قصة قصيدة
ميسون بنت بحدل

محمد عيد الخربوطلي
ميسون بنت بحدل بن أنيف من بني كلب، كانت ذات جمال باهر وحسن غامر، وتعد من التابعيات، تزوجها معاوية بن أبي سفيان، وهي أم ابنه يزيد، ومن أقاربها حسان بن مالك بن بحدل (ابن أخيها) هو الذي ساق الخلافة لمروان بن الحكم.
بنى لها معاوية قصراً منيفاً مشرفاً على الغوطة، ونقلها من البادية إلى ريف دمشق، ويعد هذا القصر آية في الجمال، فقد زينه لها بأنواع الزخارف، ووضع فيه من أواني الفضة والذهب ما يضاهيه، ونقل إليه الديباح الرومي والملون والموشى ما هو لائق به، ثم أسكنها مع وصائف لها كأمثال الحور العين، فلبست يوماً أفخر ثيابها وتزينت وتطيبت ثم جلست في روشتها وحولها الوصائف، فنظرت إلى الغوطة وأشجارها وسمعت تجاوب الطير في أوكارها، وشمت نسيم الأزهار وروائح الرياحين، فتذكرت بهذا قومها وحنت إلى أترابها وأناسها، فحنت إلى مسقط رأسها فبكت وتنهدت، فقالت لها إحدى وصائفها ما يبكيك وأنت في ملك يضاهي ملك بلقيس؟ فتنفست ميسون الصعداء وفقالت:

لبيت تخفق الأرواح فيه
أحبَّ إليَّ من قصر منيف
وبكر(1) يتبع الأظعان سقباً(2)
أحب إليَّ من بغل زفوف(3)
وكلب ينبح الطراق(4) عني
أحبّ إليَّ من قطّ ألوف
ولبس عباءة وتقر عيني
أحب إليَّ من لبس الشّفوف(5)
وأكل كسيرة(6) في كسر(7) بيتي
أحب إليَّ من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج
أحب إليَّ من نقر الدفوف
وخرق(8) من بني عمي نحيف
أحب إليَّ من علج عنيف(9)
خشونة عيشتي في البدو أشهى
إلى نفسي من العيش الطريف
فما أبغي سوى وطني بديلاً
فحسبي ذاكَ من وطن شريف
يقول خليل مردم بك: "وفي خزانة الأدب أنها كانت بدوية فضاقت نفسها عند معاوية، لما تسرَّى عليها، فعذلها على ذلك وقال لها: أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره، وكنت قبل اليوم في العباءة، فقالت تلك الأبيات..
فلما سمعها معاوية، قال لها: ما رضيت يا ابنة بحدل حتى جعلتني عليفاً، فالحقي بأهلك، فطلقها وألحقها بأهلها، وقال لها: كنتِ فبنتِ، فقالت: لا والله ما سررنا إذ كنّا، ولا أسفنا إذ بنّا"
ورواية الشريف في حماسته تقول أنه ازداد بها عجباً وإليها ميلاً، أما الدميري فيؤكد أنه طلقها وأعطاها كل ما في القصر وسيرها إلى أهلها بنجد، وكانت حاملاً بزيد فولدته بالبادية وأرضعته سنتين ثم أخذه.
الهوامش:
1- بكر: البكر بفتح الباء، الفتي من الإبل.
2- سقباً: السقب الذكر من ولد الناقة.
3- زفوف: الزفوف من النوق الحسنة المشي السريعة.
4- الطراق: جمع طارق الآتي ليلاً.
5- الشفوف: جمع شف وهو الثوب الرقيق.
6- كسيرة: الكسيرة بالتصغير القطعة من الخبز.
7- كِسر: الكسر بكسر الكاف طرف الخباء من الأرض.
8- خِرق: الخرق بكسر الخاء، الكريم.
9- عنيف: ويروى عليف أي مسمن بالعلف.

المصادر:
1- شعراء الأعراب – خليل مردم بك – 66 – 67.
2- حياة الحيوان للدميري – 2/218.
3- المستطرف للأبشيهي
4- الحماسة للشريف الرضي.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي