مصطفى إنشاصي
لو كان النص مقدساً في الإسلام كما يفهمه العلمانيون على الطريقة الغربية ما تجرأ عمر بن الخطاب – ولا كان سكت الصحابة رضوان الله عليهم عنه عندما منع المؤلفة قلوبهم حقهم في أموال الزكاة، وحقهم منصوص عليه في آية قرآنية محكمة، في قوله تعالى: ï´؟إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ غ– فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ غ— وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌï´¾. (التوبة: 60).


و"المؤلفة قلوبهم" فإنهم قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحاً به نفسَه وعشيرتَه. كأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، ونظرائهم من رؤساء القبائل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ... وعن عامر قال: إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ولي أبو بكر رحمة الله تعالى عليه، انقطعت الرشى .

وللعلم أن منع المؤلفة قلوبهم سهمهم تم في عهد أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب صاحب الرأي: لما ولي أبو بكر رضي الله عنه الخلافة جاء بعضٌ مِن المؤلَّفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم كما كان الأمر على عهد رسول الله صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فكتب أبو بكر رضي الله عنه كتاباً إلى عمر رضي الله عنه، الذي كان خازن بيت المال، ليُعطيهم حقهم، فذهبوا بكتابه إلى عمر رضي الله عنه فقال لهم: لا حاجة لنا بكم؛ فقد أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وأغنى عنكم، فرجعوا إلى أبي بكر، فأقرَّ ما فعله عمر .


ولو كان النص مقدساً عند ابن الخطاب ما منع توزيع أراضي الفيء في العراق على المجاهدين وهي حق لهم بنص القرآن الكريم واجتهد هو وبعض الصحابة في فهم آيات قرآنية أخرى تمنع تكدس الثروة في يد مجموعة من المسلمين، أو تحرم أجيال المسلمين القادمة من حقها في تلك الأراضي، أو أنها ستثبط المجاهدين عن الجهاد والقتال وسيركنون للدنيا وينشغلون في رعاية أراضيهم، أو لحاجة بيت مال المسلمين لعائداتها حتى ينفق على كتائب المجاهدين… إلخ.


قال الحافظ ابن القيم: إن الأرض لا تدخل في الغنائم والإمام مخير فيها بحسب المصلحة، وقد قسم رسول الله صل الله عليه وسلم وترك، وعمر لم يقسم بل أقرها على حالها وضرب عليها خراجاً مستمراً في رقبتها تكون للمقاتلة.
أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد، فشاور في ذلك فقال له علي: دعه يكون مادة للمسلمين فتركه.
وأخرج أيضاً من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة، ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسداً ولا يجدون شيئا فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم. انتهى .ص216
وفي الهداية : وعمر رضي الله عنه حين فتح السواد وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة، ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص، وكذا اجتمعت الصحابة على وضع الخراج على الشام.
وأخرج ابن سعد في الطبقات أن عمرو بن العاص افتتح مصر عنوة واستباح ما فيها وعزل منه مغانم المسلمين، ثم صالح بعد على وضع الجزية في رقابهم ووضع الخراج على أرضهم، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب.
قال ابن القيم: وجمهور الصحابة والأئمة بعدهم على أن الأرض ليست داخلة في الغنائم، وهذه كانت سيرة الخلفاء الراشدين، فإن بلالا وأصحابه لما طلبوا من عمر رضي الله عنه أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها عنوة وهي الشام وما حولها وقالوا له خذ خمسها واقسمها، فقال عمر هذا في غير المال ولكن أحبسه فيما يجري عليكم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه، ثم وافق سائر الصحابة عمر رضي الله عنه، وكذلك جرى في فتوح مصر والعراق وأرض فارس وسائر البلاد التي فتحت عنوة لم يقسم منها الخلفاء الراشدون قرية واحدة. وكان الذي رآه وفعله عين الصواب ومحض التوفيق، إذ لو قسمت لتوارثها ورثة أولئك وأقاربهم فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير والمقاتلة لا شيء بأيديهم، فكان في ذلك أعظم الفساد وأكبره وهذا هو الذي خاف عمر رضي الله عنه فوفقه الله تعالى لترك قسمة الأرض وجعلها وقفاً على المقاتلة تجري عليهم فيها حتى يغزوا منها آخر المسلمين، وظهرت بركة رأيه ويمنه على الإسلام وأهله ووافقه جمهور الأئمة .


ذاك ابن الخطاب وصحبه
قال تعالى: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَï´¾ [الأنفال: 27]. ويقول النبي صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "َإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" .


مما يؤسف له في عصرنا: أن هناك حكاماً يعتبروا أن الدولة أرضاً وشعباً وثروات ملكا للحاكم أو الحزب والجماعة التي تحكم ولهما حق التصرف في الأرض والثروات دون الرجوع للشعب، أو بما يكون فيه حرص على مصلحة الشعب وأمانة في الحفاظ على الملكية العامة. ولدينا في فلسطين فصيل انتهج نهج الحكام ملك الأ{ض واستعبد الشعب وتصرف في ممتلكاته وكأنها ورثة عائلته... باع أرض الدولة ملكية التي هي ملك الشعب والأجيال القادمة للشعب، ليدفع مرتبات موظفيه الذين الشعب في غنى عنهم ولا يخدمون الشعب بل الحزب والجماعة فقط!
وكل ما يقدم للشعب بع كل نكبة يتسبب بها للشعب لقلة وعيه وسوء فهمه وتقديره للموقف و... من دعم ومساعدات وتبرعات أموال عينية أو مواد وبضائع وغيرها يحتكرها لنفسه ويعتبرها ملكيته، ويبيعها للشعب بأضعاف مضاعفة وفوق قدرة الشعب على شراءها، والمصيبة أنه يزعم أنه إسلامي وحكومة ربانية...!
أضاعوا الأمانة فأضاعوا الشعب والوطن.. نسأل الله العافية..