هذا هو الأردن الذي نريد.. قصرُ “عدالةٍ” منيف.. بوابته “الحرية”، ومظلته “المقاومة”.. بقلم اسامة عكنان
ArabNyheter | 2013/07/29لا يوجد تعليقات
الحرية والعدالة، مطلبان لا يُسْتَغْنى عن أيٍّ منهما، يُشَكِّلان معا قصرا منيفا، الحرية هي بوابة القصر، والعدالة هي مختلف مرافقه. فالحرية بلا عدل، هي وقوف على عتبة القصر، وحرمان من الاستمتاع بمرافقه، وبالتالي فلا قيمة لها. أما العدالة بلا حرية فهي مجرد وهم، لأن أحدا لا يستطيع الدخول إلى قصر "العدالة" إلا من بوابته التي هي "الحرية". وبالتالي فلا معنى للمطالبة بالعدالة دون المطالبة بالحرية، لأن ذلك هو حرمان من الاثنتين معا.الذين يستحوذون على "الحرية"، يفعلون ذلك للاستحواذ على "العدالة"، وليس حبا في أن يكونوا وحدهم الأحرار، فحرية الآخرين لن تضرهم إذا لم تؤثر على نظام "العدالة" ولم تغيِّر في معادلاتها.أليس هذا هو حال "الليبرالية السياسية الغربية، وهي تحتضن الليبرالية الاقتصادية "الرأسمالية/اقتصاد السوق" الطاردة بطبيعتها للعدالة؟!أليس هذا هو ما يسعى "الليبراليون الجدد" إلى تحقيقه بقفزهم على ثورات الشباب في مصر وتونس واليمن، وإصرارهم على عدم فصل "الليبرالية السياسية" عن الليبرالية الاقتصادية" في الدولة المدنية التي يحاولون إرعابنا من أنها لن تتجسَّدَ بالأولى دون الثانية؟!فما يهم المستبد والدكتاتور، هو أن يضمن باستبداده ودكتاتوريته الاستحواذَ على "قصر العدالة" بكامله، أو أن يتمكن من ترتيب الانتفاع بمرافقه وفق ما يناسب مصالحَه كما يتصورها. فإن تمكن هو والطبقة التي يمثلها من صياغة مجتمعٍ يبقيهم مستحوذين على العدالة مع وجود الحرية، فبها ونِعْمَت، وعندئذٍ فلن تضرهم الحرية إن منحوها للآخرين.هذا هو واقع مجتمعات اقتصاد السوق والرأسمالية المتغولة القائمة على الديمقراطية التي تمنح نمطا من الحريةَ باعتبارها ثابتا، وتنظر إلى العدالة باعتبارها "وجهة نظر"، بعد أن ضمن مؤسسوها أن تكون وجهة نظر العدالة المتسيِّدة في المجتمع هي "اقتصاد السوق" المتألِّه بلا منازع.وإن لم يتمكن هؤلاء من صياغة المجتمعات على ذلك النحو، وإذا لم يكن من بدٍّ أمامهم للاستحواذ على العدالة من الاستحواذِ على الحرية، فإنهم يستحوذون عليها بلا تردد، ويقاومون حتى آخر رمق من يعمل على انتزاعها منهم.الأكثرية من الناس لا يهتمون بالحرية ويقضون حياتَهم دون أن يطالبوا بها لسببين..الأول.. هم لا يشعرون بفقدانها، لأنهم لم يحاولوا ممارستَها أصلا، كي يشعروا بالفقدان، فلا يشعر بفقدان الحرية، إلا من حاول ممارستها، فلم يستطع بسبب منعه وقمعه.الثاني.. هم لا يدركون العلاقة بينها وبين العدالة التي يشعرون بأنهم محرومون منها فعلا، باستشعارهم الفقر والبطالة والجوع وذلّ الحاجة.الأقلية من الناس يهتمون بالحرية ويناضلون لأجلها، لسببين..الأول.. هم يشعرون بفقدانها، لأنهم عندما يحاولون ممارستها يجدون أنفسَهم محرومين منها.الثاني.. هم يدركون العلاقة بينها وبين العدالة التي يشعرون كغيرهم بأنهم محرومون منها.عندما يثور الناس في مجتمع محرومٍ من الحرية والعدالة، نراهم يركزون على مطلب الحرية باعتبارها بوابة "قصر العدالة". أي أن الذين يثورون لأجل الإقامة في "قصر العدالة" والانتفاع بمرافقه، يطالبون بالحرية أولا، لأنهم يدركون أنها بوابة الدخول إلى ذلك القصر. ولأن معظم الناس لا يفهمون هذه العلاقة بين حريةٍ لم يمارسوها ولا فهموا معناها، وعدالة حُرموا منها فلمسوا هذا الحرمان جوعا وفقرا وبطالة وذلَّ حاجة، فإنهم يقفون متفرجين على الثورة والثوار بسلبية محقونة بالجهل والتهاون، ظنا منهم أن ما يطالب به الثوار من "حرية" لا علاقة له بما هم فيه من فقر وحرمان وجوع وبطالة ..جهلٌ بالعلاقة بين قيمتي "الحرية" و"العدالة"، وتهاونٌ في حق أنفسهم بعدم محاولة ممارسة الحرية طيلةَ حياتهم، ما جعلهم لا يشعرون بفقدانهم شيئا يستحقَ أن يثوروا لأجله. وهم عندما يرون الثائرين يثورون من أجل الحرية، ولأنهم لا يفهمون معنى ذلك ودلالته، فإنهم يكتفون بالفرجة والترقب.في المراحل الأولى من انتصار الثائرين على الاستعباد لأجل الحرية لفتح بوابة "قصر العدالة"، نراهم ينشغلون بتفاصيل الحرية كي لا تُسَرَقَ منهم ثورتهم، وهذا أمرٌ مفهوم. ولكنهم في غمرة انشغالهم ذاك يفقدون البوصلَةَ التي تساعدهم على التنقل داخل "قصر العدالة" بثقة ويقين وثبات بعد إذ فتحوه، فيتخبطون.تخبُّطُهم هذا قد يطول، وقد يستمر لسنواتٍ قد تنجح في استدراجهم إلى معادلة خاطئة يدفعهم باتجاهها أولئك الذين يعملون على إعادة إنتاج نظام "اللاعدالة" في قلب نظام "الحرية" مكرسين فكرة أن "الحرية وتفاصيلها ثابت"، ومكرسين من حيث يدرون أو لا يدرون أن "العدالة بكل تفاصيلها وفضاءاتها ليست أكثر من وجهة نظر"، مادامت لم تحظَ بالتجاذبات ذاتِها التي حظيت بها قيمة الحرية عقب انتصار الثورة.ولكن لأن الثائر من أجل الحرية نفسِه ينتظر منها أن تُسْكِنَه مرافق "قصر العدالة"، فإنه يبدأ بالتذمر عندما يجد أن شيئا من ذلك لم يتحقق. هذا فضلا عن أن بوابة القصر التي لم يستهوِ فتحُها الأكثرية السلبية لتثور منذ البداية، ستتراجع يوما بعد يوم عن أن تستهوي تلك الأكثرية البعيدة أصلا عن أجواء الثورة والثائرين، لأن هذه الأكثرية التي لم تشعر يوما بفقدان حريةٍ لم تحاول ممارستَها، كانت تنتظر بعد الثورة الشعور بعدالة كانت تترقَّبُها. فإن لم تشعر بها، فقد أصبح محتَّما أن تختار خطا تخندقيا غير خط الثورة والثائرين.ومنذ اللحظة التي تبدأ تتضح فيها معالم هذا الشرخ في ثنايا ثورةٍ أنجزت ثابتا هو "الحرية"، التي كانت محطَّ اهتمام القلة من الناس، فيما فشلت في إنجاز الثابت الآخر الذي هو "العدالة"، التي جعلت منها "وجهة نظر" فقط، رغم أنها كانت محطَّ اهتمام الأكثرية، بل محط اهتمام الجميع.. منذ تلك اللحظة، تبدأ بذور الثورة الجديدة، في الانغراس في قلب الثورة القائمة.فمن كان صامتا وسلبيا وجاهلا بالعلاقة بين الحرية والعدالة في الثقافة التي كان يتلقاها عبر النظام الدكتاتوري البائد، سوف ينقلب على سلبيته وعلى جهله وعلى صمته، مستفيدا من حالة الوعي الجديدة التي أتاحتها له الثورة، بعد أن أدرك أن الحرية هي بوابة "قصر العدالة". وانقلابه سوف يكون أسهل وأقل تكلفة من انقلاب الثائرين السابقين على النظام البائد، لأن المطالبة بالعدالة في قلب مجتمع حر، أسهل وأقل تكلفة من المطالبة بالحرية في قلب مجتمعٍ مستعبد.وفي ظل هذا الخطاب الاستقطابي المتمحور حول "بوابة القصر/الحرية"، يقف الجميع على الباب عاجزين عن الدخول، لأن أيا منهم في حقيقة الأمر – أو معظمهم على الأقل – لا يملكون ما يكفي من الأثاث المناسب لاستيطان "مرافق القصر" والإقامة فيها، فكل أثاثهم من النوع الذي يجعل هذا القصر "احتمالا" وليس "يقينا".إنه أثاثٌ بائس، يعيد اجترارَ اقتصاد السوق بفقرائه وجائعيه وعاطليه ومذَلِّيه، ليحوِّلَ انسحاقَهم من حالةِ "المقدس السوقي"، إلى حالة "المقدس الديني"، تحت عنوان دكتاتوريةٍ جديدةٍ هي "دكتاتورية الحرية" القائمة على "الدولة المدنية" وعلى "الشراكة الديمقراطية".ونحن نقول..لا نريد ثورة تأتي بالحرية وتجعل "العدالة وجهة نظر"، فتحوِّل المجتمع إلى قطيع يُرهبه الإعلام، وترهبه وسائل التنشئة المجتمعية، وتروعه فتاوى الكهنة وشيوخ القبيلة، من الاعتداء على طبقاتٍ وتفاوتاتٍ، وعلى فقرٍ وبطالة، أوجبتها وفرضتها "الحرية"، في تهديد واضح مفاده أن "العدالة" كي تتحول إلى "ثابت"، يجب أن تعود "الحرية" لتصبح "وجهة نظر".فلننتبه كي لا ننخدع بمردودٍ ثوري أو بمردودٍ حراكي على الأرض، لا يجعل حريتنا وعدالتنا ومقاومتنا لأعداء أمتنا، ثوابت لا فرق بين أيٍّ منها والثابتين الآخرين، في معايير المطالب الثورية، وفي مقاييس النجاحات الحراكية.أي فلننتبه إلى أننا.. لن ننخدعَ بحرية ومدنية وديمقراطية غير مشَرَّبة بحساء العدالة من رأسها إلى إخمص قدميها.ولن ننخدع بحرية وعدالة غير مشَرَّبَتَين بحساء مقاومة أعداء الأمة من رأسهما إلى إخمص قدميهما.هذا هو الأردن الذي نريده.."قصر عدالة"، بوابته "حريتنا"، ومظلته الحامية لنا هي مقاومتنا لأعداء الأمة ممثلين في "المشروع الصهيو – أميركي".فهل ما يفعله النظام "الوظيفي" أو يدعيه أو يسوِّقه فيه من "الحرية" أو من "العدالة" أو من "المقاومة" شيء؟!!وإذن فهل يقل هذا "النظام الوظيفي" عداءً لنا نحن "الشعب الأردني"، عن عداء المشروع الصهيوني الإمبريالي؟!!سؤال لا تكمن أهميته في الإجابة عليه، لأنها واضحة وسهلة وقليلة الكلفة، وإنما تكمن تلك الأهمية في الالتزام بمتطلبات الإجابة عليه لأنها مكلفة ومكلفة جدا!!!!!فهل نحن على قدر تلك "الكلفة"؟!!