى فإن الأسر الأردنية جمعاء، سوف تنقسم بموجب تلك السياسة إلى أسر منتفِعَة وإلى أخرى محرومة تشعر بأنها فضلاً عن حرمانها، تدفع ثمنه وتتكبد مصاريف من سرقوا حقوق أبنائها بالمكرمات. وبالتالي فإن سياسة التعليم العالي المشبوهة هذه، قد تسببت في تقسيم كلِّ الشعب الأردني إلى خندقين متجاذبين يرى كل منهما في الآخر عدوا يتربص به الدوائر، إن لم يكن في الوعي، فهو حتما في اللاوعي.

إذن فقد نجحت المخابرات العامة في إبقاء الشعب الأردني الذي قسَّمته ذهنيا ونفسيا إلى شريحتين أساسيتين، هما شريحة “الفلسطيني المحايد سياسيا احتراما لقواعد الضيافة،” و”الأردني المرعوب على هويته من ضيفٍ غيرِ مأمون”، عبر سياسات النظام التمييزية المفْتَعَلَة في المجال التعليمي الجامعي كنموذج صارخ على هذا التمييز، في حالةِ ردعٍ دائمةٍ حالت بين هذا الشعب وبين الفعل السياسي الخادم لقضاياه الجوهرية، عير حيلولتها ابتداءً بينه وبين تخليق معارضة وطنية أردنية فاعلة وبناَّءَة وقادرة. بعد أن قرر الأولُ الحيادَ انطلاقا من سياسةِ اللاجدوى، فيما قرر الثاني الاستنفارَ الدائمَ والصراخ على الهوية وعلى الشرعية عند أقل وَخَزة دبُّوس عابرة لا تقدم ولا تؤخر، عبر أبواقه الإقليمية والفئوية المأجورة والمنتقاة بعناية، خوفا من الفناء السياسي الموهوم الذي عَبَّأَ دماغَه به نظامٌ أمني الطابع، عَرَفَ كيف يستمر ويتجذَّر على أنقاضِ حماقةِ المحايدين الذين تنازلوا عن حقوقهم خوفا من اتهامهم بالتَّسَبُّب في إشعال حرب أهلية ستقوم إن هم تمكنوا من قيادة البلاد، وحطام المستنفرين الذين تنازلوا عن تلك الحقوق أيضا خوفا على هويةٍ أوهِموا بأنها ستندثر لو مُنِح الأردنيون من أصل فلسطيني آليةً لدمجهم في الحياة السياسية تعبر عن ثقلهم الحقيقي في المجتمع، ففضلوا الهوية المقدسة “الوهم” على الحقوق “الحقيقة والواقع”.

فما أحمق الطرفين على حدٍّ سواء!! وما أذكى هذا النظام وما أشدَّ دهاء مخابراته بعد أن نجح في أن يحرم الشرق أردني ابن الكرك والطفيلة ومعان والعقبة وإربد والريف الأردني، العربي والشركسي والشيشاني والكردي والدرزي، المسلم والمسيحي، من فلسيطينيته الحتمية، التي تتطلب أن يكون أول المدافعين عن فلسطين، بحكم الجغرافيا والتاريخ والحضارة والفكر والمعتقد. وفي أن يحرم الفلسطيني الأردني من أردنيته الحتمية، التي تقتضي أن يكون صاحب حقٍ مطلق في المشاركة الفعلية في إدارة هذه الدولة وفي تقرير مصير هذا الوطن وفي الدفاع عنه وحمايته ليس من أعدائه الخارجيين فقط، بل ومن أعدائه الداخليين أيضا.

فالفلسطيني الذي قَدِمَ إلى هذه الأرض من غرب النهر في ظروف تاريخية وسياسية معروفةٍ ليس ضيفا، والشرق أردني الذي كان يقطن هذه الأرض قبل عام 1948 ليس مُضيفا، بل هم جميعا شعب واحد، أردني الهوية التي رسخها قانونيا ودستوريا مؤتمر أريحا عام 1948، وقانون الجنسية عام 1949، ودستور الدولة عام 1952، وهو شعب عربي الانتماء، مسلم الحضارة والتاريخ، فلسطيني القضية والنضال والكفاح، إنساني الروح. ولن تنجح أي حركة سياسية تريد القفز بالإنسان الأردني من حالة الموات السياسي التي أقحمته في توابيتها المخابرات العامة الأردنية وسياساتُها المُدَمِّرَة للنفس وللذهن وللروح، إلا إذا تم التأكيد على هذه القاعدة بكل وضوح وجلاء في كل البرامج السياسية القادمة لأي حركة تريد أن تجد لها موقعَ قدمٍ في المرحلة القادمة من مراحل الصراع في الإقليم العربي المشرقي.

* هيمنة التوظيف في القطاع العام متطلب أساس لثقافة العصبية..

لم يختلف قطاع العمل والتوظيف في الأردن في الفترة 1970 – 1989 عن قطاع التعليم العالي، من حيث أن السياسات المتبعة فيه عملت شأنها في ذلك شأن السياسات التي أتبعت في قطاع التعليم العالي على ترسيخ ثقافة العصبية، والدفع باتجاه تفعيلها، لا لحماية الدولة الوظيفية بعد أن استعادت مكانتها عقب أحداث عام 1970 فقط، بل وقبل ذلك لإعادة إنتاج وظيفيتها وفق ما يتناسب مع طبيعة الحقبة الجديدة، التي راحت تفرض أن تكون اقتصاديات الدولة مبرمجة بشكل يؤهلها لأداء دورها الوظيفي. وقد تجلت الاختلالات البنيوية في سياسات التوظيف في ركيزتين إستراتيجيتين قامت عليهما، لتقيم على أساسهما من ثمَّ كافة مفاعيل الاقتصاد الأردني.

تمثلت الركيزة الأولى في اعتماد قطاع العمل والتوظيف على الدولة لتلبية احتياجاته، فتضخم القطاع العام بشكل لا يمكنه أن يتناسب من وجهة النظر الاقتصادية مع مُكَوِّنات دولة معاصرة تريد التخلص من التبعية الناتجة عن الاعتماد على الخارج لتلبية احتياجاتها. فيما تمثلت الركيزة الثانية في انتهاج إفرازات ثقافة العصبية كحاضنة للتوجيه الوظيفي، بحيث قامت الحكومات المتعاقبة تنفيذا للسياسات المخابراتية المرتكزة إلى تلك الثقافة، بتقسيم الشعب الأردني إلى فئتين، وجهت إحداهما إلى القطاع العام وهي في الغالب فئة “الشرق أردنيين”، فيما حرصت على توجيه الأخرى إلى القطاع الخاص وهي في الغالب فئة “الأردنيين من أصل فلسطيني”.

ففيما يتعلق بالركيزة الأولى “لم يشكل القطاع الخاص الكتلة الحرجة المطلوبة اقتصاديا لموازاة القطاع العام، لأنه – واقعيا – كان يعتاش على وجوده في ظل القطاع العام حاصلا على معظم موارد عمله من خلال العطاءات الحكومية والمشروعات الحكومية وغيرها من النفقات العامة”(2)  التي كانت معظمها قائمة على المساعدات الخارجية والقروض بالإضافة إلى حزم الضرائب المحلية. ليظل القطاع العام هو الأكبر والأكثر توظيفا للعاملين.

أما فيما يتعلق بالركيزة الثانية التي جعلت من ثقافة العصبية حاضنة للتوجيه الوظيفي، “فقد اتجهت الدولة لحصر إشغال الوظائف العليا فيها بأبناء الاتجاهات التقليدية التي يفترض أنها متحالفة معها ضد القوى العقائدية اليسارية والقومية. وذلك كجزء من الحرب الثقافية الدائرة، بحيث تمنع وصول أفراد قد يدينون بالولاء لتلك القوى إلى مواقع التأثير. وقاد ذلك إلى تحويل القطاع العام إلى ساحة للثقافة التقليدية “ثقافة العصبية”، إذ بات الفرد يشعر بأن حصوله على الوظيفة العامة مرتبط بانضباطه في تلك الثقافة، خاصة في صيغتها العشائرية. وأدى هذا بالتالي إلى تعزيز مفاهيم هذه الثقافة داخل الوظيفة العامة، وإلى تكريس أهميتها وفاعليتها في المجتمع وفي المقابل إلى تججيم قيمة الثقافة المقابلة”(3).   

  يتبع

الهوامش..

1 – (كتاب “سباق العصبية والمصلحة – ملف الصراع السياسي على الثقافة الوطنية الأردنية – 1948/2002″، تأليف “سامر خرينو”، منشورات “دار أزمنة للنشر والتوزيع”، البرنامج الثقافي المشترك بين “البنك الأهلي الأردني و”أمانة عمان الكبرى”، الطبعة الأولى، كانون الثاني 2004، عمان – الأردن، ص 108 – 109).

2 – (كتاب “سباق العصبية والمصلحة – ملف الصراع السياسي على الثقافة الوطنية الأردنية – 1948/2002″، تأليف “سامر خرينو”، منشورات “دار أزمنة للنشر والتوزيع”، البرنامج الثقافي المشترك بين “البنك الأهلي الأردني و”أمانة عمان الكبرى”، الطبعة الأولى، كانون الثاني 2004، عمان – الأردن، ص 109، عن 41 ).

3 – (كتاب “سباق العصبية والمصلحة – ملف الصراع السياسي على الثقافة الوطنية الأردنية – 1948/2002″، تأليف “سامر خرينو”، منشورات “دار أزمنة للنشر والتوزيع”، البرنامج الثقافي المشترك بين “البنك الأهلي الأردني و”أمانة عمان الكبرى”، الطبعة الأولى، كانون الثاني 2004، عمان – الأردن، ص 109 – 110).

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.