حشيش...بقلم آرا سوفاليان
كان لي صديق في الجامعة...محبوب ولطيف ومجتهد ويتوقع الأسئلة...وانتهينا أنا وهو الى نفس المصير فلقد تركنا شهاداتنا الجامعية في الجامعة الى اليوم ولم نذهب لأخذها حتى الآن.
تزوج وابتعد وتزوجت وابتعدت ولكني لم انس العشرة ولا الايام الجميلة التي كنا نقضيها معاً...كنا ندرس قبل الامتحان في دار أهله في الجنينة العائدة للمنزل وكان يقطف أوراق الليمون ويضعها في ابريق الشاي، فتصبح للشاي طعمة طيبة...فنشرب ونعود للدراسة ويتوقع فنجد توقعاته في ورقة الامتحان.
كان رياضياً ومفتول العضلات ويجبر شلته وأنا منهم على حضور مباراياته ولا يدخن ولا يشرب وليست لديه حارات فرعية فكل الشوارع التي يعرفها رئيسية وبجدارة.
احتفظت برقم موبايله واحتفظ برقم موبايلي لتحديد موعد لزيارتي أو لزيارته ومضى على هذا الاحتفاظ فترة طويلة دون ان يتم الاتصال ولا التحديد.
اضطرته الظروف الحالية للعودة الى المحاسبة فعمل بالمحاسبة في مطعم مشهور قبل ان يتم تقنين العمل في هذا المطعم ومن ثم إغلاقه بالكامل...ورأيته بالمصادفة في الطريق وشكى لي فقلت له: الحال من بعضه...وبعد فترة سمعت زوجتي من صاحبة صالون حلاقة أن صديقي هذا والذي يعمل محاسباً في مطعم والد صاحبة صالون الحلاقة، عثروا على مفخخة تحت سيارته وفككوها، قلت لزوجتي...صديقي هذا لا يملك سيارة ولم يشتري واحدة في عمره ولا يعرف القيادة ولا يحمل شهادة ومع ذلك فلقد دب الرعب في قلبي وانشغل فكري في امكانية ان يكون مستهدفاً، وضربت الاخماس بالأسداس وخفت ان اتصل به لأن موبايله مراقب الآن حتماً، وحللت الموضوع في رأسي فلم أصل الى نتيجة ودار في ذهني السؤال الآتي: لماذا يكون مستهدفاً ومن أجل أي شيء؟ هو مثلي لا مال ولا جاه ولا سوسة ولا منصب ولا تعاطي بالسياسة فلماذا يكون مستهدفاً!
بحثت عن رقمه واتصلت به فقال لي: لست انا بل شريكي المحاسب الثاني فنحن محاسبين اثنين كل واحد يعمل في وردية منفصلة، وطلبت منه ان يزورني فوعدني وطلب مني ان ازوره فوعدته، ولم أتصل وهو لم يتصل ونسينا الموضوع...وعلمت ان المطعم قد أغلق وان صديقي تحول الى عاطل عن العمل لنكون متعادلين أنا وهو في كل شيء...إلا بالحشيش.
اما قصة الحشيش فهي الآتية:
البارحة نزلت لشراء غرض معيَّن "ارجو ملاحظة هذه الكلمة ـ معين ـ وهي تفيد بعدم التعيين، وتشبه الشيء القائم بحد ذاته، ونسيت أخذ موبايلي معي وعندما عدت الى البيت وجدت مكالمة فائته وكانت بإسمه ولا أعرف السبب ولكن دب الرعب في قلبي وخفت...فاتصلت به فكان هو وموبايله خارج التغطية فخفت أكثر...ظننت انه تحت بيتي فخرجت الى الشرفة ولكني لم أراه...قلت ربما لأن الكهرباء مقطوعة والانترفون لا يعمل والباب مغلق ولا بد ان الرجل في مدخل البناية ينتظر من يفتح له الباب فنزلت ولم أعثر على أحد...وعدت الى البيت واتصلت من جديد فأغلق في وجهي، وذهبت بي الظنون مذاهب شتى وقلت: لقد تم خطف الرجل وصادر الخاطفون موبايله بعد ان علمَّ لي...والموبايل الآن بيد الخاطفين ولأن سيناريو المسلسل لم يجهز بعد من حيث مكان الوصول والفدية فلقد فصلني الخاطفون، وعدت للإتصال فرد على الاتصال وأخذت نفس عميق جداً وقلت له: هل أنت بخير، قال: نعم بخير قلت: رأيت اسمك على موبايلي في المكالمات الفائته؟ قال: نعم انا اتصلت بك، قلت لماذا اتصلت بي؟ قال لن أقول لك...قلت: ستقول وإن أغلقت الخط سأعود للإتصال...قال: لا أريد أن أقول لك...قلت في نفسي لو ان هناك خطف لما سمح له الخاطفون بالرد على المكالمة...سألته أين أنت؟ هناك أصوات عالية وصوت موسيقى ودربكة؟ قال لي: أنا في الميكرو وعائد الى جرمانا...قلت له لماذا اتصلت بي قال: طيب سأخبرك...انا أجلس في المقعد الخلفي في الميكرو...وصعد راكب جديد وجلس في مقعد فارغ نزل صاحبه في نفس اللحظة...ورأيت نقرة الرجل فكان يشبهك...قلت: نعم وماذا في الامر؟ قال لي: الميكرو مخنوق كعلبة السردين وصعد ركاب جدد على الواقف وعلى الراكع قلت: وماذا بعد؟ قال: أردت ان اعرف إن كان الراكب الذي لمحت نقرته هو انت أم لا فأخرجت موبايلي وعلّمت فإن كنت أنت سيرن موبايلك وتلتفت وإن لم تكن أنت فلن يرن موبايلك ولن تلتفت.
أغلقت الخط و....حش....حشي......حـــشـــيـــش.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 18 03 2013
arasouvalian@gmail.com