لمحات من مذكرات الحاج مالك الشاباز "1"
هذه ليست سياحة في كتاب،مجرد لمحات من كتاب أحببت صاحبه !!
عفوا. ليس صحيحا أنني أحببته لأنه لم يتخط في تعليمه المرحلة الثانوية ... مثل بعض الناس ... ولا لأنه قرأ "معجما" تثقف من خلاله .. كما فعل بعض الناس .. ولا لأنه رد على سؤال أحد الأوربيين عن اسم الجامعة التي تخرج منها فرد قائلا :
من جامعة الكتب!! .. مثل بعض الناس .. أيضا!
بل لأن الرجل يتميز بدرجة عالية من الصدق .. ولا تنقصه خفة الظل التي تبرز في بعض تعليقاته .. وهذا فرق بين بينه وبين بعض الناس.
أما القضية الأهم فهي أثر العنصرية عليه ..
والعنصرية داء فتاك .. قراءة هذا الكتاب فتحت عيني عليها أكثر .. والعنصرية تنهش المجتمع المسلم ... دون الحاجة إلى تمايز مثل تمايز السود والبيض في أمريكا .. فقد يكون التمييز ضد من يحمل نفس اللون والعرق.
قراءة هذا الكتاب فتحت عيني على معاناة شرائح كثيرة .. هنا .. وهناك .. شرائح بأكملها .. وضعت تحت لافتة وُضع عليها "كذا" و"كذا" .. إلخ.
بل ويُنتظر من تلك الشرائح أن تتقبل ذلك الوضع،بروح رياضية .. راضية .. وربما باسمة .. ولمعاناتها كاتمة!!
يقول الحاج مالك :
(جعلت الأمريكي الأبيض يعتقد في قرارة نفسه أنه"الأفضل"حتى أن هناك في جهات عدة رجال بيض لم يكملوا تعليمهم الثانوي،ينظرون بعجرفة إلى رجال سود تخرجوا في الجامعات وأصبحوا"زعماء"ومديري مدارس وأساتذة وأطباء وأصحاب مهن حرة){ ص 209}.
ألا يبدو هذا الكلام مألوفا .. هنا .. وهناك؟!!
عفوا. لم أُعرف – من لا يعرف – بالحاج مالك الشاباز .. إنه أيضا السيد،الذي قال عن نفسه :
(ومنحت إلى جانب العضوية اسما جديدا وهو أومووال ومعناه في اللغة اليوروبية الابن العائد ){ ص 270}
أيضا لم تتضح الشخصية؟!
هذا لا يكفي . . وإلا لقلت – على طريقة الدراما – في الحلقة القادمة نعرف من هو السيد" أومووال "!!
على كل حال،الحاج مالك – كما تعلمون! – هو مالكوم إكس ،أو ملكوم إكس،حسب ما جاء على غلاف سيرته الذاتية التي بين يديّ
وقد سرد قصة حياته على اليكس هاليي,وسننقل طرفا من ذلك إن شاء الله.
قبل أخذ لمحات من الكتاب،نتذكر قول أخينا علي عزت بيجوفيتش – رحم الله والديّ ورحمه –
(يتهم البعض المسيحية بأنها"بيضاء زيادة عن الحد"،ولكن الاتهام ضد الإسلام مستحيل. لأن رسوله من أكثر الشعوب سوادا بين البيض،وأكثر الشعوب بياضا بين السود).
اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد المختار وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار وأزواجه الأطهار،ما تعاقب الليل والنهار .. يا سادة يا كرام يبدأ الكتاب الذي بين أيدينا بفصل"الكابوس" ويبدأ بهذه الأسطر :
( قالت لي أمي ذات ليلة وهي حامل بي : جاءت إلى بيتنا في أوماها،نبراسكا،على ظهور الخيل،جماعة الكوكلوكس كلان بقلنسواتها وطوقت البيت،وهي تهدد ببنادقها وتأمر أبي بالخروج. وقالت إنها فتحت الباب ووقفت بحيث يروا بطنها ثم قالت لهم إنها وحدها في البيت مع أطفال صغار وإن أبي قد ذهب إلى ملوكي ليلقي وعظه. وقالت إنهم جذورها من مغبة ما ينتظرنا إن نحن لم نغادر البلدة لأن"البيض الطيبين"قد نفد صبرهم على الفتنة التي يزرعها أبي بترويجه أفكار ماركوس كارفي بين زنوج أوماها){ ص 9( ملكوم إكس / سيرة ذاتية ) / اليكس هاليي / ترجمة : ليلى أبو وزيد / بيروت / بيسان للنشر والتوزيع والإعلام / الطبعة الثانية 2000}
ومن التهديد و"مالك"في بطن أمه إلى موقف آخر،وهي حامل أيضا!
( ومرة أخرى كانت أمي حاملا بأختي الصغرى إيفون التي ما إن ولدت حتى بدأ الكابوس. حدث ذلك في ليلة كالحة من ليالي 1929 ما زلت أذكرها. {مالك ولد في 19 /5/1925 – محمود} صحوت مفزوعا على صوت طلقات نارية وضجيج لأجد بيتنا يحترق وإخوتي يتدافعون ويختنقون . وسقط البيت مباشرة بعدما خرجت أمي وهي تحمل الطفلة فتطاير الشرر وبقينا في العراء في ملابسنا الداخلية نبكي ونصيح. وجاء رجال المطافئ و وقفوا ينظرون إلى أن احترق البيت ولم يبق منه شيء.
وأعطانا بعض الأصدقاء ما نلبسه وآوونا مؤقتا،ثم رحل بنا أبي إلى بيت آخر في مشارف شرق لانسنغ. وكان ممنوعا حين ذاك على الزنوج منعا كليا دخول شرق لانسنغ بعد غروب الشمس،أي المكان الذي تقع عليه الآن جامعة ميشيغان الرسمية. لقد حكيت هذا كله لطلاب هذه الجامعة عندما زرتها في 1963 ورأيت أخي روبرت بعد فراق طويل ،والذي يتابع هناك دراسته العليا في علم النفس. قلت لهم إن شرق لانسنغ قد آذانا إلى الحد الذي اضطررنا معه إلى الابتعاد عن المدينة){ ص 11}.
لاشك أن تلك المشاهد الوحشية لتدمير أسرة "مالك"وموقف "رجال المطافئ"تركا أثرهما جرحا لا يندمل .. وأججته بعد ذلك قراءة تاريخ البطش بالزنوج.
ولمحة أخرى أو "حكمة"يقدمها الحاج مالك :
(لقد تعلمت باكرا أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج إن أراد أن يحصل على شيء. كان إخوتي الكبار يسكتون إذا رجعوا من المدرسة وطلبوا من أمي خبزا وزبدة أو أي شيء ولم تعطه لهم،أما أنا فكنت أصرخ وأجعل عاليها سافلها حتى تعطيني ما أريد. وأذكر أنها سألتني ذات يوم لمَ لا أكون مثل ويلفريد؟ ولكنني قلت في نفسي إن ويلفريد لكثرة ما يسكت يموت من الجوع معظم الوقت.){ ص 14}.
ثم جاء وقت المدرسة ..( وعندما بلغت الخامسة من عمري،بدأت أنا الآخر أذهب إلى المدرسة مع كل من ويلفريد وهيلدا وفيلبرت. كانت المدرسة من الروض حتى السنة الثالثة الثانوي وكانت تبعد عن المدينة بثمانية أميال. ولم نجد صعوبة في الالتحاق بها لأننا كنا الزنوج الوحيدين في المنطقة وكان الشمال يقبل الزنوج إذا كانوا قليلي العدد. ولم يصدر من الأطفال البيض ما يستحق الذكر اللهم إلا استبدال أسماءنا بـ"الزنجي"و"الأسود"و"الصدء"حتى حسبنا أنها أسماؤنا الحقيقية،على أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك بسوء نية){ ص 15}.
لمحة أخرى . . عدم تشغيل "السود" :
( كنت قد أخذت ريجينالد تحت جناحي بعدما كان قد خرج من طور الطفولة،وأصبحت على ما يبدو أنظر إليه نظرة الأخ الأكبر لأخيه الأصغر. وبدأت أمي تشتري بالقرض كل ما نحتاجه. والقرض،كما كان يقول أبي هو"الخطوة الأولى نحو الدين،فالعودة إلى العبودية". ثم بدأت تعمل في بيوت الناس أو تخيط للبيض. وسهل عليها ذلك أن سوادها لم يكن باديا للعيان،إذ لم يكن البيض يقبلون تشغيل السود فكانت تبقى في بيت من البيوت حتى يكتشف أمرها وتُطرد فتعود وهي تحاول إخفاء دموعها عنا. لا أذكر من منا ذهب إليها في عملها ذات مرة لسبب طارئ،ففضحت وطردت ورجعت تبكي ولا تحاول إخفاء دموعها){ ص 14}.
إلى الجوع .. والفقر :
(وفي سنة 1934 بدأنا نعرف معنى الفقر الحقيقي. كانت أسوأ سنوات الأزمة الاقتصادية (..) كانت مخبزة بلانسينغ تبيع بخمسة وعشرين سنتا الكيس الكبير من الخبز (..) وعندما كنا لا نجد الخمسة والعشرين سنتا كنا نجوع حتى نشعر بالدوار. حينذاك كانت أمي تطبخ لنا الهندباء الفجة فنأكلها. وأذكر أن واحدا من ذوي العقول الصغيرة اكتشف ذلك وأذاعه وأن الأطفال بدأوا يستهزئون منا ويقولون إننا نأكل "الحشيش المقلي". كنا،عندما يحالفنا الحظ نأكل عصيدة القمح والذرة ثلاث مرات في اليوم أو العصيدة في الصباح وخبز الذرة في المساء (..) وكبرنا أنا وفيلبرت على العراك (..) كنا ننصب الكمين لفأر المسك في نهر صغير يقع خلف بيتنا،ونكمن للضفادع حتى تخرج فنضربها ونبيع سيقانها بخمسة وعشرين سنتا للبيض الذين يأكلون كل شيء على ما يبدو. ثم بلغ بنا الفقر حدا فقدنا معه كل شعور بالكرامة،فبدأنا نذهب إلى المخزن الذي يوزع فيه الطعام على الفقراء،وبدأت الأصابع تشير إلينا وأسماؤنا ينادى عليها بصوت عالٍ كلما جاء ذكر المعوزين في المدرسة. ولم يكن هناك من طعام في بيتنا إلا وعليه دمغة "ليس للبيع"التي توضع على الطعام الخيري لمنع المستفيدين من بيعه. ومن غريب الصدف أننا لم نحسبها إحدى الماركات التجارية. ){ ص 18 - 19}.
نختم بهذه اللقطة وتلك العجوز الخيرة ( واسمها مسز أدكوك كانت هي الأخرى تكثر التردد على الكنيسة وفعل الخير،وقد قالت لي كلاما ما زلت أذكره. قالت :"يعجبني فيك يا ملكوم عدم الرياء. أنت لا تصلح لشيء ولكنك لا تحاول أن تخفي ذلك"){ ص 19}.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني