مقاطعة الرّومانسيّة (خاطرة)
بقلم الروائي- محمد فتحي المقداد
لا أكتمُكم سرًّا أصدقائي، بعد التدقيق والتمحيص بحثًا ودرسًا وشرحًا، ومشاورات حثيثة أجريتُها مع خُبراء المُقاطعة العربيّة، شدّة الإلحاح والتشجيع قويّ من مُحيطي المُقرب وقاعدتي الثقافيّة؛ عزمتُ على الإعلان، لكنّ في اللّحظة الأخيرة أثناني خوفي من انتقام النساء عمومًا، وسيّدات المجتمع الثقافيّ والآنسات الأديبات؛ بمقاطعتي نهائيًا على الفيسبوك والواتساب.
أخيرًا لم يكن بُدٌّ من إعلان فكرتي الخُرافيّة، عن تأسيس جمعيّة (مقاطعة الرّومانسيّة)، عكّر مِزاجي هذا الصّباح، وأنا في طريقي إلى العمل توقّفتُ للسّلام الصباحيّ المُعتاد على صديقي (أكرم أبو عبدالله) في البقّالة التي يعمل بها، وهي محطّتي الأولى قبل الوصول إلى محلي. دخل طفل واشترى مصّاصة لها عود في أسفلها. الأمر الفظيع أنّها مُصمّمَةٌ على شكل حذاء بلون زاه. علّق صديقي بألم أعماقه: تخيّل كيف ستكون نفسيّة هذا الطفل، وهو يضع حذاء في فمه؟. تذكرتُ حلوى (قبقاب غوّار) اللذيذة التي تذوب في الفم دون جهد، وكانت على شكل حذاء أيضًا.. أيقنتُ رُضوعَ الذُلّ منذ صغري بداية تشكيل وعيي.
بلا تعليق منّي، هززتُ رأسي المُتخم طربًا منذ استيقاظي، وأنا أُدندنُ لحن أغنية (بحبّك يا حمار)، قبل يومين لا أدري ما الذي ذكّرني بها، رغم مآسي الزوجات اللّاتي أصبحن مُطلّقات عندما أحببنَ الأغنية بجنون، وهُنّ يضعن الكاسيت في آلة التسجيل للرقص على موسيقاها. أعتقد لو أنّهنّ تقدّمن بشكوى الضرر من الأغنية؛ لحصلن على دعم المُنظّمات النسائيّة في العالم.
غصّ يومي هذا منذ صباحه بتساؤلات مشروع البوْح بها أو لا:
- ما الجدوى المرجوّة من إعلان مُقاطعتي للرّومانسيّة؟.
- كيف لي احتمال الانتقادات الحادّة؟.
- هل الحبّ مشروع لشخص سويّ، أن يُحبّ حمارًا؟.
- هل انتفى الذوق للذهاب في مُنزلق الحمير؟
- ولماذا يثور من يوصف بالحمار؟. هاهي الحمير أخيرًا جذبت اهتمام البشر الذين تركوا وتباعدوا بُغضًا وكراهة، ورفاهيّة بمشاعرهم الهاربة فرارًا من واقعهم غير الرّومانسيّ لواقع الحمير الرّومانسيّ.
هذه المرحلة الحماريّة من حياة أيّ شخص مُؤشّر هامّ للحريّات الشخصيّة المُنطلقة جُنونًا؛ لكسر أبواب وأقفال حاجز المُقاطعة العربيّة لإسرائيل.
من كتابي (من أول السطر)