المخططات الأمريكية: البيوريتان يهود لا نصارى (2)
مصطفى إنشاصي
عدم معرفتنا بالعدو الأمريكي التوراتي هو الذي يجعل الكثيرين مندهشين من تحريك أمريكا أساطيلها الحربية من حاملات طائرات وغواصات نووية وقوات خاصة وغيرها لتملأ البحر الأبيض المتوسط، والصمت على حرب الإبادة لأهلنا في غزة، ومنع وقف إطلاق النار لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية لغزة، وإخراج الإصابة الخطرة للعلاج في الخارج ... لأن المهدد هو دولة الرب (إسرائيل التوراة) التي هي شرط عودة المسيح آخر الزمان، وقيادة مَن يعتبرون أنفسهم الأخيار هم والعدو الصهيوني للقضاء على الأشرار الذين في عقدتهم هم نحن المسلمون، في معركة هرمجدون والانتصار عليهم، وبعدها يسود السلام على الأرض ألف سنة!

النشــأة التوراتية لأمريكا
كثيرين لا يعرفون أن النشأة الأولى للكيان الأمريكي على يد المغتصبون الأوروبيون من أتباع الهوس الديني آنذاك، النصارى التوراتيين الأوائل من أتباع المذهب التطهيري البيوريتاني البروتستانتي، ومذهب عصمة الكتاب المقدس الحرفية، هي نشأة يهودية توراتية! وصف مؤرخ غربي واع مدرك لمدى يهودية تلك المذاهب، وكم هي مهووسة بالخرافات اليهودية عن (شعب الله المختار) و(أرض الميعاد) و(نهاية العالم) و(السيادة اليهودية العالمية)... وغيرها، فقال:
"كانت البيوريتانية نوعا من يهودية جديدة، يهودية محولة إلى مصطلحات أنجلو ـ سكسونية. ركز هؤلاء البروتستنت، في رجوعهم إلى نص الكتاب المقدس، على العهد القديم، وحاول بعضهم تقبلها حرفيا كأي يهودي أرثوذكسي". هذه النصرانية الصهيونية قد بلغت "ذروتها في القرن العشرين في مذهب العصمة الحرفي الأمريكي الذي يصر على أن "إسرائيل" هي التحقيق الواقعي للنبوءة في العصر الحديث". فقد رسخ هذا المذهب في أذهان النصارى البروتستانت الأمريكيين "أن هناك علاقة قومية بين أرض فلسطين والشعب اليهودي باعتبارها السلالة المباشرة لقبائل إسرائيل العبرانية القديمة. وكان الفقه البروتستانتي (المسيحي) هو الذي رسخ التواصل المستمر بين الأرض والشعب".
كانت نشأة الكيان التوراتي الأمريكي على يد أولئك النفر الذين هربوا من أوروبا إلى العالم الجديد نتيجة الاضطهاد الديني الذي لاقوه في أوروبا. وما كانوا يحملونه من خرافات توراتية ودينية عن نهاية العالم، وأحلام إقامة الكيان التوراتي النصراني (أمريكا) على أشلاء من سموهم الهنود الحمر بعد أن يبيدوهم، ويدمروا حضارتهم، تمهيدا لإقامة الكيان اليهودي في فلسطين. وقد كانوا يرون في سكان الأرض الجديدة الأصليين وهم يطاردونهم أنهم الكنعانيين الذين أمر الرب في التوراة بني إسرائيل بتطهير الأرض ـ فلسطين ـ منهم. كما كانوا يرون في أرضهم أنها فلسطينهم الجديدة، وفي بعض مدنهم التي أسسوها في أرضهم أنها قدسهم، وقدس أقداسهم.
وليس أدل على ذلك من الخارطة، التي رسمها أولئك المهووسون بخرافات التوراة للوطن اليهودي المزعوم أنه (وعد الرب) لليهود، التي يعود تاريخها إلى عام 1687م، والتي ضمت إلى جانب فلسطين "مصر، الحجاز، بلاد الشام، العراق، وأجزاء من تركيا تقريباً. هذه الأجزاء التي تمثل قلب مشروع (الشرق الأوسط). تلك الخارطة التي لا زالت محفوظة في أمريكا التوراتية، وقدمها الرئيس الأمريكي بوش عام 2004 هدية لشريكه في الإرهاب شارون، أثناء أحد زيارته لواشنطن. ولم يتوقف مسئول عربي مع هذا الحدث ليستشعر الخطر القادم الذي يتهدد الأمة والوطن كله من وراء الوثوق بأمريكا!
الكثيرين لا يعرفون أن البيوريتانيين من شدة إيمانهم بأساطير وخرافات وشخصيات أنبياء التوراة قد تقمصوا أدوارهم، وأسقطوا تلك الأساطير والخرافات التوراتية على أنفسهم وعلى الأحداث التي كانت تحدث معهم. فمثلاً عندما أشتد الصراع بين أتباع هذا المذهب والملك ادوارد الذي انقلب على كرومويل الذي حول بريطانيا للمذهب البروتستانتي واضطروا للهرب من بريطانيا عبر المحيط الأطلسي إلى الأرض الجديدة:
* تخيلوا أن الملك ادوارد هو فرعون مصر وأنهم هم موسى وقومه، وأن الله أنجاهم من ظلم فرعون بنقلهم عبر البحر إلى (الأرض الموعودة) وطن مَن أسموهم الهنود الحمر، ورأوا في الهنود الحمر سكان الأرض الأصليين أنهم القبائل الكنعانية والفلسطينية التي أمرهم الرب بإبادتهم، وأن الفرض الديني يُوجب عليهم إبادة سكان الأرض الأصليين ليتحقق لهم وعد الرب بامتلاك الأرض والسيادة عليها.
* بناء على ذلك بدءوا حرب الاستئصال والإبادة كما أمرت التوراة لسكان الأرض الأصليين، وقد كانوا وهم يطاردون الهنود الحمر بأسلحتهم النارية الحديثة يهتفون بيشوع صاحب السفر الدامي في التوراة، الذي يتوعد فيه الرب (يهوه) من لم يبيد القبائل التي تسكن فلسطين، فإنه سوف يبيدهم بدلاً منهم.
* كما أنهم كانوا يرون في وطن الهنود الحمر، أنها فلسطين وقد أطلقوا على مدنهم أسماء القدس وغيرها من أسماء المدن الفلسطينية، كما كانوا يعتبرون بعضها قدس الأقداس ويحلمون باليوم الذي يعيدوا فيه (شعب الله المختار) اليهود إلى فلسطين، ويقيموا فيها (دولة الرب الموعودة)، وكانوا يعتبرون إقامة الكيان الأمريكي التوراتي هو توطئة لإقامة (مملكة الرب) لليهود في فلسطين.
فأمريكا تاريخياً يسمونها ( فلسطين أو إسرائيل الجديدة) وأنها أنشئت تمهيداً إقامة (فلسطين أو إسرائيل التوراة)! فلا تعجبوا من الموقف الأمريكي الذي تشاهدونه ...