فرنسا وليس ماكرون!
كتب الكثيرين عن الزوبعة التي أثارتها تصريحات ماكرون وكلها صحيحة، لكن أغلبها يفتقد إلى العمق التاريخي، وإن كان ذكر البعض بأحداث التاريخ، إلا أنهم لم يخلصوا إلى أن تلك الأحداث جعلت من فرنسا حامية الغرب النصراني دينيا وحضاريا، وإلا كانت الغرب كلها أصبح مسلما من القرن الأول للإسلام، ولما حدثت كل تلك الحروب وأُريقت كل تلك البحور من الدماء، ولما احتدام الصراع اليوم وعبر عنه ماكرون بزعم الحفاظ على علمانية الدولة، ولكن الحقيقة هي:
أن الغرب يدرك أن النموذج الحضاري الوحيد الذي هدد ويهدد نموذجه الحضاري الغربي بالزوال التام، هو النموذج الحضاري اﻹسلامي فقط، ويدرك الغرب أن الإسلام رغم كل ضرباته له وكل وسائلهم للقضاء عليه، إلا أنه يزداد قوة وانتشار وإقبال عليه، وفي عقر ديار الغرب!
وذلك ما أعلن عنه ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في أول اجتماع لحلف الناتو بعد تفكك اﻻتحاد السوفيتي عام 1991، حيث أعلن:
أن العدو الجديد الذي يهدد الغرب هو (الإرهاب اﻹسلامي)! وقرنه، بالجريمة المنظمة وتجارة المخدرات! وفي كلمة الافتتاح أعلن رئيس حلف الناتو وهو برتغالي (خانتني الذاكرة فلا أذكر اسمه):
أن النموذج الحضاري الغربي مهدد من العالم اﻷخضر، يقصد المسلمين!
ولم تأت صرخة الياباني الأصل الأمريكي الجنسية فوكو ياما في كتابه (نهاية التاريخ) من فراغ، وتبعتها نظرية هننغيتون في كتابه (صراع الحضارات)، وأن النموذج الحضاري الإسلامي هو الذي يهدد النموذج الحضاري الغربي، ونشر العولمة!
وبعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وإطلاق مؤتمرات دافوس الاقتصادية التي عُقدت في عدة أقطار عربية، لاستخدام الاقتصاد لتحقيق أهدافهم السياسية ودمج العدو الصهيوني في نسيج وطننا اﻻجتماعي، وتوسيع مساحة الجغرافية الصهيونية بتوقيع اتفاقيات (سلام)، وتطبيع العلاقات معه و...، كانت تلك المؤتمرات تقعد تحت شعارات اقتصادية، ولكن عناوينها الرئيسة: محاربة الإرهاب (يقصدون به الإسلام) والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، وتصدر عنها قرارات ذات علاقة بقيمنا وبنانا اﻻجتماعية، تمهيدا لهدم البناء الأخلاقي الإسلامي الذي يحمي مجتمعنا! وكانت عصا رجل الكابوي الأمريكي هي الراعية لفرض ذلك على أمتنا ...
الآن وقد انشغلت أمريكا ببعض مشاكلها في مناطق أخرى، واستشعارا من فرنسا حامية وطليعة ورائدة الحرب الصليبية ضد اﻹسلام، بخطر النموذج الحضاري الإسلامي على النموذج الحضاري العلماني الغربي، الذي أصبح الإسلام يهدده في عقر داره وخارجه، جاءت تصريحات ماكرون تحذيرا للغرب، وظنا منه أن الغرب سيستجيب ويتفاعل معها، وتكون حرب صليبية جديدة ولكن ليست حرب جيوش، وغالبا تكون حرب قيم وقوانين تقيد حرية المسلمين الدينية في الغرب، وتمنع نشر الإسلام فيه، وقد تصل ليس فقط منع الهجرة التي يحاولون منعها، ولكن تهجير وإعادة توطين مسلمي أوروبا في بلادهم الأصلية أو غيرها ...
مهما حاول الغرب وأعوانه في وطننا تغييب حقيقة وطبيعة الصراع إلا أنه سيبقى:
صراع ديني حضاري!