المـجـلـة الثـقـافـيـة الشهرية


الغلاف > العدد 101

هدى الدهان - العراق
بكارة بالإبرة والخيط

بكارة بالإبرة والخيط: مسلسل "نساء من هذا الزمن"
أما كيف اكتشفها العريس، مما أدى به إلى التصرف بطريقة حضارية ورفع دعوى طلاق بتهمة التدليس، فهذا هو اللغز الذي حيّر العروس وصديقتها المحامية التي تدافع عنها.
هذا المشهد الأول الذي يكحل عينيك وأنت تتلقى أول تجسيد لـ"نساء من هذا الزمن"، المسلسل التلفزيوني السوري الذي باع كل النساء، وليس السوريات فقط، في سوق النخاسة الإعلامي.
مسلسل تحدث عن النساء في هذا الزمن. و ولأن سورية تعاني مثلما يعاني العراق (وإن كانت مستجدة)، رغبت في متابعة المسلسل لأجدَ هل كانت الكاتبة واعية بما يحدث الآن لنساء سورية والعراق في هذا الزمن، ابتداء بالأرامل ومرورا بالنازحات وانتهاء بالمترفات.
بحثت عن امرأة واحدة، وأقول واحدة فقط، شريفة بأي مقياس وأي مفهوم أو غير متعطشة لرجل في مسلسل كامل فلم أجد. كلهن في المسلسل بلا شرف أخلاقيا أو جسديا.
تابعت بعينيّ المشاهد/ة والناقد/ة ثم بعيني امرأة. كل النساء في المسلسل يتعطرن ويستنشقن ويذبن شوقا لحضن الرجل، طبعا ما عدا واحدة: ليس كرها في السرير بذاته، ولكن كرهاً بالرجل (زوجها) الذي قالت إنه يربط يديها ورجليها "كالحيوانة" على حد قولها ويعاشرها في غير ما أحل الله من الأماكن.
هذه المرأة هي الوحيدة التي قرفت من الجنس، ولكنها عاقرت وعاشرت الخمر (العرق حصراً). ولا يوجد مقطع، إلا نادرا، ليس في يدها كأس عرق وسيكارة. وتتحفنا بنظرياتها عن الرجال وشتائمها عليهم.
بمصادفة غريبة، كان لهذه المرأة بنت متوازنة نفسيا تماما ومُحِبة لوالدها. ورغم الأحداث في سورية، وشكاوى المرضى لها في العيادة كونها طبيبة نفسية، تبقى عاشقة وحالمة ومبتسمة طوال اليوم . مشاهد المرضى النفسيين وهم يبثون شكاواهم لها (ومعظمهم من النازحين)، فيها إقحام على المشاهد إذا لم يتبعها أي نصيحة من الطبيبة من باب رد الجميل للمريض، مقابل أجور الكشف على الأقل. هذه المشاهد كانت غالبا تُختم بكتابة وصفات الدواء لهم لا غير.
هذه الطبيبة عشقت، وهذا أمر طبيعي. إلا أننا في المسلسل نكتشف أننا ندخل في باب العلاقات التي (يجب) أن تكون قبل الزواج ليختبر أحدهما الآخر. جمل مثل "عشقت مساماتك" و"عشقت رائحة جسدك" تكررت اكثر من مرة في المسلسل، وانتهت بحمل الطبيبة. ولكنها أذكى وأثرى من بنات كثيرات، وبالتالي أمكنها إجراء عملية إجهاض، وتزوجت شخصا متحررا اكثر من حبيبها الذي اختلفت معه على تفاصيل صغيرة قبل العرس، ثم عاد نادما بعد زواجها من آخر، وهذا لاحظته كثيرا، حيث من النادر في المسلسلات السورية ألا يتزوج من عاشر حبيبته قبل الزواج. وأظن أنه مفهوم لا يمت بصلة لواقعنا العربي على الأقل.
إحدى النساء (البطلات في هذه الملحمة)، وهي صاحبة البكارة المرقعة، والمطلقة طبعا، اكتفت حاليا بعشرة رجل عجوز باتفاق أن تدللـه مقابل مبالغ كبيرة وسيارة وبيت ملك وغيره. هل فعلا يوجد مثل هؤلاء الرجال في الواقع؟ هل فعلا من يقضي عمره في جمع الأموال ينفقها على بنت صغيرة مقابل كلمات ورقص ودلال؟ المعتاد أن نجد الرجل يتشدق بكثرة النساء حوله.
مسلسل نساء من هذا الزمنشمل المسلسل كل الطبقات الشعبية والراقية المثقفة والفقيرة بمكرمة المرأة التي ترمي نفسها على أقدام الرجال، وتمثلت في دور المحامية في المسلسل، التي طوال اثنتين وثلاثين حلقة أتعبتنا وأتعبت نفسها بتذمرها بأنها مكبوتة، وبالتالي فهي شريفة إلى درجة أنها لا تأكل البيتزا مع صديقتها، لأن الأكل يعطي طاقة، وقد قرأت أن الطعام والطاقة يزيدان الرغبة الجنسية. ولكن الإنسان لا يستطيع الاستغناء عن الطعام، وحاجات الجسد إليه عديدة، والجوع إذا زاد عن حد معين يمكن أن يقتل الإنسان. ولذا الحديث عن الطعام والرغبة الجنسية في غير محله.
هذه المحامية تظل طوال الحلقات لا تعدم وسيلة: تلاحق هذا وذاك لأجل أن يتزوجها، وتصبح نباتية فقط كخطوة استباقية، لأن من ترتبط معه بعلاقة عبر النت نباتي، فتتهيأ لاحتمال طلبه يدها، فتكون اعتادت على الطعام النباتي من أجل الارتباط بشخص لا تعرف عنه شيئا سوى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي. وليس هناك توازن بي سن وشهادة المحامية وتصرفها، فهذا يناسب مراهقة.
وأخيرا يستسلم لإلحاحها زميل لها خرج توا من أزمة عاطفية ويتزوجها. طبعا لا بد من أزمة ليلة العرس. ولأنها "شديدة البكارة" تستلزم الأزمة إحضار طبيب لتهدئتها من التشنجات وإقناعها بالاسترخاء. ما هذا؟ كل أزمات السرير في مسلسل واحد؟ هل هذا كل ما يشغل الناس الآن؟
ولأن المسلسل شامل لكل الطبقات الاجتماعية، فقد تضمن شخصية عامل بناء وأزمته مع عدم الإنجاب لضعف حيواناته المنوية. وبسبب هذا الأمر، كان يصب غضبه على زوجته الشريفة المحترمة والمعلمة في إحدى المدارس. (هنا قلت الحمد لله رأيت دورا يجسد امرأة من زمني الحقيقي).
ولكن لفشل عمليات التخصيب، بسبب الزوج، تقنع صاحبة المختبر هذه المعلمة بأخذ سائل منوي من شخص آخر ليتم التلقيح والحمل، دون علم أحد بالطبع. وبتشجيع من جارة طيبة القلب في الحارة الشعبية، وبسبب الخوف من الطلاق (وليس الله) ترضخ هذه المعلمة للتلقيح والحمل من رجل آخر دون علم الزوج. ويتم الحمل على خير. ويفتضح الأمر في آخر مقطع من المسلسل في حوار بين الجارة والمعلمة يسمعه الزوج صدفة، فيقتل الأم والطفل ويتهمها بعدم الشرف، وهو الذي ليس اشرف منهما حيث أنه كان يهرّب مواد البناء ويدفع الرشاوى.
ومع أن ورشة البناء لا مجال فيها لإذلال النساء، إلا أن كاتبة المسلسل تفننت في تصوير أحد العمال ولعدة مشاهد يقوم بإقناع الآخر بالزواج، واطلاعه على صور كثير من البنات. إلا أن العامل كان يرفض مرة بعد أخرى ونحن نتفرج على صور بنات يتوسلن، من خلال إرسال صورهن، ليحن عليهن احدهم ويرضى بواحدة زوجة.
وفي المسلسل، نرى المرأة في الطبقة المترفة تتنقل بين بيروت وسورية من اجل حقن البوتوكس وعمليات التجميل. إلى هذا الحد، الأمر عادي. ولكن هذه البنت، التي كانت تقيم علاقة عاطفية مع صديق أخيها وبعلم أخيها نفسه، كانت مصابة بمرض نفسي وهو حرق وتشويه الخادمات. والأب لا هم له إلا تعويض الضحايا المتشوهات في بيته، وتعويض سكرتيرته في العمل بمبالغ مالية بعد تحملها لنوبات غضبه وإهانته لها.
وطبعا لا بد أن تشارك "المحجبة" في المسلسل كونها أيضا من نساء هذا الزمن. ولأن كل علاقة لا بد أن تؤدي إلى السرير، تحول علاقتها بصاحب العمل مكان العمل سريرا في الليل، ومغازلات وفيسبوك في النهار. وهذا ليس مستغربا كونها أقمت علاقة، إلا أننا نكتشف فيما بعد أن لديها سجلا عند الطبيبة النفسية التي تعالجها من مثليتها الجنسية. لا بد من بهار من هذا النوع في المسلسل.
ربما لحسن الحظ أن المسلسل هو "نساء من هذا الزمن" وليس رجاله، لأن المجالات المتاحة للرجل أكثر من المرأة من ناحية الحرية الجنسية، وبالتالي وفق مسار المسلسل كنا سنشاهد عجباً.
تشويه المرأة وازنته أدوار الرجال في المسلسل: المتحرش عبر الإنترنت؛ والأب المجنون؛ ورجل الأعمال تاجر السلاح (عملية غسيل الدماغ أن كل ثري جمع ثروته من مال حرام التي أصبحت مستسخفة حد الملل)؛ والمحامي غير المتوازن عاطفيا؛ وطبيب الأسنان الذي يتصيد النساء في الحدائق؛ والرجل العجوز المتصابي؛ والكاتب الكبير الذي لا يترك شاعرة وكاتبة مبتدئة إلا ويسحبها إلى السرير مقابل ترشيح اسمها في مؤتمر للأدباء والكتاب خارج سورية.
حتى هذا الكاتب لديه زوجة تشتكي عليه في المحكمة لأنه ترك معاشرتها منذ سنوات وانطلق إلى عشيقاته (وكأن الزواج انتهت كل مشاكله في هذا الزمن ولم يبق إلا هذا السبب). ولكونها زوجة رجل مهم، تصمت وتتحمل. ولكنها تنفجر، وتصبح السكائر دوما بين أصابعها لانشغاله بأخريات. وتعود تحت قدميه. يتفضل عليها بليلة واحدة فقط في سريره. ثم يعود إلى الناشئات الصغيرات، وتعود هي لسيكارتها. ولكنها تكون المستفيدة الوحيدة من موته بتوقيع اسمها على كتبه وبيعها بعد وفاته. لا بد في كل تفصيل صغير، وكل امرأة، من جانب جشع أو جنسي، فلا يمكن وجود امرأة بلا مآخذ عليها أخلاقيا وجسديا وغير مهمشة اجتماعيا في "نساء هذا الزمن".
ومن شخصيات الرجال في المسلسل رئيس اتحاد الكتاب الذي تخدعه كاتبه بدلالها عليه وهو متمدد قرب المسبح الخاص في بيته، وهي تتغزل فيه عبر الإنترنت. لا ادري ما وجه الأغراء في جسد رجل خمسيني ينبح بأنه مشتاق، وتضحك هي عبر الأثير. وتمتدح قدرتها على التلاعب بالرجال بعد إطفاء الحاسوب.
هذه الكاتبة أخذت مكافأة لها على نفاقها، وهي زواجها من هذا الكاتب، وبالتالي طبع روايتها واشتهارها. والاهم، حصولها على الجائزة .لم يسلم حتى الأدب وصانعوه من التشويه في هذا المسلسل.
لماذا كل النساء في هذا المسلسل مشوهات بطريقة ما؟ ولماذا الرجال قساة، وهمهم ينحصر ما بين الأثداء والأفخاذ؟
من غير المعقول أنه لا توجد امرأة واحدة غير مشوهة نفسياً بسبب رجل، أو جسدياً بسبب علاقة محرمة. وإن لم يوجد رجل ليقلب حياتها بين ذراعيه المتمرسين بفنون القتال السريري فإنها تنزوي منطوية نادبة حظها حتى يتحنن ويتمنن بالعسل أو بالعشق أو في أحسن الأحوال بالزواج .
ومن غير المعقول أيضا أنه لا يوجد رجل واحد عاقل متوازن. لست من عالم آخر بالتأكيد. كثيرات من النساء تعرضن لمغريات من الرجال ورفضنها بقوة. والرجل أب وأخ، وزوج له زلاته، ولكن له وقت يكون فيه معها رجل خارج السرير، وإلا لما عمرت بيوت وبنيت عائلات.
وكثيرات ليس همهن الشهرة عن طريق رجل. ربما العكس هو الصحيح. كثير من الكاتبات انطلقن في عالم الأدب بعد تحررهن من الرجل.
بالنهاية، لدينا أرامل اكثر من المتزوجات والعاشقات. ولدينا نازحات يعانين صغر الخيمة على أولادهن، ويحملن همّ الشتاء والبرد. ولدينا عالمات رغم شح الدعم المادي للعلم. ولدينا قارئات يستقطعن من وقتهن، على ضيقه، ليطالعن ويتثقفن، وليس على رأس أولوياتهن ملابس النوم المخرمة واحمر الشفاه اللامع وفنون ألعاب القوى السريرية.
ثلاث وثلاثون ساعة من السكائر و الخمر والعلاقات الجنسية: أليست كافية ربما لزرع بذرة في ذهن المشاهد بالتعايش مع هذه الأمور وتقبلها؟ هذا على فرضية أنه يشاهد مسلسلاً واحداً في اليوم . إننا كأشخاص واعين قادرون على التمييز والنقد وتحقيق والتوازن. ويبقى الخوف على جيلنا الناشئ، فمشاغل الحياة تحول دون أن نكون معهم، وأن نتحدث إليهم بنفس الطريقة والألوان و الموسيقى التي يقدمها مسلسل مثل هذا، وأن نقضي معهم نفس الوقت الذي يقضونها على مشاهدته. ولذلك، يبقي من الصعب تحصينهم من تراكم كمي و فكري لمثل هذا العري الأخلاقي .
= = = = =
مسلسل "نساء من هذا الزمن" من إخراج أحمد إبراهيم أحمد، وتأليف بثينة عوض، وبطولة سلمى المصري وجهاد سعد.
- See more at: بكارة بالإبرة والخيط - [oudnad.net]