محمد زهير شبيب بقلم آرا سوفاليان
منذ بضعة أيام وقعت في يدي صورة شخصية لي بالأسود والأبيض تعود للعام 1970 حدقت بها طويلاً وضحكت في سري...فسبحان الله الذي يبدل من حال الى حال، فسارعت الى تنصيبها في الفيس بوك في الصفحات المتعلقة بي والتي تحوي أغلب مقالاتي المتعلقة بالشأن الأرمني، وتذكرت أني قد أعطيت من هذه الصورة ثلاثة نسخ لثلاثة أشخاص كانوا أصدقائي المقربين أولهم بشار عوض ديرعطاني وقد أعطاني صورة له بدلاً منها والثاني هو نادر صنيج وقد فعل ما فعله بشار عوض ديرعطاني والثالث هو محمد زهير شبيب ولم يعطيني شيء.
ومحمد زهير شبيب شخصية آثرة وعقل راجح، تعرفت عليه في بداية العام الدراسي 70/71 في مدرسة العناية وهي مدرسة البطركية في حارة الزيتون حسب اسمها السابق قبل التأميم حيث تم نقلي اليها من مدرسة الشهيد محي الدين بن داوود الكائنة في ساحة جورج الخوري والتي تبدل اسمها الآن الى مدرسة ماري العجمي، كان هذا النقل مزعج جداً لأن دار أهلي في العباسيين والمدرسة في الباب الشرقي وهذا يعني 45 دقيقة من السير الطويل المتعب لمرتين يومياً وكان التعويض الوحيد هو محمد زهير شبيب.
لم نكن في مدرسة الأرمن " النور حالياً" وهي مدرستي قبل التأميم ولا في النادي ولا في الكنيسة نعرف التمييز بين مسلم ومسيحي ولم نتعود عليه ولم نتعلمه ولم نهتم له لذلك كان محمد زهير شبيب من أصدقائي المفضلين يزورني في بيتي ويحب أهلي وأهلي يحبونه، وكنا كل يوم نلتقي في السابعة والنصف صباحاً أمام فرن ابو إبراهيم حلال في القصاع قبل مشفى الفرنسي لننطلق بإتجاه القصاع ثم برج الروس ثم ساحة باب توما ودرج باب توما وندخل في حارات دمشق القديمة جعفر والمسك والقصبة وحنانيا نرسم في ذهننا مخطط للطريق الموصل الى حارة الزيتون حيث تنتظرنا مدرستنا ونبتعد دوماً عن الشارع العريض المرصوف بالحجر والممتد من ساحة باب توما الى القشلة بسبب عدم وجود ارصفة متعلقة وبالأحرى وجود ارصفة ضيقة ومكسرة وعرجاء لم نحبها يوماً ولم تحبنا، كنا انا ومحمد زهير شبيب نبتعد عن السفاسف ونحدد موضوعاً جديداً نناقشه في الذهاب وفي الاياب، لم نعرّج على مدارس البنات ولم نتحرش بواحدة لا قصداً ولا عرضاً وكان زهير يغفر لي أمراً واحداً وينفذ مكرهاً شرطاً إتفقنا عليه بشكل مسبق وهو مروري اليومي وهو معي في الاياب من تحت منزل حبيبتي في عهد المراهقة الأولى وكان اسمها نجوى وبيتها في القصاع، وكنا في كل مرة لا نوفق برؤيتها فنرى والدها يحمل الأغراض من السيارة ويصعد الى بيته أو نرى أخوها ينزل أو يصعد ومعه كلب ابيض صغير بسلسلة مذهبة.
كنا نتحدث في السياسة ونتحدث عن فلسطين و عبد الناصر والتأميم، وتحدثنا عن هتلر وكل معارك الحرب العالمية الثانية وكل قادتها وتحدثنا عن دبابات البانزر وطائرات المسر شميث وخط ماجينو وفرنسا والثورة الفرنسية واعدام الملكة والملك والأمراء الصغار وتطورات الثورة الفرنسية وقادتها وتصفيتهم لبعضهم ونابليون واحتلال مصر وسليمان الحلبي والجنرال كليبر وحروب اوروبا في عهد نابوليون وحربه مع روسيا وتقهقره والانتداب على سوريا وحرب الاستقلال، ولم نتحدث عن الارمن ولا مرة واحدة لأنني لم اكن متمكناً من هذا الأمر، ولم نتحدث في الأديان فلقد كان أمراً لا يعنينا، كان الشيء الوحيد الذي يزعجنا هو الفتوة واجبارنا على ارتداء الملابس العسكرية وخاصة الجيتر وهو رقبة البوط العسكري ويلبس فوق الحذاء المدني ومعه الشرائط السوداء الطويلة وله زنار صغير يتم حشر نهاية البنطلون العسكري فيه وكان هناك ملازم من الجيش الشعبي قاسي القلب وسيء بكل المقاييس يضرب على الظهر ويرفس بالقدم ويصفع على الوجه في مقابل خطأ بسيط لا يتعدى تحرير الزر العلوي في الجاكيت العسكري وكان يردد عبارة ـ بنذهي بنذهي ـ ويقصد تبكيل الزر العلوي في البدلة العسكرية، وكان هذا التبكيل مزعج لأنه يجعل قماشة الجوخ الخاكية الخشنة تحيط بالرقبة وتعاملها كما يتعامل المبرد مع الأشياء.
كان صوت هذا المدرب يثير الهلع في قلوبنا الغضة وكان يشتم مستعملاً ألفاظ نابية لم نعتد عليها وكنا في درس الفتوة نذهب الى مخازن السلاح نجلس على الأرض نفكّ ونركّب ونصرخ استعصاء دون ان ندرك ان حياتنا وطفولتنا المصادرة هي كل الاستعصاء ونخرج وثيابنا ملوثة بالزيت وايادينا متسخة بالشحم الأسود وتبقى هكذا حتى وصولنا الى البيت.
وفي احدى الايام تم جلب سيارتي زيل عسكريتين صعدنا اليهما على ايادي بعضنا بسبب عدم وجود سلّم ولم يتح لنا فرصة للجلوس بسبب عدم وجود مقاعد تحت الشادر لا أنا ولا محمد زهير شبيب ولا زهير آخر كان اسمه الكامل محمد زهير قصار وكان يعمل في محل لبيع العصير بجانب سينما الفردوس وكان يردد عبارة "من يشارك الماء لا يخسر" وكنا انا وزهير شبيب نداعبه مرددين عبارة من يشارك الماء لا يخسر، ومعنا شاب طويل يدعى جورج كسّاب.
وانطلقت الزيل بنا الى جسرين وعلمنا ان الهدف هو تنفيذ عمل طوعي وهو تنظيف الطرق هناك، ووصلنا وقفزنا وذهبت الزيل وتم تقسيمنا الى مجموعات وتم فرزنا على المنطقة ولم نتمكن من فعل شيء لأنه لم يتم تزويدنا بالمستلزمات من مقشات وكريكات وبراميل وما شابه فالتقطنا بعض الأكياس من الأرض ووضعناها على الطرف فاقتلعها الهواء من مكانها ونثرها بطريقة ابشع من السابق، وقرر زهير شبيب أن نبتعد عن المكان خاصة وان الضابط لم يعد موجوداً في خط نظرنا فجلسنا بالقرب من منزل ريفي وعلى مسطبة متسخة، كانت امنيتنا العظمى شربة ماء فلقد دخل التراب في وجهنا وفي انوفنا.
وخرجت سيدة محجبة من المنزل وبيدها صينية كبيرة من الألومينيوم فيها طنجرتي شينكو صيني بلون أزرق داكن الأولى فيها مجدّرة والثانية فيها سلطة أذكر منها اوراق البقلة والبقدونس وحبات البندورة المقطعة والى الجانب رغيفي خبز تنور مطويين واقتربت السيدة منّا فنهض زهير وأخذ الصينية من السيدة ووضعها على المصطبة وقال لها باللهجة الشامية العاميّة: عزبتي حالك يا خالة الله يسلم دياتك ...فأجابته: والله ما في شي من واجبكون يا خالة هدول شوية مجدرة عملتهون عل سريع كلوهون ودعولي وصحتين وألف عافية... وانتحت المرأة جانباً وقالت لي: انا عندي ولد عسكري متل حكايتكون عم يخدم عسكرية ألت لحالي بعملكون لقمة الأكل هاي بلكي الله بيبعت حناين يحننوا على ابني بعسكريتو.
ولم أكن دبلوماسياً لهذه الدرجة فتدخل زهير شبيب لينقذ الموقف وأجاب السيدة: انشاء الله بيرجعلك بالسلامة يا خالة... وذهبت السيدة واغلقت الباب ورائها فقال لي زهير: لم نطلب منها ان تحضر الماء فأنا على وشك السقوط من العطش...وعادت السيدة تحمل بيدها ابريق من الفخار وضعته امامنا على المسطبة وقالت : هيا سمّوا بالله سمّوا بالله... وسمينا بالله وقال لي زهير هيا كل بالغمس لأن هؤلاء لا يستعملون الشوك ولا الملاعق ولكنهم يملكون قلوباً أطهر من الماء الزلال... وتركنا المتبقي على المصطبة وودعنا السيدة ومضينا نبحث عن جماعتنا.
كنت اذهب مع زهير الى محل والده وهو محل بقالة في ساحة القصور تحول اليوم الى محل لبيع الزهور وهذه المسألة تناسب نفسية زهير الذي احتفظ بمحل والده حتى اليوم، وكنا ندخل الى المحل انا وزهير الذي كان يستلم المحل من والده في حين يصعد الوالد الى البيت، ويستلم زهير الغلّة ويبيع ويشتري ويعرف كل الأسعار والتعامل الصحيح مع الميزان ويضرب ويجمع بدون آلة حاسبة ولا ورقة ولا قلم فلقد كان بارعاً في الرياضيات ولا يقبل بأقل من العلامة التامة في هذه المادة بالذات وكان يحرج استاذ الرياضيات ويجادله في الحل...وعندما سألته عن سر تفوقه قال لي: ليس هناك أي سر فأنا عندي استاذ رياضيات في البيت جاهز لمساعدتي في كل لحظة واختصاصه رياضيات فيزياء كيمياء...قلت له: أخوك؟... قال لي: بل أختي وهي اكبر مني وحنونة عليّ مثل أمي... وسألتحق بكلية الهندسة وقد اتفقنا انا وهي على ذلك إن شاء الله.
وفي فحص الفتوة المخصص لطلاب الصف العاشر تم حلق رؤوسنا على الصفر فكنا كالخارجين عن القانون او كرواد السجون حيث لا يمكننا التقدم للفحص بشعورنا لكي لا نفسد الفحص، ودخلنا انا وزهير وتقدمنا للفحص فتم رفضنا لأن الحلاقة لم تكن كافية فعدنا ثم عدنا وكان هذا الاجراء "حلق الرأس" مصيبة بالنسبة لي بسبب حفلات الأوركيسترا وعقد فندق نداف في بلودان حيث لن اتمكن من الظهور خلف الأورغ وأنا معقوص الرأس كالمجرمين، كان زهير ينظر في صلعتي ويضحك وكنت انظر في صلعته وأضحك، وحدثت مشاجرة بين طالب مدعوم ورئيس المركز الذي أصر على رفض الطالب المدعوم فذهب هذا المدعوم وعاد مصطحباً سيارة فيها من فيها ...تولوا ادخال الطالب الى القاعة واجروا له الفحص فقرر رئيس المركز قبول كافة الطلاب أصحاب النصف حلاقة فنفذوا جميعاً...وكانت البهدلة من نصيبنا انا وزهير شبيب وقلة من المتسرعين.
وانقضى العام الدراسي وأمضيت الصيف في فندق نداف في بلودان وكنت عازف الأورغ الحليق الرأس والمختبئ خلف أيمن فحام عازف الصولو غيتار والبارع في أغاني ومعزوفات كارلوس سانتانا وأهمها "اويي كوموفا وايفيل وايز وبلاك ماجيك وومن" ومعنا شقيقه سمير فحام وهو طبيب اسنان يعمل الآن في فرنسا وعلى الدرامز عازف رقيق جداً يدعى باسم شحادة ومغني يدعى علي جمعة من أصل فلسطيني...وغنت معنا فتاة مصرية اسمها سالي كانت تعمل في الزبداني مع اوركيسترا مصرية تحضر لتغني معنا ساعة كاملة تعود بعدها الى الزبداني ويتولى توصيلها شقيق صاحب المحل وكان اجمل عقد وأحلى فريق والأيام الجميلة لا تعود.
وعدت الى دمشق وعرفت أنه تم نقلي الى ثانوية امية واشتقت لزهير شبيب ولم أعد أراه فصرت اتردد الى محل والده فأحظى به مرة كل بضعة محاولات وانشغلنا فلم أعد أراه ولم يعد يراني.
ومضت الأيام وتبعتها السنين ولم انسى زهير شبيب واعتقد انه لم ينساني وكنت قد عدت من اسبانيا والتحقت بالعمل في بار فندق الشام كنا ثلاثة عازفين الأول عازف الترومبيت ومغني الجاز فؤاد بركات والثاني عازف الكيتار رياض الكل والثالث انا كعازف اورغ ... وكنت كعادتي قبل الالتحاق بالعمل آخذ دوش في المنزل... وفوجئت بوالدتي تطرق الباب فسألتها ماذا في الأمر؟ فقالت زهير شبيب في الصالون ومعه ابن عمه وهو في عجلة من أمره...فخرجت مسرعاً وقبلته قائلاً: بعد 15 سنة غياب يا زهير؟ قال لي: حتى ولو بعد 50 سنة فالذي بيننا لا يتغير...قال لي: اليوم عرس أختي في الميريديان وكنا قد اتفقنا مع اوركيسترا لاحياء الحفل وحدثت مفاجأة في آخر لحظة حيث رفض عازف الكيتار بيس الحضور واستطعنا تأمين عازف بدلاً عنه ولكن المشكلة ان العازف الجديد لا يملك كيتار فوعدته ان احضر له كيتار...قلت له: انا عندي كيتار بيس هنا في المنزل وعندي آلات فرقة كاملة واربعة اورغات، ولكن بالله عليك كيف عرفت انني املك كيتار بيس وانت لا تعرف أكثر من أني عازف أورغ؟...قال لي: بالحقيقة انا لا أعرف ولكن أعرف شيء آخر وهو أن آرا سوفاليان لا يخزلني.
ومضى زهير شبيب مسرعاً ومعه الكيتار ومعه ابن عمه وأعاد الكيتار في اليوم التالي ولم أعد أراه... ومضت عشر سنين فيهن ما فيهن، ورأيته بقرب مبنى المالية، يبحث عن سيارته، فذهبت ابحث معه، وسألته: ماذا تعمل ...قال : رميت شهادة الهندسة واعمل حالياً في منتجع طبي للعلاج بالمياه الكبريتية في جباب على طريق درعا... فقلت له: وكيف تجده؟ قال: ممتاز ولدي معالجين فيزيائيين من دول شرق اسيا والحمد لله...ارجو ان تقبل دعوتي وزوجتك والأطفال لقضاء يوم في المنتجع...قلت له: المكان بعيد...قال: هذا رقم موبايلي وعندما تقرر سأرسل لك سيارة.
وبالطبع لم أقرر ولم أذهب ومضت السنين ورأيته بعدها بجانب بناية الروس في شرقي التجارة وكنت بصدد زيارة طبيب اسنان ارمني هو هراتش برسيخيان يتعامل مع مواد شركة نوبل بايوكير التي أمثلها في سوريا ...قلت له من هذه الأميرة الصغيرة التي تصحبك...قال لي: هذه ابنتي وهي حبيبة بابا المدللة وكنا هنا في زيارة لبيت أهلي وسنعود الآن الى بيتنا في منطقة المزة... وأضاف حبيبة بابا تدرس الموسيقى الآن واريد ان تصبح عازفة بيانو مثل صديقي آرا سوفاليان...ثم نظر الى ابنته وقال: حبيبتي هذا آرا سوفاليان الذي حدثتك عنه وهو أعظم عازف اورغ في سوريا... وذهب زهير مع حبيبة بابا ولم أعد أراه.
واتصل بعد فترة وكنت في عرقلة سير رهيبة وعالق حتى أذني قال لي :احزر أين أنا؟... قلت: في حمام السوق...وضحكنا معاً وسيارتي عالقة بما لا يتناسب مع وضع الضحك...قال انا في الشعلان في محل ميكا للموسيقا عند البارون سركيس قلت له: وتريد شراء بيانو جداري لحبيبة بابا...قال صحيح...قلت له هل السيد سركيس أمامك قال نعم...قلت اعطه الموبايل لأنجز لك ما تريده مني... وتحدثت مع السيد سركيس وطلبت منه اعطاء زهير الحد الأعلى للحسم...وأخذ زهير الموبايل من جديد وقال لي: هناك شيء آخر...قلت ما هو؟ قال: خيرني السيد سركيس بين بيانويين ومن خيّرك حيرك... قلت له ابق حيث أنت وستصل الى عندك عازفة بيانو لا أستحق ان اكون طالباً عندها وستعزف هي وتختار لك وعليك ان تفعل ما ستقوله لك وتشتري البيانو الذي ستنصحك به.
وصار البيانو في البيت وعاد زهير للإتصال بعد فترة وجدد الدعوة والعزيمة على نبع الحياة فقلت له انا منشغل بالوالدة وعليها ان تعود الى كندا فلقد استنفذت فترة الستة اشهر التي يسمح لها بها ان تبقى خارج كندا... قال لي: وماذا بشأن ركبتها؟ قلت له: تقول ان الألم حتى الآن مقبول...قال لي: كان عليك ان تحضرها فعندي طاقم من المعالجين وعندي نبع الحياة وعندي الشفاء بإذن الله ...ثم مضت فترة انقطاع قال لي فيها معاتباً...وما هو وضعك الآن بعد الحادث...قلت له: نسيت وضعي بعد الحادث فلقد انساني وضع البلد وضعي والحادث...قال لي والألم قلت: الألم موجود واقوى من قبل...قال لي: ارجوك يا آرا لا تبخل علي بأن أقدم هذه الخدمة لصديق عمري...قلت له سأفعل بعد ان تهدأ الأوضاع.
اليوم وهو الثلاثاء 03 07 2012 وكنت مضطراً لزيارة نفس الطبيب هراتش وعيادته في بناية اهل زهير شبيب والموعد الساعة 12 ظهراً تسمرت في مدخل البناية وشعرت بأن قدماي في الهواء وأني سأقع على الأرض فلقد كنت أقرأ نعوة المهندس محمد زهير شبيب الذي انتقل الى رحمته تعالى إثر حادث أليم ... واغرورقت عيناي بالدمع فلم أعد أرى اليوم ولا التاريخ ولا اسم الأعمام ولا الأقرباء ولا مكان التعزية...ودخلت العيادة واجلسني الطبيب على كرسيه وقال لي وجهك يا آرا أصفر كالليمون قلت له: مات صديقي...قال لي: قرأت النعوة ...قلت له: هل تعرف كيف مات؟ قال لا...فأنا لا أعرفه يبدوا ان له أقرباء هنا أما بيته ففي المزة.
خرجت ولم أعثر إلا على رهط من الأطفال فسألتهم فأجابني أكبرهم هذا شهيد ولكنه ليس هنا بيته ليس هنا...ودخل رجل يحمل الأكياس بيديه فسألته فقال: في الساعة الثانية بعد منتصف الليل أقفل المنتجع وطلب بيته كعادته فكمنوا له وقتلوه وأخذوا السيارة.
وعدت الى سيارتي واغلقت الباب على نفسي ولم افطن لفتح النوافذ والحرارة في السيارة تقارب الخمسين وانا الآن في مملكتي ولوحدي وبعد خلوة مع ضميري تذكرته وتذكرت روحه الايجابية وأدبه الجم والتفاؤل والحيوية والابتسامة التي لا تفارق محياه وصغيرته حبيبة بابا والبيانو وصوت الرصاص فبكيت وبكيت ونظرت الى السماء وعلى شفتيّ سؤال لماذا لماذا؟؟؟ لماذا يا رب السموات والأرض لماذا؟؟؟ ارحمنا يا رب... ارحمنا يا رب...انت ارحم الراحمين وأنت جل جلالك السميع المجيب...أنت السميع المجيب... ارحمنا ارحمنا يا أرحم الراحمين... أبا أبيّ فليكن ذكرك مخلداً...فليكن ذكرك مخلداً...فليكن ذكرك مخلداً.
آرا سوفاليان
arasouvalian@gmail.com