ترجمة مسبوكة وغير مسبوكة : "يمينات فنيدة"!
سبحان الله أمر عجيب!! كان "الوعد"- بيني وبيني – أن أكتب تحية لشخص – الأستاذ الذي يكتب باسم"سعيد ولكن ممتعض - تحاورت معه ،قبل يومين .. وقد كشف لي الحوار،أو اكتشفت بعض فوائد الحوار .. وهي وضوح الصورة،أو مكمن سوء الفهم .. لقد كان الأستاذ يعتبر "السويد" دولة ملحدة .. ولا أعتبرها كذلك .. كما أنه يعتبر من "فجر نفسه" أي لو أن "السيخي"الذي اغتال "انديرا غاندي"فعل ذلك بتفجير نفسه،فسيعتبره "منتحرا"ولا أعتبره كذلك .. فـ"الانتحار"الذي كنت أتحدث عنه – في الغرب – أمر آخر صاحبه "غير مغسول الدماغ" – بغض النظر عن غاسله – وتتوفر له كل وسائل الحياة الحديثة .. وغير مكبوت.
على كل مائن طلعت الشمس،أو جئت إلى مكتبي .. حتى تلاشت الرغبة في الكتابة .. أو لنقل عاد الحنين إلى هجر الكتابة ملوحا لي بيديه ... راسما ابتسامته العذبة .. واعدا بالعودة إلى أحضان أخي وصديقي الكتاب!!
بالأمس القريب كنت أتحاور مع أحد الزملاء حول الفرق بين ترجمة عبارة لمالكوم إكس .. و كيف اختلفت ترجمتها،من جهة "سبك"العبارة أو صبها في "قالب" .. وبعد نفض يدي من الكتابة .. وقفت على العبارة .. ونصها في مذكرات "مالكوم" :
(اتضح لي أن القوة والضعف المعنويين للبلدان يظهران بسرعة على مظهر النساء في تلك البلدان وسلوكهن في الشارع ولا سيما الشابات ):"المذكرات" ترجمة ليلى أبو زيد.
بينما وجدت العبارة نفسها في كتاب"هروبي إلى الحرية"بهذه الصياغة :
(تأكدت أن القوة الأخلاقية أو الضعف الأخلاقي لكل دولة يمكن قياسه بلباس وسلوك المرأة،وخصوصا منهن الشابات في الأماكن العامة") مالكوم أكس
أمر الترجمة هذا ذكرني بمقالة قديمة للأستاذة سعدية مفرح،جاء فيها :
(مفارقة طريفة لاحت لي بينما أجمع تفاصيل مادة صحفية حول كتاب مترجم إلى اللغة العربية ،ومتنازع عليه من قبل مؤسستين ثقافيتين خليجيتين.
أما الكتاب فهو (Head To Head) لمؤلفه الأمريكي ليستر ثورو.
أما المؤسستان الثقافيتان الخليجيتان اللتان تتنازعان حوله فهما المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب في الكويت،والمركز الإماراتي للدراسات الاستراتيجية،لقد قامت كل مؤسسة منهما بترجمة الكتاب إلى العربية على حدة،وثار الخلاف لنكتشف نحن القراء أن جهة ثالثة قامت بترجمة الكتاب قبلهما هي دار الهلال المصرية،وجهة رابعة قامت بترجمته بعدهما هي جريدة المؤشر الكويتية.
"الترجمات" :
1 – الحرفية : "رأس برأس" وهي التي فضلتها دار الهلال.
2 – "المتناطحون" : المركز الإماراتي
3 - "صراع العمالقة" : المجلس الوطني الكويتي.
4 - "وجها لوجه" : جريدة المؤشر ){ عن مقال"كل هذه البلبلة" : أ.سعدية مفرح / جريدة الجزيرة العدد 8525 في 11 / 9 / 1416هـ = 31 / 1 / 1996م}.
هكذا ترجمت"الأمة"كتابا واحدا أربع مرات!! وفي مكتبتي – كان – ترجمتان لرواية "وليم جولدنج"،إحداهما بعنوان "أمير الذباب" والأخرى"لورد الذباب" .. وترجمتان لرواية أندريه جيد "إيزابيلا"!
حسب السؤال التقليدي – في السيمافزيون - : هل لديك أقوال أخرى؟
نعم.
تقلبات الإنسان ... والإنسان المقصود هنا"نيتشه" .. يقول عنه علي عزت بيجوفيتش :
(وكل ما فعله "نيتشه"أنه طبق بثبات قوانين علم البيولوجيا ونتائجها على المجتمع الإنساني. وكانت النتيجة نبذ الحب والرحمة وتبرير العنف والكراهية .. والمسيحية عند"نيتشه"وبخاصة الأخلاق المسيحية،"هي السم الزعاف الذي غُرس في الجسم القوي للجنس البشري" ..){ الإسلام بين الشرق والغرب}
هذا الإنسان العنيف .. يقول عنه بيجوفيتش أيضا :
(كان نيتشه إنسانا مرهف الشعور،ولم يكن يشبه بأي شكل "أوبرمنخ" ،في السنة الرابعة والأربعين من عمره تعتم عقله،ووفقا لكاتب سيرته كان السبب المباشر لذلك مشهد في ميدان تورينو،عندما خرج الفيلسوف من منزله،ليرى حوذيا وهو يضرب حصانه بلا رحمة،وتقدم من الحيوان وعانق رقبته،وانخرط في البكاء وهوى ،عاش بعدها اثنا عشر عاما،ولكن عقله لم يعد إليه أبدا.
ما نحن .. هو نحن،وليس ذاك الذي نعتقده ،ونرغب في أن نكونه){ هروبي إلى الحرية}.
في الكتاب نفسه،نجد هذه اللمحة،وفي إيطاليا أيضا،ولكن عن الحمار :
(الفلاحون في إيطاليا وبدلا من ضرب الحمار لحثه على المشي،والذي قد لا يحدث أي تأثير أحيانا،بسبب قساوة رأس الحمار،اخترعوا خدعة : يربطون على رأسه عشبا طازجا بطريقة يراها الحمار أمام ناظريه،ويعتقد بأنه سيصل إليها. ألا يشبه الكثير من الناس هذه الحمير؟ أليس بعض الناس يصنعون من الآخرين حميرا،مثل تلك التي في إيطاليا){ هروبي إلى الحرية}.
ولمحة أخرى حول الحفظ .. الذي "يشتمه"البعض،دون أن يوضح أنه يقصد الحفظَ دون فهمٍ .. ودون الحديث عن "عدم الحفظ وعدم الفهم "أيضا!! = "حشفا وسوء كيلة"!
لا زلنا في كتاب"هروبي إلى الحرية" :
(كان ذلك عناق العاثرين .. أولئك الذين،وفقا لقوانين هذا العالم،لم يستطيعوا الانتماء أحدهم للآخر. ومن ذلك العناق الذي كان يشبه قبول الصراع وكان أحد المخارج : الموت. لأن الحب والموت هما شيء واحد. لا أعرف لمن هذه الكلمات ولكنها لاحت في ذاكرتي)
أما أنا فقد لاحت في ذاكرتي أبيات،لا أعرف لمن!!
{ روقنا يا محمودوفيتش!!}
أمس انتهينا فلا كنا ولا كانا يا صاحب الوعد خل الوعد نسيانا
طاف النعاس على ماضيك وارتحلا حدائق العمر بكيا فاهدئ الآنا
كان الوداع ابتسامات مبللة بالدمع حينا وبالتذكار أحياتنا
حتى الهدايا وكانت كل ثروتنا ليل الوداع نسيناها هدايانا
شريط شعر عبيق الضوع محرمة ونجمة سقطت من غصن لقيانا
يا رحلة في مدى النسيان موحشة ما كان أغنى الهوى عنها وأغنانا.
خاتمتان :
ألأولى : البارحة،كنت أبحث عن شيء في المكتبة،فلم أعثر عليه ،ولكننها أهدتني كتاب"في المختبر"لمارون عبود . . لكنه نسي أن يذهب معي إلى المكتب .. أو نسيت أخذه!! لعل ذلك البحث هو السبب في الحنين إلى هجر القلم .. والتفرغ للورقة!
الثانية : الجزء الثاني من العنوان"يمينات فندية" .. خاص بأحفاد شنقيط الأول .. ولتعم الفائدة .. وللتبادل الحضاري ... هو مثل يعني "عدم تحقق الوعد" ... هذا فقط لطمأنة الجماهير .. من الخليج الخليج الماطر .. إلى المحيط الشاعر!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني
20 / 3 / 1437هـ = 31 / 12 / 2015