-
المولود المنتظر
المولود المنتظر هو ذكر ... خبر بخمسة وتسعين ألف دولار ...
هشام الخاني
هممت منذ أن قرات عن إعلان الزوجين السوريين عن جنس مولودهما على برج خليفة في مدينة دبي، والذي استغرق ثلاث دقائق وكلف خمسة وتسعين ألف دولار ... هممت أن أكتب في الموضوع، لكني تريثت لحين الاطلاع على ردات فعل الناس. وقرأت بشكل طبيعي العديد من التعليقات والاخبار المتعلقة بالحدث، لكني لم أجد ردا يطرق قلب الحقيقة أو يقيم الحدث من زاوية الواقع.
في الحقيقة ... لقد كانت تعليقات الناس وردات أفعالهم استجابات مطلقة لما أراده الشاب وزوجته عندما نشدا الشهرة الكبيرة من خلال إحداث ضجة هائلة وتفاعل شديد على مواقع التواصل. ولاشك بأن الغاية قد بررت الوسيلة لدى الزوجين، اللذين أرادا المكسب أولا ثم الشهرة، رغم التناقض الجرئ بين المصروف الضخم على الإعلان وبين حال بلادهم التي تعاني ظروفا لم يسبق للتاريخ أن شهدها. وليس أدل على ذلك من قرار فتح المدارس يوم أمس رغم عظم الخطورة وفداحة المأساة في زمن الوباء. لكنه لا غرابة طالما أن سلامة الناس اليوم غير مدرجة أبدا في قائمة الأولويات، ناهيك عن كون التعليم عن بعد عبر أجهزة الحاسوب أمرا مستحيلا في بلاد تسد فيه قيمة الجهاز الواحد قوت أسرة بأفرادها لبضعة شهور.
إن ما يطرأ اليوم من مستجدات غريبة قد أفرز مهنا جديدة لا تتطابق طبيعتها مع المألوف خلال الزمن الماضي أبدا .. حتى من قبل عشرة سنين. ولقد باتت بعض المهن تنجز من البيوت وتعطي عوائد هائلة خلال شهور تفوق ما كان لتاجر متمرس أن يجنيه في السابق خلال سنوات. ولاشك بأن زمن التواصل والاتصالات قد اتاح الفرصة للمئات او الآلاف من الناس كي يتربعوا، كل من بلد أو قارة، حول طاولة واحدة يتعاملون في كثير من النشاطات وفق إنجاز سديد ومهنية عالية. ورغم أنه لم يكن للأجيال السابقة أن تتخيل مثل هذه الحال مجرد تخيل ... لكن ذلك حصل وغدا واقعا.
يعلم الشاب وزوجته تمام العلم بأن المبلغ الذي دفعاه لا يعتبر تكلفة تكلفاها، بل هو استثمار فعلي يتوقع لعوائده أن تفوق قيمته بمرات. فمثل هذا الإعلان، بقيمته العالية ومناسبته البسيطة جدا، لا يستوجب مثل هذا الزخم. لكن أصحاب المنفعة درسا الأمر جيدا، ولم يقدما على هذه الخطوة إلا بعد تأكد منهم بأن إقدامهم سيستجلب فضول عشرات الألوف من الذين سينضمون الى قائمة متابعيهم. وهذا يعني أن العوائد الحالية ستتضاعف مرات عديدة ... هذا بخلاف عوائد الإعلان التي ربما تتجاوز العوائد الكبيرة الأساسية التي يحققها وجود مليوني مشارك بعد أن كانوا مليونا واحدا.
لا يختلف اثنان على حق الناس في أن يبادروا بالاستثمار والمنفعة ضمن الطرق المشروعة، لكنه حبذا لو كانت الفكرة التي أدت الى هذا الإعلان تحمل زخما أخلاقيا ذا وزن معقول يراعي حال الناس في بلاد الشام التي ينتمي إليها الزوجان. وكم كان جميلا وحريا بهما أن يعلنا مع هذه المناسبة (التي ابتدعاها من أجل الشهرة والكسب) عن تبرع سخي يتناسب مع قيمة الإعلان الأجوف ينزل أصحاب الحاجة في بلدهما، أو التكفل بمصاريف طبية أو تعليمية أو معيشية وفق طرق سديدة لجملة واسعة من الأسرة المنكوبة.
....
-
كاتب
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى