عز الدين القسام: أنت باقٍ فينا نهجاً جهادياً وفكراً وممارسة (4)
مصطفى إنشاصي
ألم تكن تُكثر في خطبك ودروسك من قول: "الجهاد رفيقه الحرمان"؟! ألم تبيع بيتك الذي هو كل ما تملك من دنياك في قريتك جبلة السورية وتنتقل أنت وزوجك وأبنائك إلى قرية الحفَّة بعد إعلان الاحتلال (الانتداب) الفرنسي على سوريا، تُعِد الجماهير في جبال صهيون والزاوية للثورة، واشتريت بها أربعة وعشرون بندقية؟! ألم تبيع بيتك مرة أخرى عندما احتجت المال للثورة في فلسطين ومصاغ زوجك وتركتهم لله؟! ألم تُعلم إخوانك وتلامذتك أنه على المجاهد أن يدفع مبلغاً مهما قَل من ماله وكسبه ومهما كانت حاجته إليه لينتصر على ضعفه وحب المال في نفسه؟! ألم تعلم إخوانك وتلامذتك أنه على المجاهد أن يشتري سلاحه ما استطاع من ماله الخاص، لأن مَنْ يَغُزَ عليه المال تَعُزَ عليه نفسه أن يقدمها رخيصة في سبيل الله والوطن؟!
ألم تُعلمنا .. وتُعلمنا .. كثير مما علمتنا إياه بالممارسة وليس بالقول كما هم دعاة المقاومة اليوم الذين رحمك الله من أن تعيش لترى كم هي مرتباتهم وكم هو بذخهم وترفهم على حساب الجوعى والمحتاجين والمرضى الذين يتساقطون من حولهم، من غرتهم غطرسة القوة وفَتَنَتهم المظاهر الكاذبة التي عافانا الله من أن نكون شركاء فيها كما عافاك من رؤيتها أو المشاركة في أمثالها، من الحُراس والمرافقين بوسامتهم وأناقتهم وببذلاتهم وربطات العنق الثمينة الفخمة، إلى مواكب السيارات الحديثة الفارهة المتقدمة واللاحقة، إلى السجاد الأحمر والبسط الممدودة تشريفاً وتكريماً لتليق بمكانتهم ومقاماتهم وتدل على سطوتهم وغطرستهم، إلى تراقص أضواء وأشعة كاميرات الصحفيين والفضائيات ولقاء الزعماء والرؤساء، إلى الاستعراضات العسكرية التي تُكلف عشرات ومئات ألاف الدولارات وغيرها، في وقت جماهير فلسطين فيه في الضفة وغزة محاصرون وجوعى يعيش 90% منهم تحت خط الفقر، والبطالة زادت عن 70%، وشهداء مرضى الحصار يعدوا بالآلاف، وكثر عدد المتسولين في الشوارع وأمام أبواب المساجد، وتضاعف عدد الأسر المتعففة التي يمنعها حيائها من طلب العون والمساعدة، كما تضاعف عدد الطلبة الذين يعجزون عن دفع أقساطهم المدرسية أو الجامعية أو توفير احتياجاتهم الدراسية .. إلخ من ألوان المعاناة والحرمان التي تعيشها الجماهير التي هي المجاهد الحقيقي لا تجار وسماسرة الدم والقضية ..
عن الشيخ عز الدين القسام أتحدث، وحديثي ليس موجهاً لمن يتسمون باسمه ويرفعون شعاره، ولم يلتزموا منهجه لا إيماناً ولا وعياً ولا ثورة، ولا سياسة ولا مقاومة، أكتب مستذكراً مع عشاق القسام ولمن لم تتاح لهم الفرصة لمعرفة تجربته النموذج الجهادي الفذ والمتميز، في زمن الردة والنفاق والكذب والارتزاق والإثراء و... باسمه وبشعاره!
عن ماذا أو ماذا يا مولاي وأستاذي ومعلمي أحدثك مما عليه مقاومينا الأشاوس؟! والمصيبة أن كلاهما يرفع شعارك (إنه جهاد: نصر أو استشهاد) ويريدنا أن نُصدقه أنه ليس مجرد شعار لا نصيب له من الواقع، وأنت الذي سبق لك أن انتقدت تبذير وإنفاق المجلس الإسلامي الأعلى للأموال في تشييد الأبنية (فندق الأوقاف في القدس) و(تزيين المساجد)، حيث أنك كنت ترى أن إعداد الشعب للجهاد وتسليحه لخوض المعركة أفضل وأحق من الأمور الشكلية التي يمكن انجازها في أوقات أخرى، ونحن نرى الآن أن إشباع البطون على الأقل أفضل إعداد للجماهير من أجل استمرار الصمود والمقاومة ..