سبي الباشي...بقلم آرا سوفاليان
في معرض زيارتي لأرمينيا هذه الزيارة التي كانت حلم حياتي والتي امتدت من الساعة التاسعة مساء 09 09 2013 ولغاية الساعة 10:15 من ليل 27 09 2013 رأيت ما بقي من وطن أجدادي رأيت أرمينيا الشرقية التي كانت تعرف بجمهورية أرمينيا السوفياتية قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، لمست الأشياء بيدي ورأيتها بعيني شممت رائحة أرضها وحجارتها وارتويت من مائها وأكلت خبزها وفاكهتها وجلست في معابدها الوثنية التي حافظ عليها الأرمن دون عبث أو تخريب ومنها معبد كارني الوثني وهو الاسم الذي أطلقته على ابنتي الصغرى لأن لهذا المعبد الوثني قصة رائعة فهو يقع في خط الزلازل وقد تعرض للمئات منها دون أن يقع وهذا المعبد يمثل الشعب الأرمني وكل الزلازل التي مر بها دون ان يقع.
وجلست على مقاعد كنائسها القديمة والحديثة وقبّلت حجارتها وعفّرت شفتاي بترابها، وزرت الجامع الأزرق في يريفان الذي حافظ عليه الأرمن بكل الحب والحرص ولا زالت مئذنته ترتفع حتى اللحظة في سماء يريفان، بالطبع لم أتمكن من زيارة أرمينيا الغربية لأنها أراض محتلة وهي بيد تركيا اليوم وكل كنائسها ومعابدها مهدمة وتم نسف اغلبها بالديناميت، بعد أن تم ترحيل أصحابها إلى صحارى بلاد الشام والعراق.
لا أعرف ان كان الله جل جلاله قد كتب لي زيارة أرمينيا الغربية في يوم من الأيام التي بقيت لي على هذه الأرض الفانية كما كتب لي زيارة أرمينيا الشرقية، فإن كان ذلك مكتوب لي ومقدّر فسأذهب إلى أرمينيا الغربية المحتلة، سأذهب إلى ملاطيا ومنها إلى آربكير مسقط رأس جدي آرا سوفاليان الذي ضاع قبره في بلدة كفربو التابعة لمحافظة حماه السورية، سأذهب إلى آربكير ليس لأرى كنائسها لأن الديناميت تكفّل بها ولا لرؤية دار جدي ولا مقبرة العائلة لأن البلدوزر تكفل باجتثاث كل ذلك، بل لأكحل عيناي برؤية أطلالها أو ما بقي منها ولأشرب مائها واتنسم هوائها وأعود لا أعرف إلى أين وفي جيبي حفنة من ترابها، لأنه وفي آربكير بالذات ترعرعت عائلتي ومن آربكير بالذات بدأت مفاعيل إبادتها حيث تم قتل 135 إنسان ينتمون إليها ليبقى منهم ثلاثة أطفال على قيد الحياة هم جدي آرا سوفاليان وأخاه الأكبر بوغوص وأخاه الأصغر هامبارتسوم الذي عاد في العام 1946 إلى أرمينيا السوفياتية ومات هناك وأعاد إحياء اسم العائلة في أرمينيا هذه العائلة التي أكرمت وفادتي واستضافتني في أرمينيا.
في أرمينيا لمست وباليد العبارة التي لي ألف تحفظ عليها وهي التسامح الديني، ومسألة التسامح بحسب قواعد اللغة العربية السامية لأنها لغة القرآن وعلى قدر درايتي المتواضعة بدقائقها فإنها تعني العفو، وهذا بحسب المعاجم ففي وارد أن يسامح الأمير فلان تعني أن الأمير قد عفى عنه، ومن هنا لي ألف تحفظ على هذه الكلمة (التسامح الديني) لأن التسامح يفرض وجود ذنب ويأتي التسامح للعفو عن صاحب هذا الذنب، ولكن كيف ستستوي الأمور والمؤكد هو عدم وجود ذنب، فعلى أي شيء سيكون هناك تسامح؟
من المفيد إذاً استبدال هذا المصطلح بمصطلح آخر وهو (التعايش الخلّاق) وهذا التعايش الخلّاق لمسته بيدي في أرمينيا وإليكم تجربتي:
في أرمينيا طائفة قليلة العدد هي الطائفة الأيزيدية تعرضت لإضهاد مروّع من قبل السلطنة العثمانية وورثتها الشرعيين جماعة الاتحاد والترقي ووارثهم الشرعي كمال أتاتورك وورثته الشرعيين الممثلين بالنخبة الحاكمة الحالية، وللتوضيح فإن الايزيديين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالخليفة الأموي يزيد بن معاوية ولا يعرفونه ولا يعرفهم، وموطنهم الأصلي أعالي سلسلة جبال سنجار العراقية وكانت لهم مأثرة مع الأرمن أثناء الابادة المرعبة عام 1915 (الجينوسيد) فلقد صعدت إلى أعالي سنجار جموع من الأهالي الأرمن الهاربين من بطش الأتراك العثمانيين وكانت هذه الجموع تتألف في معظمها من النساء والأطفال والشيوخ وقلة من الشباب اليافعين فأنجدهم زعيم الايزيديين وقطع لهم العهد بحمايتهم وإطعامهم ومساعدتهم وتأمين العمل لهم والعيش الكريم حتى تزول كربتهم... (راجع كتاب القصارى في نكبات النصارى للقس المارديني السرياني الكاثوليكي اسحق ارملة ففيه الوصف المستفيض لحوادث تلك الفترة بدقائقها).
وأرسل الأتراك رسول إلى زعيم الايزد يطلبون منه تسليم الأرمن لأنهم كفار وخونة وعصاة خانوا السلطنة العثمانية، فكان جوابه لقد قطعت لهم العهد وهم تحت حمايتي ولن أسلمهم وفي صدري قلب ينبض، ونصحه الرسول بأنه لا طاقة له بالدولة العثمانية ولا بجيشها فأجابه: جربوا أن تأخذوهم ودعونا نختبر رجولتكم.
وفي اليوم الثاني كانت مدافع الجيش العثماني تلف سفوح جبال سنجار وكانت الرمايات فاشلة لأن المدفعية غير مجدية في القصف من السفوح إلى الأعالي، وكان جيش الأيزد مجدٍ أكثر فلقد تمت دحرجة الصخور من القمم إلى السفوح فذهبت بالمدافع وطواقمها وبغالها، واستمرت المعارك سجالاً وربح الايزد بعض الجولات وخسروا البعض الآخر واستطاعوا تأمين بعض الأرمن شرقاً وأوصلوهم إلى إيران واستطاع أرمن آخرون وبمساعدة الأيزد الوصول إلى الخطوط الخلفية للجيش العثماني الذي كان يواجه الإنكليز في كوت العمارة وفي موصل العراق وانتهت الحرب العالمية الاولى بهزيمة منكرة طالت العثمانيين ولكن التنكيل بالايزيديين وجموعهم التي تمتد من محور طور عابدين وماردين وديار بكر وسلسلة جبال سنجار لم تتوقف واختار بعض الايزيديين الهرب إلى أرمينيا وصادفتهم هناك، كمواطنين مخلصين يحملون الجنسية الأرمنية ويتمتعون بإمتيازات وتسهيلات لا يتمتع بها ابن البلد، فلقد تم تخصيصهم بأراض يزرعونها ويربون فيا الأبقار والماشية، وتسرح أبقارهم في شوارع الأرياف فتتوقف السيارات حتى يعبروا، وينقلون محاصيلهم الزراعية من الخضار والفواكه إلى أسواق المدن وخاصة العاصمة يريفان باستخدام سياراتهم السياحية الروسية الجبارة ويضعون بضاعتهم ومحاصيلهم على سقوفها فلا يخالفهم شرطي ولا يلاحقهم أحد وهذا بالطبع ممنوع في أرمينيا ولا يجرؤ أحد على مخالفة القانون هناك على الرغم من أن مخالفات السير عادية وليست بأرقام وحشية كما في الدول الأخرى ومحاولة رشوة دورية الشرطة تؤدي إلى السجن حتماً بسبب توزع الكاميرات بشكل مبالغ به، والمخالف يقتنع بالمخالفة ولا تسحب أوراقه ولا يتم إذلاله وهو يحاول استردادها، وعليه تسديد المخالفة بالانترنيت وهذا من أسهل ما يكون مع وجود شبكة انترنيت جبارة، فالهدف ليس تأديب المواطن لأن الدولة تفترض أن المواطن مؤدب مسبقاً وحسن النية وارد والكل يعتبر أن المخالفة هي تصويب ولفت نظر وهي مساهمة في إيرادات الدولة التي تنفق على المواطن وعلى البلد أكثر بكثير من متحصلاتها الفعلية والفرق بالطبع يأتي من الواردات الإضافية المتمثلة بالسياحة ومؤازرة أرمن المغترب.
وبالعودة إلى الايزديين وإلى القس اسحق أرملة الذي أشار في كتابه إلى أن أرمن جبال سنجار ومنهم الكثيرين من أهل ماردين الذي دفعوا إلى السوقيات دفعاً التزموا بمبادئ ثلاثة وهي احترام المشاعر الدينية لمضيفيهم الايزيديين وعدم التدخل فيها ولا حتى السؤال عنها وأهمها عدم الالتفات إلى خرقة مرمية على الأرض ومعقودة من إحدى لأطرافها لأنها تمثل رمز ديني ايزيدي وايضاً عدم التلفظ باسم الشيطان وعدم شتمه وللشيطان مكانة لدى الايزد فهو ملاك من ملائكة الله وهم يخشون بطشه فلا يشتموه ولا يسمحون لأحد بشتمه والأمر الثالث هو موقد النار حيث يجب عدم التعرض له وإطفاءه برش الماء على جمراته بل تركه لينطفئ لوحده، لأن النار إله من آلهة الايزد ويجب عدم التعرض لها، وفي النهاية فهذه فلسفة تخص شعب لا يعرف الله انجد الأرمن ودافع عنهم في مواجهة شعب آخر يدعي انه يعرف الله وينصب نفسه راعياً وحامياً ومدافعاً عن حقوق الله عن طريق ذبح عباده وسبي نسائهم وإحراق أطفالهم كونهم كفار وأولاد كفار.
في احدى الأمسيات حدثتني ابنة عمي بأن غداً هو يوم الاربعاء قلت لها وماذا في ذلك قالت كل يوم أربعاء يأتي الأيزيديون من الصباح الباكر يضعون بضاعتهم على الرصيف ليبيعونها فتنفذ في الثامنة فيذهبون، فسألتها وماذا يبيعون قالت جبنة وزبدة وحليب وسمن وشمندور قلت لها ولكن هذا موجود في السبرماركيتات كلها فقالت نعم موجود ولكن لا يوجد ايزيديين في السوبرماركيتات قلت لها وما العبرة في الشراء منهم؟ قالت: بضاعتهم صاغ 100% ولا يعرفون الغش أبداً ولأن البيع على الرصيف ممنوع في أرمينيا فإننا نسارع إلى شراء كل بضاعتهم ليتركوا المكان حتى لا يصطدموا مع الشرطة وهناك أمر آخر فنحن نساعدهم في شطف الرصيف وإزالة الأوساخ عنه ونحضر الأدوات والماء من بيوتنا ونعمل معهم حتى لا نسبب لهم الإحراج فنحن نزيل المخلفات وننظف كل شيء يد بيد ، قلت لها ما أجمل ان يبيع التاجر بضاعته كلها بساعة زمنية واحدة، قالت نعم نعم لهؤلاء فضل على الأرمن ونحن لا ننسى فضلهم وهو دين في اعناقنا ...قلت لها ايقظيني باكراً في الغد لأتعرف عليهم قالت: هن ثلاث نسوة يحضرهما الأب والزوج بسيارته ويتركهم على الرصيف ويعود لإصطحابهم بعد ساعة ويعود بهم إلى القرية التي جاؤوا منها...قلت لها: لا أريد التحدث معهم إذا كانوا نسوة يكفي أن آراهم من شرفة المنزل، ويسجل لأيزيديي جبل سنجار مأثرة عدم التعرض لبنات الأرمن ولا لنسائهم فلم تتم من قبلهم مراودة إمرأة أرمنية عن نفسها وأيضاً قوانينهم لا تسمع بالزواج من غير الأيزيديات فكانوا في هذه الناحية من اشرف الناس فلم يتم الاعتداء من قبلهم على ارمنية واحدة لا قسراً ولا كرامة وهذا يسجل لهم بأحرف من ذهب فعقيدتهم تمنعهم من استغلال حاجة من استجار بهم، وأغلب من استجار بهم هم من النساء والاطفال.
وكنت اعرف ان ابنة عمي تحمل شهادتين جامعيتين الاولى في الهندسة المدنية والثانية في اللغة الروسية وآدابها لأن والدتها روسية وليست ارمنية وزوجها مهندس مدني ايضاً ومثقف بطريقة استثنائبة ومع ذلك قررت اختبارها فرميت العبارة الآتية على سبيل التعرض والاستقراء ثم الاستنتاج فقلت لها: هل تعلمين أن الايزيديين يعبدون الشيطان ولا يعرفون الله؟ فنظرت إلي مستغربة ثم قالت نعم أعرف وكل أهل أرمينيا يعرفون ولكن ما شأننا في ذلك؟؟؟ ومن الذي فوضنا لتقويمهم؟؟؟ الله لا يحتاج لأحد ليحفظ عرشه فهو بإشارة من يده يرث الأرض وما عليها فيفنيها، ونحن لا نمثل شيء ولا حتى نقاط تافهة في المجرة...نحن لا يهمنا من الايزيديين غير انسانيتهم ومعاملتهم الطيبة لنا فهؤلاء الذين لا يعرفون الله كانوا مع الأرمن أفضل مليار مرة من الأتراك الذين يدعون بأنهم يعرفون الله ولكن افعالهم جاءت لتؤكد عكس ذلك.
هذا هو التعايش وهذه هي الإنسانية بأنصع صورها أما ما يسمى بالتسامح الديني فهو عبارة ممجوجة وفي غير سياقها بسبب عدم وجود ذنب تجري المسامحة عليه.
هذا ما فعله الايزيديين وهذا ما فعله الأتراك...وارمن لم يفعلوا شيء لقد اتهموا بأنهم لم ينجحوا بثني ارمن روسيا الذين انخرطوا تحت لواء القيصر في محاربة الدولة العثمانية ولم ينجحوا بتأليبهم لخيانة قيصرهم ومحاربته إلى جانب الدولة العثمانية، وأرمن تركيا لا يمكنهم عمل ذلك لأنه غير مجدي ولأنه لا سلطان لهم على ارمن روسيا...ويضيع الشعب الذي يتوزع بين اراضي دولتين متصارعتين فلا يحصد غير الأسى والتحطط وتأتي كل الضروب في رأسه.
الإنسان لا يحاسب إلا على فعله حيث لا تزر وازرة وزر أخرى وكانت النتيجة قتل مليون ونصف ارمني بعيدين جداً عن الجبهة الروسية العثمانية ومعظمهم لا يعرفون سبب قتلهم وتشريدهم.
هذا الذي قدمته هو إرث الأرمن في التعامل مع الشعوب الأخرى والايزيديين منهم أما إرث الأتراك في التعامل مع الشعوب الأخرى فهو معروف ولا يحتاج للتعريف ومآسي الشعب الأرمني خير دليل ومآسي شعوب اليونان والبلقان غنية عن التعريف وهذه هي النتيجة الحتمية لغزو الشعوب المتقدمة من قبل حثالات وهمج أقل ثقافة وتحضر فلقد وصلت جيوش العثمانيين إلى أسوار النمسا وارتكبت هناك من الفظائع ما لا يمكن تخيله وهذا إرث يبدأ بفواتير وكشف حساب وينتهي بفواتير مقابلة وكشف حسابات، واهرامات من الجماجم تركها العثمانيون هناك في البلقان فتعفنت فصارت تصدر صفيراً مرعباً في الليل بعد أن تغشاها الرياح وتخرج من أفواهها، وتكرر ذلك في الأندلس، وكان لا بد من مقابلة وحشية العثمانيين بتوليفة أخرى مشابهة بل وتتفوق عليها وإلا فإن النتيجة الحتمية هي الابادة والارض المحروقة وضياع البلاد والعباد كما حدث في التجربة الأرمنية، ان الغزو هو عبارة ممجوجة ومقرفة وذنب لا يغتفر والسبي هو اثم مروع ولا بد من الرد المروع ولهذا السبب بالذات كسرت اوروبا وفي مقدمتها النمسا شوكة السلطنة العثمانية وجيشها العثماني الغازي على الرغم من التزوير المروع للتاريخ الذي يظهر الأبالسة في أثواب الحمائم ويظهر ملوكهم في أثواب الملائكة فإن الحقيقة يعرفها الطفل الصغير، وجاءت العلمانية وسياسة المال والمصالح لتجبر كافة الاطراف على الوقوف عند هاذا الحد فتم فرض سياسة الامر الواقع وضاعت حقوق الأرمن في اسواق النخاسة والخيانة العالميتين.
الذي حدث في البلقان أمر تشيب له الولدان ولكن البادئ أظلم وكان البادئ هو القادم من سفوح منغوليا والواصل إلى أرمينيا التي اعمل فيها يد القتل والحرق والتدمير وتابع مساعيه فقضى على الخلافة في بغداد وأحرق مكتبتها وألقى بكتبها في دجلة والفرات فدمر متحصلات علمية تخص البشرية جمعاء وعرقل مسيرة التقدم ألف عام وأعادها إلى الوراء وتابع الزحف فضرب القسطنطينية وسبى نسائها وقوض بنيانها وأهدر حضارتها اللاتينية التي تدين لها فيها كل شعوب اوروبا ويمم صوب الشام وحاصر قلعتها وضربها بالمنجنيق وحز رقاب أهلها وعرض كل أهلها على السيف ووضع خيرة جنودها وضباطها وحامياتها على الخازوق، هذه الأداة المسجلة المسجلة كبراءة اختراع حصرية لآل عثمان، ولا بد ن التمييز والتفريق يعتبر أمراً غير مجدي لأن كل هذه القبائل وكل هذه الأرحام والأفخاذ تعود لجد واحد وهؤلاء القتلة هم أحفاده.
إن الذي أثار شجوني هو صورة مؤسفة وقعت عليها عرضاً في النيت تحمل ألف معنى وهي لوحة لرسام تشيكي وعنوانها :" سبي الباشي " تمثل جريمة غزو ثم سبي حدثت في قرية بالهرسك"و هي معروضة في متحف في نيويورك.
تصور هذه اللوحة أحداث هجوم العثمانيين على قرى مسيحية في أوروبا الشرقية، باسم الغزو، وفي اللوحة جنود عثمانيين يعتدون على إمرأة بعد قتل زوجها ورضيعها الذي نراه على الأرض تحت أقدام الغازي المنهمك في تكتيف ضحيّته العارية لاغتصابها بعد أن قام بتمزيق ملابسها.
لماذا لا تبدأ الإنسانية بفكر جديد يتجاوز القتل والنهب والسلب والغزو والقهر، لأن هذا الطريق لا يقود إلا لتبادل تقديم الفواتير وكشوف الحسابات وهو طريق شائك ومدمي ولا نهاية له...لماذا لا نفعل كما فعل الشعب الياباني الذي انبت الورود في ناغازاكي وهيروشيما فأبكى كل الشعب الأميركي، لماذا يتم إغلاق الحدود ما بين أرمينيا وتركيا ويتم منع الطائرات المدنية من التحليق في الأجواء...من يستطيع اليوم كسر رأس أرمينيا وهي دولة نووية وخلفها روسيا أكبر دولة نووية في العالم، وورائها من ورائها من الدولة العظمى الأخرى، ما الفائدة من النفخ في قربة مقطوعة، لماذا لا نكون حضاريين ونكون بمستوى ابنة عمي وسكان البناية التي تقطن بها ومن خلفها كل أهل أرمينيا في تعاملهم الحضاري مع الأيزيديين لماذا لا نتسلح برقيها في معرض ردها على تعريضي بأن الأيزد لا يعرفون الله ويعبدون الشيطان لماذا لا يتم تحويل المقولة الآتية إلى منهاج عمل دائم للبشرية جمعاء
(إن رد الإساءة بمثلها ودفع الشر بالشر شكلان لإجراء عادي يجب تغييره ابحث بين ثنايا قلبك فتجد مساحات حب هائلة ضم إليها حبك لوطنك ولأوطان الغير وحبك لأهلك وأهل الغير وإخوتك وإخوة الغير وأصدقاءك وأصدقاء الغير وأعداءك إن لمست فيهم بعض الشهامة)
لنتذكر دوماً إن الله لا يحتاج لمحامون يتولون حمايته والدفاع عن عرشه وهم الأولى بالحماية لأنهم الضعف بعينه لتنذكر دوماً أن هناك مهمة نبيلة تنتظر سكان الارض جميعاً، وهي وحدة كوكب الأرض والانطلاق لاكتشاف الفضاء الخارجي، لاكتشافه وليس غزوه، لأن الغزو كلمة لم تكن ولم تعد تليق بنا كبشر لا في السابق ولا اليوم ولا في المستقبل..
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
المغترب 16 10 213