اليوم، تتعلّم كلّ بنت الطبخ عن أمّها وأمّ زوجها، فهل كان هذا هو الحال على الدوام؟ أم في التاريخ أمثلة عربيّة مختلفة؟

في الأندلس، ولتوحيد العادات الاجتماعيّة، نشرت الدولة مفهوم "المدرسة لكلّ شيء"، وهو مفهوم موروث عن الخلافة العبّاسيّة. لكن، بتطوير أعمق أدخل المدرسة إلى كلّ نواحي الحياة بلا استثناء. حتّى زراعة وتزيين حديقة المنزل كان لها مدرسة. وعادات الضيافة كان لها مدرسة.

كان على البنات قبل الزواج مثلاً الذَّهاب إلى مدرسة خاصّة لدراسة آداب الأسرة، ومهارات الحياة المنزليّة. البنت التي لم تذهب إلى هذه المدارس لا يخطبها أحد.

وفي تلك المدرسة تدرس البنت آداب التواصل والحوار، حسن التصرّف والتدبير المنزلي، فتتعلّم كيف تضبط ميزانيّة البيت وتحرص على المصروف. وتتعلّم كيف تصلح الثياب وتطيل من عمرها، وتتعلّم الطبخ وفنونه حتّى تصبح من المتخصّصات... حتّى ولو كان في بيتها خدم وطبّاخين… وكان للفتيان مدارس مماثلة، لتخصّصات مختلفة.

هذه المدارس حرصت على التراث وعلى نقل حرفيّ ودقيق لميراث الأجداد المعرفي والعُرفي، فكان الجميع خبيراً فيم يفعل. يدرك في منطقه أنّ المعرفة تحتاج إلى مدرسة لتمريرها، وتحتاج إلى أستاذ لاقتباسها. ويدرك أنّ المعرفة لا تقتصر على ميراث البيت، لأنّ معارف البيت ناقصة غير مكتملة.

هذه العادات أنتجت مجتمعاً علميّاً منفتحاً ذو مناعة قويّة في وجه علم التجهيل (الأغنوتلوجي). وهذا كان سبب ازدهار النهضة العلمية المتفوّقة في الأندلس.

اقرأ تدوينتي {مملكة إشبيلية وبذور نهضة المجتمع غرب الأوروپي} وتعرّف على المزيد من على مدوّنة البخاري من هنا https://wp.me/pdyVIP-1A2

#مؤنس_بخاري #حضارةالعرب #لاعربية #أندلس