-
باحث في علم الاجتماع
الدولة الإسلامية: قداسة النص نتاج الفكر الغربي (7)
مصطفى إنشاصي
الدولة الدينية الأوروبية كانت تعتبر كل نصوص كتبهم الدينية مقدسة وأنها كلام الله الموحى به لكتبتها، وعلى أتباعه الكنيسة الاعتقاد بها أنها منزلة من عند الله وعدم التشكيك فيها مهما تناقضت مع الواقع أو الحقائق العلمية، ما تسبب في الصراع الدامي الذي حدث في الغرب بين الكنيسة والعلم والعلماء ودفعها لاضطهاد العلماء وسجنهم وتعذيبهم وإعدامهم حرقاً أو قتلاً بالمقصلة وغيرها.
فالذي حدث أنه بعد انفتاح الغرب على الحضارة الإسلامية والاطلاع على علومها والاكتشافات العلمية لعلماء المسلمين وانبهارهم بالمستوى الراقي الذي كانت عليه الحضارة الإسلامية وتأثرهم بعلوم المسلمين، بدأت تحدث نهضة علمية في أوروبا بفضل ذلك الانفتاح والاطلاع على كتب الحضارة الإسلامية وإنجازاتها خاصة بعد سقوط الأندلس الأخير (غرناطة) عام 1492، ومنهم مَن سرق كتب العلماء المسلمين واكتشافاتهم ونسبوها لأنفسهم ... تلك الاكتشافات والحقائق العلمية بدأت تصطدم مع كثير من نصوص كتبهم (المقدسة) وتتناقض معها، وحدث الصراع بين الدين والعلم في أوروبا لقرون انتهت بانتصار العلم على الكنيسة وانحصار نفوذ رجال الدين داخل جدران الكنيسة فقط، وأصبح الدين علاقة ما بين الإنسان وربه ولا علاقة له بشؤون الحياة التي تنظمها الدساتير والقوانين التي يجمع عليها غالبية الشعب.
فكان من ضمن خصائص التجربة الأوروبية ونتاجها الفكري في صراعها مع حكم الكنيسة ورجال الدين التي أسقطها علمانيو وطني على الإسلام مفهوم (قداسة النص)! في حين أن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان لا ترجع لاستمرار نزول الوحي أو الإلهام للحكام وتواصلهم مع الله تعالى أو تفويضه لشخص أو جماعة ما بالحديث باسمه تعالى…إلخ مما يزعمه رجال الدين في الديانات الأخرى، فكلنا يعلم أن الوحي انقطع بانتقال الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الرفيق الأعلى ولكن صلاحية الإسلام تكمن في صلاحية النص الشرعي إلى يوم القيامة.
تلك الصلاحية مرتبطة بمصلحة الإنسان في كل زمان ومكان، وتلك الغاية يمكن استنباطها من خلال فهم روح النص ومضمونه وغايته وليس من خلال التمسك بحرفيته، ولا بتبني فهم وتفسير السلف له بما كان يتناسب ويصلح لزمانهم ولم يَعُد يصلح لزماننا لاختلاف الظروف وتطور الحياة، لأن الغاية في النص الشرعي الإسلامي مصلحة الناس وخير الإنسانية بحسب زمانها ومكانها وظروفها لا زمان وظروف غيرها.
فنحن إذا تمسكنا بحرفية النص وجمدنا على تفسير السلف له ولم نأخذ روحه والحكمة المرجوة منه لزماننا وروح عصرنا فإننا في هذه الحالة نكون أمام نص ديني جامد لا روح فيه، ولا نختلف عن حكم الكنيسة في القرون الوسطى الأوروبية التي احتكرت تفسير النص واعتبرته (مقدساً) لا يحق لأحد غير البابا ورجال الدين تفسيره أو فهمه، وحكم فيها البشر كآلهة، ونحن مازلنا نقرأ في مقدمة كتبهم الدينية (الأناجيل) و(التوراة) أنها كلمة الله وتُصر على أنها مُنَزلة من الله تعالى ووحي منه إلى أنبياء بني إسرائيل، على الرغم من أنه ثبت قطعياً أنها كُتبت على يد كتبتها بعد مئات السنين من وفاة أنبياء بني إسرائيل!
فعلمانيو وطني يزعمون أن الإسلاميين يعتبرون النص القرآني (مقدس) على الطريقة الغربية، في الوقت الذي هو في الإسلام ليس كذلك! فقدسية النص في الإسلام إن صح التعبير مع الفارق بينه وبين (النص المقدس) الذي كان مفروضاً من قبل الكنيسة وممنوع الاعتراض عليه أو مناقشته على أساس أنه كلام الله في الوقت الذي هو كلام البشر، قدسية النص في الإسلام لا تعني عدم الاجتهاد في فهمه واستنباط الحكم المناسب منه الذي يُصلح حال الناس بحسب الزمان والمكان، ذلك فهم خاطئ، النص في الإسلام مع تقديسه لأنه نزل من الله الملك القدوس ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ليس صنم يُعبد أو يجب أن نطليه بماء الذهب ونبروزه ونضعه في المتاحف، ولا كلام يُتلا على الأموات أو نسمعه في الصباح أو قبل النوم على طريقة الإذاعات والتلفزيونات العربية، ولكنه نزل لكي يحكم فينا، كي ينظم شؤون حياتنا الخاصة والعامة ويضبط علاقات أفراد المجتمع وحركتهم!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى