لا نريد في الأردن دستورا يُؤَسِّسَ لليبرالية الجديدة، لأنه سيُؤَسِّسُ معها لليبرالية اقتصادية جديدة أكثر تغوُّلا
بل نريد دستورا يُؤَسِسُ لـ “الحرية” و”العدالة” معا، أي لـ “تداول السلطة” و”تداول الثروة” كمتلازمتين لا تنفصلان
الحلقة الثالثة والأخيرة
من مقترح مشروع دستور للدولة الأردنية الرابعة
أسامة عكنان
ما فتئ الناس ينادون بمبدإٍ في الحكم يقوم على “تداول السلطة”، بصفتها نتاجا مُحَتَّما للحياة الديمقراطية الليبرالية، القائمة على الحرية والتعددية السياسية من جهة أولى، وعلى الفصل بين السلطات التي يجب أن تعود إلى مصدرها الحقيقي الذي هو الشعب من جهة ثانية. وفي ظل الهيمنة الثقافية الطاغية لأيديولوجية “الديمقراطية الليبرالية” وما ينتج عنها وما يرتبط بها من مبادئ في الحرية وفي الحكم وفي الحياة الدستورية، يقف على رأسها جميعها مبدأ “تداول السلطة”، غاب وما يزال يغيب مبدأٌ آخر مرتبطٌ بمبدأ “تداول السلطة” ارتباط قيامٍ ووجود، ألا وهو مبدأ “تداول الثروة”، إلى الحدِّ الذي لم نلمسْ معه لهذا المبدإ أيَّ وجود على صعيد الاعتراف بمشروعيته وتأصيله، وشرح ارتباطاته وعلاقاته بالسلطة، في أيٍّ من النظريات والفلسفات التي عالجت موضوع “تداول السلطة”، وأشبعته قراءة ودراسة ومناقشة وتحليلا.
وإنه إذا كان مبدأ “تداول السلطة” وما يسبِّبُه وما ينتجُ عنه من مكوِّناتٍ مجتمعية، هو التجسيد العملي لقيمة “الحرية” في مجتمعٍ ماَّ، فإن مبدأَ “تداول الثروة” وما يسبِّبُه وما ينتج عنه من مكوِّناتٍ، يعدُّ بمثابة التجسيد العملي لقيمة “العدالة” في ذلك المجتمع. وبالتالي فأيُّما نظرية أو فلسفة أو أيديولوجية لم تستطع أن تكتشف تفاصيل العلاقة العضوية والوجودية بين هذين المبدأين، “تداول السلطة” و”تداول الثروة”، على نحوٍ يوضِّح أن أياًّ منهما لا يقوم في المجتمع ولا ينهدم، دون أن يقيمَ معه أو يهدمَ المبدأَ الآخر، هي في المحصِّلة نظرية أو فلسفة أو أيديولوجية قاصرة، تعجزُ من ثمَّ عن الإلمام بحيثيات قيمتي “الحرية” و”العدالة” وبفضاءاتهما في البُنيَة المجتمعية على الصُّعُدِ كافة.
ولأننا رأينا أن الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من مُنَظِّري ومُؤَصِّلي ومُؤَسِّسي وأتباع “الديمقراطية الليبرالية الغربية”، وعلى مدى أكثر من أربعة قرون من الزمن، لا يعتبرون أن في ديمقراطيتهم هذه، جوهرة أغلى وأثمن من مبدإ “تداول السلطة”، تستحق منحها صفة “درَّة تاج الديمقراطية الليبرالية” كمجسِّدٍ لقيمة الحرية، دون أن نرى في أيٍّ من تأصيلاتهم ذِكرا لحتمية “تداول الثروة”، كمجسِّدٍ لقيمة العدالة، وكنتيجة لا مفر منها لتجسيد مبدأ “تداول السلطة”، فقد كان من الطبيعي أن نضع كلِّ علامات الاستفهام على “نوع” و”مدى” و”سقف” “الحرية” التي تجسِّدُها “الديمقراطية الليبرالية” أوربية المنشأ، لتحول بينها وبين استحضارَ شقيقَتَها المُحَتَّمَة، ألا وهي “العدالة”؟!!
الثقافة الأوربية نفسُها، ومن قلب السيرورة التاريخية للرأسمالية واقتصاديات السوق المرتكزة إلى “السميثية” و”الميركانتيلية” التاريخيتين، عاشت مأساةَ غياب قيمة “العدالة” على أوسع نطاقٍ، رغم شيوع “الديمقراطية الليبرالية” على أوسع نطاق أيضا. وقد تجلَّى غياب العدالة ذاك، عبر ما مثلته “الدولة الحارسة” في ظل هكذا نظام ليبرالي من راعية لِلاَّعدالة ولأبشع أنواع الفرز الطبقي داخل المجتمعات الأوربية، ومن راعية للاستعمار بأبشع أشكاله وبأقسى تداعياته خارج القارة الأوربية، تحت مظلة تلك “الديمقراطية الليبرالية” نفسها وما تدعيه من تحرير للمجتمعات. فخرجت من رحم هذه الثقافة متولِّداتٌ ثقافية جديدة أرَّقَتها تلك المعاناة، فربطت بين حالة “اللاَّعدالة” وحالة “الديمقراطية الليبرالية” ربطا وجوديا وتكوينيا، وراحت تقيم على هذا الرَّبط مُكَوِّنات بُناها المعرفية الجديدة، وهي محقة تماما في هذا الربط.
ولأن حالة “الديمقراطية اللليبرالية” كانت تعني لهذه الثقافة الجديدة الناشئة من رحم “اللاَّعدالة” الأوربية، “الحرية” ذاتَها، بعد أن عجزت عن أن تقرأ فيها نوعا مشوَّها من “الحرية المحتزأة والمزيفة”، فقد كان من الطبيعي ومن المفهوم، أن يرتبط في أصول هذه الثقافة وفي خطابها المعرفي الأساسي، أنَّ تَحقُّقَ “العدالة” لن يكون إلا على حساب “الديمقراطية الليبرالية”، والبحث عن صيغة أخرى للحرية غير تلك التي زورت يها “الديمقراطية الليبرالية” تاريخ أوربا والعالم أكثر من ثلاثة قرون من الزمن.
ولأن صيغة “العدالة” التي أصَّلَت لها الثقافة الأوربية الجديدة، عبر الفكرين الاشتراكي والشيوعي، حاولت أن تقيمَ لنفسها نموذَجَها “العدالي” الخاص المناقض تماما للنموذج الرأسمالي، والمرتكز إلى أضداده في النظرة إلى “المُلكية”، وفي النظرة إلى “إنتاج الثروة”، وفي النظرة إلى “توزيع الثروة”، وفي النظرة إلى العلاقة بين “وسائل الإنتاج” وعلاقات الإنتاج”.. إلخ، وهي الأمور التي تصورت تلك الثقافة أن الصِّيَغ الرأسمالية حولها وبخصوصها، هي مبرر “اللاَّعدالة” كلها، وذلك بحسب قراءتها الخاصة للواقع الأوربي الاقتصادي والإنتاجي.. إلخ، فقد ركزت كلَّ مردودها وإنتاجها الفلسفيين نحو هدف واحد، وتحقيقا لغاية وحيدة، هي التأصيل المضاد للتأصيل الرأسمالي السائد والحاكم.
فغدت النتائج التي توصلت إليها هذه الثقافة في هذا الشأن، هي القيم المقدسَّة التي يجب الحفاظ على مركزيتها. وبالتالي فقد غدا كلُّ فهمٍ لقيمة “الحرية”، وأصبح أيُّ تجسيدٍ لها، يهدِّد البُنية التأصيلية الجديدة المتوَصَّل إليها، والتي تمكنت من هدم التأصيل الرأسمالي “السميثي” و”الميركانتيلي” في جانب دلالات قيمة “العدالة”، فهما وتجسيدا تجب معاداتُه، لأنه يصنَّف على الفور باعتباره فهما وتجسيدا يقف ضد “العدالة” التي تمَّ تأصيلها، لتصبح “الحرية” المعترف بها، هي فقط تلك التي تفرزها “العدالة” المؤصلة في الفكر الأوربي المضاد للرأسمالية فقط، ألا وهو الفكر الاشتراكي ووعائه الفلسفي الحاضن له “الشيوعية”.
وبقراءتنا الفاحصة للمردود الأيديولوجي لهذه الثقافة الجديدة التي أعادت إنتاج قيمتي “الحرية” والعدالة”، على أسسٍ مضادة ومناقضة لتلك التي أنتجتهما الثقافة القديمة في رحم الرأسمالية واقتصاد السوق، وجدنا أننا بصدد ثقافة أوربية استشعرت قصور “حرية الديمقراطية الليبرالية” عن تحقيق “العدالة”، بل هي قد استشعرت خدمةَ هذه “الحرية” المجتزأة والمشوّهَة لنهج “اللاَّعدالة” الذي فاقم الأزمات المجتمعية والاقتصادية والثقافية في القارة الأوربية، وعلى الصعيد العالمي، مع حلول منتصف القرن التاسع عشر، كما أنها ثقافة أوربية جديدة اعتنقت فلسفةَ أن “العدالة” تكمن فقط في الصيغة النقيض لمُكَوِّنات الرأسمالية، مادامت هذه الأخيرة هي سبب “اللاَّعدالة” التي حمتها واحتضنتها “حرية الديمقراطية الليبرالية”.
ومن هذه التركيبة الثنائية المتشابكة شديدة التعقيد، والمتمثلة في..
* اعتناق فلسفة أن “حرية الديمقراطية الليبرالية”، خدَمَت نهج “اللاعدالة” تاريخيا، بل إنها ما وُضِعَت إلا لأجل خدمته والتأسيس الأيديولوجي المزَيَّف له، بتقديم حرية موهومة ومجتزأة تحضنه وتحميه.
* واعتناق فلسفة أن “العدالة” تكمن فقط في الصيغة النقيض لمكوِّنات الرأسمالية، التي اعْتُبِرَت بمثابة التجسيد الفعلي لكل أوجه “اللاَّعدالة”، لتغدوَ الصيغة الجديدة لـ “العدالة” هي معيار “الحرية”.
نقول.. من هذه الثنائية بدأت تتكون الثقافة الأوربية الجديدة في “العدالة” و”الحرية”، قالبة المفاهيم السابقة لهما، والتي رسَّختها “الديمقراطية الليبرالية” قرابةَ ثلاثة قرون رأسا على عقب. فكانت الفلسفات التي أسَّسَت للاشتراكية، ثم للشيوعية كإطار فلسفي أعمق وأشمل أصبح وعاءً للاشتراكية ذاتها، هي الحاضنة الجديدة لهاتين القيمتين، جاعلة من “العدالة” – بصيغتها النقيضة للرأسمالية عبر التناقض المباشر مع تفاصيل هذه الرأسمالية – قيمةً تحتكر “الحرية” وتفسيرَها وتحديدَ معانيها وسقوفها، بعد أن كان “الاقتصاد الحر” هو الحاضنة التاريخية للقيمتين ذاتهما، ولكن بشكل جعل قيمة “الحرية” – بصيغتها الديمقراطية الليبرالية المناقضة للحكم الشمولي – قيمةً تحتكر “العدالة” وتفسيرَها وتحديدَ معانيها وسقوفها.
إذن، فقد رَكِبَت الرأسمالية متمثلة في “الاقتصاد الحر” بساطَ ريحِ “تداول السلطة” تحت عنوان “الديمقراطية الليبرالية”، لتحول دون “تداول الثروة”، في حين أن المعيار الحقيقي لموضوعية “تداول السلطة”، هو “تداول ثروةٍ” حقيقي. ولما لم تُنْجِزْ هذه المعادلةُ النشاز سوى مشروعِ حضارةٍ أوربي، ما كان أمامه من مفرٍّ إلا أن يكون “استعماريا”، و”صهيونيا” على المستوى الخارجي، و”طبقيا لاعدليا” على المستوى الداخلي، فقد جاءت الشيوعية متمثلة في “الاقتصاد المقيَّد والمركزي”، لتمتطي هذه المرة بساطَ ريحِ “تداول الثروة” تحت عنوان “الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وحتمية الصراع الطبقي في ضوء التناقض بين وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج”، لتحول دون “تداول السلطة”، الذي كان يُخشى من أن يتمكن من إعادة “تمركز الثروة”، في حين أن المعيار الحقيقي لموضوعية “تداول الثروة” هو أيضا “تداول سلطةٍ” حقيقي.
أخرجتنا الثقافة الأوربية في تعاملها التَّراتُبي مع قيمتي “الحرية” و”العدالة”، من “حرية مجتزأة مزيفة” مثلتها “الديمقراطية الليبرالية، التي غيَّبَت “العدالة” بالاقتصاد الحر، إلى “عدالة مجتزأة مزيفة”، مثلتها “الشيوعية والاشتراكية”، التي غيَّبَت “الحرية” بالديمقراطية الشعبية المركزية.
أراد الأوربيون الأوائل أن يتمَّ منع “تداول الثروة”، فأسَّسوا لذلك بـ “تداول سلطة” غير حقيقي ومنقوص، يوهِم بتحقُّق “الحرية”، ويدفع إلى القبول بمبدإ اعتبار “العدالة” مجرد “متغير متحرك” و”وجهة نظر” لا قيمة لها أمام الثابت الأزلي المطلق المقدس ألا وهو “الحرية”. فيما أراد الأوربيون المحدثون أن يتمَّ تحقيق “تداول الثروة”، فأسسوا لذلك بمنع ما ظنوه “تداول سلطة” هو “الديمقراطية الليبرالية”، فتراجعوا حتى عن “الحرية الهزيلة” في هذه الديمقراطية، بعدما فهموا أن هذه الحرية التي ظنوها هي “كل الحرية”، هي سبب انعدام “تداول الثروة”، وهم محقون في اعتبارها سببا في انعدام “تداول الثروة”، فحاربوا لأجل محاربتها كلَّ “الحرية”، وهم مخطئون في ذلك، لأن كل الحرية هي البوابة الحقيقية لكل العدالة، فأسَّسوا لفلسفتهم الجديدة هذه بـ “تداول ثروةٍ” غير حقيقي ومنقوص، يوهِم بتحقُّقِ العدالة، ويدفع إلى القبول باعتبار “الحرية” مجرد “متغير متحرك” و”وجهة نظر” لا قيمة لها أمام الثابت الأزلي المطلق المقدس ألا وهو “العدالة”.
وفي بدايات القرن الماضي ظهرت أهم فصائل الإسلام السياسي في ظروفِ خضوعِ الأمة العربية للاستعمار، فحتَّم عليها السياق التاريخي الذي نشأت وتطورت فيه، غير بعيدة عن التلوُن بألوان الحواضن الاستعمارية المهيمنة، أن تصبَّ جام غضبها العقدي والأيديولوجي على عدو الاستعمار العالمي الرئيس آنذاك، ممثلا في “الشيوعية”. فظهر الإسلام السياسي وكأنه في مشروعه الاقتصادي ليس أكثر من رأسمالية مهذَّبَة لا تختلف في الجوهر عن الرأسمالية العالمية التي احتضنتها ورعتها “الديمقراطية الليبرالية”.
ولأن الإسلام السياسي كان يجب عليه أن يكون له موقفه العدائي أيضا من الاستعمار الرأسمالي الإمبريالي، لأن هذا الاستعمار بهيئته الإمبريالية الرأسمالية تلك، هو الذي كان يحتل الوطن العربي وليس الشيوعية، التي دخلت واقعنا العربي في سياق تخليق حالات تحرُرِيَّة، بصرف النظر عن موقفنا من جدِّيَّة وقدرة وفاعلية هذا السياق التحرُّري في برامج الشيوعية الدخيلة، فقد حاول – أي الإسلام السياسي – التأسيس لموقف معادٍ له – أي للاستعمار – يكون في الوقت ذاته معاديا للشيوعية.
وبسبب أن الصراع حول الاقتصاد كان وما يزال هو محدِّد الخنادق ومولِّد الأيديولوجيات المؤَصِّلَة لمواقف المتصارعين محليا وعالميا، فقد ظهر “الإسلام السياسي” كمعادٍ عقدي عميق العداء للشيوعية، محافظا على جوهره الرأسمالي في الفكر الاقتصادي، ما جعل عداءَه للرأسمالية وللاستعمار، عداءً ناعما بسبب التقارب الاقتصادي الذي تمِّ التأسيس له بتقارب معتقدي يبرِّرُه، يدافع عن الإيمان “الإسلامي” و”المسيحي” في مواجة الإلحاد “الشيوعي”، ما جعل الرأسمالية تظهر وكأنها أكثر تجسيدا لهذين الإيمانين وأقرب إليهما، من الشيوعية التي لم يشأ أحد أن يفهمها إلا باعتبارها نتاجا خالصا للإلحاد ليس إلا.
وهو الأمر الذي جعل الرؤية الاقتصادية للإسلام السياسي الذي سوَّق لمفهوم “الاقتصاد الإسلامي”، كما سوَّقَ لأسلمة كلِّ شيء في الحياة، للتأسيس لنفسه بوصفه مشروعا عالميا ثالثا، رؤيةً لا تختلف عن الرؤية الاقتصادية الليبرالية التي هي “اقتصاد السوق”. ما يجعلنا نجزم بأنه – أي المشروع الاقتصادي الراهن للإسلام السياسي – لا يصلح أن يكون هو الحاضنة لفلسفة “تداول الثروة” الناتج عن “تداول السلطة” الحقيقي والمفَعِّل له.
خلاصة القول إذن، هو أن مبدأ “تداول السلطة” في “الديمقراطية الليبرالية” أوربية المنشأ، منقوص وغير حقيقي ومزيَّف، لأنه لم يُنْتِج المبدأ الرديف والشقيق له وهو “تداول الثروة”. كما أن مبدأ “تداول الثروة” في “الاشتراكية والشيوعية” أوربية المنشأ، هو أيضا منقوص ومزَيَّف وغير حقيقي، لأنه عجز بالمثل عن إنتاج المبدأ الرديف والشقيق له وهو “تداول السلطة”. فضلا عن أن “الإسلام السياسي” لم يطرح رؤية في “الثروة” تختلف عن الرؤية الرأسمالية، ما يجعل رؤيته تلك لا تختلف من حيث منقوصيتها وتزييفها عما انطوى عليه اقتصاد السوق والرأسمالية نفسيهما.
وبالتالي فنحن وبإزاء واقع يتطلب منا الخروج من شرنقة فصل “الثروة” عن “السلطة” في أيِّ مشروع ديمقراطي تحرُّري نسعى إلى تجسيده ودسترته، وجمع تداولِهما معا في إطار نوع خاص من الديمقراطية، تقوم على التزاوج الكامل بين “الحرية” و”العدالة”، نجد أنفسنا معنيين برفض الطروحات الثلاثة المعروضة أمامنا، بوصفها بضاعة فشلت أو أنها ستفشل في تجسيد هذه الحالة، بدءا بـ “الرأسمالية” و”الشيوعية” اللتين حرمتنا كلُّ واحدة منهما من واحدةٍ من قيمتي “الحرية” و”العدالة” لحساب الأخرى، وانتهاءً بـ “الإسلام السياسي”، الذي في الوقت الذي يعرض علينا “حرية” أقل من تلك المنطواة في “الليبرالية”، فإنه يعرض علينا “بعدا عن العدالة” لا يختلف عن “البعد عن عدالتها”، لنكون بصدد تجربة لا تقل عن سابقتيها سوءا، إن لم تكن أسوأ منهما.
وبإزاء فشل المشروعين الأوربيين في التأسيس لقيمتي “الحرية” و”العدالة”، بعد أربعة قرون من هيمنة ذينك المشروعين على أوربا وعلى العالم، بعجزهما – أي المشروعين – عن التأصيل لمبدأي “تداول سلطة” و”تداول ثروة” متكاملين، يُنْتِج كلٌّ منهما الآخر ويَنْتُج عنه، ويطوره ويتطور به، ويُفَعِّلُه ويَتَفَعَّل به، ويُؤَثِّر فيه ويَتَأَثَّر به، وعدم استعدادنا لخوض تجربة “سلطة” و”ثروة” جديدة لن تكون أكثر من امتداد عضوي لتجربة الليبرالية الرأسمالية تحت غطاء “الإسلام” المُفترى عليه، فإن العالم يقف على أعتاب مرحلة تتمخض عن البديل التاريخي الذي يمثلُ الخيار الحقيقي القادر على خلق معادلةٍ للحرية تولد في رحم العدالة، ومعادلةٍ للعدالة تولد في رحم الحرية، عبر تقديم توصيف دقيق لحالة التكامل بين مبدأي “تداول السلطة” و”تداول الثروة” في الواقع الموضوعي.
وهو ما يعني من الناحية الدستورية، أن يتمَّ التأسيس لـ “تداول الثروة” في “الوثيقة الدستورية” بالقدر نفسه الذي يتم فيه التأسيس لـ “تداول السلطة”، تحقيقا لمبدأ الاستبعاد الكامل للمقولتين الناشزتين، “الحرية ثابت والعدالة وجهة نظر”، و”العدالة ثابت والحرية وجهة نظر”، لأن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن “الحرية ثابت” و”العدالة أيضا ثابت”.
ولهذا السبب فإننا في مشروع الدستور المقترح هذا، وبعد أن أوضحنا في الفصول السابقة تصورنا لتجسيد قيمة “الحرية”، فإننا سنستكمل في هذا المقال، وهو الحلقة الثالثة والأخيرة، كيف نجسِّد قيمة العدالة دستوريا. ولكننا نبدأ بالسلطة القضائية لأنها تعتبر استكمالا لما ورد في الحلقتين السابقتين، وما منعنا من عرضها هناك إلا بسبب طول المقال السابق.
الفصل السادس
السلطة القضائية
المادة 138
تضم السلطة القضائية كافة المؤسسات القضائية وهي..
أ – الهيئة العليا للقضاء.
ب – المحكمة الدستورية.
ج – المحكمة الإدارية.
د – الديوان القضائي.
ه – المحاكم النظامية.
و- المحاكم الدينية.
ز – النيابة القضائية.
ح – التنفيذ القضائي.
المادة 139
“الهيئة العليا للقضاء” هي أعلى سلطة قضائية، وتتكون من “49″ عضوا يتم انتخابهم من قبل الشعب مباشرة بالاقتراع السري المباشر، بالتزامن مع انتخاب كلٍّ من مجلس الشعب ومجلس الوزراء.
المادة 140
مدة الدورة الانتخابية الواحدة لـ “الهيئة العليا للقضاء” هي خمس سنوات شمسية تبدأ من لحظة إعلان نتائج انتخاب أعضاء الهيئة في الجريدة الرسمية.
المادة 141
شروط الترشح لعضوية الهيئة العليا وأعداد أعضائها وصفاتهم ومؤهلاتهم وصلاحياتهم ومهماتهم وكيفية انتخابهم تُحَدَّد بقانون.
المادة 142
“الهيئة العليا للقضاء” هي التي تعيِّن قضاة كافة المؤسسات القضائية المشار إليها في المادة 138 من الدستور، وهي التي تعزلهم أو تقاضيهم أو ترقيهم أو تحيلهم إلى التقاعد وفق أحكام القوانين.
المادة 143
يتم اختيار كافة أعضاء “المحكمة الدستورية” و”المحكمة الإدارية”، و”النائب العام”، و”رئيس التنفيذ القضائي”، ورئيس “الديوان القضائي” من بين أعضاء “الهيئة العليا للقضاء” التي يرأسها أحد أعضائها، بالاقتراع السري الداخلي.
المادة 144
صلاحيات ومهمات وطريقة تشكيل وعدد أعضاء كلٍّ من “المحكمة الدستورية”، و”المحكمة الإدارية”، و”التنفيذ القضائي”، و”الديوان القضائي”، وصلاحيات ومهمات وطريقة اختيار “النائب العام”، تُحَدَّد بقانون.
المادة 145
القضاةُ مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
المادة 146
تعين أنواع المحاكم “النظامية” و”الدينية” ودرجاتها وأقسامها واختصاصها وكيفية إداراتها بقانون.
المادة 147
المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها.
المادة 148
جلسات المحاكم علنية، إلا إذا رأت المحكمة أن تكون سرية مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب العامة.
المادة 149
تمارس المحاكم النظامية في “المملكة العربية الأردنية” حقَّ القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعاوى التي تقيمها الحكومة أو تقام عليها، باستثناء المواد التي قد يفوض فيها حق القضاء إلى “محاكم دينية”، أو إلى “المحكمة الدستورية”، أو إلى “المحكمة الإدارية”، أيا من يكون المتقاضي أردنيا أو غير اردني، بموجب أحكام الدستور أو القانون.
المادة 150
إنه في مسائل الأحوال الشخصية للأجانب، أو في الأمور الحقوقية والتجارية التي قضت العادة في العرف الدولي بتطبيق قانون بلاد أخرى بشأنها، ينفذ ذلك القانون بالكيفية التي ينص عليها القانون.
المادة 151
مسائل الأحوال الشخصية هي المسائل التي يعينها القانون وتدخل بموجبه في اختصاص المحاكم الشرعية وحدها عندما يكون الفرقاء مسلمين، وأيُّ محاكم دينية أخرى عندما يكون الفرقاء من غير المسلمين، وتنسبُ كلُّ محكمة تسميةً إلى الطائفة التي تمثلها أو الدين الذي تنتمي إليه.
المادة 152
للمحاكم الشرعية وحدَها حق القضاء وفق قوانينها الخاصة في الأمور الآتية:
أ – مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين.
ب – قضايا الدِّيَة إذا كان الفريقان كلاهما مسلمين أو كان أحدهما غير مسلم ورضي الفريقان أن يكون حق القضاء في ذلك للمحاكم الشرعية.
ج – الأمور المختصة بالأوقاف الإسلامية.
المادة 153
تطبق المحاكم الشرعية في قضائها أحكام الشريعة الإسلامية على النحو الذي يحدده القانون.
المادة 154
تعيَّن بقانون خاص كيفية تنظيم أمور الأوقاف الإسلامية وإدارة شؤونها المالية وغير ذلك.
المادة 155
مجالس الطوائف الدينية، هي مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة المعترف بها في المملكة العربية الأردنية.
المادة 156
تتألف مجالس الطوائف الدينية وفقا لأحكام القوانين التي تصدر خاصةً بها، وتحدَّد في هذه القوانين اختصاصات المجالس المذكورة بشأن مسائل الأحوال الشخصية والأوقاف المنشأة لمصلحة الطائفة ذات العلاقة.
المادة 157
ب – تُحَدَّد في القوانين المذكورة في المادة 156 الأصول التي يجب أن تتبعها مجالس الطوائف الدينية.
المادة 158
تتم إجراءات التقاضي أمام المحاكم بدون رسوم من أيِّ نوع، ترسيخا لمبدإ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
المادة 159
للمحكمة الدستورية حق تفسير أحكام الدستور والبت في دستورية القوانين والإجراءات، إذا طلب منها ذلك من أيِّ وزير، أو نائب، أو عين، أو عدد من أعضاء النقابات المهنية، أو عدد من المواطنين يحددهم القانون.
المادة 160
ينشر قرار المحكمة الدستورية الخاص بالبت بدستورية أيِّ قانون أو إجراء قانوني مرفوع إليها، في الجريدة الرسمية بعد صدوره بيوم واحد فقط، ويكون نافذ المفعول بعد مرور أسبوع على نشره في الجريدة الرسمية.
المادة 161
قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة للطعن فيها.
المادة 162
يتشكل “الديوان القضائي” بقانون يحدِّد طريقة تشكيله وصلاحياته.
المادة 163
تُعَيِّن “الهيئة العليا للقضاء”، أعضاءَ “الديوان القضائي” من رؤساء المحاكم النظامية والقضاة.
المادة 164
يرأس “الديوان القضائي” أحد أعضاء “الهيئة العليا للقضاء”.
المادة 165
لـ “الديوان القضائي” حق تفسير نص أيِّ قانون لم تكن المحاكم قد فسرته، إذا طُلِبَ منه ذلك من قبل من يحق لهم التقدم بطلبات تفسير الدستور لدى المحكمة الدستورية كما حددتهم المادة 159 من الدستور.
المادة 166
يُصْدِرُ “الديوان القضائي” قراراتِه بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
المادة 167
يكون للقرارات التي يصدرها “الديوان القضائي” بعد أن تنشر في الجريدة الرسمية مفعول القانون.
المادة 168
لا يجوز أن تعارض قرارات “الديوان القضائي” قرارات “المحكمة الدستورية”، وتقدم قرارات هذه الأخيرة في حال التعارض.
المادة 169
يجوز الطلب من “المحكمة الدستورية” النظر في دستورية قرارات “الديوان القضائي”، بالطريقة نفسها التي يطلب بها النظر في دستورية أيِّ قانون.
المادة 170
جميع المسائل الأخرى المتعلقة بتفسير القوانين، تقرِّرُها المحاكم عند وقوعها بالصورة الاعتيادية.
الفصل السابع
الشؤون الاقتصادية والمالية وقواعد التنمية
المادة 171
تتجنب السلطتان “التنفيذية” و”التشريعية” تجنبا كاملا كلٌّ في مجال اختصاصها..
أ – ربط الاقتصاد الوطني بآليات السوق الرأسمالية الحرة، القائمة على جوهرية “الخصخصة”، وعلى قداسة “حرية السوق والتجارة”، وعلى أولوية “القطاع الخاص” في الاقتصاد، أو إقامته على أساس عدم المساس بقواعد تلك الآليات، إذا تطلب تنفيذ ما نصت عليه مواد الدستور في هذا الفصل، المساسَ بما هو قائم منها أو تغييره أو تعديله أو إقصاءه، أو إذا تطلب عدم اللجوء إلى ما ليس قائما منها.
ب – ربط الاقتصاد الوطني بمخرجات الاشتراكية القائمة على الهيمنة المطلقة للدولة على الاقتصاد، إذا تطلب تنفيذ ما نصَّت عليه مواد الدستور في هذا الفصل، المساسَ بما هو قائم منها أو تغييره أو تعديله أو إقصاءه، أو إذا تطلب عدم اللجوء إلى ما ليس قائما منها.
ج – ربط الاقتصاد الوطني بآليات اقتصادية من تلك التي يشار إليها بأنها مبادئ اقتصادية إسلامية، أو إقامته على أساس عدم المساس بقواعد تلك الآليات، إذا تطلب تنفيذ ما نصَّت عليه مواد الدستور في هذا الفصل، المساسَ بما هو قائم منها أو تغييره أو تعديله أو إقصاءه، أو إذا تطلب عدم اللجوء إلى ما ليس قائما منها.
المادة 172
تعتبر المصلحة الاقتصادية الوطنية للوطن وللمواطنين، والقائمة قيامَ وجود على ما يلي..
أ – أولوية القضاء على الفقر والبطالة والأميَّة والتبعيَّة.
ب – وتقليص الفوارق الطبقية.
ج – وتأمين التعليم والعلاج والعمل والشيخوخة الهادئة المستقرة.
د – وضمان رعاية الأمومة والطفولة وحالات العجز الكلي أو الجزئي.
ه – والحفاظ على البيئة وعلى مقدرات الوطن وثرواته وموارده من الهدر.
و – والوصول إلى الاكتفاء الذاتي المقلِّص للاعتماد على الاستيراد.
ز – وتحقيق التكافل الاجتماعي بأقصى مدياته.
ح – ودعم الثقافة والفنون الراقية والرياضة.
ط – وإعداد الدولة لدورها الوطني والإقليمي والقومي في قضايا التحرر والوحدة والنهضة.
ي – وتحقيق أعلى درجات التكامل بين الاقتصاد الوطني والاقتصادات العربية.
هي مجتمعة معيار الخيارات الاقتصادية للدولة، أيا كان النظام الاقتصادي، وأيا كانت الآليات والمبادئ والسياسات الاقتصادية، التي تستطيع تحقيق ذلك.
المادة 173
لا يكتسب أيُّ مال، ولا تكتسب أيُّ ثروة مشروعيتهما الموجبة لحرية التصرف ولشرعية التملُّك في حدود ما يسمح به الدستور والقانون، إلا بتحقُّقِ العنصرين المانحين للمشروعية معا، وهما “مشروعية المصدر” و”مشروعية الاستخدام”.
المادة 174
تتحقق “مشروعية مصدر الثروة والمال”، بتوفر الصفات التالية فيهما..
أ – ألا يقوما على أيِّ شكل من أشكال الاستغلال التي يحدِّدها القانون، وألا ينتجا عنه.
ب – ألا يكونا قائمين على أيِّ عمل أو نشاطٍ لم يُنتج قيمةً مضافة حقيقية، فيها منفعة للناس بحسب ما يحدِّده القانون، وألا ينتجا عنه.
ج – ألا يكونا متأتِّيين عبر أيِّ وسيلةٍ من وسائل الاعتداء على مال الغير، بحسب ما يحدِّده القانون، وألا يكونا ناتجين عنها.
د – ألا يكونا متأتِّيين عبر أيِّ وسيلة من وسائل الغشِّ والخداع والتضليل، بحسب ما يحدِّده القانون، وألا يكونا ناتجين عنها.
المادة 175
تتحقَّق “مشروعية استخدام الثروة والمال”، بتوفر القواعد التالية فيه..
أ – تقنين الاستهلاك، بالالتزام بحدِّه القصى الذي يحدِّده القانون.
ب – الإسهام في تمويل إدارة الدولة بالالتزام بدفع الضرائب التي يحدِّدها القانون.
ج – عدم الوقوع تحت طائلة السَّفه الذي يحدِّده القانون.
د – عدم كنز الثروة والمال، والالتزام بدفعهما إلى الاستثمار باستمرار بحسب ما يحدِّده القانون.
ه – عدم وصاية مالك الثروة والمال عليهما إلا في حياته، والعمل على تفتيتهما بعد مماته بحسب ما يحدِّده القانون.
المادة 176
يتمُّ بناء على ما ورد في المادتين 174 و175 من الدستور، توجيه اقتصاد الدولة وسياساتها المالية، نحو تكريس ما يلي..
أ – حد أدنى للدخول والأجور يحقق الكرامة الإنسانية للمواطن على صعيد الاستهلاك.
ب – حد أعلى للاستهلاك يُجَنِّب الثروة الوطنية الوقوع تحت طائلة التبديد.
ج – الاستثمار بمنع “كنز” الثروة، ودفعها إلزاما إلى أن تُضَّخَ في مختلف المجالات الإنتاجية، لخلق فرص العمل التي من شأنها أن تقضي على البطالة والفقر.
د – سياسة ضريبية متوازنة تخفف العبء عن كاهل غالبية فئات المواطنين، وتحمله للفئات الأكثر غنى ومقدرة.
ه – سياسة استثمارية إنتاجية تركز على إنتاج القيم المضافة الحقيقية والنافعة، وبناء عليه يتم منع كلِّ أشكال العمل غير المنتجة للقيم المضافة النافعة، أو الممتهنة للكرامة الإنسانية، أو المتنافية مع الآداب العامة، أو المهلكة للصحة، ومن ذلك لعب “القمار”، وتجارة “الرقيق الأبيض”، وممارسة “الدعارة”، وتجارة “المواد المخدرة” بكلِّ أنواعها.
و – سياسة حمائية للمستهلك والمنتج على حدٍّ سواء تقوم على منع الاحتكار بكلِّ أشكاله.
ز – سياسة إنتاجية تقوم على إنتاج السلع والخدمات الأساسية بدل الاعتماد على استيرادها، للدفع الدائم باتجاه تجاوز حدود الاكتفاء الذاتي.
ح – بناء الموازنة العامة للدولة بعيدا عن المساس بدخول غالبية المواطنين، وربطها بالإمكانات الحقيقية للاقتصاد الوطني، عبر جعلها خادمة له وناتجة عنه، لا جعله خادما لها وناتجا عنها.
ط – الآليات التي من شأنها إيصال الدولة إلى تحقيق المجانية الكاملة في مختلف الخدمات المقدمة للمواطنين، بدءا بكل من العلاج بكل مستوياته والتعليم بكل مراحله، دون المساس بجودة هاتين الخدمتين وكفاءتهما.
ي – ملكية الدولة لما يزيد عن نسبة تزيد دائما عن النصف، للمشاريع الإستراتيجية، وللمناجم، ولكل مرافق الصناعة التعدينية، كي تكون صاحبة القرار السيادي فيها.
ك – إعادة النظر في تنظيم وقوانين “أسواق الأوراق المالية” وتداول الأسهم والسندات، بما يتناسب مع ضرورة تجسيد “القيم المضافة” ذات المنفعة الحقيقية من خلال أيِّ عملية إنتاجية أو تجارية.
ل – إدارة الدولة الكاملة للسياسة الاقتصادية اعتمادا على مركزية التخطيط.
م – بما لا يتعارض مع ما ورد في كافة فقرات هذه المادة، يُعترف بالقطاع الخاص كقطاع اقتصادي تنموي حيوي، وتتاح له كامل فرص الاستثمار المنتج.
المادة 177
عطفا على ما ورد في الفقرة “و” من المادة 176 من الدستور، يكون للدولة وحدها حق احتكار إنتاج أو توزيع سلعة أو خدمة معينة، إذا كان إبقاؤها بين يدي القطاع الخاص قد يتسبَّب في تعطيل تنفيذ أيِّ مادة من مواد هذا الفصل من الدستور.
المادة 178
يتم العمل على تفتيت الثروات التي يتركها وراءهم الأفراد بعد وفاتهم، من خلال الحيلولة دون تمركزها لدى عائلات بعينها وأفراد بأعيانهم، ولتحقيق ذلك يتم الأخذ بما يلي..
أ – جعل وصية المتوَفَّى إلزامية وليس اختيارية.
ب – جعل الحد الأدنى للوصيَّة هو ثلث الثروة التي يخلِّفُها وراءه المتوَفَّى.
ج – إضافة أفراد جدد غير المذكورين في قائمة “الورثة الشرعيين” لتلك القائمة.
المادة 179
تتمُّ إعادة النظر في التشريعات الناظمة للمادة 178 من الدستور مرة كل ثلاثين سنة، بهدف النظر فيما إذا كانت الفقرتان “ب” و”ج” منها تتطلبان التعديل زيادة أم لا.
المادة 180
يتم التوجه نحو جعل حيازة الأراضي حيازةَ انتفاع وليس حيازة تملُّك، وتُحدَّد بقانون شروط الحيازة وشروط سحبها ونقلها وتوريثها وإجراء كافة المعاملات التجارية والمدنية المتعلقة بها.
المادة 181
يتم التوجه نحو التكامل الاقتصادي مع الأسواق العربية، في ضوء سياسة اقتصادية تكاملية تعمل على تفعيل آليات السوق العربية المشتركة، واتفاقية الدفاع العربي المشترك.
المادة 182
يقوم الاقتصاد الأردني بكامله، وتُوَجَّه التنمية بكاملها، على أساس أن الأردن هو دولة مواجهة مع العدو الصهيوني المحتل للأرض، وأن عليه تحمُّل مسؤولية مباشرة في تحريرها.
المادة 183
لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون. ولا تدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الدولة مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة.
المادة 184
يُقَدَّم مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس الشعب قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل للنظر فيه وفق أحكام الدستور.
المادة 185
يودَعُ مشروع الموازنة العامة لدى مجلس الشعب قبل أسبوعين من مناقشته، ليتسنى لأعضاء مجلس الشعب ولجانه المختصة الاطلاع عليه وإعداد أوراق العمل بخصوصه وتجهيز الردود عليه.
المادة 186
يعقِد مجلس الشعب جلسة خاصة قبل مناقشة مشروع الموازنة المقدَّم من قبل الحكومة، وبعد اطلاع الأعضاء واللجان المختصَّة عليه، لتحديد شكل مناقشته وإبلاغ الحكومة به، لتستعدَّ الحكومة للمناقشة على أساس الشكل المقرر من قبل مجلس الشعب. فالحكومة ليس من حقها أن تحدِّدَ شكلَ مناقشة مشروع الموازنة، ولا طريقتها، ولا أن تفرض على المجلس بأن يناقشه ويقترع عليه بندا بندا، أو فقرة فقرة، أو ككل، أو أن يمتنع عن التدخل في تغيير البنود، أو في تحديدها، أو في اقتراح بنود جديدة، أو في حذف بنود قائمة أو دمجها. والمجلس هو الذي يحدد ذلك في ضوء ما تسفر عنه جلسته الخاصة بذلك من قرارات ومواقف.
المادة 187
لا يجوز للحكومة نقل أيِّ مبلغ في قسم النفقات من الموازنة العامة بعد إقرار قانون الموازنة العامة للدولة من بند إلى آخر إلا بقانون.
المادة 188
لمجلس الشعب أثناء مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة، أو أيِّ قوانين مؤقتة متعلقة بها، أن يُنقص من النفقات المقررة في الفصول أو أن يزيدَ فيها، وأن ينقل نفقات من فصل إلى آخر، بحسب ما يراه موافقا للمصلحة العامة. كما له أن يضيف بنودا إنفاقية وأن ينقص بنودا قائمة تضمنتها الموازنة.
المادة 189
يحق للحكومة في حال لجوء مجلس الشعب إلى الزيادة في النفقات أو في بنود الإنفاق، أو في حال لجوئه إلى إحداث تغييرات جوهرية في مشروع الموازنة المعروض أمامه، المطالبة بإعادة عرض مشروع “قانون موازنة جديد” على مجلس الأمة لإقراره بعد أخذ مطالب المجلس بعين الاعتبار.
المادة 190
في حال اللجوء إلى ما ورد في المادة 189 من الدستور، يجب أن يتم استكمال كافة الإجراءات المتعلقة بمناقشة مشروع الموازنة بما لا يتعارض مع مضمون المادة 184 من الدستور.
المادة 191
يصدَّق على واردات الدولة ونفقاتها المقدرة لكل سنة مالية في قانون الموازنة العامة، على أنه يجوز أن ينص القانون المذكور على تخصيص مبالغ معينة لأكثر من سنة واحدة.
المادة 192
تكريسا للفصل بين أموال “الموازنة العامة للدولة” و”أموال الدولة”، يتم إنشاء صندوق سيادي يسمى “صندوق ممتلكات الشعب”. ويُسحب من هذا الصندوق لحساب الموازنة العامة للدولة، ما يُقَر لها بموجب “قانون الموازنة العامة”.
المادة 193
جميع ما يقبض من الضرائب وغيرها من واردات الدولة يجب أن يؤدَّى إلى “صندوق ممتلكات الشعب” الذي يضم أيضا كلَّ الملكيات العائدة للدولة، منقولة وغير منقولة.
المادة 194
لا تدخل إيرادات “صندوق ممتلكات الشعب”، ولا أيٌ من ممتلكاته، ضمن الموازنة العامة للدولة. ولا يُخصَّص أيُّ جزء من أموال الصندوق ولا ينفق لأيِّ غرض، ولا يُمَلَّك أيُّ مال منقول أو غير منقول فيه لأيِّ طرف مهما كان إلا بقانون.
المادة 195
تدفع مخصَّصات الملك من الدخل العام، وتدخل في قانون الموازنة العامة.
المادة 196
لا يتقاضى أيُّ فرد من الأسرة الهاشمية غير الملك أيَّ دخل من المال العام، وفي حدود ما تتطلبه وظيفته كملك كما هو منصوص عليها في الدستور.
المادة 197
لا يحق للملك مزاولة أيِّ نشاط اقتصادي أو تجاري من أيِّ نوع.
المادة 198
يقدم الملك كلَّ سنة تقريرا بذمته المالية وبأوجه إنفاقه لمخصصاته إلى مجلس الشعب، ترفق مناقشته بمناقشة بيان الموازنة العامة.
المادة 199
كلُّ ترخيص يُعطىَ لمنح أيِّ حق يتعلق بالاستثمار في المناجم أو المعادن أو في الصناعة التعدينية، أو في المرافق العامة، يجب أن يُصدَّقَ عليه بقانون، على ألا يتعارض مع ما جاء في الفقرة “ي” من المادة 176 من الدستور.
المادة 200
لا يجوز إعفاء أحدٍ من تأدية الضرائب والرسوم إلا وفق ما يقرره القانون.
المادة 201
يُشَكَّلُ بقانون “ديوان المحاسبة” لمراقبة إيرادات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها.
المادة 202
يقدم “ديوان المحاسبة” إلى مجلس الشعب تقريرا عاما يتضمن آراءَه وملحوظاتِه وبيان المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها، وذلك في بدء كلِّ دورة عادية، أو كلما طلب مجلس الشعب منه ذلك.
المادة 203
ينص القانون على حصانة رئيس ديوان المحاسبة بمستوى حصانة النائب العام.
المادة 204
لا يتعارض ما ورد في المادة 202 من الدستور، مع التزام “رئيس ديوان المحاسبة” بتقديم أيِّ بيانات تشير إلى مخالفات وتجاوزات إلى النائب العام، لتأخذ مجراها القانوني.
المادة 205
لتحصين الدولة من الفساد والمفسدين، ولضمان الشفافية الكفيلة بالمحافظة على المال العام، تنشأ “الهيئة الوطنية للشفافية” بقانون، وهي هيئة شبه قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية، تُعنى بمساءلة كلِّ الموظفين العموميين أيا كانت مواقعهم عن ذممهم المالية وعن مصادر دخولهم وممتلكاتهم.
المادة 206
تكون “الهيئة الوطنية للشفافية” محصنة تحصين القضاء لتمارس مهامها بحرية بما لا يتعارض مع أحكام الدستور.
المادة 207
يُسن تشريع يلزم كلَّ من يلتحق بوظيفة عامة في أيِّ جهاز من أجهزة الدولة، بأن يثبت حالة ذمته المالية لـ “الهيئة الوطنية للشفافية”. على أن يضمن ذلك التشريع الاستمرار في متابعة الذمة المالية لموظفي الدولة من فترة إلى أخرى، لضمان الإطلال الدائم والمستمر على نظافة أيديهم وسلامتها من الولوغ في المال العام.
المادة 208
يُسَن تشريع ينظم تحويل الأموال إلى خارج البلاد، ويربط التحويل باحتياجات حقيقية، إذا كان التحويل خارج نطاق المبادلات التجارية والتبادلات الرسمية والنقدية الطبيعية.
المادة 209
البنك المركزي “مؤسسة مالية اقتصادية نقدية وطنية” تتبع السلطة التنفيذية.
المادة 210
محافظ البنك المركزي يُعَيَّن بموافقة مجلس الشعب، وبتنسيب من مجلس الوزراء.
المادة 211
يُسَن قانون يسمى “قانون البنك المركزي” يحدد دوره ومهماته وصلاحياته وعلاقاته بالسلطات الثلاث وبديوان المحاسبة، وآليات تعيين موظفيه ومحافظه وإقالتهم، ويحدد مدة ولاية محافظ البنك المركزي.
المادة 212
يتولى البنك المركزي تنفيذ السياسة النقدية ويقوم بمهام الصندوق لأموال كلِّ من “الموازنة العامة” و”صندوق ممتلكات الشعب”.
الفصل الثامن
مواد عامة
المادة 213
التقسيمات الإدارية في المملكة العربية الأردنية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسمائها ومنهاج إداراتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وترقياتهم ودرجاتهم الوظيفية وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تصدر بقوانين.
المادة 214
شؤون المحافظات والألوية يديرها موظفون حكوميون يطلق عليهم “المحافظون” الذين يعينهم مجلس الوزراء، لينوبوا عنه في إدارتها، وليست لأيٍّ منهم أيُّ صلاحيات خارج نطاق صلاحيات الحكومة.
المادة 215
لا يختلف “محافظ المحافظة” عن “محافظ اللواء” إلا في الدرجة الوظيفية وليس في الصلاحيات داخل منطقته الإدارية.
المادة 216
الشؤون البلدية والمجالس المحلية تديرها مجالس بلدية أو محلية منتخبة تحدد صلاحياتها ومهماتها وطرق انتخابها وطريقة قيامها بأعمالها، وفقا لقوانين خاصة بها.
المادة 217
إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارىء، وحال الوضع القانوني الاعتيادي دون التمكن من ذلك، يصدر قانون باسم “قانون الدفاع المؤقت” تُعطى بموجبه الصلاحية لمجلس الوزراء لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية، بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية مؤقتا لتأمين الدفاع عن الوطن. ويكون “قانون الدفاع المؤقت” نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك مجلس الشعب بطلب من رئيس مجلس الوزراء.
المادة 218
عند صدور “قانون الدفاع المؤقت”، يظل جميع الأشخاص القائمين على إدارة البلاد في مرحلة سريان ذلك القانون، عرضة للمساءلة القانونية التي تترتب على أعمالهم إزاء أحكام القوانين بعد زوال دواعي صدوره وتوقف العمل به والعودة إلى الحالة الطبيعية، وذلك أمام مجلس الشعب. ولمجلس الشعب اتخاذ كافة الإجراءات التي يراها مناسبة إزاء كل من يظهر تعديه على ما يتيحه قانون الدفاع المؤقت من صلاحيات، وكل من يظهر استخدامه له استخداما تعسفيا.
المادة 219
تُطَبَّقُ الأصول المبينة في هذا الدستور بشأن مشاريع القوانين، على أيِّ مشروع لتعديل هذا الدستور.
المادة 220
تنحصر مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن وسلامته، وفي حماية الشعب من أيِّ اعتداء على حقوقه وتهديد لأمنه وسلامته وحياة أبنائه، من قبل أيِّ اعتداء خارجي.
المادة 221
تُحّدَّد بقانون طريقة التجنيد ونظام الجيش، وما لرجاله من الحقوق والواجبات.
المادة 222
تنشأ وتُحَلُّ بقوانين، وتُحّدَّد بقوانين، كافة المؤسسات الأمنية وشبه العسكرية وأنظمتها وطريقة تسييرها وإدارتها، وهي مؤسسات الشرطة والمخابرات والدفاع المدني والدرك، وما لتلك المؤسسات من اختصاصات وصلاحيات.
المادة 223
نفقات الجيش والمؤسسات الأمنية وشبه العسكرية المرتبطة بنشاطاته، هي نفقات مُعلنة وغير سريِّة، وتُفَصَّل في مشروع الموازنة العامة المقدَّم إلى مجلس الشعب، إلا إذا طلبت الحكومة أن يكون بندٌ معين أو مجموعة محددة من البنود سريَّة، ووافق مجلس الشعب على ذلك، فيتم إخفاؤها عن العامة وعن وسائل الإعلام وعن أيِّ شكل من أشكال تداول المعلومات، مشفوعة بموافقة المجلس على هذا الإخفاء، على أن يتم تحديد المدة الزمنية التي سيتم بعدها الإفراج عن تلك المعلومات.
المادة 224
في كل الأحوال لا يجوز أن تزيد مدة حجز المعلومات المشار إليها في المادة 223 من الدستور عن عشرين عاما.
المادة 225
تُحَدَّد بقانون أنواع المعلومات والوثائق والمستندات التي يمكن للحكومة أن تبقيها سريَة بعيدة عن التداول، وشروط وظروف الإفراج عنها لتصبح متاحة للتداول، والمدة الزمنية التي لا يجوز أن يتجاوزها حجب أيِّ معلومة أو وثيقة أو مستند، عن العامة وعن وسائل الإعلام ومراكز البحث والدراسات، والعقوبات التي تقع على من يسرِّب معلومات ووثائق ومستندات اعتبرت بموجب القانون سريَّة.
المادة 226
تتشكل “الهيئة العليا للانتخابات” بقانون.
المادة 227
تختص “الهيئة العليا للانتخابات” بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، بدءاً من إعداد قاعدة بيانات الناخبين، وتحديد ضوابط التمويل والإنفاق الانتخابى والإعلان عنه، وغير ذلك من إجراءات الرقابة على العمليات الانتخابية، حتى إعلان النتيجة.
المادة 228
يجوز أن يُعهد إلى “الهيئة العليا للانتخابات” بالإشراف على انتخابات التنظيمات النقابية وغيرها.
المادة 229
يتولى إدارة “الهيئة العليا للانتخابات” مجلسٌ مُكَوُّن من 19 عضوا تختارهم “الهيئة العليا للقضاء”، ويسمى “مجلس إدارة الهيئة العليا للانتخابات”، ويكون من بينهم أربعة من كبار قضاة المحكمة الدستورية بالإضافة إلى رئيس المحكمة الدستورية، وأربعة من كبار قضاة المحكمة الإدارية، وأربعة من كبار قضاة محكمة التمييز، وأربعة من رؤساء محاكم الاستئناف، والنائب العام، ورئيس المحاكم الشرعية.
المادة 230
يرأس “مجلس إدارة الهيئة العليا للانتخابات” رئيس المحكمة الدستورية.
المادة 231
ينتدب “مجلس إدارة الهيئة العليا للانتخابات” للعمل في “الهيئة العليا للانتخابات”، أيَّ عدد من القضاة من مختلف المحاكم، ويتم انتدابهم للعمل بالهيئة العليا على سبيل التفرغ لدورة واحدة، مدتها 5 سنوات. ولا يجوز أن يتم انتداب أيِّ شخصٍ للعمل في “الهيئة العليا للانتخابات” من خارج السلك القضائي.
الفصل التاسع
نفاذ القوانين والالغاءات
المادة 232
تبقى جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة العربية الأردنية عند نفاذ هذا الدستور نافذة المفعول إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه.
المادة 233
يُلغى دستور “المملكة الأردنية الهاشمية” الصادر سنة 1952 مع ما طرأ عليه من تعديلات، ويعتبر هذا الدستور دستورا جديدا وليس تعديلا لأيِّ دستور سابق، وهو يؤسِّس للدولة الأردنية الرابعة منذ تأسيس الإمارة، والثالثة بعد الاستقلال، وهي “المملكة العربية الأردنية”.
المادة 234
يُعمل بأحكام هذا الدستور من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.