الإسلام دين الله الحق , دعوة إلى الهدوء والاستقرار في رحاب السلم العزيز الّذي تحيا الأمة تحت رواقه آمنة مطمئنة , لاخوف ولا رعب , أينما كنت , في بيتك أو حيّك أو في مكان عملك , في سفرك وحضرك , لا تجد ما يهدد حياتك أو عرضك أو مالك , لاتجد من يقيّد حريتك ويهدر كرامتك ويهبط بإنسانيتك إلى ما لا يليق بك عبداً لله محل إكرامه وإنعامه . تلك سمة المجتمع الإسلامي , بل صبغته , ما خلا بعض التصرّفات الفردية التي تصدر عن بعض ضعاف الإيمان , وقد جاء نظام العقوبات رادعاً عنها كل من لم يقع فيها ممن تسوّل له نفسه اقتراب أسوارها فضلاً عن عقاب من أتى شيئاً من هذا القبيل . البيانات القرآنية تؤكّد ما قلنا وتقرره بوضوح . فيقول الله عز وجل : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله ..) وهذا البيان الرباني دعوة صريحة إلى انتهاج طريق السلم حفاظاً على نعمة الأمن وهي حاجة ذا أهمية كبرى , لا تقل أهمية عن الحاجة إلى الطعام والشراب . وفي رحاب المجتمع الآمن تبرز إنسانيتك بوضوح في إطار التكريم الرباني لك : (ولقد كرمنا بني آدم ..) وعنوان كرامتك , أنك حر , هكذا خلقك الله ومتعك بنعمة الحرية , لكنها منضبطة ومنظمة ومتوازنة في دائرة عبوديتك لمولاك فلا تفعل إلاّ خيراً وتدعو إليه , وتسدي معروفاً وتحض عليه , وتقاوم المنكر وتحذّر منه , وهذه انطلاقة على أوسع مدى من الحرية : ( ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..) وكلمة أمير المؤمنين سيدنا عمر جاءت لترسخ شعار الدولة المسلمة , وترفعه عالياً : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً . ) وعلى ذات المسار كلمة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( خلقك الله حراً فلا تكن عبداً لغيرك . ) ولعلك تدرك معي أنّ هذا هو المناخ الملائم لك ولي ولكل شرائح الأمة للنهوض بمسؤولياتنا مستثمرين كل ما أودع الله فينا من طاقات فكرية وإبداعية على قاعدة العلم لبناء مجتمع النهضة الشاملة لكل جوانب الحياة عبر شبكة التواصل بين شرائح الأمة التي يجمع بينها الحب والوئام .
خطر مدمر يحذّر منه القرآن الكريم : إنه التنازع بين أبناء الأمة المسلمة , هذا الخطر الّذي حذر منه القرآن ونهى عنه لتعيش الأمة بسلام وكرامة وأمان . وإليك هذه اللطيفة القرآنية في بيان مدى جسامة هذا الخطر وانعكاساته على الأمة كلها. يقول الله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصّابرين . ) الأنفال " 46 "
كلنا يدرك أن سعادة المرء في الدنيا والآخرة ليس لها إلاّ طريق واحد هو طاعة الله فيما أمر به ونهى عنه والتزام ما أحلّ وترك ماحرّم من قول أو عمل , وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءنا به عن الله من هدي كامل يلبي حاجاتنا ديناً ودنيا نمضي عليه بثقة وثبات : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً . ) وعندما تصبح الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم هدفاً أسمى لكل مسلم , فأنت تحت إمرة حاكم عادل , يرعى شؤونك ويعطيك ما لك من حقوق مشروعة , ويعترف بحريتك وكرامتك ويحافظ عليك لأنك أداة البناء النهضة , وبالمقابل عليك أن تؤدي له حق الطاعة وتنهض بواجباتك مقابل ما نلت من الحقوق : ( وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً . ) وأنت أيضاً في رحاب محكمة عادلة تنصف المظلوم ممن ظلمه وتعيد إليه ما سلب من حق , ويؤكد هذا ما أثر عن سلفنا الصلح قولهم ( عدل ساعة خير من عبادة سنة . ) وأنت من ثمة في مؤسسة يدير شؤونها مدير ذا كفاءة وعدل يعطيك ما لك من حق مقابل ما أديت من واجب , ويسود الحق ميادين التعامل بين الناس تحت سلطان الطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وبيتك أيضاً يستقر بالطاعة ويسوده الحب والاحترام والتوادّ بين أفراد أسرتك , وهكذا ينبسط رواق الطاعة ويجني ثمارها كل أبناء الأمة عزّة وكرامة وحياة طيبة , وهنا تبرز بجلاء أهمية النهي عن التنازع الّذي يعصف بكل ما سبق من استقرار ونهضة وأمان وسلام , لأنه الفشل في النهاية , وماأشد مرارة الفشل هو الضعف والتمزق والفوضى وذلك يأباه كل من متّعه الله بعقل سليم فضلاً عن دين قويم . والتنازع يبدّد قوة الأمة ويذهبها أدراج الرياح , ونحن اليوم أشد ما نكون حاجة للقوة لأننا نعيش عصر التحديات الكبرى , فديننا مستهدف وعروبتنا كذلك , وأرضنا وثروتنا , فالتنازع الّذي نهى الله عنه يقرّب البعيد على كل القوى المتربصة بنا. فلنغلق أبوابه بكل شجاعة ولنلتقي على التفاهم والحب والطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولنمض على هديه فذلك لنا هو صمّام الأمان من كل ما قد نصطدم به من تحديات وما يبرز أمامنا من عقبات وصعاب . نحن المسلمين نرفض التنازع حيث رفضه الله وننحو منحى التفاهم والوئام , نبارك لبعضنا ما اتفقنا عليه ونعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه , وإن حدث ما يتنازع حوله فليكن احتكامنا إلى منهج الله وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم , وننزل على حكمه فنسعد أيما سعادة ونحيط مجتمعنا بسياج الحماية والأمان