عز الدين القسام: أنت باقٍ فينا نهجاً جهادياً وفكراً وممارسة (2)
مصطفى إنشاصي
سيدي ومولاي اسمك يتردد على ألسنة الكثيرين لكنهم لا يعرفون عنك إلا القليل، وكيف سيعرفون في زمن أصبحت فيه بعض الفصائل تستظل باسمك وشعارك وهي لا تعِ من تجربتك شيء، لا معرفة ولا ممارسة؟! لذلك سأبقى أعيد الكتابة عنك في ذكرى استشهادك وفي كل وقت نفتقد لوعيك وممارستك، فالكثيرين لا يدركون انه باستشهادك ضاعت فلسطين .. ألم يبكيك شيخ الأزهر ومَن معه من العلماء حتى اخضلت لحاهم عندما بلغهم خبر استشهادك، وهم شيوخك الذين تتلمذت على أيديهم، ولمحوا فيه إمارات الوعي والنباغة ما لمحوا، وعندما سُئل عن ذلك قال: لا أبكي على القسام وأخوته الذين ارتقوا لربهم شهداء، ولكن الآن حقق اليهود والإنجليز هدف الغرب الثاني ضد الإسلام، فالأول كان إسقاط الخلافة والثاني هو إقامة دولة لليهود في فلسطين! لأنه لم يعد يوجد عالم مجاهد واعي بأبعاد الهجمة وحقيقة المخطط الغربي، وذلك ما حدث وما آل إليه حالنا مع من رفعوا شعارك ولم يمتلكوا إيمانك ووعيك وثورتك وورعك وزهدك وجهدك:
لا للتعامل مع اﻹنجليز والغرب فهم أس البلاء في ذلك الوقت بحكم احتلالهم فلسطين وسعيهم لتهيئتها لإقامة دولة لليهود فيها، عافاك الله من رؤية مراسلات كبار المجاهدين للصديقة أمريكا!
لا للتعامل مع الأنظمة لأنها صناعة بريطانية ومن لا يشارك منها في دعم إقامة دولة لليهود في فلسطين فإنه يثق بالصديقة بريطانيا .. والآن بالصديقة أمريكا!
لا للتفاوض أو الالتزام بهدنة أو تهدئة مع العدو لأنها تقيد حرية وحق وحركة المجاهدين وتلزمهم بعهد مع عدو غادر لا يحترم مواثيق، والأهم أنه ينزع عن الثوار حقهم في الثورة ويحول مقاومتهم من مقاومة لتحرير الأرض من المحتل لمقاومة لتجديد الالتزام بالهدنة وذلك بفضل الأنظمة العربية!
لا لقبول الأموال العربية القادمة من الأنظمة لأن لكل قرش فيها ثمن سياسي تدفعه المقاومة من حقوق الأمة الوطنية، وذلك ما يحدث الآن!
وأختم حلقة اليوم بموقف حدث معي يؤكد على شرف انتسابي لمدرسة القسام وليس أي مسمى يرفع شعاره:
في عام 1981 بعد إعلان الأمير (الملك) فهد بن عبد العزيز في القمة العربية الجهاد لتحرير بيت المقدس كان أول الملبين لتلك الدعوة أشقائنا في اليمن، وبدأت تتوافد كتائب المجاهدين اليمنيين إلى الثورة في لبنان، وقد أوكل الراحل أبو عمار مهمة استقبال وتدريب أولئك المجاهدين للكفاح المسلح، وقد كنت أيامها أعمل في مقر الكفاح الرئيسي في بيروت، وقد وصلت الكتيبة الأولى والثانية وتم تسميتهما، وقبل وصول الكتيبة الثالثة كان مسئول الإدارة يتناول طعام الغداء وأنا جالس وسأل: ماذا نسمي الكتيبة التي ستصل قريباً؟ قلت بحسن نية: القسام. وإذا به يقول بلهجة لم تعجبني: إيش يا خوي عيد اللي قلته! فقلت هذه المرة بحزم: سموها كتيبة عز الدين القسام. فعلق مستخفاً ومستنكراً: مين يا خوي؟! مين عز الدين القسام هذا؟! عز الدين القسام بتاعك لا يساوي (... في ...)!
والله لا يحط واحد ساعتها مكانه، ولم أدعه يكمل كلامه وقاطعته قائلاً: أنت وطابور من أمثالك وكل ثورتك هذه اللي أنت شايفها لا تساوي (... في ... أقل واحد من أتباع عز الدين القسام وليس في ... عز الدين القسام). وقد ثار وهاج وضرب الطاولة التي كان يتناول عليها الطعام بقدمه وصاح: أنا لي ربع قرن (25 سنة) في العسكرية لم يتجرأ أحد ويغلط فيَّ مش يقول لي اللي قلته ... وكلام كثير من هذا النوع. قلت له: أقول لك ولمن هو أتخن منك ما هو أشد من ذلك عندما تتطاول على أسيادك وأشرف ما في تاريخ فلسطين الحديث. وتدخل أحد الإخوة كان برتبة مساعد كان يعمل معنا في الإدارة وأدخلني إلى غرفتي وحاول هو وأخت كانت تعمل معنا في الإدارة أيضاً تهدئة الموقف.
وفي غرفتي تناولت ورقة وقلم وكتبت استقالتي وخرجت والأجواء مازالت ملتهبة وألقيتها أمامه على المكتب وغادرت. وبعد أن عُدت كان قد كتب عليها رأيه السلبي جداً المخالف للحقيقة، ورفعها إلى قائد الكفاح المسلح الأخ أبو حميد (أحمد مفرج) رحمه الله، الذي كان مرسل في غيبتي يستدعيني. ذهبت إليه ودار الحديث التالي بيننا بهدوء ودون انفعال:
سألني رحمه الله: لماذا تدافع عن القسام لأنه شيخ؟ وواصل .. أنت تعلم أن الجبهة الديمقراطية مطلقة اسمه على كتيبة ونادي وبتقول أنه كان ماركسي شيوعي؟! أجبت: نعم أعلم؛ وذلك لأنكم أنتم لم تعرفوا قيمته وتخليتم عنه وعن نهجه ولم تسموا أي شيء باسمه، ولأنه شرف لأي تجاه أن يدعي أنه ينتمي للقسام ويتبناه، لذلك تجد القومي والماركسي وغيرهم كلٌ يحاول أن ينسب القسام إليه أو ينتسب هو للقسام! أما عن سؤالك إن كنت أدافع عنه لأنه شيخ؟ ليس لهذا السبب فقط ولكن لأنه أنصع وأشرف صفحة في تاريخ فلسطين الحديث، لأنه مدرسة في المقاومة وفهم أبعاد القضية ضد الأمة والوطن ... واختصرت وقلت: خلينا الآن في الاستقالة؟ فمد يده بها لي وإذا به موقع عليها بالرفض ...!
ما أشد افتقادنا إليك أستاذي ومعلمي بعد أن خالف رافعي شعارك نهجك، ومازالت طروحاتهم للحلول لا تستند لوعيك وفهمك ...