الإسلام هو العدو .. فاحذره؟! (2-2)مصطفى إنشاصيوعندما حضر إلى الكلية حدثه الدكتور العميد بطلبي. فقال له: أعطيني مهلة وأرد عليك. وكنت كثيراً ما أعود معه في السيارة وأنا عائد من الكلية فسكني في طريقه لوزارة الخارجية، وأثناء العودة حاول إقناعي بأن العلاقة مع الغرب وأمريكا ليست علاقة صراع دائماً خاصة هذا العصر كما قدمتها في الباب الأول، أنها منذ فجر التاريخ وهي علاقة صراع ومازالت. وبقيت مُصراً على موقفي: أن الغرب عدو ولا يمكن أن يكون صديقاً أو حتى محايداً مهما كان إلى أن وصلنا إلى موازاة الشارع الذي يؤدي إلى سكني، وفتحت باب السيارة وأخرجت قدمي من السيارة وهممت بالنزول، وكانت كلماتي الأخيرة:"دكتور؛ لقد اتفقنا من البداية أن الرسالة رسالتي، وأنا الذي سأكتب وليس أنت" قال: نعم. قلت: وهذا رأي وقناعتي ومقدم على رؤيتي الدليل موثق تاريخياً وواقعياً، اقرأ أولاً ثم إن كان لديك اعتراض منهجي أو توثيقي أو لديك شيء موثق مخالف لِما كتبته أعدل ما كتبت. فقال محاولاً أيضاً إقناعي برؤيته: حتى وإن كنت مقتنعاً بذلك، إلا أنه يتوجب علينا أن نقدم الإسلام للغرب بأسلوب ألطف ونخاطب عقلية الغرب باللين حتى لا يحدث شُك عنده". فقلت له لحظتها بانفعال وحدة:"أنا لا أكتب للغرب ولا يهمني رأي الغرب موافقته أو رفضه لرأي، أنا أكتب لأبناء وطني وأمتي الذين تجرعوا مرارة العذاب والمعاناة بسبب مؤامرات الغرب التي لا تتوقف ضدهم، أنا أكتب ما أحسه وألمسه كل يوم من مآسي مؤامرات الغرب سياساته ضدنا، أنا أكتب لأبناء المعاناة التي صنعها الغرب وصنعتنا بدورها، أنا ابن النكبة، ابن المعاناة والقهر ولست ابن الغرب، أنا أنتمي لهذ الأمة التي يعادي الغرب فيها إسلامي ويعمل على تدميره، لماذا الغرب لا يحاول هو أن يلطف لهجته عند الحديث عن الإسلام ولا يجاهر بأنه هو العدو الرئيس له"؟!فقال عبارته التي كان دائماً يقولها لي ولغيري عني: "أنت ما عندك مشكلة في عقلك، مشكلتك في إصرارك على ما تكتب"! فقلت له بهدوء هذه المرة: "يا دكتور أنت عِشت 20 سنة من عمرك في أمريكا وكان الوضع يفرض عليك أن تكون ليناً أثناء حواراتك ونقاشاتك وأنت تقدم الإسلام لهم بعيداً عن روح الصراع وذلك لتؤلف قلوبهم أو تكسبهم، وعندما حضرت هنا لم تستطيع تغيير أسلوبك هذا، أما أنا فلم أعش في الغرب ولكن عِشت هنا، ومن صغري وأنا أتـقلب في المآسي والمصائب والنكبات التي صنعها الغرب لنا، لذلك لا أرى في الغرب الرسمي تحديداً إلا أنه عدو للإسلام"!فتلى لحظتها قوله تعالى: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج:40). وعلق قائلاً: إن الصراع هو سنة الله في خلقه وأخذ الأوراق وانطلق".وبعد قراءتها قال بصيغة الندم لقراءته لها متأخراً: "ليتني قرأتها قبل أسبوعين، كانت أفادتني كثيراً في محاضراتي لطلبة الإعلام والسياسة في جامعة النيلين وخاصة دورة موظفي وزارة الخارجية، المعلومات التي قدمتها كثير منها لم أطلع عليه سابقاً ولم أعرفها من قبل، الموضوع رائع جداً"! ومع أني أشكره على تواضعه لكني أأسف على إضاعة الوقت عليّ، لأنه لو قرأها من أول تقديمي لها ولم يؤخرني أربعة شهور، كنت ناقشت الرسالة وحصلت على الماجستير قبل أن أضطر لترك السودان!وللعلم هذا الباب هو جزء من كتاب كنت أعددته عام 1985 عن القضية الفلسطينية ليكون رؤية إسلامية للصراع، ويجيب على سؤال: لماذا فلسطين هي القضية المركزية للأمة! وعلى أن الحركة الصهيونية حركة دينية وليست صنيعة العرب. وكنت أثناء دراسة الدبلوم قد أعطيت فصل منه للدكتور الذي يدرسنا مادة "التاريخ الإفريقي" (هذا الفصل الذي أنشر حلقاته تحت عنوان قراءة واعية لعلاقة الغرب بالإسلام)، وعندما اطلع عليه كان أميناً وصادقاً معي، فقد أعجب به جداً، ونصحني ألا أًعطيه لأحد مرة أخرى باسم الثقة! جزاه الله خير. وكان محقاً فكم أعطيتهم أبحاثي ليستفيدوا منها في رسائلهم وأكتشف سرقة جزء أجزاء منها دون ذكر اسمي كمرجع، وآخرها عام 2020 أحدهم حصل على درجة الدكتوراه بثلاثة فصول عن أكذوبة الهيكل المزعوم، أضاف لها مواد أخرى دون تغيير كلمة ولا حتى شطب أو فراع سأستكمله عدله .. ومقدمة تلك الفصول التي نُشرت مع فصول أخرى مما أعددته عام 1985 في كتاب في الجزائر باسمي سرقها حرفياً!خلاصة القول: أن المنهج الدارج في كتابة الرسائل العلمية في الجامعات العربية منذ عقود قريبة غالباً لا يعتمد على العمق في البحث لتعميق الرؤية واستخلاص نتائج أكثر قرباً من حقيقة الواقع والصراع الدائر، فضلاً عن أن أكثر الجامعات أصبح التعليم لديها استثماري وكل همها الرسوم، والطالب لا يهمه إلا الحصول على الدرجة العلمية للحصول على وظيفة، أو الموظفين للحصول على ترقية، والأغنياء للحصول على لقب للفشخرة ,..لذلك حصل الهبوط في مستوى التعليم لدينا وفي السطحية والتسطيح لكل شيء، الكتابة، التحليلات، الثقافة، السياسة، كل شيء! فهل لنا في بقية خير في بعض الأساتذة الكبار وجهابذة العلم ليتنادوا إلى تدارك هذا السقوط والهبوط في مستوى التعليم الجامعي والدرجات العلمية؟!