حسن الظن وأثره في العلاقات الإجتماعية
* زهير الأعرجي
ينطلق تعامل الإسلام تجاه المجتمع الإنساني، من زاوية أخلاقية في غاية الجمال والروعة.. فالإسلام يدعو الإنسان المؤمن إلى حسن الظن بالناس، وحسن الظن بالله سبحانه.. وهذا التعامل الأفقي والعمودي، لا شك له تأثير واسع في العلاقات الاجتماعية.. خاصة وأن سوء الظن بالله وسوء الظن بالناس لا ينبتُ إلّا مجتمعاً ممزقاً، تتفسخُ فيه العلاقات الاجتماعية، ولا تقومُ فيه العدالة..
والظن، هو نوع من الإدراك والإحساس النفسي، الذي يفاجئ الإنسان، من غير اختيار، وينقسم إلى نوعين: ظن الخير وهو مندوب ومستحب، وهو أن تظن بأخيك المؤمن ظنّاً خيّراً، كأن تأخذ الأمور التي تراها، على المأخذ الحسن.. ولعلَّه يستفاد من قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنونَ والمؤمناتُ بأنفسم خيراً) (النور/ 12).
وظن السوء، وهو الذي يترتب عليه من الأثر، ما يفسد المجتمع، ويفسد العلاقات الاجتماعية، كإهانة المظنون به وقذفه والتشهير به وغير ذلك من الآثار التي تترتب عليها مفسدة عظيمة، ولذلك فقد نهى الإسلام عن هذا الظن المحرم شرعاً، واعتبره اثماً، ودعا المؤمنين إلى تجنب هذا الأمر تجنباً احتياطياً واجباً..
يقول تعالى: (يا أيُّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إنَّ بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيُحِبُّ أحدُكُم أن يأكلَ أخيه ميتاً فكرهتموه واتَّقوا الله إنَّ الله توابٌ رحيم) (الحجرات/ 12).
وليس سوء الظن وحده يفسد العلاقة الاجتماعية، بل إنَّ التجسس وهو تتبع ما استتر من أمور الناس للاطّلاع عليها، والغيبة وهي ذكر عيوب الناس المستورة، لإسقاطهم من أعين الآخرين.. إنَّما هي أمراض اجتماعية تؤدّي إلى إظهار عيوب الأفراد التي سترها الله، وتؤدّي إلى سقوطهم في أعين الآخرين، فيصبح الصلاحُ فساداً، ويذهبُ الأمن الذي يعمُّ المجتمع، ويتفتت تعاون الناس وتعاضدهم، وتتقطع العلاقات الاجتماعية التي أراد لها الله أن تنمو.. والتعبير القرآني في حرمة اغتياب المؤمن فيه روعةٌ لا توصف.. فهو يكشف عن أنّ اغتياب المؤمن يعدُّ بمنزلة أكل الإنسان لحم أخيه الإنسان ميتاً، وقوله: لحم أخيه، لأنّ المؤمنين اخوة في المجتمع الواحد، وقوله: ميتاً، لأن الغيبة حصلت وقت غياب الإنسان المستغاب، وهو غافل..
ويشدِّد الرسول(ص) وأئمّة أهل البيت(ع)، على أنَّ الإنسان المؤمن يجب أن لا يترك فرصة مساعدة أخيه المؤمن وستره وحمله على المحمل الحسن. فعن أبي جعفر(ع): (يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة). وورد عن رسول الله(ص): "الخلق عيال الله فأحبُّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سروراً". وورد عن أميرالمؤمنين علي(ع): (وضع أمر أخيك أحسنه، حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً).
ويقول الإمام الصادق(ع): (حسن الظن أصله من حسن إيمان المرء وسلامة صدره، وعلامته أن يرى كلّما نظر إليه بعين الطهارة والفضل من حيث ركب فيه وقذف في قلبه من الحياء والأمانة والصيانة والصدق.
قال النَبيّ(ص): "أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب وإثاء الطبع".
وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن إطاعة الذين تسيرهم أهواؤهم، ويتبعون الظن.. لأنّ اتباع الظن إنَما هو سيرٌ نحو الضلال، خصوصاً في الأمور التي لا يصلح معها إلّا العلم واليقين والقطع، كالإيمان بالشريعة السماوية والمعارف الإلهية.. والخلاصة أنّ الذي يسيء الظن بالله سبحانه وتعالى، لا شكّ أنه يسيء الظن بالناس، فتؤدّي أفعاله إلى تمزيق العلاقات الاجتماعية، كما لاحظنا سابقاً.. يقول تعالى: (وإن تُطِعْ أكثر مَنْ في الأرض يُضلُّوكَ عن سبيلِ اللهِ إن يتبعون إلّا الظن وإن هم إلّا يخرصون * إنّ ربك هُوَ أعلمُ من يضِلُّ عن سبيله وهو أعلمُ بالمهتدين) (الأنعام/ 116-117). ولا يرتضي الله سبحانه من عباده، في أمور الكون وخلقه، وانتهاء الأمر إليه من البعث والنشور، وما يتعلق بالنبوة والحكم والشريعة، إلّا العلم واليقين، يقول تعالى: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم) (الإسراء/ 36).
ويهاجم القرآن الكريم، في الكثير من الآيات، أولئك الذين يتبعون الظن السيء، بالله سبحانه، وبرسله، وكتبه.. ويدعوهم إلى وقفة تأمل مع أنفسهم، ليراجعوا مواقفهم، ويصدعوا للحق.. فانهم إذا أحسنوا الظن بالله سبحانه، واتَّبعوا العلم واليقين في حركتهم في الحياة، فإنهم بلا شك سوف يحسنون الظن بالناس، فيستقيم أمر المجتمع، وتصلح الحياة.. يقول تعالى: (وإذا قيل إنّ وعد الله حقٌّ والساعةُ لا ريبَ فيها قلتم ما ندري ما الساعةُ إن نظنُّ إلّا ظنّاً وما نحنُ بمستيقنين) (الجاثية/ 32). ويقول أيضاً: (وما خلقنا السماءَ والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظنُّ الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار) (ص/ 27). ويقول أيضاً: (إن هي إلّا أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان إن يتبعون إلّا الظنَّ وما تهوى الأنفسُ ولقد جاءَهم من ربِّهم الهدى) (النجم/ 23)، ويقول أيضاً: (وما يتبعُ أكثرهُم إلّا ظنّاً إنَّ الظنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً إنّ الله عليمٌ بما يفعلون) (يونس/ 36)، ويقول أيضاً: (... وإنَّ الذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلّا اتباع الظن..) (النساء/ 157).
ولم تكن دعوة الإسلام إلى حسن الظن بالله، وبالناس، إلّا لتنظيم حياة المجتمع البشري على أساس العبودية المطلقة لله سبحانه، فالذي يحسنُ الظن بالله تعالى، وهو مؤمن، سوف يحسنُ الظن بالناس، لأنَّ الشريعة الإلهية تأمره بذلك، ويترتب على هذا العمل الصالح أن تستقر علاقات الأفراد في المجتمع الإسلامي على أساس الاطمئنان والتكافل والعدالة والإيمان المشترك، فيتماسك المجتمع، وتتماسك علاقة الأفراد، وتتكاتف قواهم لخدمة الإنسانية والصالح العام، ومرضاة الله جلّ وعلا..
المصدر: كتاب الأخلاق القرآنية
www.balagh.com